توطئة قبل مقاربة هذا الموضوع – الظاهرة- من جميع الجوانب السياسية و الاجتماعية والثقافية، لابد من الوقوف على المفاهيم الاصطلاحية التي سنقوم بتوظيفها في الاشتغال على هذه الظاهرة المعقدة، خاصة وأن المفاهيم المحددة بشكل دقيق تشكل المفاتيح فهم الموضوع واستيعابه .لذلك سنبدأ تحديد ما نقصده بالشباب ثم ندقق في ما نعنيه بالمشاركة السياسية، لننتقل إلى تحليل الأسباب والعوامل الكامنة وراء تأرجح الشباب بين الإقدام على الانخراط في العمل السياسي والعراقيل التي تقف وراء إحجامه عن ذلك. مفهوم الشباب يتم استعمال هذا المفهوم بكثرة في البحوث والدراسات السوسيولوجية والاقتصادية والنفسية والتربوية، وأصل اللفظ شب ويشب أي صار فتيا ، ومنه شاب وشباب وشبان وشبيبة وشبائب أي من كان في سن الشباب، وهو من سن البلوغ والرشد إلى سن الثلاثين. في المعجم الوسيط الشباب هو من أدرك سن البلوغ إلى سن الرجولة، وشباب الشيء أوله. ومرادفات كلمة الشباب كثيرة منها المراهق الفت والغلام وهي كلمات تدل على مراحل عمرية محددة، كما تشير إلى خصائص جسمانية ونفسية لفترة من الحياة تتميز بالقوة والنشاط والحماس. هناك اختلاف في تحديد هذه المرحلة العمرية فكل باحث يحددها انطلاقا من طبيعة بحثه ومجال تخصصه وحتى مناهج تحليله ومن النتائج التي يتوصل إليها، وغالبا ما يتم اعتماد المفاهيم الإجرائية للشباب حسب طبيعة البحوث والدراسات التي يشتغل عليها الباحث. ذلك أن اعتماد مقاييس بيولوجية أو نفسية أو عمرية أو سوسيولوجية أو دينية منفردة بعضها عن البعض وفي غياب أو تغييب للسياق الاجتماعي والثقافي لظاهرة الشباب قد يؤدي إلى الخلط وعدم الدقة الالتباس في تناول الظاهرة. خلاصة ذلك أن مرحلة الشباب تبدأ بتخطي سقف البلوغ الشرعي والرشد القانوني حيث اكتمال النضج الجسماني العقلي والعاطفي، هذه المميزات التي تشكل بدورها مقدمة للاندماج الاجتماعي، وغالبا ما تبدأ هذه المرحلة في الأوضاع الطبيعية في سن الخامسة عشرة وتنتهي في مابين الخامسة والعشرين سنة والثلاثين سنة. إلا أن المتعارف عليه في الأنظمة الأساسية والداخلية للهيئات السياسية والتنظيمات الجمعوية المغربية هو تعاملها مع منخرطيها كشباب إلى غاية سن الأربعين. مفهوم المشاركة السياسية قبل تناول المشاركة السياسية بالتحليل لا مفر من تحديد ما نعنيه بالسياسة. فأصل كلمة السياسة حسب لسان العرب لابن منظور من السوس بمعنى الرئاسة ، وساس الأمر سياسة قام به بما يصلحه، والمراد بالأمر هو الشأن العام بالمعنى المتعارف به في العصر الحاضر، وبذلك تكون السياسة هي فن إدارة الشأن العام و تدبيره، وتنظيم العلاقات بين الحكام والمحكومين على أسس يتم التوافق حولها على شكل مواثيق وقوانين تتوخى العدل والمساواة ، وتسهر على حماية حقوق الأفراد والجماعات وخدمة المصلحة العامة للمجتمع بما يدفعه إلى الارتقاء نحو الأفضل والتطور نحو الأحسن. في ظل هذا الفهم تكون السياسة من الحاجيات الأساسية للمجتمعات البشرية وضرورية لتنظيم شؤونها بما يحقق الاستقرار والأمن والتوازن والعدالة لكل