المصادقة على لائحة المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة.. وغياب ملحوظ لأبرز قيادات جهة الشمال    دائرة التأييد الأوربي تتسع للحكم الذاتي بالصحراء المغربية    حسنية أكادير يُودع منافسات الكأس من دور الربع    الليغا.. يوسف النصيري يوقع الهدف ال 15 له هذا الموسم    عودة للبؤات الأطلس اللواتي التهمن المنتخب الجزائري    المغرب يصعد منصة التتويج خلال منافسات اليوم الأول من البطولة الإفريقية للدراجات الجبلية    اغماءات وفوضى في معرض الكتاب بالرباط بسبب مؤثر سعودي !    الأمثال العامية بتطوان... (596)    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    صورة مذهلة.. "ناسا" ترصد أكبر عاصفة شمسية تعرض لها كوكب الأرض    مشروع خط سككي بين الدار البيضاء وبني ملال    الأصالة والمعاصرة يشيد بحصيلة الحكومة وينتقد قساوة الأحكام السطحية الشعبوية    الرجاء يهزم الحسنية ويبلغ نصف نهائي كأس العرش    حزب الأصالة والمعاصرة يعلن بدء التحضير مبكرا لانتخابات 2026 بهدف "الحصول على المرتبة الأولى"    حماس تعلن وفاة أحد الرهائن الإسرائيليين متأثرا بإصابته في غارة جوية    كأس الكونفدرالية الإفريقية.. نهضة بركان سيسعى لتقديم مباراة كبيرة أمام الزمالك تليق بسمعته وطنيا وقاريا    تحذير وزاري لمستعملي الطرق السيارة    حضور متميز لأسود الأطلس في نهائيات المسابقات الأوروبية للأندية    انطلاق المهرجان الدولي للفروسية "ماطا" بمنطقة "بن مشيش"    الأزمي ينتقد تضارب المصالح في الصفقات العمومية الكبرى واستخدام قوانين المالية لذلك    القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية تكشف تفاصيل مناورات "الأسد الإفريقي"    مبابي يعلن رسميا مغادرته باريس سان جيرمان    شبكات المخدرات تواصل عملياتها بسواحل الجديدة.. الدرك أوقف 6 متهمين والمهربون نجحوا في تمرير 95 رزمة حشيش    اضطرابات في حركة سير القطارات بين الدار البيضاء والقنيطرة    البحرين تحضر لانعقاد القمة العربية    وزارة التجهيز تحذر مستعملي الطرق    جماعة طنجة تساهم بنحو 13 مليون درهم لتطوير وتوسيع مطار ابن بطوطة الدولي    مركز الاستثمار يروج لمؤهلات جهة طنجة في ملتقى اقتصادي بالامارات المتحدة    الكراوي يتناول "معطيات مرجعية" لتجربة تدريس العلوم الاقتصادية في المغرب    فاطمة سعدي ضمن لائحة أعضاء المكتب السياسي للبام    نشرة إنذارية | زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بالبرَد بعدد من مناطق المغرب    القنصل العام للسنغال بالداخلة: لا وجود لمهاجرين عالقين في الصحراء المغربية    المغرب يشيد باعتماد الأمم المتحدة قرار دعم طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة    بعد شهر على الانتخابات.. أمير الكويت يحل مجلس الأمة ويعلق بعض مواد الدستور    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تبرز الأدوار التاريخية والرهانات المستقبلية لقنواتها الأمازيغية في المعرض الدولي للنشر والكتاب    مكافحة الاتجار بالبشر.. الولايات المتحدة تمنح 2.5 مليون دولار للوكالات الأممية بالمغرب    المعرض الدولي للكتاب والنشر.. المجلس الأعلى للتربية والتكوين يناقش الرافعات الكبرى لحكامة المنظومة التربوية الوطنية    كونفدرالية الصيادلة تشتكي "مستشفى الشيخ زايد" بالرباط وتطالب بفتح تحقيق في توزيعه الأدوية    بنسعيد: المغرب منخرط في خلق صناعات ثقافية وإبداعية قوية وتنافسية    فرقة كانديلا ارت الفنيدق- تطوان تترافع عن التراث الوطني في المهرجان الوطني لهواة المسرح بمراكش    هلال: المبادرة الأطلسية مقاربة متبصرة    أمير الكويت يعلن حل مجلس الأمة وتعليق العمل ببعض مواد الدستور ويقول:"لن أسمح بأن تستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة"    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    الفيضانات أفغانستان تودي بأكثر من 200 شخص    الخطايا العشر لحكومة أخنوش!    أطروحة نورالدين أحميان تكشف كيف استخدم فرانكو رحلات الحج لاستقطاب سكان الريف    الصين: 39,2 مليار دولار فائض الحساب الجاري في الربع الأول    اللعبي: القضية الفلسطينية وراء تشكل وعيي الإنساني.. ولم أكن يوما ضحية    هكذا ساهمت دبلوماسية روسيا والصين في مقاومة "طالبان" للضغوط الغربية    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    الشركات الفرنسية تضع يدها على كهرباء المغرب    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلاة كورونا! هل ما يقع بروفة للقيامة، هل هو تجربة مصغرة للساعة يا ألله؟!
