كبير إيطاليا يدخل بقوة على خط التعاقد مع زياش    "العرندس" يتوج نفسه وينال جائزة الأفضل في رمضان    مديرية الضرائب تطلق إمكانية طلب الرأي المسبق للراغبين في تفويت ممتلكات عقارية أو عينية    زيلينسكي يستعجل استلام أسلحة غربية    جيش إسرائيل يهاجم شرق مدينة رفح    صفقة طراز دقيق من الدرون الأمريكية للجيش المغربي تبلغ مراحلها الأخيرة    خلال 3 أشهر.. تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج بلغت 27,44 مليار درهم    هتك عرض تلميذات من طرف مدير ثانوية فمولاي يعقوب.. المشتبه فيه للجدارمية: الكاميرا اللي عندي فالمكتب كتخدم غير فوقت الامتحانات وصافي والبورطابل ديالي ضاع مني    توقعات طقس الثلاثاء..حرارة مرتفعة بهذه المناطق    تخصيص غلاف مالي بقيمة تفوق مليارين و61 مليون درهم لتمويل 4174 مشروعا بالشمال خلال سنوات    بأزيد من 760 مليونا.. إطلاق طلب عروض لتشوير المدينة العتيقة لطنجة    شركة الخطوط الجوية الإيرلندية تطلق خطا جويا بين طنجة وورزازات    آيت الطالب يجدد التأكيد على استمرارية الاستفادة من مجانية الاستشفاء بالنسبة للمصابين بمرض مزمن أو عضال    الدورة الثانية عشر لعملية تأطير الحجاج بإقليم الناظور    الأمم المتحدة: قرار إخلاء رفح للي صدراتو إسرائيل "ماشي إنساني"    نحو 40 في المائة من مجموع قتلى حوادث السير هم مستعملي الدراجات النارية    الملك يعزي العاهل السعودي في وفاة الأمير بدر بن عبد المحسن    قبل مواجهته نادي بركان.. ضربة موجعة للزمالك المصري بسبب 10 لاعبين    "البوليساريو" تهاجم الإمارات بسبب الصحراء    الدكيك يحتفل بتصنيف "فوتسال الفيفا"    القضاء يسجن ضابط شرطة 5 سنوات    مناورات عسكرية موريتانية.. هل هي رسالة للجيش المالي ولفاغنر؟    بعد دخوله قائمة هدافي الفريق.. هكذا احتفل اشبيلية بالنصيري    زيوت التشحيم تجمع "أولى" و"إكسون"    مرصد يثمن مأسسة الحكومة للحوار الاجتماعي    الأمثال العامية بتطوان... (591)    عاجل.. القضاء يعزل رئيس الرجاء محمد بودريقة من رئاسة مقاطعة مرس السلطان    ارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر في المغرب ب56,2% عند متم مارس 2024    وفاة المقدّم التلفزيوني الفرنسي الشهير برنار بيفو    بسبب تصرفات مشينة وعنيفة.. تأجيل محاكمة محمد زيان في قضية اختلاس أموال الحزب الليبرالي    لاعبين الزمالك كاعيين قبل الفينال ضد بركان ومدربهم كيحاول يكالميهم    تطويق أمني بالعاصمة يحول "مسيرة الصمود" لأطباء الغد إلى "وقفة الحشود"    إسرائيل تغلق مكتب الجزيرة وألمانيا تنتقد القرار    بلقصيري: أجواء افتتاح مهرجان سينما المرأة والطفل في دورته الأولى    حصيلة منجزات وكالة بيت مال القدس فاقت 13,8 مليون دولار خلال الخمس سنوات الأخيرة    الضمان الاجتماعي الإسباني يتحاوز عتبة 21 مليون منتسب    وثائقي فريد من وزارة الثقافة والتواصل يبرز 6 ألوان فنية شعبية على ضفاف وادي درعة    اللي كيمشي لطريفة وعزيز عليه الطون والسربيسة والسينما: ها مهرجان وها الافلام المغربية المعروضة فيه    إضراب جديد يشل محاكم المملكة    بسبب