يا ليته سكت. أتحدث هنا عن القيادي في العدالة والتنمية سليمان العمراني أضحك الله سنه لأنه أضحك علينا العالم أجمع. بدون تكوين شرعي ولا الدراية بما الكتاب ولا أهلية علمية، عاد سليمان العمراني الى القرون الغابرة لعله يجد لنا الحلول المناسبة لقضايانا المعاصرة في مواجهة "البلوكاج" و"التحكم" وكل "الأشرار" الذين ينتظرون حزبه عند "الدورة". السيد تحدث عن "صلح الحديبية" و"حلف الفضول" و"حمر النعم" و"ابن عقيل" ودار عبد الله بن جدعان في صراع سياسي مغربي لا علاقة له إطلاقا بهذه المفاهيم الفقهية التي أنتجتها أمة لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت. وهكذا ضحكت علينا الأمم ومعها دول الاتحاد الإفريقي بكاملها لأنه بدا أن هذا الذي يسمى "النموذج المغربي" مجرد أكذوبة مادام واحد من قياديي الصف الأول في الحزب "الإسلامي" لازال يرى مستقبل البلاد والعباد بهذه النظارات المغرقة في الماضوية وفي الاستخفاف بعقول الشباب الواعي بما يجري ويدور. بالمقابل، لابد من الاعتراف بأن الحزب أعطى، مع أمينه العام عبد الإله بنكيران، دروسا في كل شيء. أعطى دروسا في نظافة اليد، دروسا في مواجهة الحيثان الكبيرة وكل "الأرواح الشريرة"، دروسا في الشجاعة والجرأة، دروسا في النزاهة والعفة، دروسا في قول الحقيقة بدون لغة خشب وأخيرا دروسا في الوطنية والولاء العالي للمؤسسة الملكية. بنكيران فعل كل هذا بمفاهيم النسق السياسي الحالي وقواعده في اللعب دون الى الحاجة الى الاستعانة بمفاهيم تزرع اللبس حول فاعل يتعامل معه بالجميع بهذا اللا منطق: "مالك مزعب". لكن، وبعد كل هذه الانتصارات النوعية التي حققها العدالة والتنمية مع بنكيران، جاء رجل من خريبكة اسمه سليمان العمراني ليعيد، بتصريحاته الفاقدة للذوق، عقارب الساعة الى الوراء بعقود من الزمن. أقصد القول أن هذه التصريحات المشككة في إيمان الآخرين أعادت الحزب إلى أجواء مرحلة التأسيس عندما كانت نواته لازالت تحمل اسم "جمعية الجماعة الإسلامية"، وعندما كانت هذه الجمعية، وقتها، تعتبر "السياسة رجسا من عمل الشيطان ينبغي اجتنابها". نعم، لم ينتبه سليمان العمراني الى أن الحديث عن مفاهيم صلح الحديبية وحلف الفضول لتهدئه النفوس الغاضبة من شباب الحزب هو مجرد هروب الى الماضي بعد هذا العجز الواضح في مواجهة الحاضر وتعقيداته. وبدون مبالغة، كل الذين قرأوا تدوينة سليمان العمرني اعتقدوا أن الرجل أصابه مكروه أو مس للفت الأنظار إليه عشية انعقاد لجنة الاستوزار التي ستتداول اليوم في الأسماء المرشحة لشغل حقائب وزارية في حكومة العثماني المرتقبة. وربما لا يعرف الكثير من الناس أن العمراني كان قاب قوسين أو أدنى من مغادرة العدالة والتنمية "احتجاجا" على عدم استوزاره في حكومة 2011 لولا أن عبد الإله بنكيران، بطيبوبته، طيب خاطره وثبته مسؤولا على إعلام الحزب بدون أن يكون له أي شيء لا في العير ولا في النفير. السيد دخل هذا المجال ب"صباطه" وبدون سوابق في "الخبرة" بل ودون احترام للعديد من الأسماء المؤهلة لشغل مثل هذه المهام. ويبدو أن وضعية العمراني ستزداد صعوبة مع وجود سعد الدين العثماني في رئاسة الحكومة وربما قد يصبح أمينا عام للحزب. لماذا؟ لأن العمراني، هو واحد من الأسماء الثلاثة، الذين كان لهم دور كبير في تلغيم الطريق أمام العثماني لئلا يكون أمينا هاما في انتخابات 2008 في الدور الثاني من عملية التصويت. ومازال مناضلو الحزب يتذكرون رصاصة الرحمة التي أطلقها العمراني على العثماني في مداولات الجرح والتعديل عندما قال "إن العثماني قتل التنظيم ولا يصلح أن يكون أمينا عاما للحزب". وبدورها، عزفت بسيمة الحقاوي، وقتها، على نفس هذا الإيقاع وانتصرت لبنكيران ضد العثماني لكنها عادت اليوم لتغير البندقية من كتف الى كتف. بسيمة عادت لتقول في المجلس الوطني الأخير بعد تعيين العثماني رئيسا للحكومة "نعم العثماني هو رجل المرحلة اليوم". ولأن المجلس مليء ب"المقوصة" الذين يفهمونها "طايرة" فقد انفجر بعضهم ضاحكين لمثل هذه المواقف التي تقول الشيء ونقيضه في الشخص الواحد والقضية الواحدة. ويبدو أن العثماني شرع في رد الصرف لأمثال هؤلاء الذين سيوفهم مع معاوية وقلوبهم مع علي. وربما ليس صدفة أن العثماني أبعد سليمان العمراني من لجنة المفاوضات الخاصة بتشكيل المفاوضات رغم أن العمراني أصبح يحمل صفة النائب الأول داخل هرم الجزب بعد رحيل عبد الله باها رحمه الله. الرسالة واضحة. والقادم من الأيام قد يكون مليئا بالمفاجآت بما فيها مفاجآت تتعلق باجتهادات فقهية صادمة توصل إليها العثماني بعد بحوث مضنية ومسار علمي شاق. ولا تقف هذه المفاجآت الاجتهادية للعثماني عند الانتصار ل"علمانية الدولة" فقط، بل تصل إلى حد قراءة جديدة للعديد من النصوص "القطعية" في الدين. ولأن الربان القادم للحزب من طينة العثماني فطبيعي ألا يضم فريق عمله أناسا من أمثال هؤلاء الذين "يطبزون" لها العين في الميل الأول من الرحلة.