تعزية في وفاة زوجة محمد الحمامي رئيس مقاطعة بني مكادة بطنجة    صديقي يكشف عدد الأغنام المستوردة الموجهة لأداء شعيرة عيد الأضحى    "اتفاق الرباط" يوصي بالاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي    تداولات بورصة البيضاء على وقع الأحمر    دراسة…حرارة المياه الجوفية ستجعلها غير قابلة للاستهلاك بحلول نهاية القرن    مناهضو التطبيع يواصلون الاحتجاج ضد المجازر في غزة ويستنكرون التضييق وقمع المسيرات    إطلاق نار يستهدف سفارة أمريكا في بيروت    ماركا تُرشح دياز للفوز بالكرة الذهبية الإفريقية    أنتونيو كونتي مدربا جديدا لنابولي الإيطالي    عدد ضحايا حادث التسمم بمادة "الميثانول" بجماعة سيدي علال التازي بلغ 8 وفيات    أزيد من 4300 تلميذة وتلميذ يجتازون الامتحان الجهوي بتازة    شاطئ سبتة يلفظ جثة جديدة يُرجح أنها لشاب مغربي    اسم "مليلية" كاد يعصف بمشاركة باخرة اسبانية في عملية "مرحبا 2024"    نجمة المنتخب الوطني تجر لاعبة كونغولية إلى القضاء    قوافل الحجاج المغاربة تغادر المدينة المنورة    إقليم برشيد…أونسا تكشف سبب نفوق رؤوس الأغنام    الإعلان عن لجان تحكيم الدورة الخامسة من مهرجان عمان السينمائي الدولي    توقعات أحوال الطقس غدا الخميس    مبادرة بوزان تحتفي بزي "الحايك" الأصيل    توقيف شخص بالبيضاء يشتبه تورطه في إلحاق خسائر مادية بممتلكات خاصة    إحداث هيئات صحية جديدة.. تصحيح لخارطة "الحكامة" وتحقيق للعدالة الصحية    ارتفاع أسعار الذهب بدعم من ضعف الدولار    النفط يتراجع لسادس يوم على التوالي وسط زيادة كبيرة في المخزونات الأمريكية    "المدونة" تؤجل حسم مواد بقانون المسطرة المدنية ووهبي يتمسك بواجب التحفظ    مجلس المستشارين يصادق على مشروع القانون المتعلق بالعقوبات البديلة    مراكش.. شاب يقتل والده بطريقة بشعة ويلوذ بالفرار    بنعبد الله: هوة كبيرة بين البرلمان والمجتمع    الحركة الشعبية بتطوان تعقد مؤتمرها الإقليمي    الإسباني فرناندو هييرو مديرا رياضيا للنصر السعودي    إضراب بالمكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي احتجاجا على تأخر إخراج القانون الأساسي    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الدرهم ليوم الأربعاء    علماء أمريكيون يقتربون من تطوير لقاح مركب ضد جميع فيروسات الإنفلونزا    الخبرة المغربية تتألق في صناعة حراس عالميين بهولندا    العصبة الاحترافية تحدد موعد إجراء نصف نهائي كأس العرش..    المنتخب الأولمبي المغربي لكرة القدم يتعادل وديا مع نظيره البلجيكي    أفلام مغربية داخل وخارج المسابقة بمهرجان "فيدادوك" الخامس عشر    الإمارات: احتجاز ضابط بريطاني سابق منذ سبعة أشهر في دبي بتهمة التجسس    قصف مستمر على غزة والجيش الإسرائيلي مستعد "لتحرك قوي" على حدود لبنان    23 قتيلا و2726 جريحا حصيلة حوادث السير بالمدن خلال أسبوع    مهرجان سيدي قاسم للفيلم المغربي القصير يفتح باب المشاركة في دورته الجديدة    لطيفة رأفت: القفطان المغربي رحلة طويلة عبر الزمن    مجلس النواب الأميركي يصوّت على معاقبة مسؤولي "المحكمة الجنائية الدولية"    سلوفينيا تعترف بدولة فلسطين    بطولة رولان غاروس: الايطالي سينر يبلغ نصف النهائي ويضمن صدارة التصنيف العالمي بانسحاب ديوكوفيتش    خبراء: حساسية الطعام من أكثر الحالات الصحية شيوعا وخطورة في زمن تنوع الاطعمة    فرق محترفة تقدم توصيات مسرحية    لماذا يعتبر الشراء بالجُملة "أوفر" مادياً و"أفضل" بيئياً؟    