الهلال.. لجنة الانضباط تعاقب فريق الاتحاد السعودي وحمد الله    تسجيل بقوة 2.5 درجات على سلم ريشتر بإقليم تاونات    لأول مرة.. تاعرابت يحكي قصة خلافه مع البرازيلي "كاكا"    وفاة مدرب الأرجنتين السابق لويس مينوتي بطل مونديال 1978    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة من "منصة الجونة السينمائية"    بعشرات الصواريخ.. حزب الله يستهدف قاعدة إسرائيلية في الجولان    أسعار النفط العالمية تعود إلى الارتفاع    دراسة: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    المشاهد الجنسية في أفلام هوليوود تراجعات بنسبة 40% وها علاش    باحثة: الضحك يقدر يكون وسيلة واعرة لعلاج الناس    رأي حداثي في تيار الحداثة    دراسة حديثة تحذر المراهقين من تأثير السجائر الإلكترونية على أدمغتهم    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    الأمثال العامية بتطوان... (589)        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن الوهابية مرة أخرى
نشر في دنيابريس يوم 21 - 05 - 2012


عبد الله الجباري
الاثنين 21 ماي 2012 – 00:37
كتبت سابقا مقالا بعنوان “إعلام المغراوي بحقيقة مذهبه الوهابي”، ذكرت فيه حقائق عن الوهابية عموما، وعن فقه وآراء ذ. محمد بن عبد الرحمن المغراوي على وجه الخصوص، وانبرى للرد علي الأستاذ حماد القباج والأستاذ سعيد ياسيني، وقد فرحت برد ذ. القباج خصوصا عندما قرأت قوله : “فإن الواجب الشرعي يطوق أعناقنا بمسؤولية كشف مضمون مقالته”، لكنني أتممت مقالته وأعدت قراءتها ولم ألمس فيها التزامه بهذا الواجب الشرعي، حيث لم يكشف فضيلته عن مضمون مقالي ولم يرد على ما فيه من معلومات، بل رد على أشياء لم أذكرها في مقالي ألبتة، مثل قوله : “وغير خاف على القارئ اللبيب أن مقالة السيد الجباري التي هاجم فيها دور القرآن ...”، وقوله : “...وبلغ تأثيرها على كاتبها إلى حد اتهام مؤسسة “دور القرآن” وعالمها المؤسس بفرية ...”، وقوله : “من أغرب افتراءات الكاتب إيهامه بأن دور القرآن تتبنى أسلوب العنف” وغير ذلك مما لا يوجد في مقالي على الإطلاق، ومن قرأ مني تهجما على دور القرآن فليكشفه من مقولي مشكورا.
ورغم أن السيد القباج نسب إلي ما لم أقل، فلن أصفه بالكاتب المفتري كما وصفني رغم أني لم أكن مفتريا كما سأبين لاحقا.
أما الأستاذ ياسيني فأعترف أني لن أستطيع الرد عليه عجزا مني لا استعلاء، لأنه استعمل معجما لا أتقنه، من قبيل : [المدعو الدعي – المفلسين – الأكاذيب – الافتراءات – الدعي النكرة – الغرور – الجهل – الأحكام الحقودة والمضللة – الببغاوات ...]، ولو كان محاورا مناقشا لما تراجعت عن ميدانه، ولما تقاعست عن مناظرته.
تذكير :
ذكرت في مقالي السابق تحريم الأستاذ المغراوي لسياقة المرأة للسيارة، وتحريمه للتصوير الفوتوغرافي، وتحريمه لاستعمال السبحة، وتضليله للإمام عبد القادر الجيلاني، وتعالمه على العلامة ابن القيم، كما ذكرت العنف الذي صاحب تأسيس المذهب الوهابي في الحجاز، وإفتاء بعض رموزه المعاصرين بإخراج الروضة الشريفة من المسجد النبوي، وتبديع تسويد النبي صلى الله عليه وسلم.