للمجتمع أفراد وجماعات أما المشاركة السياسية من خلال علم السياسة تتحدد من خلال العمل الإرادي التطوعي للمواطن الذي يسعى إلى التأثير في السياسة العمومية وإدارة الشؤون العامة واختيار المسئولين وطنيا ( الحكومة والسلطة التشريعية) وجهويا وإقليميا ومحليا( المجالس المنتخبة). إذن فالمشاركة السياسية تسعى من خلالها المواطن إلى التأثير والتوجيه والضغط والمشاركة في صنع القرار السياسي في أجهزة الحكم الوطنية والجهوية والمحلية، أومباشرة المهام والمسؤوليات العامة سواء كانت ذات طابع تقريري أواستشاري أو تنفيذي أو رقابي. المشاركة السياسية كظاهرة مرتبطة بالدولة الحديثة بشكل أساسي ، عرفت تطور كبيرا، وتعكس إلى حد ما تطورالمجتمعات البشرية إذ تتسع وتضيق حسب نمو العالم الحضري وانتشار التعليم وما يتبعه من تقلص للامية والجهل وارتقاء لمستوى الوعي، وتحسن في مستوى المعيشة، وكذلك ظهور ونمو للقوى الاجتماعية والنخب الثقافية والسياسية واصطفافها في تنظيمات مدنية أوسياسية أوفعاليات ثقافية . لماذا المشاركة السياسية؟ إذا كان تدبير الشأن العام وضمان حسن سيره بما يشبع حاجيات المواطنين ويحقق طموحاته ، إذا كان ذلك يحتاج إلى مؤهلات وكفاءات ومهارات في القيادة والتوجيه والقدرة على التسيير و التنظيم والخلق والابتكار والإنصات للمواطنين والإلمام بحاجياتهم والإدراك الجيد لطموحاتهم وتطلعاتهم، وهذه الصفات والمميزات لا يمكن أن تتوفر في عامة المواطنين، فرغم ذلك فالعمل السياسي والمشاركة السياسية لا يمكن أن تكون محتكرة من طرف هذه النخب التي تنتظم وتتكتل في التشكيلات المدنية والسياسية وتقتصر عليها فقط.ذلك أن هذه النخب الثقافية والاجتماعية و السياسية التي تتوفر فيها الشروط اللازم لتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام غير متجانسة من حيث قواعدها الاجتماعية وغير موحدة الأهداف و مختلفة من حيث توجهاتها الفكرية وبرامجها السياسية، مما يحتم ضرورة المشاركة الواسعة لعامة المواطنين في اختيار ودعم الطرف الذي يرونه يتبنى قضاياهم وهمومهم ويدافع على مصالحهم بالمساهمة الانخراط في الإطارات السياسية والمدنية،هذا ما يجعل من المشاركة السياسية حق من حقوق المواطن الذي لا يجب أن يفرط فيه،بل عليه أن يناضل من أجله بكل ما أوتي من قوة. إذا كان الأمر كذلك فما هي العوامل الكامنة وراء إحجام الشباب المغربي عن الاهتمام بالشأن العام ؟ وماهي الأسباب التي تقف وراء عدم إقدامهم على المشاركة السياسية بعدم الإقبال على الانخراط في الأحزاب السياسية والهيئات المدنية وبمقاطعتهم للاستشارات الانتخابية؟ الإحجام والإقدام على المشاركة السياسية ظاهرة عزوف الشباب عن العمل السياسي لا يمكن تفسيرها بالعوامل الموضوعية فقط، سواء ذات العلاقة بالأوضاع الاجتماعية وانعكاساتها السياسية و بصيرورة العمل السياسي بالمغرب منذ الاستقلال وما تخللها من ظروف القمع والمنع والفساد والإفساد للعملية السياسية، أو ذات الصلة بالمسألة الحزبية و القانونية و الدستورية ، أو العوامل المرتبط بالوضع العالمي. كما لا يمكن فهمها من خلال حصر أسبابها في الاهتمامات و المشاكل الذاتية للشباب لوحدها. ولكن يمكن تفسيرها وفهمها من خلال هذه الظروف و الأسباب مجتمعة، كيف ذلك؟ العوامل الموضوعية للعزوف عن السياسة - 1- بنية اجتماعية تقليدية بدوية أول ما يجب التركيز عليه في تناول الظروف الموضوعية لعزوف الشباب عن المشاركة السياسية في المغرب عامة هو أن غالبية ساكنة المغرب إلى غاية احصاء1994 قروية يغلب على حياتها الاجتماعية الطابع البدوي الريفي وتكون مؤطرة من الناحية السياسية بالأنساق القبلية والعشائرية وفي أحسن الأحوال بالزوايا والطرق الصوفية، وهذه المؤسسات الاجتماعية الطبيعية الأهلية تختلف عن مؤسسات المجتمع المدني( النقابات- الأحزاب- الجمعيات- الشركات..) في المدن والحواضر، من حيث كون هذه الأخيرة تعتمد في عضويتها والانخراط فيها أو الانسحاب منها عن مبدأ الإرادة الحرة و التطوع ،على عكس البنيات المؤطرة للمجتمع الأهلي البدوي التي يجد الفرد نفسه منتميا إليها منذ ولادته ومن دون اختياره. ومادام المجتمع المغربي لازال يعيش هذا التحول في بنياته السوسيولوجية فقد انعكس ذلك على المواطنين ذكورا واناثا- شيوخا- كهولا وشبابا) وعلى مؤسسات مجتمعه المدني ومنها الأحزاب التي يلم تستطع بعد التخلص من الرواسب القبلية سواء من حيث العقليات أو السلوكات أو العلاقات. فالأمر لا يقتصر على الشباب فقط ، لذلك نلاحظ أن هناك ضعف في الإقدام على الانخراط في العمل السياسي من جميع الفئات شبابا وكهولا ونساء.كما أن المشكل ليس خاصا بالأحزاب فقط، بل بباقي الإطارات المدنية الأخرى. -2- تدهور الطبقة المتوسطة في المجتمع عدم اهتمام الشباب بالعمل السياسي يمكن كذلك فهمه من خلال موقع هذا الشباب الاجتماعي، فالعمل السياسي كان دائما ولازال مجالا للتنافس والصراع بين النخب التي غالبا ما كان موقعها الاجتماعي في الطبقة المتوسطة في المجتمع، ذلك أن هذه الأخيرة هي وحدها المؤهلة لإفراز النخب باختلاف توجهاتها الفكرية وأهدافها السياسية. وقد كان للتعليم العصري وتطور القطاعين الاقتصاديين (الصناعة والتجارة- الخدمات- الوظيفة العمومية ) في المغرب منذ فترة الاستعمار دورا أساسيا في تشكيل هذه الطبقة وتوسعها، فأفرزت نخبة سياسية(الحركة الوطنية- قيادة جيش التحرير...) هي التي قادت المغرب الاستقلال. بعد ذلك ستعرف هذه الطبقة المتوسطة توسعا كبيراو ملحوظا بعد سياسة تعميم التعليم ومغربة الإدارة و القطاع الاقتصادي، مما فتح المجال أمام أبناء الفلاحين والعمال للتسلق الاجتماعي منذ الاستقلال إلى بداية الثمانينات من القرن الماضي. وبذالك أصبح الطبقة المتوسطة واسعة و كبيرة نسبيا من الناحية الكمية ، متنوعة في أصولها الاجتماعية، ومختلفة في توجهاتها الفكرية، ومتعددة في تنظيماتها السياسية و المهنية، ومتضاربة في أهدافها وطموحاتها المستقبلية،وهذا ما زاد من نسبة تسييس المجتمع والشباب منه على وجه الخصوص خلال تلك المرحلة. ومنذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي و مع الأزمة الاقتصادية التي