1. مقدمة: 2. هل يمكن أن تقربوا القارئ من مفهوم البيئة و تعطونه تعريفا شاملا للبيئة؟ 3. ما هي العلاقة التي تربط الإنسان-كخليفة عن الله في الأرض-بالبيئة؟ و ما هي المسؤولية التي يتحملها تجاه البيئة.؟ 4. هل هناك مجهودات بذلت و تبذل للحفاظ على البيئة؟ 5. الضروريات التي يراها الإسلام ضرورية في علاقة الإنسان بالبيئة؟ 6. هناك مناداة للاهتمام بالمجال البيئي و بالمساحات الخضراء كمتنفس .... كيف يدعو الإسلام إلى الاهتمام بالمساحة....؟ ما هي عناية الإسلام بالمجال الحيوي...؟ 7. كلمة أخيرة:
مفهوم البيئة و حمايتها في الشريعة الإسلامية
1.مقدمة: لقد انعم الله على الإنسان منذ بدء الخليقة ببيئة نظيفة نقية و متوازنة في كل مكوناتها حتى يحيا فيها حياة طيبة آمنة تليق به . و لما جاء الإسلام حرص كل الحرص على عمارة الكون, و تنظيم مكونات البيئة, و تجميلها للإنسان المؤمن, لتكون خالية من الشرور و الأمراض, و إذا تدبرنا آيات القرآن الكريم السنة النبوية فإننا نجدها زاخرة بكل ما يدعو إلى الحفاظ على البيئة المختلفة من, نبات, و حيوان, و أنهار, و بحار, و غيرها, حتى يبقى للكون نقاؤه و طهارته. فالقرآن يقرر أن الإنسان أشرف المخلوقات, فهو خليفة الله في الأرض, و سخر له كل ما في السماوات و الأرض جميعا منه, و فضله على كثير من خلقه " و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" (الاسراء69) ,و قال تعالى أيضا "و سخر لكم ما في السماوات و ما في الأرض جميعا منه".
2.مفهوم البيئة:
[للبيئة مفهوم واسع, و استخدامات متعددة, فالبيئة: هي الوسط الذي يعيش فيه الإنسان, فرحم الأم بيئة الإنسان الأولى, و البيت بيئة, و المدرسة بيئة, و الحي الذي نعيش فيه بيئة, و الكون كله بيئة. و قد وضح خبراء البيئة تعريفا محددا للبيئة عندما اجتمعوا في استوكهلم سنة 1972 و هو "البيئة هي جملة الموارد المادية و الاجتماعية المتاحة في وقت ما, و في مكان ما لإشباع حاجات الإنسان و تطلعاته" و بناء على هذا فالبيئة تضم الموارد الطبيعية: كالماء و الهواء, و التربة, و مصادر الطاقة, و المعادن , و النباتات, و الحيوانات, و أن أي تلويث لهذه الموارد يؤثر حتى في خارج حدود البلد الذي يقع فيها التلوث] و كمثال على ذلك حادث انفجار المفاعل الذري في تشرنوبيل بروسيا, هذه الحادثة أو الكارثة أزعجت جميع دول أوروبا و الدول الأخرى القريبة التي يمكن أن يصل إليها آثار هذا المفاعل الرهيب, و لا ننسى أيضا ما أحدثه تسرب النفط في البحر من تلوث. و من هنا كانت أهمية التعاون الدولي عبر الأممالمتحدة أو الهيئات العلمية المختلفة في مواجهة مشكلة التلوث, لأننا نعيش في كوكب واحد, و مستقبل البشرية مشترك, خاصة في هذه المرحلة التي تشابكت فيها مصالح سكان هذه الكرة الأرضية بعد تقدم وسائل المواصلات و الاتصالات المختلفة بصورة متقدمة, حتى أصبحت الكرة الأرضية و كأنها حارة واحدة. و لعل ما نسمعه في هذه الفترة عن ثقب الأوزون [-نتيجة استخدام الغازات في الصناعة-] الذي بات مشكلة عالمية أدت إلى تغيرات مناخية في أنحاء العالم, تهدد الإنسان و الحيوان, فالبيئة بعناصرها و تفاعلاتها مع بعضها تشكل الكون الذي هو بيئة الإنسان, و الكون بما فيه من مجرات و سدم و مجموعات نجمية, و نجوم و كواكب و مذنبات... كل هؤلاء يكون نظاما مترابطا و متكاملا, و أن هذا النظام الديناميكي تحكمه علاقات و قوى محددة و دقيقة, و لو اختل بعضها لأثر في حركة هذه المكونات, و سبب اضطرابات تهدد كل ما فيه أو بعضه قال الله تعالى في القرآن الكريم "و يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه"(الحج65) و قال أيضا "إن الله يمسك السماوات و الأرض أن تزولا , و لئن زالتا إن أمسكهما من أحد بعده إنه كان حليما غفورا"(فاطر41) 3.