كشفت وثيقة صادرة عن "جمعية باحثات وباحثي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" معطيات مقلقة حول حقيقة تدريس اللغة الأمازيغية بالمغرب منذ سنة 2003، مبرزة تناقضات واضحة بين الواقع والإجماع السياسي الرسمي حول هذا الموضوع على مستوى الخطاب. في رسالة موجهة لوزير التربية الوطنية تكشف الجمعية أن عدد مدرسي اللغة الأمازيغية الممارسين فعليا لهذه المهمة لا يتجاوز 5 آلاف مدرس، عدد المتخصصين منهم لا يتعدى 385 مدرسا. في حين استفاد 14 ألف مدرس من دورات التكوين لتدريس اللغة الأمازيغية، منذ 2003 لم يتمكن أغلبهم من ممارسة مهنة تدريس الأمازيغية.
نفس الشيء بالنسبة للأفواج الأولى من طلبة الماستر ومسالك الدراسات الأمازيغية التي تخرجت دون أن تجد أية فرصة للعمل والاشتغال بتدريس الأمازيغية، "المهمة الأساسية التي من أجلها تمّ تكوين هؤلاء الطلبة في الجامعة. مع العلم أن الوزارة مستمرة في الحديث عن نقص الموارد البشرية المؤهلة للتدريس." تضيف الوثيقة.
أكثر من ذلك تم "توقيف الدورات التكوينية للمدرسين منذ سنوات. وعدم إدراج تعليم اللغة الأمازيغية ضمن برامج مراكز تكوين المدرسين. وتجميد ملف التكوين بشكل نهائي دون تقديم أي مبرر." وكذا "توقيف إدراج اللغة الأمازيغية في التعليم الإعدادي والثانوي بدون مبرر." و" عدم توزيع الكتاب المدرسي الخاص باللغة الأمازيغية، والذي لا يتواجد في المكتبات كغيره من الكتب المدرسية." كما يؤكد المصدر.
مثال آخر عن التفاوت بين الواقع والخطاب يكشفه المصدر حين يتحدث عن "استمرار اعتبار حصّة الأمازيغية في التعليم محدّدة في ثلاث ساعات، رغم التغيير الجذري الذي طال وضعيتها القانونية بانتقالها إلى لغة رسمية للدولة بمقتضى دستور البلاد. وهو أمر غير مقبول بالنظر إلى الوظائف المنتظرة من اللغة الأمازيغية في مختلف المرافق العمومية، والتي لا يمكن أن تضطلع بها بدون تكوين الأطر الكفأة." في هذا الصدد يذكر أعضاء "جمعية باحثات وباحثي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" وزير التربية الوطنية بأن "حصة ثلاث ساعات هي دون مستوى المعايير الدولية لتدريس اللغات المعمول بها في العالم، خاصة اللغات الرسمية للدول."
يذكر المنتقدون أن تدريس الأمازيغية يخضع منذ سنة 2003 إلى مبادئ نصت عليها مذكرات وزارية ما فتئت تصدر منذ هذا التاريخ، ويتعلق الأمر بمبدأ أن "اللغة الأمازيغية لغة جميع المغاربة بدون استثناء، أي أنها لغة إلزامية وليست اختيارية." وأنها "تعمم أفقيا وعموديا أي على جميع أسلاك التعليم وعلى كل التراب الوطني." و"تدرس مع توحيدها ومعيرتها بالتدريج." و"تكتب بحرفها الأصلي تيفيناغ." لكن الواقع، يضيف المصدر، يتميز ب"استمرار تعامل المسؤولين التربويين مع مادة الأمازيغية كما لو أنها ذات وضعية "غير واضحة" في التعليم، رغم المذكرات الوزارية التي ما فتئت الوزارة تصدرها منذ 2003، والتي تتضمن بكل وضوح جميع العناصر الضرورية لتدبير هذا الموضوع بالجدّية اللازمة، ورغم وجود "منهاج اللغة الأمازيغية " الذي يتضمن المرتكزات والمبادئ والأهداف والإختيارات الأساسية المتعلقة بهذه المادة والتي وضعت بتنسيق بين وزارة التربية الوطنية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية منذ سنة 2002".
كما أن وزارة التربية الوطنية "لا تساءل" الأكاديميات والنيابات التي تمتنع عن تنفيذ مضامين المذكرات الوزارية المتعلقة بتدريس اللغة الأمازيغية، حيث أنّ تدريس هذه الأخيرة "لا يدخل ضمن المبادرات والبرامج الخاصة بالأكاديميات في إطار استقلاليتها، بل هو قرار وطني مركزي ورسمي للإدارة المغربية وأحد ركائز سياستها العامة في التعليم الذي له صلة بهوية الدولة المغربية، وعلى جميع مؤسسات الدولة الالتزام به والحرص على تنفيذه." تضيف الوثيقة. على مستوى المضمون تسجل الرسالة "استمرار تجاهل إدراج البعد الحضاري الأمازيغي في مناهج وبرامج التعليم الوطنية والجهوية والمحلية، وتقديم مفهوم اختزالي للهوية الوطنية في التعليم تجاوزه الدستور الحالي. وإضافة إلى عدم تعديل منهجية تدريس التاريخ بالمدرسة المغربية من أجل إنصاف الشخصيات التاريخية والأعلام والرموز الثقافية والحضارية الأمازيغية."
انطلاقا من هذه الوضعية العامة التي يمكن وصفها ب"المتردية"، تطالب "جمعية باحثي وباحثات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" وزير التربية الوطنية ب:
"اعتماد الأستاذ المتخصص في تدريس اللغة الامازيغية لتدارك الخصاص الحاصل في المدرسين." و"اعتماد شرط الحصول على شهادة، إجازة أو ماستر، في الأمازيغية لتدريسها وذلك بفتح مباراة ولوج مراكز التكوين في وجه المتخرجين من مسالك الدراسات الأمازيغية بالجامعة إسوة بزملائهم في مسالك اللغات الأخرى." و"وضع أجندة واضحة لتعميم تدريس اللغة الأمازيغية على كل أسلاك التعليم مع الالتزام بها، مع إدراج تعليم اللغة الأمازيغية في الإعدادي والثانوي بشكل أولي دون انتظار تعميميها الكامل في الابتدائي." و"إدراج الأمازيغية في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين." و"عدم استثناء التعليم الخصوصي من عملية تعميم وإلزامية تدريس اللغة الأمازيغية." و"توفير الإمكانيات والاعتمادات الضرورية والمناصب المالية المطلوبة لتحقيق تعميم تدريس اللغة الأمازيغية." مذكرين الوزير بقراره "جعل مليون تلميذ يستفيدون من تعلم اللغة الأمازيغية خلال السنة الدراسية الحالية".