عرفها المغرب خلال هذه الفترة ، مما جعله يسقط تحت رحمة الوصفات الإصلاحية الاقتصادية للمؤسسات الدولية، حيث خضع لسياسة التصحيح الهيكلي منذ سنة1983 ، هذه الأخيرة التي كانت لها انعكاسات اجتماعية خطيرة في جميع المجالات، مما أدى إلى تراجع وتقهقر وضعية فئات واسعة من الطبقة المتوسطة ( الموظفون – التجار الصغار- العمال- الفلاحون الصغار..) في الوقت الذي تسلقت فيه فئات اجتماعية أخرى إلى الأعلى وخاصة من أصحاب المهن الحرة ( المحامون – المهندسون- الأطباء...). كما فقد التعليم العمومي مكانته كسلم للارتقاء الاجتماعي أو التسلق الطبقي بالمفهوم المركسي( باستثناء بعض الحالات الخاصة وفي فترات استثنائية). تآكل الطبقة المتوسطة( الأصل الاجتماعي لأغلب النخب السياسية) أدى إلى عزوف عن السياسة بشكل عام وعند الشباب على وجه التحديد. -3- سياسة المنع والقمع توسع الطبقة المتوسطة منذ الاستقلال إلى بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وتنوع أصولها الاجتماعية وتوجهاتها الفكرية وتعدد تنظيماتها السياسية وتضارب أهدافها المستقبلية ، مع هيمنة شبه مطلقة للتوجهات الفكرية الاشتراكية والتنظيمات السياسية اليسارية، خاصة في المدن والحواضر وفي صفوف الشباب، أدى إلى صراع مرير عن السلطة والحكم في المغرب بين هذه التنظيمات السياسية اليسارية من جهة والمؤسسة الملكية من جهة أخرى. هذا الصراع الذي استعملت فيه جميع أشكال وسائل التأمر و المنع والقمع ( قمع للتظاهرات - عمليات مسلحة - انقلابات – تظاهرات- انتفاضات– اعتقالات- اختطافات- اغتيالات- مجازر- محاكمات صورية- إعدامات – مؤبدات...) وغيرها من الوسائل التي كشفت عنه اعتراف الطرفيت المتصارعين بذلك في طار المصالحة و طي صفحة الماضي ، واعترافات بعض المسؤولين عن هذه الأعمال في إصدار كتب أو إجراء استجوابات صحفية ، وكذا تقارير وبيانات المنظمات الحقوقية الدولية والوطنية في إطار كشف فضح الخروقات والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، و أشغال وتقارير المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وهيئة الإنصاف والمصالحة ، وجلسات الاستماع للضحايا في اطار كشف الحقيقة وجبر الضرر، كما عكستها الكتابات الأدبية( روايات- سير ذاتية – قصص- دواوين شعرية..) والأعمال الفنية( الفن الكاريكاتيري - الفن التشكيلي – أفلام سينمائية..) في إطار أدب السجون وترميم و صيانة الذاكرة. هذا الصراع السياسي وما نجم عنه من قمع وضحايا خلال هذه الفترة جعل العمل السياسي محفوفا بالمخاطر وبعبوعا مرعبا تتجنبه غالبية المواطنين بما فيهم الشباب. -4- سياسة الفساد والافساد الصراع السياسي بين النظام الملكي من جهة جزء من الحركة الوطنية واليسار الجديد من جهة ثانية انطلق منذ إسقاط حكومة عبد الله إبراهيم سنة 1960 ، حيث رفض الطرف اليساري من الحركة الوطنية الدخول في أي تعاون مع المؤسسة الملكية دون ضمانات دستورية ونظرا لطموحاته الجمهورية ، ودخل في معارضة صارمة لجميع التوجهات والسياسات التي ينهجها القصر، مما دفع بهذا الأخير