قضية الصحراء المغربية.. إشادة برازيلية بجهود المملكة    عيد الأضحى يعيد القفة إلى السجون    الأمن يوقف مروجي مخدرات بمراكش    المملكة المغربية تدين بشدة الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى    السعودية تطلق حملة دولية للتوعية بخطورة حملات الحج الوهمية    فيما الجهود الدبلوماسية لوقف إطلاق النار تراوح مكانها .. استمرار القصف على قطاع غزة للشهر التاسع    المغرب وزامبيا .. موعد المباراة والقناة الناقلة    مدرب زامبيا: المنتخب المغربي عالمي وعلينا بذل أقصى ما نستطيع للفوز    إبراهيم دياز يراهن على مواجهة زامبيا لتبديد مخاوفه    الآن وقد فاتت الوصلة الإشهارية الحكومية، ها هي الحصيلة التي لم يقلها رئيس الحكومة: شهور من الانقطاع عن الدراسة. والإضرابات، فشل ذريع في النمو وأرقام رهيبة في البطالة..!    لارام تعيد تشغيل الخط الجوي المباشر بين الدار البيضاء وساو باولو    بنموسى يزور الحاجب لتفقد تكوينات "TaRL"    نورا فتحي تمزج بين الثقافتين الهندية والمغربية في عمل فني جديد    وفاة أول مصاب بشري بفيروس "اتش 5 ان 2"    دراسة: السكتة القلبية المفاجئة قد تكون مرتبطة بمشروبات الطاقة    أبحروا من الريف.. وصول 14 مهاجرا سريا إلى جزيرة البوران الخاضعة للسيادة الإسبانية    افتتاح فعاليات الدورة المائوية لمهرجان حب الملوك    جلسة عمومية بمجلس النواب الاثنين    "انهيار إسرائيل قادم إذا لم تُوقَف الوحشية" – هآرتس    الإشاعة تخرج المنتج التطواني "ريدوان" عن صمته    تصفيات مونديال 6202 : خسارة الجزائر بميدانه و فوز مصر والسودان    أفلام مغربية داخل وخارج المسابقة بمهرجان «فيدادوك» بأكادير    ترامب يتعهد إلغاء قيود بايدن لضبط الهجرة عبر الحدود مع المكسيك    إحداث 24.896 مقاولة بالمغرب عند متم مارس 2024    بحضور نجوم عالمية الناظور تستعد لاحتضان تظاهرة دولية في رياضة الملاكمة    40 قتيلاً في قصف عنيف قرب الخرطوم    تكريم مستحق لأحمد سيجلماسي في مهرجان الرشيدية السينمائي    الدورة الثالثة من تظاهرة "نتلاقاو في وزان" للتعريف بالتراث الأصيل للمدينة    فيتامين لا    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    بداية تداولات بورصة البيضاء بارتفاع    الدكتورة العباسي حنان اخصائية المعدة والجهاز الهضمي تفتتح بالجديدة عيادة قرب مدارة طريق مراكش    الغلوسي: المراكز المستفيدة من زواج السلطة بالمال تعرقل سن قانون الإثراء غير المشروع    "جون أفريك": المبادرة الأطلسية حجر الزاوية الجديد في الدبلوماسية المغربية    المغرب يدعو لدعم الاقتصاد الفلسطيني حتى يتجاوز تداعيات الحرب    تنسيق أمني بين المغرب وإسبانيا يطيح بموال ل"داعش"    مُذكِّرات        5 زلازل تضرب دولة عربية في أقل من 24 ساعة    الفيفا تقرر نقل مباراة المغرب ضد الكونغو إلى الملعب الكبير بأكادير    الحكومة تنفي إبعاد الداخلية عن الاستثمار والجازولي: لا يمكن الاستغناء عن الولاة    الكوسموبوليتانية وقابلية الثقافة العالمية    بعد تهديدات بايدن للمحكمة الجنائية.. كلوني يتصل بالبيت الأبيض خوفا على زوجته    كيوسك الجمعة | المغاربة يرمون 4 ملايين طن من الطعام في المزبلة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    السنتيسي يقاضي مجموعة من المنابر الإعلامية    الحرب في غزة تكمل شهرها الثامن وغوتيريس يحذر من اتساع رقعة النزاع    عبر انجاز 45 كلم من القنوات .. مشروع هيكلي ضخم بإقليم سيدي بنور للحد من أزمة الماء الشروب    نادي الفنانين يكرم مبدعين في الرباط    توزيع الشهادات على خريجي '' تكوين المعلّم '' لمهنيي