بعد ان اصدرت امريكا تقريرها السنوي يوضح خريطة وضع حقوق الانسان في العالم ، فتش كثير من عباقرة الاستبداد عبر المعمور الذي وراءه اجهزة مدينة الى هذا الاستبدادنفسه . فما وجدوا الا ترويج اشرطة فيديو تبين تجاوزات وعنف خطير ضد موقوفين في مخافر الشرطة او سجون امريكا او اثناء القاء القبض عليهم، هدفه الطعن في "صدقية" الولاياتالمتحدة بل الطعن في الديمقراطية ذاتها وفشلها في حماية الامن الجسدي والنفسي للمواطن ، وهذه الشرائط طبعا تستهدف العقول الجاهلة للشعوب عبر العالم، بما في ذلك غير قليل من النخب . اولا :يجب التذكير ان الديمقراطية تعني اخضاع كل الافراد/ الموظفون ومؤسسات الدولة للقانون وهذا مايطلق عليه دولة القانون . ثانيا: ان الديمقراطية/ المواطنة هي الية وجدت لتمنع ،وتهدد بالقانون الذين يميلون الى التعسف وتجاوز السلطة، وايضا لتتدخل بقوة بواسطة تطبيق القانون ضد من يتجاوز السلطة ،وسقط في المحظور من موظفي الدولة الديمقراطية . بربط القاعدتين اعلاه فانه لامعنى لتواجد الية الديمقراطية في غياب احتمال او وقوع التعسف من طرف افراد ومؤسسات /مرافق الدولة . ان الديمقراطية اضافة الى ما تعنيه من فصل للسلط، والتداول السلمي على السلطة، فان ما تعنيه وهو جوهر العملية الديمقراطية، هو اخظاع اجهزة الدولة والحكومة بكاملها والقائمون عليها للقانون، ويعني معاقبة ومحاسبة كل فرد/ موظف او سلطة/ ادارة /مرفق... اقترف تجاوزا وشططا في استعمال السلطة، في حق مواطن او فرد يوجد على ارض تلك الدولة الديمقراطية، وقد اطلق عليه الاجتهاد القضائي، والفقه القانوني مسؤولية الدولة عن اخطائها، وتنقسم تلك الاخطاء الى قسمين بسيطة ،او جسيمة، فهذه الاخيرة تكون عمدية ،وهو ما يسمى بالخطا الجسيم في القانون والاجتهاد القضائي والفقه القانوني، حيث تثار المسؤولية الجنائية بادانة ذلك الموظف جنائيا بواسطة القضاء ،وترتيب التعويض الاداري لصالح الضحية، و مسؤولية ادارية /تاديبية يضفي ويسبب الطرد او الايقاف مؤقا اونقل وغيره من العقوبات التاديبية ..ضد ذلك الموظف مهما كانت رتبته في سلم الادارة ،وهرم السلطة، هذا العقاب التاديبي يصدر من طرف رؤساء هذا الموظف وفق شروط ديمقراطية وقانونية ايضا ومحددة بدقة .. هذه القواعد القانونية موجودة في جل القوانين في دول غير الديمقراطية ،لكنها لاتطبق، لان الحلقة المفقودة في هذا المركب الديمقراطي هو غياب مبدا فصل السلط، لان الطبيب العمومي او مدير سجن او موظف في ملعب كرة او رجل امن... حتى ان اقترفوا خطا جسيما/عمدا فان الافلات من العقاب هي الحقيقة المرة ،اذ انه اثناء لجوء الضحية الى القضاء ولان القاضي غير مستقل عن الجهاز التنفيذي الحكومة/الادارة /الامن.. ولاتباطه العضوي بهم لانعدام الضمانات الدستورية والقانونية للاستقلال القاضي وايضا غياب سبل اثارة مسؤولية القاضي نفسه ، فان قراراته واحكامه تكون مؤيدةفي اتجاه افلات موظفي الدولة من العقاب وتبرئتهم من تهم اقترفوها حقا وبالحجة ،و هذا يعني فعليا ضياع فكرة دولة الحق والقانون، ويكون المواطن وجها لوجه امام يقين اعمال الدولة الممنهجة في اقتراف جرائم ضد المواطنين، و خرق ممنهج لقواعد حقوق الانسان . بالرجوع الى الفكرة التي اوردناها في الاسطر الاولى فان تلك الاشرطة المروجة بوصفها تجاوزات من داخل الولاياتالمتحدة ضد المواطنين الامريكان التي يروجها كثير من نشطاء مواقع الاتصال الاجتماعي، تعتبر مضللة سياسيا عن وعي اوفي غيابه، يجب ان نعرف ان كل تلك التجاوزات التي اقترفها رجال الامن سيتم اوتم معاقبة من تورط من رجال الامن جنائيا من لدن القضاء الامريكي، والزم الدولة على تعويض الضحية بترتيب المسؤولية الادارية / المرفقية لمرفق الامن تجاه المواطنون، وايضاتدخل رؤساء الموظف التسلسليون بتوقيع عقوبة ادارية تاديبية قاسية ضد الموظف/ رجال امن، وهذا ما يعني اننا امام دولة الحق والقانون وامام اعمال عرضية غير ممنهجة في دولة الغرب الاطلسي هذه. في هذا السياق، ان الفرق بين دولة الحق والقانون ،والدولة الاستبدادية هو: ان الاولى لاتخجل من تجاوزات موظفيها وتقر بان الديمقراطية وجدت لاجل معاقبة هؤلاء ورفع الضلم عن الضحايا بانزال عقوبات قاسية ضد موظفون وفق القانون الذي اطلع عليه هؤلاء قبل ولوج وظائفهم، وتحوز على احترام المواطنون لها ولا يسعون ان يثوروا ضدها، اما الثانية تروج ان موظفيها ملائكة وترقيهم وتعمل على مكافاتهم لاقترافهم لجرائم متنوعة في حق المواطنون، وتفقد الاحترام والثقة وهي في مواجهة دائمة وعنيفة امام مواطنيها. في الختام، ان هذا المقال يتعرض لمسالة الديمقراطية داخل الدول الديمقراطية، اما ما يتعلق بمسالة علاقات الدول فيما بينها فهي علاقة قوة، توظف فيها احيانا مسالة حقوق الانسان لاجل ابتزاز الدول الاستبدادية للرضوخ اكثر، ليعطي نتيجة عكسية هو مزيد من امتهان كرامة الشعوب.