إلى الاستعانة بنخب سياسية أخرى سماها الدكتور محمد الجابري بالقوة الثالثة كالأعيان والقيادات التقليدية في العالم القروي وبعض قيادات جيش التحرير والضباط المغاربة في الجيش الفرنسي، وأبناء بعض النخب العميلة للاحتلال الفرنسي في الفترة السابقة ، فقام النظام بتوظيفها سياسيا حيث شرعت في تأسيس العديد من الأحزاب السياسية التي سميت بالإدارية : الأحرار المستقلين- الحركة الشعبية- جبهة الدفاع عن المؤسسات خلال الستينات والتجمع الوطني للأحرار سنة 1978 والاتحاد الدستوري والحزب الوطني الديمقراطي خلال الثمانينيات والحركة الوطنية الشعبية والحركة الديمقراطية الاجتماعية خلال التسعينات من القرن الماضي، هذه الأحزاب التي تنال الأغلبية من مقاعد البرلمان مباشرة في السنة التي تتأسس فيها، حيث يتم تزوير نتائج الانتخابات لصالحها من طرف وزارة الداخلية ( أم الوزارات أو الحزب السري كما كان متداولا في الصحافة الاتحادبة سابقا) في المدن والمراكز الحضرية ، في الوقت الذي تفوز فيه بالعالم القروي نظرا لاعتمادها على الأعيان حيث يتم شراء أصوات الناخبين بالمال والولائم . ونظرا للحصار الذي تفرضه وزارة الداخلية على الأحزاب الأخرى ذات التوجهات اليسارية ، حيث أصبح العالم القروي عبارة عن خزان بشري للحسم في النتائج الاستشارات الانتخابية لصالح الأحزاب الإدارية التي تمثل النخب المخزنية التي راكمت الأموال والثروات من الريع والامتيازات والوساطات والمناصب الإدارية والسياسية التي يغدق به عليها المخزن، وهذا ما جعلها فضاء للفساد ونهب ثروات الشعب والاغتناء الغير المشروع والزبونية والمحسوبية بعيدا عن أية مراقبة ومحاسبة ،وهذا ما كشف عنه مؤخرا ملفات العديد من المؤسسات والبنوك والمكاتب الوطنية التابعة للدولة(صندوق الضمان الاجتماعي – البنك العقاري والسياحي – بنك الانماء الاقتصادي – المكتب الوطني للتكوين المهني .) و بذالك أصبح العمل السياسي في نظر المواطنين والشباب الواعي على الخصوص مجرد مسرح للانتهازيين وللذين يبحثون عن مصالحهم الذاتية ومجالا للفساد والإفساد، مما دفعهم إلى النفور من السياسة والسياسيين. -5- تمييع الأحزاب اليسارية ومنذ منتصف التسعينات أصبح النظام ينهج نفس المخطط مع الأحزاب التي تسمي نفسه الوطنية والديمقراطية خاصة بعد صعود نخب جديدة إلى قيادتها، نخب استفادت من صعودها إلى المؤسسات الجماعية والتشريعية فراكمت بدورها الامتيازات، وبعد شعورها بنوع من العياء النضالي ، وإحساسها بسحب البساط الجماهيري من تحتها من طرف قوى سياسية جديدة ( الحركة الإسلامية والحركة الامازيغية)، وفي إطار سياسة الانفتاح التي انتهجتها فتحت أبوابها أمام الأعيان وذوي السوابق السياسية القادمين من الأحزاب التي كانت تنعتها في السابق بالأحزاب الإدارية وتحملها المسؤولية عما ألت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بالمغرب، فأصبحت هي الأخرى تنهج نفس سلوكات الأحزاب الإدارية، مما زاد من نفور الشباب من الأحزاب والعمل السياسي . -6- تحجر الأحزاب السياسية وتخلف خطابها ومما