الميكانيك من مركز التكوين التأهيلي بالجديدة    المهرجان الرباط-كوميدية بنسخته الخامسة    اختتام معرض "حلي القصر" بدولة قطر    السعودية تعلن الجمعة غرة شهر دي الحجة والأحد أول أيام عيد الأضحى    الأمثال العامية بتطوان... (618)    إصدار جديد بعنوان: "أبحاث ودراسات في الرسم والتجويد والقراءات"    "غياب الشعور العقدي وآثاره على سلامة الإرادة الإنسانية"    أونسا يكشف أسباب نفوق أغنام نواحي برشيد    الصحة العالمية: تسجيل أول وفاة بفيروس إنفلونزا الطيور من نوع A(H5N2) في المكسيك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ميثاق الأمن القومي الأمريكي؛ أو عندما يتوقف الزمن السياسي عند النخب السياسية الأمريكية

في إطار التتبع للسياسة الخارجية الأمريكية، يمكن رصد ثلاثة أخطاء إستراتيجية أدت، بما لا يدع مجالا للشك، إلى احتدام الصراع الدولي الحالي وجعل أمريكا تحصد خيبات متتالية في ملفات دولية كثيرة افتعلتها من خلال ما اعتمدته من سياسات خارجية هيمنية استنزفتها داخليا و خارجيا وأدت إلى تراجع وضعها الإعتباري على الساحة الدولية، في مقابل تعاظم قدرة وقوة من اعتبرتهم أعداء لها، وهو ما يثبت فشل الإستراتيجية الأمريكية في تحقيق الأهداف التي توختها من هذه السياسة الهيمنية رغم كونها أدت الى تدمير دول وفاقمت من م0سي الكثير من الشعوب..
إن هذه الإستراتيجية الأمريكية المزهوة بنشوة الإنتصار على المعسكر الإشتراكي، رغم أنها حققت بعض الأهداف المرحلية المرضية للوبيات المال والأعمال، إلا أنها لم تحظى باحترام المتظم الدولي والقبول بها كزعيمة على العالم، بل عكس ذلك ارتفع منسوب فقدان الثقة بها، وحفزت الكثير من الدول لإعتماد إستراتيجيات إنمائية وعسكرية تحسبا لأي تهور أمريكي عدائي قد يهدد وجودها.
إن عدم إقرار أمريكا بفشل إستراتيجياتها جعلها تعيد تكرار أخطائها بدل تصحيح مسار علاقاتها الدولية بما يحفظ مكانتها الدولية ويرفع منسوب الثقة بها كدولة تساهم في توطيد السلم والأمن الدوليين عبر اعتماد منهجية تشاركية، تراعي المصالح المشتركة للشعوب بديلا للمنهجية الهيمنية التي تؤجج الصراعات الدولية.
إن ميثاق الأمن القومي الجديد يإغفاله للتحولات التي طرأت على مستوى موازين القوى العالمية، وتجاهل الواقع الداخلي الأمريكي، وما يتسم به من أزمة إجتماعية وإقتصادية وسياسية عميقة تعري زيف قيم الديموقراطية الأمريكية التي فقدت جاذبيتها عند الأصدقاء قبل الأعداء، يؤكد على استمرار أمريكا في الإعتقاد الواهم أنها الوحيدة من يجب ان يحدد معالم النظام الدولي وأن نموذجها الديموقرطي الذي فشل داخليا في بناء مجتمع تسوده قيم المواطنة والعدالة والمساواة، لازال صالحا للتسويق بالوسائل الديبلوماسية الناعمة - حسب ما ورد في ذات الميثاق - ، والذي صيغ وكأن الزمن السياسي قد توقف عند مرحلة بداية تفكك الإتحاد السوفييتي ،عندما كانت أمريكا القوة ال0مرة والناهية في العالم .
وتبعا لذلك يمكن رصد الأخطاء الجيو ستراتيجية الأمريكية في المحاور التالية :
✓ شرق أوروبا وروسيا: إن الخطأ الإستراتيجي الذي انتهجته أمريكا في هذه المنطقة بعد تفكيك الإتحاد السوفييتي وتحول روسيا إلى نظام سياسي ليبرالي يتمثل في عدم تحويل هذا الحدث الهام الى فرصة لمد يد العون لإعادة بناء إقتصادها االمنهار بالشكل الذي اعتمدته مع أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، وطمأنة الساسة الجدد في روسيا ورفع منسوب الإمتنان والثقة لديهم بالنموذج الغربي، لكنها عملت بدل ذلك على إذلال روسيا وقياداتها السياسية عبر :
✓ تخريب الإقتصاد الروسي بزرع رجال أعمال فاسدين احتكروا الثروة والسلطة.