ذه أهم النقاط التي ركزت عليها في مقالي، وهي قضايا ثابتة لا ينكرها عاقل، لذا لم أكن مفتريا ولا كذابا في إيرادها، فلِمَ وَصَفَاني بالكذب والافتراء ؟ أيُعَدُّ ناقل الحقيقة مفتريا ؟ أم أن الكذب في عرف الوهابية هو قول الكلام المطابق للواقع ؟
وحين نقول بتبني ذ. المغراوي للفقه المتشدد، فإننا لا نبالغ في الأمر، وحسبنا ما ذكرنا آنفا، ونزيد مسألة أخرى، وهي وصفه للمرأة التي ترتدي سروالا ومعطفا بالمتشبهة بالرجال، وأن لباسها لا يعد حجابا، أما الحجاب الشرعي – عنده – فهو وجوب ارتداء النقاب أو البرقع أواللثام والمناظر السوداء لتستر جسدها سترا تاما وكاملا، وهذه الفتوى دعوة صريحة لتنميط المرأة المغربية، ولأفغنة المجتمع المغربي، وضرب لخصوصيته الحضارية المتميزة.
وهذا الرأي الفقهي المتشدد ليس افتراء على ذ. المغراوي، بل هو مثبت على موقعه الإلكتروني.
وقد نصَحَنا الأستاذ القباج مشكورا أن نتبنى الإنصاف وأن نسترذل الحكم بلا دليل، وهذا وأيم الله منهجنا، ولما قلنا بتبني الوهابية للتيار الحنبلي المتشدد ضربنا لذلك الأمثلة وسقنا الأدلة، ولما قلنا بتبنيهم للعنف دللنا على ذلك، ولما قلنا بنبذهم للتصوف وعداوتهم له لم نكن مفترين، ونزيد مسألة إن إن لم يقتنع القوم بما قلنا : سئل الشيخ المغراوي عن الصوفية فقال هداه الله : “الطرق الصوفية أصلها من مخططات إبليس، والتصوف من البدع المحدثة ... وهو الوسيلة الكبرى لنشر كل المخالفات العقدية”، فهل نفتري عليه بمثل هذا الكلام، أم أنه صادر عنه مُتَبَنٍّ له ؟
المذهب الحنبلي :
قال الأستاذ القباج : “تحامل الكاتب على المذهب الحنبلي تحاملا يطفح بالتعالم ومشاعر الكراهية”، وأشهد الله أني بريء مما ذكره الأستاذ براءة تامة مطلقة، ولو صدر مني ذلك لأعلنت تراجعي دون لف أو دوران، وكيف لي أن أتعالم أو أكره مذهب إمام السنة أحمد بن حنبل، وقد أجمع الخلق على فضله وجلالته وعلمه وورعه، حاشا ومعاذ الله.
نعم، قلت عن المذهب مسألتان :
الأولى : أنه أكثر المذاهب تمسكا بظواهر النصوص، لأن المذاهب الثلاثة الأخرى تقول بالاستصلاح والاستحسان وبعضها يكثر من الرأي والقياس، والمذهب الحنبلي أقلها تعاملا مع هذه المصادر.
الثاني : يوجد في المذهب الحنبلي تياران، الأول حصرته في آراء الإمام وبعض المتقدمين، والثاني برز مع ابن تيمية، وبينت أن التيار الثاني تبنى آراء متشددة وبعضها مخالف للإجماع، ونسبت الوهابية إلى التيار الثاني.
فهل في الأمر كره أو تعالم ؟
ابن تيمية :
أما ابن تيمية رحمه الله فلم أقدح فيه كما ادعى الأستاذ ياسيني، بل هو عالم شهير، له مشاركات في الفقه وأصوله، والحديث وعلومه، والعقيدة ومباحثها، وله اجتهادات علمية، وله هنات وزلات خرق ببعضها الإجماع، تحدث عنها العلماء وسموها شذوذ ابن تيمية، منها قوله بقدم العالم، وإنكاره لشد الرحلة بغية زيارة الروضة الشريفة، وغيرها كثير، وعموما، فهو عالم غير معصوم، له حسناته وله سيئاته وغفر الله لنا وله.
وجود الوهابية :
نعود لإنكار ذ. المغراوي لسماعه – مجرد السماع – بالمذهب الوهابي، وخير دليل على أنه سمع به رغم إنكاره أن الأستاذ القباج سمع به من خلال نصوص بعض المستشرقين التي أوردها في مقاله، فهل سمع بها هو والمستشرقون ولم يسمع بها ذ. المغراوي الذي أمضى ردحا من الزمن في معقل الوهابية ؟
بل دعونا من هذا كله، ولنتأمل مقولة الأستاذ القباج : “لكن المنصفين العارفين بخبايا الأمور يدركون حقيقة الأمر، ويعلمون أن الوهابية (كذا !) ليست مذهبا محدثا بقدر ما أنها حركة إصلاحية سلفية”، فهو يعترف يلسانه بوجود (الوهابية) وهذا اتفاق بيننا، لكنه اختلاف مع شيخه الذي ينكر مجرد سماعه بها.