الرجاء يتلقى ضربة موجعة قبل موقعة مولودية وجدة    كيف ذاب جليد التطبيع بين إسرائيل والمغرب؟    حكم يدين إدريس لشكر بسب صحافيين    السر وراء رسو ناقلات النفط الروسي قبالة سواحل المغرب    يستكشف تأثير "الإهمال والصراع" على العلاقة الزوجية.. "واحة المياه المتجمدة" في القاعات السينمائية    "أونسا" يكشف نتائج التحقيق في أسباب نفوق أغنام ببرشيد    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (15)    السعودية تحذر من درجات حرارة "أعلى من المعدل الطبيعي" خلال موسم الحج    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    دراسة: القطط بوابة خلفية لانتقال أنفلونزا الطيور إلى البشر    الأمثال العامية بتطوان... (615)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعوة البرزاني إلى رام الله
نشر في السند يوم 12 - 02 - 2011

في الخامس من شباط / فبراير الجاري كان وزير الشؤون الخارجية لسلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود برام الله، د. رياض المالكي، على رأس وفد ضم مدير مكتبه فادي الحسيني ورئيس الشؤون العربية في وزارته تيسير جرادات وحكيم الزريقي من سفارة فلسطين في العاصمة الأردنية، في زيارة هي "الأولى من نوعها لوزير خارجية فلسطيني" (وفا) لمدينة أربيل، عاصمة "إقليم" كردستان العراق، حيث اجتمع مع رئيس حكومة الإقليم برهم صالح - - الذي نقل المالكي إليه تحيات نظيره د. سلام فياض قبل أن ينتقل إلى منتجع صلاح الدين ليجتمع مع رئيس الإقليم مسعود البرزاني
وينقل إليه رسالة من رئيس السلطة محمود عباس موجها له الدعوة "لزيارة فلسطين" قائلا إن قبول الدعوة سيكون "شرفا كبيرا للشعب الفلسطيني" الذي "ينظر بأهمية إلى التجربة التاريخية والناجحة لشعب كردستان" (يونايتدربرس انترناشونال)، وليعلن كذلك عن زيارة مقبلة لوفد من رجال الأعمال الفلسطينيين يرأسه وزير الاقتصاد في حكومة فياض، بينما تحدث البرزاني عن العلاقات "التاريخية" بين الشعبين و"كثير من التحديات المشتركة" التي تواجههما.
إن حديث البرزاني عن العلاقات "التاريخية" هو حديث ذو شجون، فالعلاقات بين العرب والأكراد تاريخية حقا وبخاصة بعد ان صهرهما الاسلام والتعايش المشترك والتزاوج في أمة واحدة، لكن تاريخ القيادة البرزانية هو تاريخ السعي المتواصل من أجل الانفصال عن هذه الأمة وعن هذا التاريخ.
ومما يثير التساؤل حقا الرسالة الرمزية التي أراد البرزاني إرسالها من استقباله للمالكي في منتجع "صلاح الدين"، فقد كان صلاح الدين الأيوبي - - الذي يحمل المنتجع وكذلك محافظة عراقية اسمه - - وما زال، رمزا قوميا عربيا للتآخي العربي الكردي الذي سلمه قيادة تحرير بيت المقدس من الفرنجة في الثاني من تشرين الأول / أكتوبر عام 1187م، بينما يتلخص "التاريخ البرزاني" بالاستقواء المتواصل على أمته وشعبه بدولة المشروع الصهيوني في فلسطين، النسخة المعاصرة للممالك الصليبية التي أسقطها صلاح الدين الواحدة تلو الأخرى.
وبالتالي لا يسع أي عربي في فلسطين إلا ان يتساءل عما يعنيه البرزاني بالحديث عن علاقات "تاريخية" مع عرب فلسطين، وعن أي "تحديات مشتركة" تواجه الجانبين في وقت تقف قيادة البرزاني في الخندق الأميركي – الإسرائيلي بينما يقف الشعب الفلسطيني في الخندق المواجه تماما لتحالفهما الاستراتيجي.
