شكلت التركيبة السكانية المتنوعة لمدينة كلميم، إحدى العوامل الأساسية التي ساهمت في إحداث تمازج ثقافي جعل ساكنة باب الصحراء تتقاسم عادات وأطباق رمضان مع نظيراتها بباقي مناطق المملكة. وقد ساهم في هذا التمازج، ذلك التنوع الثقافي والتعايش بين مختلف القبائل ذات الأصول الأمازيغية والعربية الصحراوية، ونمط العيش السائد في المنطقة التي شكلت على الدوام، صلة وصل بين شمال المملكة وجنوبها، الشيء الذي أدى إلى عدم ترسيخ عادات وتقاليد محددة تميز أجواء رمضان في مدينة كلميم، باستثناء بعض الطقوس التي لازالت تحافظ عليها بعض الأسر الصحراوية. ومن أهم ما يطبع هذه العادات، تلك الزيارات العائلية التي تقيمها هذه الأسر بعد صلاة التراويح، والتي تجسد الدلالات العميقة لشهر رمضان في تعزيز أواصر القرابة والتضامن وصلة الرحم، وكذا الاحترام الكبير الذي تكنه هذه الأسر لهذا الشهر العظيم. ويعقد أفراد هذه الأسر، خاصة بعد صلاة التراويح، جلسات مفعمة بالدفء والأخوة داخل المنازل لمناقشة مواضيع وترديد أشعار وحكايات خلال ساعات طويلة، قد تمتد إلى آخر الليل، وهم يحتسون الشاي التقليدي الصحراوي الذي يتم تحضيره وفقا لطقوس أصيلة ومحددة. ويشكل هذا الشهر المبارك بالنسبة لفئة معينة من النساء، مناسبة للالتقاء حول لعبة شعبية تسمى (السيك) تمارس على لوح خشبي أو فوق كومة من الرمل بارتفاع يبلغ 60 سنتيمترا، تأخذ شكل سنام جمل تسمى (لبرا). وتمارس هذه اللعبة بواسطة ثمانية عيدان يتراوح طولها ما بين 20 و25 سنتيمترا وذات واجهة ملونة وخلفية ملساء أحادية اللون، وكذا أحجارا يتحرك بها كل فريق في اتجاه الفريق الخصم في محاولة لإخراج عناصره من دائرة التنافس. وبخصوص هذه اللعبة، أكد السيد عمر ناجيه باحث في تاريخ وتراث المنطقة في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه اللعبة أثارت انتباه عدد من الباحثين في أنتروبولوجيا المجتمع الصحراوي، الذين خصصوا لها حيزا من دراستهم وخاصة الباحث الاسباني ماريانو أريباس بالاو، الذي تناول في مقال له تحت عنوان “ايل سيك انخيغو ديل صحارى”، مكونات هذه اللعبة وتقنياتها وكذا وظائفها. وأشار السيد ناجيه إلى دور المرأة في إعطاء مسحة دينية للشهر العظيم وحضورها القوي في يوميات رمضان، وخاصة من خلال جلسات المديح (المداحة) التي تنشطها النساء في ليالي رمضان، إلى جانب الأعمال اليومية الاعتيادية التي تقوم بها. ومما يميز شهر رمضان أيضا ذلك الإقبال الكبير الذي تعرفه المساجد من قبل الرجال والنساء والأطفال خلال أوقات الصلاة وصلاة التراويح، وذلك تعظيما لهذا الشهر الفضيل، فضلا عن انتشار وترسيخ قيم التضامن والتكافل الاجتماعي داخل هذه المساجد. وتتجسد مختلف الأنشطة المنظمة خلال هذا الشهر الكريم، والتي تعكس بعضا من أوجه التراث والخصوصيات السوسيو- ثقافية لساكنة المنطقة، في احتضان العديد من التظاهرات الدينية والتضامنية والرياضية التي تحافظ عليها الساكنة، وتنقلها من جيل إلى آخر. وإذا كان البعض يفضل المكوث أمام التلفاز ومتابعة البرامج التي أعدت بمناسبة هذا الشهر الكريم، فإن البعض الآخر يرى في المقاهي والشوارع والساحات العمومية ملاذا للترويح عن النفس، وهو ما نشهده في شارع محمد السادس بالمدينة الذي يعد المتنفس للساكنة بعد صلاة التراويح، خاصة في هذه الفترة التي يزامن فيه شهر الغفران مع موسم الصيف، الذي يعرف ارتفاعا في درجة الحرارة، وإقبالا مكثفا لجالية المنطقة المقيمة بالخارج. وتظهر خلال هذا الشهر العظيم العديد من الأنشطة التجارية المتنوعة التي يعرض فيها أصحابها في الأسواق وأمام واجهات المحلات، عددا من المنتجات الرئيسية التي تؤثث مائدة الإفطار، والتي لا تختلف من منطقة إلى أخرى، ومن بينها التمور والفواكه، خاصة فاكهة الصبار “أكناري” التي تزخر بها المنطقة، إضافة إلى العصائر والحلويات والأسماك على اختلاف أنواعها. ويرى البعض أنه وبالرغم من القيمة المادية والرمزية لهذه العادات الرمضانية في المنطقة خصوصا وباقي المناطق عموما، فإن الأنماط والعادات الغذائية والسلوكات الاجتماعية المرتبطة بالعصرنة والتمدن، أصبحت تهدد القيم الأصيلة، سواء منها الغذائية أو الثقافية أو الاجتماعية.