وينكر اعتبارها مذهب محدثا أي زائدا على المذاهب الأربعة المتبعة، وهذا اتفاق بيننا أيضا، لأن الوهابية ليست مذهبا خامسا بقدر ما هي تيار داخل المذهب الرابع، ويصفها بأنها حركة إصلاحية وهذا الفرق بيننا، حيث لا نعتبرها كذلك.
ونستأنس في هذا المقام بمقولة الأستاذ ياسيني : “حتى كانت أفكار (ابن تيمية) نواة للدعوة الوهابية”، إذن، هناك شيء اسمه الدعوة الوهابية، وهناك نواة له، فلِمَ الإنكار ؟
حقيقة التسمية :
ظهرت في نجد حركة محمد بن عبد الوهاب، وفعلت الأفاعيل في المجتمع، وتولى الرد عليها علماء المذاهب الإسلامية، وممن تولى الرد على هذه الحركة الأخ الشقيق لمحمد بن عبد الوهاب، ولكي يردوا عليها لا بد من تسميتها ووصفها بوصف يميزها عن غيرها، فأطلقوا على الحركة اسم الوهابية تمييزا لا تنكيتا وتنفيرا.
فانبرى الوهابية لإنكار التسمية التي ميزتهم، لأنهم يوهمون الناس أنهم وحدهم من يستحق لقب “أهل السنة والجماعة”، فانتقدوا هذه التسمية بانتقادات عدة، منها ما قاله الأستاذ القباج : “لا نعرف شخصا أو طائفة تبنت مذهبا بهذا الاسم أو انتسبت إليه” وهذا صواب لِمَا بينته آنفا، لكن الإمام مالكا لم يقل أيضا : أنا أسست المذهب المالكي، ورغم ذلك نجده مذهبا قائما لا ينكر أتباعه تسميتهم به، وقس على ذلك سائر المذاهب.
وليتسع صدر الأستاذ القباج ليوضح لنا سبب تسمية ذ. المغراوي وعامة وهابية المغرب لأعضاء جماعة العدل والإحسان بالياسينيين، ولأعضاء الإصلاح والتجديد سابقا بالكيرانيين، فهل هناك شخص أو طائفة سمت نفسها بهذين الاسمين، أم يباح للوهابية ما لا يباح لغيرهم ؟
ومن تمحلات الوهابية انتقادهم للتسمية بدعاوى تدخل في باب الدفع بالصدر كما يقال في علم الجدل، منها :
أولا : الوهابية نسبة إلى الوهاب، وهذه منقبة، ونظموا في ذلك شعرا، والواقع أن العلماء لم ينسبوهم إلى الوهاب جل وعلا، وهم أعرف الناس بهذا، ورغم ذلك يتقولون.
ثانيا : الوهابية نسبة إلى والد الإمام، وهذا في نظرهم لا يجوز، وما ذلك إلا ليلزموا الآخرين بتسميتهم بالمحمديين نسبة إلى الإمام نفسه، وهذا أمر بعيد المنال، والوهابية وغيرهم مجمعون على وجود المذهب الحنبلي وغير منكرين لهذه التسمية، مع أن “الحنبلي” نسبة إلى جد الإمام وليس إليه أو إلى أبيه فقط، لأن اسم الإمام أحمد، واسم أبيه محمد، وعموم المسلمين أحمديون ومحمديون، فكان لزاما النسبة إلى الجد للتمييز، فلِمَ يقبلون النسبة إلى الجد بالنسبة للحنابلة، ولا يقبلون النسبة إلى الأب في الوهابية ؟ هذا تفريق بين المتماثلات يأباه العقلاء.
