يدخل العالم بأكمله اليوم في نقاش عام حول القيم وعلاقتها بالواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات. بحيث تدخل مسألة القيم ضمن المواضيع السيادية التي يمكن للأحزاب المتصارعة على الحكم أن تتقارع بشأنها في معاركها الانتخابية وفي فعلها السياسي، عبر لعبة المؤسسات السياسية التي تنتج السياسات العمومية المؤطرة لأنشطة الدولة والمجتمع. في المغرب، وككل المواضيع المرتبطة بضرورة إحداث نقاش عام حولها، تبرز الازدواجية في التعاطي مع مسألة القيم. فالإسلاميون يعتبرون أن القيم الواردة من الغرب خطر على القيم الإسلامية التي يجب أن يحافظ عليها وأن يتم تحصينها من موجة العولمة التي ضربت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذاك بإحداث جبهة مقاومة وردع، ومقياس عام تتم من خلاله "غربلة" القيم التي يجب الحفاظ عليها والأخرى التي يجب محاربتها. هذا هو تصور الحركات الأصولية في المغرب لمسألة القيم التي لا يمكن النظر إليها إلا من زاوية التأويل الديني، وذلك عبر إطلاق إعلان الرباط حول ربيع القيم من قبل حركة التوحيد والإصلاح وبشراكة مع إحدى المجلات التابعة لحركة وهابية - سعودية ترفض الديمقراطية صراحة في منشوراتها التي عرضت في الندوة المنظمة بالرباط السبت الماضي. تمثل الإسلاميين للقيم اليوم مخالف تماما لتمثل العلمانيين، فالقوى الإسلامية تربط أوتوماتيكيا بين مفهوم القيم ومفهوم الدين، أو أنهم دائما يلازمون المفهومين ليعبروا عن معنى واحد، وبذلك تجدهم في المحاورات والمداخلات والندوات يستعلمون مفهوم القيم ويحملونها حمولة إسلامية، وبالتالي، يصبح للقيم معنى أخلاقي بمثابة سلم تحدد به القيم الصالحة للمجتمع والأخرى التي أنتجتها العولمة وتعتبر دخيلة ويجب تحصين القيم الإسلامية منها. الطرف الثاني هو الذي يؤمن بالقيم بمفهومها الشامل أو الكلياني، وهو السباق إلى موضوع تحولات القيم وتأثيراته على المجتمع والدولة، فيعطي معنى خاصا لمفهوم القيم، حتى صار مفهوما تتبناه الكثير من المؤسسات الدولاتية، ففي البحث الوطني حول القيم الذي أنجز ضمن مشروع تبنته الدولة - تقرير الخمسينية- والذي يركز في الأساس على أنه لا يمكن ربط القيم بتمثل موحد يحمل حمولة أخلاقية أو دينية معينة، بل إن مفهوم القيم بحسب هذا المنظور يتعداه إلى مجموعة من التمثلات الاجتماعية لمجموعة من الأراء والمعتقدات سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. فهل ستُفتح حرب جديدة حول القيم بعدما خاض العلمانيون والإسلاميون حروبا حول الهوية والحريات الفردية؟ المشكل المطروح هو أن القوى السياسية تدخل في الكثير من الأحيان في منطق المزايدات السياسية. الإسلامي يزايد على العلماني بالامتداد الشعبي والعلماني يزايد على الأول بدحض أطروحته وتبخيسها وتصويرها على أنها خطر على التجمع المدني. النقاش حول القيم في المغرب كغيره من البلدان التي مستها رياح ما سمي ب"الربيع العربي"، أصبح اليوم ضرورة ملحة لخلق الوحدة الاجتماعية، بين أغلب مكونات المجتمع المغربي، وتجاوز الاختلافات الإثنية والسياسية والدينية التي توسع شروخ المجتمع. فالنقاش الذي مازال أغلب مكونات المجتمع المغربي يستبعدونه اليوم من التداول في الفضاء العام لا يمكن أن يكون إلا صحيا بالنظر إلى تجارب بعض المجتمعات العريقة التي خاضت نقاشات كبرى حسمت موضوع "القيم"، بل وأصبحت تدرجها ضمن سياساتها العامة لتحقيق نوع من الاستقرار أو ما يمكن التوافق على تسميته ب"الأمن القيمي". الولاياتالمتحدةالأمريكية على سبيل المثال، وعلى الرغم من وجود اختلافات بين الأديان، (مسيحيون، يهود، ومسلمون).. وبل وداخل الدين الواحد، البروتستانت أو الكاثوليك، إلا أن سياسات الدولة وتوجهات المجتمع تتفق على المبادئ الرأسمالية كأساس لتسيير الحياة العامة. فمفهوم الفضاء العام، كفضاء للنقاش وتوحيد الرؤى عبر خلق نوع من الجدل البناء مازال لم يصل بعدُ إلى الثقافة السياسية المغربية، وهومفهوم مقرون بمفهوم الصراع واستعراض العضلات. وقراءة بسيطة لسلوك مختلف الشخصيات السياسية تظهر تلازم الفعل السياسي المغربي مع منطق القوة والصراع، فإلى متى سيبقى الحقل السياسي المغربي بعيدا عن منطق النقاش العام؟ ألم يحن الوقت بعد لفتح الحوار حول مفهوم القيم في السياق المغربي؟