زاد الطينة بلة أن هذه الأحزاب التي تنادي بالديمقراطية وبالانتقال الديمقراطي والتداول على السلطة ، لم تستطيع أن تتمثل الديمقراطية في هياكلها ومؤسساتها التنفيذية والتقريرية ، مما يحول دون تداول النخب داخلها و دون ضخ الدماء الشابة في هيئاتها الداخلية . مما يحول دون إقدام الشباب على الانخراط فيها. -7- العائق الدستوري والقانوني العائق الموضوعي الأخير أمام عدم اقدام الشباب على العمل السياسي ، والذي كان منذ الاستقلال محور الصراع بين المؤسسة الملكية والنخب السياسية اليسارية هو الإشكال الدستوري والقانوني . إذ لا معنى من المشاركة في انتخابات جماعية وبرلمانية تنتج عنها مؤسسات منتخبة مشلولة لا تستطيع اتخاذ أية قرارات من شأنها تغيير أوضاع المواطنين نحو الأحسن. فالجماعات المحلية كمؤسسات منتخبة تكون مكبلة بالعديد من القيود القانونية( الميثاق الجماعي – التقطيع الانتخابي- اللوائح الانتخابية ظهير1977 الخاص بالعمال) التي تمنح لوزارة الداخلية الحق في الوصاية عليها، مما يجعل الخدمات التي تقدمها للمواطن معطلة أو مشلولة. ثم استحالة فوز حزب سياسي بالأغلبية في مجلسي البرلمان نظرا لطبيعة القوانين الانتخابية ونمط الاقتراع التي تجعل من العالم القروي هو المتحكم في أكثر من 60%من مقاعد مجلس النوب و أكثر من 80 %من مقاعد مجلس المستشارين رغم أن الساكنة الحضرية أصبحت الكفة مائلة لصالحها حسب نتائج احصاء 2004. كما أن فوز حزب سياسي(جدلا وافتراضا ) في الانتخابات التشريعية بغالبية مقاعد مجلسي البرلمان لا يمنحه بالضرورة الحق في تشكيل الحكومة وتطبيق البرنامج الذي على أساسه نال ثقة المواطنين في الانتخابات، بسبب العائق الدستوري( الفصل 24من الدستور) الذي يمنح للملك الصلاحية في تعيين الوزير الأول كما يريد وغير ملزم بتعيينه من الأحزاب الفائزة بأغلبية مقاعد مجلسي البرلمان . بالاضافة الى التعيين في المناصب السامية ( الكتاب العامون للوزارات - السفراء - العمال- مدراء المكاتب الوطنية والشركات الوطنية - مدراء البنوك- المؤسسات الاعلامية : وهي قطاعات أساسية في رسم السياسة العامة للبلاد وتنزيلها ) . كما أن أي حكومة ملزمة في سياستها العامة كل سنة بالتقيد بالتوجهات العامة التي يحددها الخطاب الملكي خلال افتتاحه البرلمان في دورة أكتوبر من كل سنة. فمادمت جميع الأحزاب لا تستطيع أن تقوم - في أحسن الأحوال- في حالة إحرازها على أغلبية مقاعد البرلمان، ومن ثمة تشكيل الحكومة ، سوى بالاجتهاد في تطبيق برنامج الملك ، بأطروبموظفين ساميين ليست هي من اختارتهم ، مادام الأمر كذلك فلا معنى ولا طائل من أن يكلف الشاب نفسه مشقة الاهتمام ببرامج الأحزاب وعناء المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية مادامت لن تغير في واقعه دون رغبة ملكية. العوامل الذاتية للعزوف عن الساسة : بعد تحليل العوامل الموضوعية التي تحول دون إقدام الشباب على الانخراط في العمل السياسي، لابد من الإشارة العوامل الذاتية المرطبة بعدم وجود الاهتمام الشؤون العامة لدى الشباب، نظرا لانشغاله