بين الوهابية والسلفية :
حاول الوهابية تسويق أنفسهم في الساحة الفكرية باختراع اسم السلفية، ومعناه النسبة إلى السلف، وهذه النسبة يأباها المنطق السليم، لأن السلف – منذ الصحابة الكرام – اختلفوا في قضايا عقدية وفقهية وأصولية وغيرها، والإجماعات بينهم قلية، لهذا كان المؤولة سلفية، والمجسمة سلفية، لأن في السلف المؤول والمجسم، فهل مع هذا نقبل بوجود تيار أو مذهب بهذا الاسم ؟ ! ويكفي أن نكرر مع د. محمد سعيد رمضان البوطي قوله : “السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي”.
لكن، في مجال الصفات انقسمت الأمة إلى مفوض أو مؤول أو مجسم، وعموم المتقدمين يلتزمون التفويض والتسليم، منهم متقدمو الأشاعرة ومتقدمو الحنابلة، لذلك نجد في بعض الكتب التراثية عبارة “مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم”، فنُسِب بعض الناس إلى العقيدة السلفية بناء على هذا التمييز، فنجد السلطان محمدا بن عبد الله سلفي العقيدة مالكي المذهب، ولم تكن سلفيته تحُول بينه وبين تجديده لأضرحة سبعة رجال بمراكش، ولم تمنعه من التعامل مع الكتب الصوفية حيث أمر الشيخ الطيب بنكيران بشرح الحكم العطائية، والأمر عينه نجده عند السلطان المولى سليمان – الذي استشهد به ذ. القباج – الذي كان سلفي العقيدة مالكي المذهب، والشيخ الحجوي الثعالبي حنبلي عقيدة مالكي مذهبا، والحافظ أحمد بن الصديق كان سلفي العقيدة صوفي المشرب، ومثله د. محمد علوي المالكي، والغرض من سوق هذه النماذج التدليل على أن الإنسان قد يكون سلفي العقيدة وغير حنبلي، وقد يكون سلفي العقيدة وصوفي المشرب، أما إذا جمع الإنسان بين التجسيم في العقيدة والحنبلية في الفقه وعداوة التصوف والعنف المادي أو المعنوي فهو الوهابي الحق.
وهابية المغرب والمالكية :
ذكر الأستاذ القباج أن مناهج دور القرآن تتميز بالانفتاح، والدليل على ذلك أن تفسير القرطبي يُدَرّس برحابها، أضف إلى ذلك أن ذ. المغراوي كثير الاحتفاء بالمذهب المالكي، بدليل تأليفه (كذا) ل”فتح البر في الترتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد البر” في 16 مجلدا، و”بغية المستفيد فيما زاده الاستذكار على التمهيد”.
ولنا على هذا عدة تعليقات :
أولها : بحكم معرفتنا اللصيقة بوهابية المغرب، نقول باطمئنان وهدوء، إنهم متبعون للتيار الحنبلي المتشدد شبرا بشبر، وتحريم التصوير الفوتوغرافي ووجوب النقاب مع المناظر السوداء وغيرهما برهان ودليل على ما نقول.
ثانيها : كل من يقول بأن فتح البر من تأليف المغراوي فإنه يمارس التدليس على القراء، لأن الكتاب المذكور ليس فيه حرف واحد من بنات أفكار الأستاذ، بل إنه عمد إلى تمهيد ابن عبد البر الذي رتبه وفق منهج خاص، وأعاد ترتيبه وفق الأبواب الفقهية، وعليه، فكتاب فتح البر من تأليف الحافظ ابن عبد البر ومن ترتيب ذ. المغراوي وليس من تأليفه.
ثالثها : أما بغية المستفيد فكسابقه مثلا بمثل، لأنه جمع – مجرد جمع – ما ذكره ابن عبد البر في الاستذكار ولم يضمنه التمهيد، فهل هذا الجمع يعد تأليفا، سبحانك هذا بهتان عظيم.
وبالنسبة لتفسير القرطبي، فهو كتاب مهم جدا، يحتفي به أهل السنة ويستفيدون من درره، أما الوهابية فلا، ودونكم كتاب ذ. المغراوي بعنوان “المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات” لتعلموا قيمة الإمام القرطبي عند أرباب هذه النحلة، حيث خصه بالذم والتقريع، بل قال في الصفحة الأولى من الكتاب : “وبعد نفاد الطبعة الأولى والحمد لله، ونفاد الجزء الخاص بالرد على المفسرين الخلفيين القرطبي نموذجا ...”، ومع ذلك يحاول ذ. القباج نفي التشدد الحنبلي عن ذ. المغراوي.