✓ التنكر لوعودهم بعدم توسيع الحلف الأطلسي شرقا حتى الحدود الروسية.
✓ محاولات تفكيك الدولة الروسية من خلال تشجيع الحركات الإنفصالية والصراعات العرقية والدينية.
كل هذا عكس رغبة دفينة للإنتقام من مرحلة شكلت عقدة تاريخية للعقل السياسي الأوروبي / الأمريكي منذ عهد روسيا القيصرية إلى حدود روسيا السوفياتية.
إن هذه السياسة التدميرية التي انتهجتها أمريكا اتجاه روسيا هي من أحيت النوستالجيا الروسية التي كانت في أمس الحاجة الى قيادة سياسية منقذة، تعيد أمجاد روسيا كقوة فاعلة في المنتظم الدولي، وهي من دفعتها لاستعادة عافيتها الإقتصادية و قوتها العسكرية الرادعة و الهجومية لتقف مجددا موقف الند لأمريكا وللغرب الذي انفضحت شعاراته التي كان يوهم بها الشعب الروسي حول الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ودفع بروسيا إلى التوجه شرقا عبر إستراتيجية سياسية قائمة على مبدأ الشراكة مع حلفاء جدد وجدوا أنفسهم كذلك في مرمى التهديدات الأمريكية.
الصين و شرق 0سيا.
إن إنشغال أمريكا بروسيا والشرق الأوروبي والشرق الأوسط خلال العشرية الأخيرة من القرن الماضي، وإغفالهم نسبيا للصين التي اعتبروها مهددة بالسقوط وغير قادرة على مواجهة موجة التغيير التي أحدثتها الثورات الملونة شرق اوروبا، وفي ساحة تيان مين المدعومة أمريكيا سنة 1989، دون ان ينتبهوا لأهمية الإصلاحات السياسية والإقتصادية التي انتهجتها الصين مع دينغ ساوبينغ سنة 1979، وقدرتها على التحول نحو إقتصاد السوق ضمن نفس النظام السياسي. كل ذلك تم في إطار عملية إستباقية لم تكن في حسبان أمريكا. حفزها في ذلك الدور التخريبي للغرب في جمهوريات الإتحاد السوفييتي والإتحاد الروسي لاحقا، وكذلك داخل بعض المناطق الصينية. مما دفع الصين إلى إعتماد إستراتيجية تنموية إجتماعية انعكست إيجابا على المواطن الصيني، مع اعتماد سياسة خارجية مهادنة مع الغرب، تجلى في ارتفاع معدلات النمو التي تراوحت بين 8 و 12 % ، مما أهل الإقتصاد الصيني للمنافسة على المراتب الأولى عالميا. كما تم عقد تحالفات إستراتيجية مع الدول المتضررة من السياسات الهيمنية لأمريكا خاصة مع روسيا كقوة عسكرية عالمية، و إيران كقوة إقليمية صاعدة ،و دول أخرى ضمن مجموعة البريكس .
✓ الشرق الاوسط :
صحيح أن إستراتيحية الأمن القومي الجديدة لم تجعل من الشرق الأوسط أولوية، لكنها أكدت على أمن الحليف الإسرائيلي من جهة، وإيران كمصدر تهديد لها وللمنطقة وجب ضبطها، معتبرة تواجدها العسكري في الشرق الأوسط للضرورة فقط، مع اعتماد الديبلوماسية لحل نزاعات المنطقة و نشر قيم الديموقراطية الأمريكبة.
لكن هل فعلا ستنجح هذه الإستراتيجية في منطقة تكثف الصراع الدولي بمحاوره المتصادمة في سبيل التفرغ للتهديد الرئيسي الذي تمثله كل من الصين و روسيا؟.
