تتخذ المساحة الفاصلة والواصلة بين الكيانات اللغوية، الثقافية والهوياتية؛ كالأمازيغية والعروبة ، تجاه المشترك الإنساني من قيم التسامح والتعايش والحق والكرامة واحترام الآخر، ساحة للتفاعل ، بالتجاذب والتنافر وبالتقابل والتضاد .. فإذا كان الرأي العام بمسبقاته الإيديولوجية وبالإسقاطات الذاتوية، تشكل عوائق معرفية في الحقل الايبستيمولوجي، فإن تلك العوائق تزداد تصلباً عندما يتلبس الخطاب لبوس السياسوي، المُمعن في شحذ كل الأدوات الحربية، ورص المتاريس، كجدران عنصرية، تمييزية واستبعادية، متبادلة بين الكيانات الإثنية واللغوية؛ الأمازيغية/ العروبة؛ تنغلق تلك الكيانات على ذاتها، فتتصنع شرنقات عازلة وهي تبحث، توهماً وتوهيماً عن جواهرها. تميل المجتمعات المحلية إلى إنتاج العصبيات والزعامات المحلية الضيقة الأفق الأمازيغية / العروبة، ترتدَُُُ إلى بناها التقليدية. يزداد إحكام الانسداد، ضمن حصون قلاعها، فتصير كحبات رمل متجاورة ، لا يخترقها تيار التواصل الواسع والتلاقح الفكري والروحي وخلط الأعراق والأفكار والمشاعر والمصالح. فكيف يمكن الانفكاك من دوائر الانسداد لمعانقة قيم التسامح والحق ؟ وكيف يمكن لخطاب الأمازيغية/ العروبة ، في المغرب، أن يقوم بالفعل، على الحداثة كخيار فكري وسياسي، يسند مشروع تحديث الدولة والمجتمع، بالتعايش والتسامح ضمن المجموع الوطني والجهوي –العربي، أو حتى الكوني؟ أضحت الأمازيغية، الآن، في المغرب، خطاباً ثقافياً- لغوياً، هوياتياً وسياسياً. تسكن الأمازيغية، لسان مجتمعات، من شمال إفريقيا. تتجاورُ الأمازيغية مع العروبة من حيث أنهما يمثلان ألسنَ(اللسان) وثقافات معيشة، أو من حيث أنهما يشكلان خطابات سياسية. يتموقع الخطابان: الأمازيغي والعروبي، ككيانين مستقلين متفاعلين؛ فأما الخطاب الأمازيغي، فإنه ينتج كما العربي قيمهُ، كما الخطاب العربي، بالنظر إلى العوامل المختلفة وحتى المتناقضة والمركبة، التي تشكله، في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسيكولوجية والتاريخية. كل تلك العوامل قد تؤدي به إلى وضع وموقع معين في فترة زمنية محددة، أو تطور ذلك الوضع في التاريخ، ضمن التفاعل مع المجموع اللغوي والثقافي الوطني أو الجهوي أو حتى الكوني؛ ومن ثم، قد يكون لزاما، إبداء بعض التوضيحات المنهجية: • الفصل بين أشكال الثقافة الأمازيغية المعيشة وما بين الخطاب الذي تحمله الحركة الثقافية-السياسية الأمازيغية؛ • كما أنه من المهم التمييز، من جهة بين النهج التزامني (السانكروني)، الذي يولي أهمية كبرى للشروط الثقافية والفكرية الخاصة بفترة زمنية محددة. وبالتالي يتيح معالجة متعيّنة لمفهوم التسامح أوالتعايش الذي يراد تحديده. وما بين النهج التعاقبي (الدياكروني)، القادر على تتبع بناء المفهوم، وتواصل دلالته وتغيرها عبر فترات مختلفة؛ • نتحفظ على إعتبار أن الأمازيغية تشير إلى مفهوم الشعوب الأصلية و لا إلى مفهوم الأقلية، كما يرد في معجم شرعة حقوق الانسان الدولية (الأممالمتحدة)، اعتباراً للتداخل الكثيف والتأثير المتبادل على المستوى اللغوي والثقافي بين الأمازيغية والعربية. • يصف تقرير، غير محقق، التوزيع السكاني في المغرب كما يلي:البربر 36% ، الطوارق (بربر من البدو الرّحّل. أقل من 1% ، اليهود 0.2 % ، الأوروبيون (الاغلبية مسيحيون) 1% ، الأفارقة (الزنج) أقل من1%، أولا: في التسامح / اللاتسامح التسامح(La tolérance) مصطلح، يطرح عديداً من المسائل الإشكالية تتعلق بدلالاته الاجتماعية والسياسية والقيمية؛ التسامح، في المعجم العربي، يعنى السماحة ،الجود والكرم ومعناه أن تتغاضى عن خطأ غيرك، أو تتساهل في حق، أو تصبر على إساءة ما. إن عبارة التسامح لا ترد في القرآن الكريم. لكنها تتوافر ضمن حقل دلالي تحدده عبارات أخرى مثل «العفو» و»الإكراه» و»التذكير» وما اتصل بمجال الإيمان والكفر... نجد أساس التسامح متعلقاً بالأفراد وبالجماعات متمركزاً في قضية «الحق الإلهي »،الذي هو الحقيقة المطلقة الوحيدة ضمن البنية القرآنية: «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر». أما في جانب العلاقات بين المجموعات البشرية، فالآيات التي تؤكد على مساواة الناس أياً كانت معتقداتهم لافتة للنظر. فهناك إقرار بمبدأ التعددية: «وإن من أمة إلا خلا فيها نذير» أو قوله: «ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين». في هذا السياق يمكن، مثلا، ً أن نجد منطوق آيات قرآنية تؤكد على التسامح "إدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن." (النحل 123). وأخرى، تحث و تدعو إلى اللاتسامح مع الآخر، (الكافر أو عدو الله وعدو الإسلام والمسلمين..) "أيها النبي حرّض المؤمنين على القتال" (الانفال65) "واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" (الانفال60). بينما المفهوم نفسه (Tolérance)، في لغات أخرى كالفرنسية فإنه يحمل دلالة أوسع. فمعجم روبير الفرنسي يجاوز فيه التسامح المجال الفردي والتطوعي ليصبح دالاً على طاقة المجتمع وقدرته على استيعاب الاختلاف والمعارضة واحترامهما. والتفهّم والتساهل والإحجام عن المنع. وهو إذ يشير، راهناً، في الخطاب الحقوقي، إلى احترام حرية الآخر في معتقداته الدينية أو أفكاره الفلسفية أو آرائه السياسية ويمكن مرادفته أو استبداله بالتعايش (convivence) أو الاحترام للآخر respect))؛ أما اللاتسامح Intolérance فلم يعد نصه يشير إلى تضاده اللغوي فحسب، بل أضحى يشير إلى عديد من أشكال التمييز: العنصري، الديني، الفلسفي، السياسي والقومي... وكذا تجاه فئات خاصة كالنساء والأقليات.. إن التسامح، هو فعل، يفترض عدم الوجوب وعدم المنع أو التحريم في سياقه الاجتماعي. التسامح يعني إمكانية التحمل، في نطاق حدود. وما بعد تلك الحدود الفاصلة يصبح الأمر لا تسامحاً. التسامح، ظل مصطلحاً مثقل الحمولة بسمات الأبوية والسمو والرأفة والإحسان. وبالتالي فهو يشير إلى تفاوت بين قوى، أفرادً أو جماعات، بين الأعلى والأدنى، السلطة