بهمومه الذاتية البحتة، إذ بسبب مما توفره الوسائل السمعية البصرية والمؤسسات الترفيهية من الراحة و المتعة واللذة ومن التحرر من جميع القيود الزمنية والتنظيمية والالتزامات الأخلاقية ، لا يميل أو بالأحرى يتجنب غالبية الشباب الاهتمام بالعمل السياسي والمدني نظرا لما يترتب عنه من جهد ووقت ومال ومن التزامات تنظيمية وانضباط للبرامج والمواعد. إذا كان إحجام الشباب عن المشاركة السياسية مفهوما من خلال تحليلنا للعوامل الموضوعية سياقاتها التاريخية الاجتماعية والقانونية، ومن خلال إشارتنا لأسبابه الذاتية، فان إقدام هذا الشباب على العمل السياسي لن يتأتى إلا اجتمعت إرادات جميع الفاعلين السياسيين والمدنيين المعنيين بهذا المشكل ، وعقدوا العزم على تجاوز العوائق الموضوعية التي تحول دون انخراط الشباب في العمل السياسي من أجل المساهمة في تغيير أوضاعنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية نحو الأحسن، وتجنب الأخطار المحدقة بمجتمعنا. خلاصة ومقترحات ويمكن إيجاز مقترحات للحل في الخطوات التالية: -أ- تحديث المجتمع من خلال تأهيل العالم القروي بواسطة تعميم تعليم منتج يساير التطورات التي يعرفها العالم ، بإرساء البنيات التحتية( ماء –كهرباء- طرق..) وتوفير الخدمات الأساسية. - ب- تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للفئات الاجتماعية المتضررة من السياسات الاقتصادية المطبقة في المغرب منذ بداية الثمانينيات،وذلك بتوفير فرص الشغل والرفع من الأجور، وتحسين الخدمات الاجتماعية. مما سيعيد للطبقة الوسطى ريادتها ومكانته في العمل السياسي. -ج- تجريم ومعاقبة المسؤولين عن أعمال القمع والمنع المس بحق المواطنين في ممارسة العمل السياسي . - د- إعادة الاعتبار للعمل السياسي: * من خلال إصلاح دستوري يمنح للأحزاب الفائزة بغالبية مقاعد البرلمان الصلاحيات اللازمة لتشكيلة الحكومة القادرة على تطبيق البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي على أساسه نالت ثقة المواطنين في الانتخابات. * تعديل القوانين والتشريعات المؤطرة للمؤسسات المنتخبة محليا وإقليميا وجهويا، حتى تتمكن من الاستجابات لحاجيات المواطنين الناخبين. * دمقرطة القوانين الانتخابية حتى تتمكن جميع التنظيمات والتيارات السياسية من المشاركة الانتخابية في جو من المنافسة الشريفة تكافؤ الفرص. * بتطهيره من جميع الطفيليات السياسية التي جعلت من العمل السياسي مجالا للرشوة والزبونية والارتزاق ونيل الامتيازات, * دمقرطة الأحزاب السياسية في هياكلها التنفيذية والتقريرية ومساطر اتخاذ القرارات فيها . وانتخاب المسؤولين فيها على جميع المستويات ، مما سيجعل تداول النخب فيها ميسرا وإقدام السباب للانخراط فيه سهل * خلق اهتمامات لدى الشباب بأهمية العمل السياسي في تحسين أوضاع المجتمع ، من خلال الحملات التحسيسية والمحاضرات والندوات والدورات التدريبية، وتحصينهم من اللامبالاة والانحلال الخلقي، واكسابهم الكفايات والمهارات اللازمة لتحمل المسؤوليات السياسية. (*)استاذ باحث امنتانوت