بين الوهابية والشيعة :
من المشهور عن الشيعة أنهم يقولون بعصمة أئمتهم، وهم صرحاء في ذلك، أما الوهابية فلا يقولون بعصمة أئمتهم وإن كان ذلك من صميم مذهبهم، ولو انتقد أحد محمدا بن عبد الوهاب لقالوا فيه ما لم يقله الشيعة في منتقدي الأئمة، وتأملوا عبارة ذ. ياسيني : “فأيُّ شهرةٍ عياذا بالله تلك التي تكون بالطعن في العلماء وثوابت الشريعة ومسلمات الدين ؟”.
هل أصبح محمد بن عبد الوهاب من ثوابت الشريعة ؟ وهل صار من ثوابت الدين ؟ أم أن الوهابية هي الوجه الآخر لعُمْلة التشيع ؟
وكثيرا ما يتهم الوهابية الشيعةَ والصوفيةَ بالتعلق بالأشخاص، والواقع أنهم على نفس النهج، وفي ذلك ينصح ذ. المغراوي مريديه بقوله : “فما عليه الشيخ ابن باز ومن سار في دربه هو المنهج الحق الذي يجمع شمل الأمة على التوحيد والسنة”، فهل هناك تعلق بالأشخاص أكثر من هذا ؟
النيل من العلماء :
نصحني الأستاذ القباج بعدم النيل من العلماء، وأنا أقبلها من فضيلته بصدر رحب، كيف لا وهي أعز ما يطلب، لكن حبذا لو وجه مثلها للوهابية، فهم المتخصصون في النيل من العلماء، وأكتفي في هذا المقام بإيراد أقوال ذ. المغراوي إذ فيه كفاية وغناء.
في الفتوى 124 من موقع ذ. المغراوي وصف الداعية الجفري بعدو التوحيد والسنة، وفي الفتوى 19 وصفه بالرويبضة،وقال عنه : “العاقل يختار الجوزة، والجفري يختار البعرة”، أما السبكي وابنه وابن حجر الهيتمي فهم أئمة الضلالة، وإقامة العلامة د. محمد علوي المالكي في مكة كإقامة أبي جهل وأمية بن خلف.
وفي الفتوى 33 : قال عن حسن البنا رحمه الله : له أقوال خطيرة في العقيدة والمنهج، ودعوة الإخوان تجمع جميع المخالفين لأهل السنة، أما سيد قطب فهو أحد المنحرفين، وكتابه حول العدالة الاجتماعية من أشر الكتب التي ألّفها، لذلك فإن الرجوع إلى كتب حسن البنا وسيد قطب يوقع الإنسان في مزالق ومهاوي عقدية ومنهجية.
وفي الفتوى 62 ما نصه : “أما الهالك محمد الغزالي فكتبه طافحة برد السنة والاعتراض عليها ...”
وفي الفتوى 229 يقول : “لا يجوز الثناء على القرضاوي والترابي وأمثالهم ممن يخوضون في كل باطل، ويضيعون الناس، ويردون الحق الصريح، ويسخرون بالسنن”. هذه نماذج وأمثلة من نيل ذ. المغراوي ومعه عموم الوهابية في علماء الأمة وفضلائها ورموزها، نقلتها بدقة للقراء ولم أفتر على ذ. المغراوي حرفا واحدا.
الخاتمة :
أختم الموضوع بملاحظة وسؤال :
الملاحظة : لم يردّ أحد من المعقّبَيْن على مضمون مقالي الأول، لذا أجدني مضطرا للتمسك بمحتواه.
السؤال : لقد حكى المؤرخون المقربون من الدعوة الوهابية نفسها كثيرا عن حروب محمد بن عبد الوهاب، لذا أرفع السؤال الآتي : ما رأيكم في حرب محمد بن عبد الوهاب وقتله للمسلمين ونهبه لأموالهم ... ؟ وما موقفكم من أحاديث الكف عمن قال لا إله إلا الله ؟ أم أن أهل الجزيرة آنذاك كانوا مشركين غير موحدين ؟
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.