والرعية، المقدس والمدنس، المتحضر والمتوحش. ومن ثم فإن هذه الدلالات تشير إلى التفاوت في العلاقة بين هويات ثقافية سياسية أو اجتماعية؛ تماماً كما يوجد التفاوت بين الأمازيغية في علاقتها مع العربية أوالفرنسية والإسبانية. في هذا السياق يقر إدغار موران (الفكر والمستقبل، مدخل إلى الفكر المركب،دار توبقال للنشر، البيضاء، المغرب،2004) في سياق قراءته للحقل الفلسفي والابستيمولوجي والعلمي والمنهجي المعاصر ، بهيمنة منظومة التبسيط انطولوجيا ومنطقياً وإبستيمولوجياً وأنتروبو اجتماعياً وسياسياً.انطولوجيا تأسست هذه المنظومة على كيانات مغلقة مثل الماهية والهوية والسببية الخطية. وإبستيمولوجياً وأنتروبو- اجتماعياً وسياسياً، فالأمر يتعلق بالذات (لأنه مؤسس على الإعجاب الذاتي بالذات، سواء كانت فرداً، أو هوية ثقافية ، أو لغوية، أو دينية أو عرقية..) برز مصطلح التسامح Tolérance))، في الغرب، أول مرة، في منتصف القرن السادس عشر، بضعة عقود قبيل ظهور كلمة اللاتسامح التي ظلت تشير وتحدد مصدر المآسي التي خلفتها الحروب الدينية. ومن ثم فقد ظل مصطلح التسامح ينبني على دلالات الإيمان والإحسان الفردي، الذي يتوغى الجزاء عند الله. كما وردت في كل الديانات التوحيدية (اليهودية والمسيحية والإسلام). وأما في المغرب الحديث، و في ثلاثينات القرن الماضي، فقد أصدر روبير مونتاي: كتابه "البربر والمخزن"(R.Montagne 1930, Les Berbères et le Makhzen dans le sud du Maroc. Essai sur la transformation politique des berbères sédentaires (groupe Chlouh), Alcan, Paris.) فالكتاب يندرج ضمن السوسيولوجيا الكولونيالية. فالكتابات السوسيولوجية والاستشراقية عموماً، كانت بمثابة سلطة المعرفة"العلمية" التي تنوب عن كل ما قبلها وما عاداها، في إنتاج الصور عن المكونات الاجتماعية والثقافية(المغربية) ليتمثلها الحقل العمومي، في مجال التداول بين الكتاب والقراء والحس العام، وبالتأكيد ستظل تلك الصور، لدى السلطة العسكرية والمدنية الإستعمارية، الحاجة الاجرائية من أجل المعرفة والهيمنة والضبط. لقد تمكنت الرأسمالية في لحظتها الامبريالية بجاهزيتها العسكرية وسلعها المصنعة ومعارفها من العلوم الإنسانية، من تكسيرالأنماط الاقتصادية والاجتماعية فتدهورت، بالتالي مهن وحرف وضعفت إمكانيات التنافس مع ورود السلع المصنعة، نجم عنه تفقير شامل، مع نهاية التجارة الصحراوية، وانقطاع سابق للتجارة عبر الأبيض المتوسط، قطع الجذور، تفكك اجتماعي، تخلف ثقافي.. ازدادت الصورة، في التقارير الاثنوغرافية والتنظيرات الأنتروبولوجية، والسوسيولوجية تركيزاً على التنافر والتناقض واللاتسامح بين مكونات المغرب البشرية والثقافية؛ العرب والبربر واليهود. المعرفة السوسيولوجية ، عندما تتمثل الانسان في المغرب، كانت "تحصره في ماهيات، كالشبقية والنزوع الاستبدادي والعدواني والذهنية المنحرفة وعادات انعدام الدقة والتأخر، تصبح الصور من البداهة بحيث تقوم عفوياً في تمثل، كأنما هي ماهيات وصفية محايدة وطبيعية تقترن جوهرياً بكلمة شرق وشرقي" (بنسالم حميش، الإستشراق في أفق انسداده، منشورات المجلس القومي للثقافة العربية، الرباط ، المغرب 1991 ص: 109) فهل كان ذاك الغرب الكولونيالي، يعيد تسمية طوائفنا، سوسيولوجياً، ليؤبد علاقة التضاد أو العنف الأزلي بين العرب/ والبربر/ اليهود/المخزن؟ أليس الغرب، بسلطته المعرفية والعلمية، هو من حدًد استراتيجيات لتسمية كل القيم الحداثية، لوحده، دون سواه، بما في ذلك قيمة "التعايش" و"التسامح"؛ حتى يمكنه، نشرها، نموذجاً لكل الكون؟ هل كان بذلك يقتل قوام حداثته الأصلية وإمكانية تحقيق حداثة غيره؟ أليس الغرب هو من أنتج المحارق الكونية وأشكال الهولوكوست، فأبدع في إنتاج ما أسماه القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، لتقنين وتخليق أقصى درجات اللاتسامح والعنف (الكاوس)؟ أسئلة أخرى قد تتناسل، لكن الحداثة تعيد سؤال ذاتها، لنقد مفهوم التسامح وهو ما سأشير إليه في المحور الثاني؛ ثانياً. الحداثة ونقد التسامح: غير أن فلسفة الأنوار التي هي قوام الحداثة، ستعارض الإحسان الفردي، لتستبدله بالعدالة الاجتماعية. وبذلك كانت تنتقد وبشكل مزدوج ذاتها ، وكذا تلك الأسس المنطقية والأنطولوجية والسياسية التي إنبنت عليها قيمة التسامح، كفعل إحساني فردي. في هذا السياق ستتم إعادة بناء المصطلح مفهومياً بانتزاع موضوعه من مجال التفسير الديني، إلى مجاله الأصلي الذي يقوم على الإنسان كوحدة، مركزية ضمن كل الطبيعة أو الوجود. هكذ ا استبدلت الحداثة الغربية تفسير الوجود بالمغيوب؛ (الله) في السماء، بغيرها من أدوات الفهم والتحليل والتركيب، للمجهول في الإنسان والطبيعة. فالحداثة تقوم على مقومات منها: العقلانية، التاريخانية، الحرية، العلمانية. لن تكتفي الحداثة بجاهزيتها منذ عصر الأنوار بقدر ما ستسير عميقاً في نقد مفاهيما المتكونة والجاهزة؛ يكتشف ماركس قارة التاريخ، على غرار اكتشاف كريستوف كولومبوس لقارة أميريكا. فيستطيع ماركس بذلك تبيان جدلية إنتاج القيم، بما فيها قيمة التسامح. وبشكل مواز، يستطيع نيتشه اكتشاف قارة الوهم بما تحمله من أسماء : عالم المثل، العالم الأخروي ،الله، الملائكة والشيطان..التي أبدعها الكهنة والفلاسفة، فوضعوا لها مكانة الأصل وعلة العلل، ليعتقد ويؤمن بها الجميع، بل لتحدد كل مصيرهم. في نفس السياق النقدي، اكتشف فرويد القارة الثالثة: اللاشعور. فقدم نظرية حول: اللاتسامح وأصول التعصب الديني، في كتابه "موسى والتوحيد" ، بالربط بين فكرة التعصب وعقيدة التوحيد. وفي الآونة الأخيرة، أثار كل من بيرنارد لويس ومارك كوهين جدالاً يزعم أن الفهم الحديث للتسامح والذي يشمل مفاهيم الهوية القومية والتساوي في حقوق المواطنة بالنسبة للأفراد الذين ينتمون إلى ديانات مختلفة لم يكن، سابقاً، ذا قيمة من وجهة نظر المسلمين أو المسيحيين واليهود، في تلك الفترة التي سبقت العصر الحديث وذلك نظراً لحضور ظاهرة التمركز حول الذات