الذي خارت قواه يقول: من أين لنا في غزة طاقة الصبر على جبروت إسرائيل؟ والذي فقد الثقة بالإنسان الفلسطيني يقول: لماذا تنفخون في بوق المبالغة والتعظيم لقدره غزة على الصمود في وجه إسرائيل؟ والذي لا يعرف عن واقع غزة أكثر من بوابة البنك لقبض الراتب، ويتمنى السفر، يقول: يا ويلنا لو أرادت إسرائيل، فإنها لقادرة على أن تحرق غزة على رأس ساكنيها! أما الذي آمن بالله، وأعدَّ الإنسان إلى يوم اللقاء المحتوم، ويعرف أنه سيواجه عدوه عاجلاً أم آجلاً، فإنه أسلم أمره لله وقد اطمئن إلى سواعد شبابه الواثق. سأعود إلى مقولة: كل إناء ينضح بما فيه، فإن كان عطراً صار المكان عبقاً، وإن كان رعباً وجبناً سال حتى القدمين ساخناً. ومن كان مطمحه سلطة فإنه سيخاف على كرسييه ويرتعب، ومن تعشق الثورة فإن من صفاتها اختراق المستحيل، وإلا كيف يمكن تسميتها ثورة لو رافقت المألوف، وكيف نسمي مفجريها بالمجانين؟ وكيف نسمي راكبي صهوتها بالأبطال؟ لنسمي المصيفين لما تساقط من حبٍ وذهبٍ بعد انجلاء المعارك بالمنتفعين؟ يعرف من يسكن غزة أنها في حاجة إلى الوقت لترتيب نفسها، وتهيئة وضعها، وتصليب عودها، يعرف من يسكن غزة أنها بحاجة إلى المال، والدعم والمواد المتفجرة والتدريب والانفتاح على تكنولوجيا السلاح المتطور، ولكن يعرف من يسكن وجدان غزة أنها لا تنضب من الرجال، وهؤلاء هم الذي سيقررون مصير غزة ومستقبلها، وليس السلاح الإسرائيلي الفتاك الذي جربته إسرائيل أكثر من مرة، ومارست فيه القتل والتدمير بلا رحمة، حتى أدركت الدولة العبرية الحقيقة القائلة: إن غزة عصية على الكسر، وإن غزة قد خرجت عن بيت الطاعة الإسرائيلية، وإن غزة تصوغ مستقبل فلسطين بإصرار آلاف الشباب الذي يحترفون المقاومة، ويحفرون أنفاق الكرامة، ويعدون أنفسهم ليل نهار، ويعملون بسرٍ وصمتٍ وهدوء وثقة، وهؤلاء هم رصيد غزة الذي لا ينضب، وهؤلاء هم الذين لا يعرف عملهم، ولا يدري عنهم، ولا يكشف سرهم أحد، وهؤلاء هم وقود غزة وقوتها وإلهامها ومصدر قراراها. قد يقول أحدهم: أنت تصفق للوهم، وتهتف في الصحراء، وأنت تمنى النفس بالقوة في زمن الخوار، ولكن الصحيح الذي لا يعرفه هؤلاء القوالون الضعفاء هو: إن غالبية المقاومين الذين يستعدون للمواجهة لا يتقاضون راتباً، وهم فتية يدفعون من مصروفهم، ومن جيوب آبائهم، ولا ينتظرون آخر الشهر، ولا يطمعون في هذه الدنيا بأكثر من الشهادة. علمت قبل فترة من الزمن، أن كتائب المقاومة الإسلامية حماس قد طردت مقاوماً من صفوفها؛ رغم أنه خدمها سنوات بإخلاص، ودون مقابل، والسبب كما قيل لي: إنه جلس على شاطئ البحر مع مجموعة شاب يدخن النرجيلة. وكان شرط المقاومة؛ إما أن تكون رجلاً بالمطلق، أو تقعد في بيتك. عد إلى حجر أمك، فالرجولة ليست موسمية. هؤلاء هم قوة غزة، وأنيابها، ومخالبها، هؤلاء هم الذي يتوسلون ساعة اللقاء، وينتظرونها، ويعرفهم في الميدان أهود باراك ويوآف جالنت، وجابي أشكنازي.