خلافة الإنسان في الأرض مرتبطة بحماية البيئة: يقرر القرآن الكريم أن الإنسان أشرف الموجودات, فهو خليفة الله في أرضه فلا عجب أن يكرمه الله في هذه الأرض بما فيها من طاقات و خيرات سخرها له في البر و البحر من مختلف الألوان, و الآيات القرآنية التي تشير إلى ذلك كثيرة: منها قوله تعالى:"أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها و زيناها و ما لها من فروج, و الأرض مددناها و ألقينا فيها رواسي و انبتنا فيها من كل زوج بهيج" (ق6-7). إذن فالإنسان أعظم المخلوقات في هذا الكون و أثمنها, لأنه المستخلف من قبل الخالق سبحانه, و لكن للأسف قلما يتصرف على ضوء هذه الحقيقة. و بما يتناسب معها, سواء مع نفسه, أو مع من حوله من بشر أو بيئة فقد خلقه الله و أتقن خلقه مع هذه البيئة المحيطة به [على سطح هذه الكرة الأرضية,] و مثال عظيم على دقة المنع و تناسب ذلك مع البيئة التي وجد عليها, نجد ذلك في تكوينه المتميز مع جاذبية الأرض, و هو شكل يعتبر ناجحا بالمقاييس الحيوية, و ما حدث لرواد الفضاء, و عدم تناسب البيئة القمرية مع جاذبية الإنسان خير دليل ذلك أن جاذبية القمر تبلغ سدس جاذبية الأرض, و مغزى ذلك أو السر في ذلك أن الله خلق الإنسان لهذا الكون في صورة دقيقة و متلائمة مع البيئة التي يعيش عليها و يعمرها, و لهذا أوجبت المسؤولية رعاية هذه البيئة من منطلق عقدي و خلقي, و مسؤولية الحرص على مصلحة الإنسان و مصالح أجياله القادمة مع هذه البيئة حتى تبقى صالحة للحياة كما خلقها الله, و على الإنسان ألا ينسى أن أي تدمير لها سواء في تربتها أو في هوائها, أو زرعها, أو فضائها, أو مائها, معناه تدمير للإنسان. و كثيرا ما نهى القرآن الكريم عن إفساد هذه المكونات البيئية. "ولا تعثوا في الأرض مفسدين" و قوله تعالى "و لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها" . 4.[و قد وقفت الأمم المتحضرة للدفاع عن البيئة, و عقدت المؤتمرات لها, و تقدمت النظريات و الأبحاث في كل مجال, لصد الأذى عنها, و مطالبة الإنسان في كل مكان بألا يتصرف مع البيئة بمفهوم السيئ المطلق, يتصرف فيها و يتعامل معها دون مراعاة لحمايتها. فإذا كانت الأرض في الماضي امتصت هذه التصرفات غير المسؤولة عن سلامة البيئة, فإنها كانت تمتص هذه الأخطاء نظرا لقلة عدد الناس في الماضي, و لذلك كانت قادرة على احتمال تصرفات الإنسان الخاطئة, و امتصاص أذاها, و لما تزايد عدد الناس و تفاقمت تصرفاتهم المؤذية تجاه الأرض, لم يعد بوسع هذه الأرض. احتمال ذلك, لم تعد تستطيع إصلاح العواقب بسرعة كافية لتعويض أثر ما يرتكب في حقها من أخطاء و أذى. 5.نستخلص مما سبق حقائق هامة حول علاقة الإنسان بالكون في ضوء الشريعة الإسلامية, تعتبر من الضروريات في حياة الإنسان: 1. علاقة الإنسان المسلم بالبيئة علاقة دينية و خلقية كما تشير النصوص القرآنية, و قد أشرت إلى بعضها باختصار احتراما للمساحة المعدة للمقال. 