الثقافية-الدينية، وكذا للمعاني التي تنطوي عليها عقائد التوحيد، مثل؛ الإيمان المطلق بالحقيقة الواحدة، إن في تصورها للوجود أو التاريخ و الفرد المجتمع. ثالثاً: التسامح: العروبة / الأمازيغية يعتبر برهان غليون أن العداء للغرب، أو الامبريالية بما تعنيه من سياسات الهيمنة الدولية، عبر التكتل السياسي الغربي الليبرالي (الاستعمار)، العدالة الاجتماعية، الثورة على الماضي والتقاليد، وتصفية مرتكزات الطبقة الأرستقراطية ، التوجهات التقدمية واليسارية والتحرر الديني ؛ كانت هي القيم القومية الثورية لحقبة ما بعد الاستعمار(برهان غليون، الأحداث المغربية ، عدد 8345) لقد برزت قيم العروبة كحركة سياسية عامة، بصيغة قومية عربية، تقوم على أنقاض الامبرطورية العثمانية وتحرر كل المنطقة التي تمتد من المحيط إلى الخليج، وفي لحظات تمتد من نهاية القرن التاسع عشر حتى بدايات منتصف القرن العشرين. لقد كان التعبير السياسي لحركات التحرر الوطني، مثلا، في المغرب(عبد الكريم الخطابي، علال الفاسي، بنبركة..) والجزائر(بنبلة، بومدين)، واضحاً، في تجميد الخلاف أو التوتر بين الأمازيغية والعروبة، بل كان ذلك الخطاب السياسي يسند شرعيته، في مواجهته للعدو الامبريالي، بالإرتكاز على المقومات الإيجابية والإصلاحية، الدينية والثقافية، المتعددة ، من أجل بناء الإجماع ضمن المجموع الوطني والقومي العربي. أما في الربع الأخير من القرن العشرين، فقد تم استبدال أولويات مقاومة العدو الخارجي، بأخرى تهم بناء الدولة المستقلة، لكن تبقى كل المؤشرات تدل على ارتداد نحو الماضي، إذ يمكن الإشارة، ببالغ التركيز إلى الملامح التالية: • العصبية المخزنية استعادت وسيلة إنتاج العدوان على نطاق واسع باسم الشرعية الدينية واللغوية والتاريخية؛ • الانتهاك العدواني لحقوق الإنسان في التعبير السياسي والثقافي أضحى الوسيلة التي تحقق التراتب في المجتمع، اقتصادياً واجتماعياً، ثقافياً وسياسياً عن طريق الخضوع المتواتر من قبل الأدني للأعلى؛ • العصبية المخزنية تسعى إلى احتكار المجال، وتحتوي المكونات الثقافي واللغوية (الحركة الشعبية مع أحرضان)؛ • بروزالحركة الأمازيغية، كحركة هوياتية، ثقافية ولغوية، بالانفصال عن الحركة السياسية الوطنية واليسارية(باعتبار امتدادتها القومية العربية) • الحركة الأمازيغية، ترتبط بحقوق الانسان، خاصة، من حيث هي حقوق الأقليات أو الشعوب الأصلية (ميثاق أغادير، الكنغرس الأمازيغي)؛ • المعهد الملكي الأمازيغي، يستعوب النقاش والخلاف بين مكونات الحركة الأمازيغية؛ • فصائل من الحركة الأمازيغية، تفك الارتباط نهائياً مع اليسار المغربي؛ • فصائل من الحركة الأمازيغية، تتحول إلى اليمين الأصولي؛ • فصائل من الحركة الأمازيغية، تستقوي بالعدو التاريخي للحركة القومية واليسارية والإسلامية العربية(زيارة إسرائيل)؛ فمما لا شك فيه، أن ألوان المشهد يبدو قاتماَ وارتدادياَ بالرغم من أن المغرب المعاصر قد انخرط في سياق منظومة القيم الحداثية الغربية بما