لكن التساؤل الحقيقي الذي تثيره زيارة المالكي لأربيل لا يتعلق بالبرزاني بقدر ما يدور حول أسباب ودوافع واهداف ومنافع سلطة الحكم الذاتي في رام الله من العلاقات معه ، فالبرزاني منسجم مع نفسه وتاريخه تماما، فقد أعلن في أيار / مايو عام 2006 أثناء زيارة للكويت بأن "العلاقة مع إسرائيل ليست جريمة" وأنه "مستعد لافتتاح قنصلية إسرائيلية في أربيل في حال قررت الحكومة العراقية افتتاح سفارة إسرائيلية في بغداد".
و يذكر تصريحه بتاريخ طويل من العلاقات البرازنية مع دولة الاحتلال الاسرائيلي، منذ اعدمت قوات الانتداب البريطاني على فلسطين قبل إقامة دولة المشروع الصهيوني فيها الارهابي "موشى برزاني" عضو عصابة منظمة ليهي الصهيونية المتطرفة، مرورا بعلاقات ولقاءات البرزاني الأب، مصطفى، مع قادة الاحتلال بعد النكبة الفلسطينية عام 1948 وبخاصة تلك الزيارة التي قام بها لدولة الاحتلال في أيلول / سبتمبر عام 1967 بعد ثلاثة أشهر فقط من "النكسة" العربية، عندما اجتمع مع موشى دايان وزير الحرب الإسرائيلي الذي ادعى الفضل في "تحرير" القدس من العرب والمسلمين، في تحد مباشر لشعوب أربعة دول عربية احتلت أراضيها إضافة إلى الشعب الفلسطيني الذي شمل الاحتلال آنذاك الخمس الأخير من وطنه التاريخي، وأخيرا وليس آخرا ما نشرته وسائل الإعلام الرئيسية في دولة الاحتلال في سنة 2004، بعد عام من الغزو الأميركي للعراق، عن لقاءات بين رئيس وزرائها الأسبق آرييل شارون والبرزاني الابن وجلال طالباني الرئيس الحالي للنظام المنبثق عن الاحتلال الأميركي في بغداد الذي زار تل أبيب سرا في ذلك العام على ذمة أسبوعية المنار المقدسية، ثم التقرير الشهير الذي نشره الصحفي الأميركي المعروف سيمون هيرش في "النيو يوركر" في الحادي والعشرين من الشهر السادس من العام نفسه عن حجم النشاط الإسرائيلي الواسع في كردستان العراق استخباريا وعسكريا وتدريبيا وتجاريا وتطبيعيا.
وهذا نشاط يتخذ الان من الاقليم البرزاني ثاني قاعدة له، إضافة إلى قوات الاحتلال الأميركي والسفارة الأميركية في بغداد حيث "يخدم أكثر من مئة وثمانين خبيرا إسرائيليا ضمن مستشاري السفارة" (خالد المعيني، الوطن الكويتية في العاشر من الشهر الجاري)، ليس لاجتياح العراق فحسب بل ولاختراق الدول العربية وغير العربية المجاورة والتجسس عليها وبخاصة إيران وسوريا.
إن هذا "التاريخ البرزاني" يستبعد تماما أي علاقات "تاريخية" مع الشعب الفلسطيني، ولا يجعل أي زيارة يقوم بها البرزاني للسلطة في رام الله أو غيرها "شرفا كبيرا للشعب الفلسطيني"، ويثير أسئلة خطيرة عن طبيعة علاقات قيادة السلطة المتسارعة والمتنامية معه - - اللهم إلا إذا كان لدى السلطة ما يشير إلى انقلاب تاريخي على هذا التاريخ لا يعرفه أحد غيرها - - وبخاصة بعد الزيارة التي قام بها رئيس السلطة محمود عباس لأربيل في نيسان 2009، بعد أسبوع من زيارته لبغداد، فاستحق مديح البرزاني لزيارته باعتبارها "تاريخية" لأنه كان كما قال "الرئيس الأول" من العرب وغير العرب الذي يزور الاقليم والعراق بعد الاحتلال الأميركي، ليتبعه ابنه ياسر محمود عباس في أواسط كانون الأول / ديسمبر من العام نفسه في زيارة لأربيل "بتوجيه من الرئيس الفلسطيني بهدف توطيد العلاقات بين الشعبين" على ذمة القدس العربي في حينه، بالرغم من عدم وجود أي صفة سياسية للابن وإصراره على انه متفرغ للعمل التجاري كما أعلن في الجلسة الأولى لمحكمة صلح جزاء عمان في القضية التي رفعها ضد قناة الجزيرة الفضائية بالعاصمة الأردنية والتي تأجلت إلى السادس عشر من الشهر الجاري.