نشر في كود يوم 30 - 03 - 2020


يا ألله.
طرقاتك خالية. وبراريك خالية. وفيافيك خالية. وسماؤك خالية. وصحراؤك خالية. وحدائقك وبساتينك خالية.
وشوارعك. وأسواقك. ومولاتك. خالية.
وخلاؤك مملوء عن آخره بالخلاء.
ونصف خلقك بالداخل.
يا ألله.
أرضك التي جعلتها لنا ذلولا لنمشي في مناكبها ونأكل من رزقك.
يا ألله.
أرضك هذه فارغة هي الأخرى. وموحشة. وممنوع علينا الخروج إليها.
وممنوع علينا المشي فيها.
ومفروض علينا أن نحصل على رزقك. وبعد ذلك. وبسرعة.نفر منها عائدين إلى منازلنا كي لا يصينا الداء.
أرضك بلا بشر.
أرضك تشبه ما قبل نزول آدم.
وهذا لم يكن متوقعا يوما. كأنه علامة.
يا ألله.
هل هذه بروفة للقيامة.
هل هذا اختبار. هل هذه تجربة مصغرة للساعة.
يا ألله
عبادك في بيوتهم. عبادك مختبئون. وكل ما خلقته لنا نكتفي بأن نطل عليه.
بينما الكافر يقول أينك يا ألله.
الكافر يزيد في كفره ويقول أينك.
يا ألله.
لقد غلّقت كورونا جوامعك. وكنائسك. وبيعك. وغلقت كل دور العبادة.
يا ألله.
لقد وحدتنا وجمعتنا في الخوف.
ووحدت كل الديانات. وكل الأجناس والأعراق والثقافات. وصار لأول مرة الإنسان واحدا.
وصار مصيره واحدا.
ولأول لا أمر إلا اغسل يديك جيدا. ولا تخرج من بيتك. وبكل اللغات. وللأسود وللأبيض وللأصفر وللمختلط.
ولقد ألغت كورونا فصل الربيع.
ولأول مرة. ومنذ أن خلقتَ الكون. يتعطل فصل. ويمحي. ولا يأتي.
وقد جاء موعده ولم ينتبه إليه أحد.
ولا شقائق نعمان. ولا نزهات. ولا عطلة مدرسية.
ويتخلخل الوقت. وينقص.
ولا أحد يعلم ما إذا كان سيكون صيف هذه السنة.
وما إذا خريف سيكون.
وشتاء سيكون.
وعام جديد سيكون.
وما إذا كانت حياة ستكون.
وقد تمطر في أي لحظة ولا يبللنا مطرك.
وقد تمر سحابة ولا نراها تخفي ضحكة الشمس.
وقد تغيم السماء ولا ننتبه إلى ذلك.
وقد جاء زلزال في أوربا ولم ينتبه إليه. بعد أن غطته كورونا.
يا ألله.
هل العطلة قادمة. وهل العمل مازال ممكنا. وهل الحياة مازالت ممكنة.
وهل سنخرج يوما ما.
بعد شهر. أو شهرين.
وهل سنضع قدما في الخارج. وهل نمشي كما كنا نمشي.
يا أ الله.
الحياة نفسها متوقفة. الحياة ميِّتةٌ. الحياة محتجزة بين الجدران.
الحياة متى ستعود يا ألله.
يا ألله. يا ألله. يا ألله. يا ألله.
ما جدوى الكتابة يا ألله. ما جدوى الصحف.
وهل ستنجو مقالاتنا لما نموت. وهل ستبقى القصص. والروايات. وهل ستبقى المطبوعات.
يا ألله.
وهل سيتمتع بها جنس آخر.
ويا لحظه.
يا لحظ من سيأخذ مكاننا. ونمط عيشنا.
يا حظ من سيحل محل الإنسان. ويتفرج في قصتنا. وفي ملحمة الإنسان. وفي أفلامه.
والشعر.
هل مازال الشعر ممكنا.
وهل ستكون لكورونا قصيدتها. وهل سيفكر شاعر في الكتابة عنها.
وهل ستقرأ الكائنات التي ستنجو ما كتبه عظماؤنا.
ويا لحظهم.