يقول المثل الشعبي المغربي" دخول الحمام ماشي بحال خروجو". أقول هذا لأن أمريكا هي من افتعلت الصراعات في المنطقة للإنتقام ممن كانوا مناهضين لهيمنتها وأصدقاء للإتحاد السوفييتي وروسيا لاحقا ، وذلك من أجل التحكم في مصادر الطاقة ومحاصرة هذه الأخيرة عبر حدودها الجنوبية ومنعها من الوصول الى المياه الدافئة بعد أن حاصرتها غربا، وكذا قطع الطريق عن المشروع الصيني لإحياء طريق الحرير باختلاق تنظيم القاعدة في أفغانستان لتحتلها لاحقا بعد العمليات الإرهابية في 11 شتنبر 2001 ، وبعد أن حاصرت العراق لسنوات قبل ان تحتله سنة 2003 وتدمر مؤسساته ونسيجه الإجتماعي والطائفي والأمني، مع إتباع سياسة العقوبات الصارمة اتجاه إيران منذ الثورة الإيرانية، وبعد ذلك سوريا من خلال حرب ظالمة أريد منها تدمير الدولة وتغيير نظام الحكم بالتدخل المباشر أو باعتماد الحرب بالوكالة التي جندت فيها تنظيم داعش والجماعات الإخوانية المتطرفة بكثافة، بالإضافة لليمن الذي تخوض فيه السعودية وحلفائها من دول الخليج بدعم أمريكي غربي حربا مدمرة ضده، كل هذا بمبرر ظاهري عنوانه مواجهة المد الإيراني الشيعي!. في الوقت الذي نعلم فيه أن هذه الدول وخاصة العراق كانت الدولة الإفليمية الوحيدة المحسوبة على الصف العربي والقادرة على خلق توازن للقوى في المنطقة نظرا لما كانت تمتلكه من قدرات علمية وإمكانات إقتصادية وبشرية. لكن عملية التدمير الممنهجة لمؤسساته ولنسيجه الإجتماعي هو ما فتح الباب لمختلف التدخلات الخارجية بما فيها إيران التي تربطها علاقات تاريخية وروابط مذهببة مع أغلبية الشعب العراقي. وبذلك تكون أمريكا بسياساتها الخاطئة قد دفعت بالعراق بأغلبيته الشيعية وأفليته السنية الرافضة للهيمنة و للإحتلال الأمريكي، لأن ينخرط في محور المقاومة إلى جانب كل المتضررين من هذه السياسات الهيمنية المجحفة في كل من سوريا وفلسطين ولبنان واليمن، وهو المحور الذي استفاد أكثر من حالة توازن القوى على المستوى الدولي الذي فرضته حاليا كل من الصين و روسيا الداعمتين له، وذلك في إعلان صريح عن فشل السياسات الأمريكية في المنطقة.
أمام هذه الأخطاء الجيو ستراتيجية التي ارتكبتها أمريكا والغرب بعد نهاية الحرب الباردة وتحول العالم إلى الإقتصاد الحر، والتي شكلت فرصة لقيام عالم جديد أكثر عدلا وأمنا باعتماد سياسة قائمة على إعمال مبدا التعاون والأمن الدوليبن، وكذا تقديم المساعدة للدول المتضررة من هذه التحولات لإعادة تأهيلها إقتصاديا و سياسيا، بدل اعتبار هذه التحولات فرصة للإنتقام من ماضي هذه الدول، وبالتالي فرض المزيد من الضغوطات عليها من أجل إخضاعها، وكذا العمل على حل النزاعات المترتبة عن مرحلة الحرب الباردة في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وبقية العالم بما يخدم المصالح المشتركة للشعوب ويحفظ أمنها واستقرارها.
في المحصلة النهائية، ألا يمكن القول اإذن أن أمريكا قد فوتت على نفسها فرصة تاريخية لكسب إحترام العالم لها وتقبلها كمتزعمة له لمدة أطول حتى وإن تعددت أقطابه ؟.
ألا يمكن القول أن هذه الإستراتيجيات الخاطئة هي من سيعجل بسقوطها لصالح قوى عالمية جديدة تعتمد في إستراتيجيتها مبدا الشراكة والمصالح المتبادلة والتعاون الدولي في مواجهة الكوارث والأوبئة كما ظهر جليا في تعاملها مع وباء كورونا الذي اعتمدت فيه كل من الصين و روسيا مبدا حق الطبابة للجميع، عكسه عدد الدول الموقعة معهما للحصول على اللقاح المضاد لكورونا، الذي تجاوز المئة دولة عبر العالم، بما فيها دول محسوبة على أوروبا الغرببة. هذا في الوقت الذي اعتبرته أمريكا والغرب مجالا للربح والإبتزاز السياسي على حساب م0سي الشعوب الفقيرة.
ألا يمكن القول أيضا أن هذه الوضعية / المأزق ستزيد من تقوية الأحلاف المناهضة لأمريكا عالميا وإقيميا ومناطقيا؟. وإن ما صدر منها ينم عن سوء تقدير للتحولات الدولية بما تعرفه من تكتلات عالمية جديدة ما فتأت تنمو وتتوسع في مقابل الإستنزاف المضطرد للقدرات الإقتصادية الأمريكية، مما سينعكس سلبا على موقعها الدولي، وعلى وضعها الداخلي الهش المتفجر بأزماته التي تؤشر على قرب أفول عصر الإمبراطورية الأمريكية التي تشكلت مع نهاية الحرب العالمية الثانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.