2. رعاية الإسلام للبيئة من منطلق عقدي, و هذا الشأن له مدلول هام بحيث إن الإخلال أو الإفساد في الأرض- من أي نوع من أنواع الفساد - سواء في البيئة الطبيعية, أو الاجتماعية يعتبر مخالفا للشرع, يعاقب عليه صاحب و مالك هذا الملك هو الله. 3. البعد الأخلاقي في التعامل مع البيئة مسألة ضرورية من أجل استقامة الحياة, و سير نظام الوجود سيرا محكما ملتزما بأسبابه و مسبباته... فلا بد من أن يراعي الإنسان القوانين الخاصة بحماية هذا الكون و التي فرضت من قبل مالكه الحقيقي و إذا أدرك الإنسان هذه الحقيقة التي يقررها الإسلام في علاقة الإنسان بالبيئة فإنه يتجنب كثيرا من الولايات الأخلاقية التي لحقت بالبيئة, مثل الحروب الذرية و الكيماوية التي استخدمت في الحروب المختلفة و التاريخ شاهد على عدد كبير من هذه الحروب التي جاءت بمثل هذه الكوارث البعيدة عن الخلق القويم تجاه البيئة و الإنسان الذي يقطنها. 4. ربط الثواب و العقاب لرعاية الإسلام للبيئة, و توقيع الجزاء و العقاب لمن يفسد في الأرض فيقول تعالى:"فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم"(محمد22). كما نشر إلى الشريعة الإسلامية تربط حماية البيئة بالعقيدة لان مكونات البيئة -و هي جميع ما خلقه الله في هذا الكون- ما هي إلا آيات الله في أرضه ليرينا قدرته فيها "سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق"(فصلت52) و قوله "وما خلقنا السماوات و الأرض و ما بينهما لا مبين, ما خلقناهما إلا بالحق و لكن أكثرهم لا يعلمون"(الدخان38-39) و لذلك فإن رعاية البيئة من الكوارث[سواء كانت من فعل عبث الإنسان أو عدم مراعاة أصول التعامل معها,] يجب على البشرية أن توليها حق الرعاية, سواء بالعلم و البحث عما يدعم مواردها الطبيعية و يحسن استعمالها أو طريقة علاج الموارد بالصورة التي لا تؤذى الإنسان مثل المعادن التي تستخرج من باطن الأرض, فعلى الإنسان أن يتعامل في استخراجها بحذر و ألا يقف عند مصلحته المباشرة, و أن ينظر إلى أن هذه البيئة بثرواتها هي له و لأحفاده من بعده, حتى يحرص على توازنها قبل أن يقضى عليها و هو في الوقت نفسه مطالب بتحميلها و العناية برونقها و تنميتها. 6.يقول الرسول صلى الله عليه و سلم "إذا قامت على أحدكم القيامة و في يده فتيلة, فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر"رواه أحمد و في هذا الحديث نجد إلى جانب ما فيه من معنى ايجابي في الحضر على المضي في العمل المنتج و الإقبال عليه حتى قيام الساعة, فيه أيضا الأمر من الرسول عليه السلام بتوسيع المساحة الخضراء كمنظومة حيوية أساسية لتجميل الحياة على الأرض. و عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون" متفق عليه. و الحقيقة العلمية في هذا الحديث تكمن في منع تلوت الهواء من استمرار عملية الاحتراق لسببين: 1. أن المنتج الرئيسي للغازين أول و ثاني أكسيد الكربون ترتفع نسبته في هواء الغلاف الجوي للأرض. 2. تبقى عملية الاحتراق مستهلكة شرسا و مباشرا لنسبة معلومة من الأوكسجين الحيوي عن طريق تعطيل فاعليته و تثبيته في مركبات سامة مثل الكربون و غيره. كما حرص الإسلام على حماية البيئة من التلوث بالنهي في السنة المطهرة عن التغوط أو التبول على الطريق, و في الظل, و المياه الراكدة. ومن الأحاديث التي وردت في هذا الشأن: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "اتقوا الملاعن الثلاث, قالوا يا رسول الله و ما هي؟ قال صلى الله عليه و سلم البراز في الموارد, و على قارعة الطريق, و في أماكن الظل" أخرجه أبو داود في سننه. 7.أن الإنسان لو سار مستضيئا بنهج هذه الضوابط التي أشارت إليها نصوص القرآن و الحديث, فسوف يحفظ للبيئة اتزانها و جمالها, و طهارتها السماوية, و بالتالي نضمن السلامة لنا و لأبنائنا, و لأجيالنا المقبلة.
الأستاذ عبد السلام بنهروال جامعة شعيب الدكالي الجديدة