سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
السخرية جميلة وممتعة، شرط ألا تتعلق بنا! يرغب الحداثيون جدا في المغرب أن يسخر صحافي كنال بلوس بارتيز يان من هولاند وغيره ويحبونه شرط ألا ينتبه إلى تقبيل يد الملك وإلى الزرابي
الليبراليون جدا، الحداثيون جدا، المنفتحون جدا، الذين يتنفسون الحرية، والذين عندما تمطر في باريس يحملون هنا المظلات، بعض من هؤلاء هم من يحتج اليوم على كنال بليس وعلى يان بارتيز، ويؤسسون صفحة في الفيسبوك لمقاطعة فرنسا والبضائع الفرنسية، إلى آخره، إلى آخره من مثل هذا الكلام الممجوج، الذي لا نسمعه إلا من القومجيين والإسلاميين واليسار الشمولي، الذين لا يتحملون أن ينتقدهم أحد، ويرفضون رؤية صورهم ووجوههم في مرايا الآخرين. يرغب الحداثيون جدا في المغرب أن يسخر يان بارتيز من كل شيء في العالم، من الرئيس الفرنسي والمعارضة الفرنسية ومن الرياضيين والفنانين والصحفيين، ويضحكون كثيرا حين يفعل ذلك، بل أكثر من ذلك يموتون ضحكا، ويرفعون القبعة لكنال بلوس وصحفيها الساخر والمتميز، لكن شرط ألا يقترب من المغرب، وألا ينتبه إلى تقبيل يد الملك وإلى الزرابي، هذه في نظرهم خصوصية مغربية ولا يجب السخرية منها بالنسبة إلى فرنسي. إن يان بارتيز عبقري وموهبة في نظرهم، شرط ألا يصوب سهام سخريته نحونا، أن يبقى بعيدا، كي نضحك نحن من كل العالم، وكي يمتعنا لوبتي جورنال طوال الأسبوع بما يفعله في الآخرين، أما حين نكون نحن موضوعه، وحين خلقنا نحن الحدث، فهذا مرفوض ولا يجوز، ويجرح مشاعرنا. الليبراليون الحقيقيون والحداثيون الحقيقيون في المغرب يؤمنون فعلا أن المغرب مختلف ويشكل استثناء، لأنه يقبل السخرية والنقد والانفتاح، ولا يرى في كل شيء مؤامرة، وقد سبق أن كتب صحفيون وكتاب رأي معتدلون وإصلاحيون عن موضوع تقبيل يد الملك وانتقدوه، دون أن يحدث أي شيء، وفي زمن كان من الصعب أن يكتب عن ذلك أحد، وقد كان بالإمكان أن تمر فقرة يان بارتيز، مثل كل فقراته السابقة، لولا ظهور هؤلاء الغيورين على صورة المغرب، والملكيين أكثر من الملك، والذين يدافعون عن مغرب متحجر وخائف ومنغلق، يفزعه برنامج ساخر في قناة فرنسية. لم يصدر موقف رسمي مغربي ضد القناة الفرنسية، في حين تطوع حماة التقاليد والعادات المتشبعون بالقيم الفرنسية وبالحرية للدفاع عن الوطن، والهجوم على إعلامي ساخر، واتهامه بما لا يخطر على بال، والحال أن المغرب لا يمكن أن يكون ديمقراطيا وحداثيا، ولا يمكن أن تكون لهذه الكلمات التي يرددها الجميع معنى، إلا إذا قبلنا بصدر رحب أن يتحدث عنا الإعلام الحر والمبدع، والذي لا خلفيات له إلا التقاط المفارقات، التي تبدو له غريبة، انطلاقا من ثقافته وهويته وفهمه الكوني للحرية، وأن لا نفزع كلما حصل ذلك، ونقيم الدنيا على برنامج دوره أن ينتبه إلى ما لا تنتبه إليه الأخبار الجدية والرسمية. يأتي سياسيون بارزون ووزراء ونجوم في فرنسا ضيوفا عند يان بارتيز ليسخر منهم، ويأتون إليه عن طيب خاطر وهم يعلمون ذلك، والمحظوظ منهم هو من يستقبله، لأن الجميع يعرف الشعبية التي يتوفر عليها برنامجه، والجميع يعرف أن السخرية لا تقتل، والذين يحتجون عليه في المغرب الآن ويتهمونه، سيعطونه الفرصة ليسخر أكثر، وسيوفرون عليه مشقة إعداد حلقة من حلقاته، لأن ما نقرأه اليوم عنه في الفيسبوك والمواقع الإلكترونية هو أسخر من السخرية، ولا شك أن يان بارتيز سيقع على قفاه من الضحك، وهو يسمع ما يحكى عنه، ولن يصدق أن المغاربة هم أول شعب في العالم تعامل بشكل جدي مع برنامجه، خاصة إذا علم أن هناك عريضة وتوقيعات تدعو لمقاطعته ومنع بثه في قمر أسطرا، وفي باقة القنوات التي توفرها إحدى شركات الاتصال لزبائنها المنخرطين.