فيها قيم حقوق الإنسان، طواعية أو قسراً، مع اتساع الزحف الكولونيالي عليه وعلى غيره من جهات الأرض. غير أن انخراطه ذلك، ظل من موقع المنفعل السلبي والضعيف، إن لم نقل كان من موقع التابع المأزوم. فمنذ قرابة قرن من الزمن، صار اللحاق بالغرب؛ قيماً وثقافة وسلوكاً، هاجس المغرب المتعدد أفراداً وعشائراً ومجتمعاً ودولة ومثقفين.. جدلية الأنا والآخر، عبر تعبيراتها السلفية، الليبرالية، الاشتراكية، القومية، الماركسية وحتى الأصولية الدينية أو اللغوية الأمازيغية... ظلت تسكن متوترة وقلقة جل المثقفين والسياسيين، بمن فيهم طلائع الحركة الثقافية أو السياسية الأمازيغية؛ غير أن الحصيلة تبدو أخيراً يأساً وتكراراً وإحباطاً ! و مع ذلك، لا يسعُنا تجاه، هذا الراهن اليائس، من الانخراط في قيم الحداثة وحقوق الإنسان، إلا أن نستعير نداء إيمانويل كانط إلى الأمة الألمانية التي كانت تعيش، وضعية شبيهة بوضعيتنا ، نحن. كانت دينامية ألمانيا متخلفة، وتوجد على هامش الثورة الفرنسية والصناعة الانجليزية؛ ينادي كانط أمته، بأن لا تنتظروا ، لأنكم لم تصلوا بعد إلى العيش في عصر التنوير، بل إنكم تعيشون في عصر يسير نحو التنوير. تماماً كما يحدث هنا والآن؛ أحداث تجري بالقرب منا؛ إنها حدث "ثورة حقوق الإنسان"، حيث تسكن قيم الكرامة، والتسامح والتعيش ومناهضة كل أشكال الميز.. في هذا العصر الذي يسير نحو التنوير يمكن للخطاب الأمازيغي ، ذاته، أن يتحقق من قدرته على صنع تنويره وحداثتة. حداثته، كخيار فكري وسياسي يسند مشروع تحديث الدولة والمجتمع ضمن المجموع الثقافي الوطني والجهوي-العربي، أو حتى الذي يتسع لكل الأفق الكوني. بنية سياسية تؤمن مبدئياً نبذ شن حرب ظالمة على الشعب بنبذ كل تمييز عنصري ، إثني ، لغوي، ديني و ضد المرأة أو المهاجرين.. فبالرغم من أن الإعلان العالمي لحقوق الانسان في 1948لا يتحدث عن الأقليات أو الأشخاص اللذين ينتمون إلى الأقليات، باعتبار أنه يعتبر مبدأ سياسيا، إلا أن حق تقرير المصير يبرز جليا في ميثاقي 1966، بفضل قرار الجمعية العامة للأم المتحدة رقم:1514، (المادة 27 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية) وإعلان حماية الأقليات الصادر عن الجمعية العامة في 18 ديسمبر 1992، وميثاق الأممالمتحدة ، واتفاقية منع جريمة إبادة الأجناس، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والإعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد.. رابعاً: على سبيل الدعوة: وفي الختام يمكننا نؤكد مع هابرماز، أنه: "لايمكن للإنسان أن يكون متسامحاً إلا عنما يمتلك تعليلات مقنعة لرفض قناعات مختلفة عن قناعاته". ويضيف أن: "التسامح يمكنه، أن يمثل نموذجاً لبنية فكرية ، ضرورية ومتعددة الثقافات". وهنا، فقط، يمكن لخطاب الأمازيغية أن يقوم بالفعل، على الحداثة كخيار فكري وسياسي يسند مشروع تحديث الدولة والمجتمع، بالتعايش والتسامح ضمن المجموع الثقافي الوطني و الجهوي- العربي أو حتى الكوني...