إن رفض القاضي الأردني إجازة سؤال لمحامي الدفاع عن الجزيرة عما إذا كانت السلطة في رام الله تورد بضائع إسرائيلية إلى الإقليم العراقي يشي باحتمال وجود أهداف غير تلك المعلنة لعلاقات السلطة مع حكم البرزاني، ومنها تجدد الشكوك حول توجه لتحقيق جزئي لمشروع إسرائيلي – أميركي قديم متجدد لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في العراق عبر البحث عن حل "إنساني" لمحنتهم بعد الغزو الأميركي للعراق بتوطنيهم في إقليم كردستان بعد أن سدت في وجوههم كل الأبواب العربية والدولية باستثناءات رمزية. وكانت قد نشرت تقارير إخبارية لخصها عنوان في القدس العربي في 14/9/2009 جاء فيه أن "البارزاني يوافق على نقل 13 ألف لاجئ فلسطيني إلى إقليم كردستان".
وتتعزز الشكوك لأن رياض المالكي يترك مشاغله الحافلة في مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة والعواصم الدولية سعيا إلى "اعتراف" بدولة فلسطينية ليجد لديه متسعا من الوقت ليزور منطقة لا تقدم ولا تؤخر في هذا المسعى، ولأنه يجد فائضا من المال ليعلن عن خطط لفتح قنصلية فلسطينية في أربيل لا يسوغ فتحها لا وجود تبادل تجاري ولا تواجد جالية فلسطينية بحاجة إلى خدماتها، بينما بالكاد تتدبر السلطة التي يمثلها رواتب موظفيها في نهاية كل شهر، وإذا كان فتح قنصلية كهذه استشرافا لعلاقات مستقبلية فالأجدى ان يستشرف المالكي هذه العلاقات في بغداد، إلا إذا كان يؤيد مستقبلا لإقليم كردستان منفصلا عن وطنه العراقي الأم.
في عام 1999 نشرت أنباء عن عرض أميركي للنظام الوطني في بغداد برفع الحصار عن العراق مقابل انضمامه ل"عملية السلام" العربية الإسرائيلية تضمن استيعاب اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. إن رفض الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للعرض كان من الأسباب الرئيسية لغزو العراق واحتلاله. وكان "تغيير النظام" الوطني في العراق بالقوة العسكرية الغاشمة عام 2003 الذي انتهى باستشهاد صدام قد تلاه في العام التالي "تغيير" مماثل للنظام السياسي الفلسطيني بالحصار والاجتياح العسكري والقوة المسلحة الغاشمة انتهى باستشهاد الراحل ياسر عرفات.
إن "المشترك" الوحيد بين السلطة في رام الله وبين السلطة في أربيل هو قيام السلطتين على حطام نظامين استهدفهما التحالف الأميركي – الاسرائيلي، وهو علاقاتهما الوثيقة مع طرفي هذا التحالف، وهذا هو التفسير الوحيد لقيام "الرئيس" عباس وهو تحت الاحتلال بمحاولة إضفاء شرعية عربية – فلسطينية لا يملك مقوماتها على نظامين في بغداد وأربيل منبثقين عن الاحتلال بهدف معلن هو الانفصال عن العرب وقضيتهم في فلسطين وشعبها، وهذا الانفصال هو أيضا خلاصة اتفاقيات أوسلو التي وقعها عباس مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
إن علاقات رام الله مع أربيل ترقى حقا إلى إضفاء شرعية فلسطينية على "التاريخ البرزاني" مع دولة الاحتلال، وإلى إخراج هذا التاريخ من السر إلى العلن تحت يافطة فلسطينية لا يعود البرزاني بعدها بحاجة إلى الطيران سرا إلى تل أبيب، بعد أن حصل على ضوء أخضر فلسطيني منحه مفاوض السلطة مجانا للكثير من العرب وغير العرب عبر بوابة أوسلو.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.