يا لحظهم لو وجدوا كل هذه المكتبة الضخمة تنتظرهم. وكل هذا الشعر الذي لم نقدره.
يا ألله.
إنا نتخيل القيامة. ونستشرفها. ونتوقع الأسوأ.
وهل سنأخذ معنا أشياءنا. وأفلامنا. وأخبارنا. وحبنا. وخصامنا. وشجارنا. وليالينا. ونهاراتنا.
وحياتنا الدنيا.
هذه الحياة الجميلة. بشرها. وخيرها. وبقبحها وجمالها. هذه الحياة الواقعية. هذه الحياة التي خبرناها.
هذه الحياة التي لا نعرف حياة سواها.
هذه الحياة الحياة.
هذه الحياة التي تستحق اسمها لأن موتا يأتي دائما بعدها.
هل سنحملها معنا.
هل سنحمل معنا أصدقاءنا. هل سنحمل معنا الضحك. والضجيج. والبكاء. والصراخ. والهتاف. والرقص. والنحيب.
هل نأخذ معنا ذكرياتنا والحنين وطفولتنا.
هل سنحمل معنا كرة القدم. والمواعيد الرياضية المهمة. والزحام. والأحياء الضيقة. والنميمة. والصخب. واللهو. والتفاهة. والقلق. واليأس. والموت. والحياة. والمرض. والسفر. والأرق. والنعاس. والشخير. والخوف. والضجر. والمسلسلات. والأحلام. والمنغصات. واللذائذ. والمذاقات الحريفة. والمدارس الفلسفية. والنظريات. وكل ما هو ملح الحياة.
هل سنأخذ معنا النسيان.
هل سنترك الغناء هنا. تحت. حيث توجد الآن كورونا.
ويا لحظه من يرث كل غناء الإنسان.
ومن يجد كل الأغاني تنتظره. ومن يجد أين يقوم بتحميلها.
ومن يجد الصبيب العالي.
يا ألله
هل يمكن أن آخذ معي جندول محمد عبد الوهاب. هل يمكن أن آخذ معي كل أغاني ليو فيري. وكل باربارا.
والجاز.
والعود. والشعبي المغربي.
و هل من حقنا يا ألله أن نحمل معنا كل ما لا يوجد في السماء.
هل نحمل معنا كل ما نحب وكل ما نكره.
هل مسموح أن نحمل معنا ضعفنا.
هل نحمل معنا نقصنا.
هذا الأغلى ما نملك. هل سيكون بمقدورنا حمله معنا.
فما أجمل النقص يا ألله. حين نفقده.
ولستُ خائفا يا ألله. ولست مستسلما. ولست نذير شؤم. ولست رسول النهاية. ولستُ كافرا. لكني أتساءل فقط. ما هذا الموت يا ألله. ما هذا الفيروس.
هذا موت غير مفهوم يا ألله.
هذا موت كافر.
هذا موت يتحداك يا ألله.
هذا موت بلا معنى. هذا موت عبثي.
هذا موت يتفه الموت.
هذا موت يعاديك. هذا موت يريد أن يكون مجانيا. وبلا سبب.
هذا موت لا يجب أن ينجو من عقابك.
هذا موت ليس كالموت.
هذا موت عدواني. ومستفز. وظالم.
هذا موت سوف تضعه لا محالة عند حده.
هذا موت هدفه هو أن يشكك فيك.
ولا أظنها النهاية يا ألله. ولا أستعجل الجنة. ولا أريدها بهذه الطريقة.
وغالبا لم يحن الوقت بعد.
بينما ليس من العدل في شيء أن يموت الناس بسبب فيروس.
وأن نختبىء كي لا يلمسنا.
ليس من العدل أن تمتلىء المستشفيات.
ليس من العدل أن يُختبر نظامنا الصحي. واقتصادنا. وأن نظهر عاجزين يا ألله.
ليس من العدل أن تتحول كل قوة الإنسان إلى كل هذا الضعف.
والتقدم عاجز.
والحضارة عاجزة عن مواجهة هذا الفيروس.
والدول العظمى. والكتب. والمختبرات. ورجال الدين. والسحرة. والعلماء.
الكل مستسلم. وعليه ضغط.
يا ألله.
أُطلُّ الآن من النافذة. وأرى السيارات جامدة. وأرى الحديد. والأسفلت. أرى أرضا زفتا.
ولا جلبة.
وأتخيل السيارات ستتحرك. ولن تصبر. وستأخذ مكاننا.
أتخيل حياة أخرى قادمة.
أتخيل حياة الآلات. والكائنات المعدنية. بعد أن لم يعد الإنسان قادرا على الخروج.
ولأن الطبيعة لا تقبل الفراغ. وبعد أن أخلينا أرضنا. فلا بد أن يسكنها غيرنا.
واغفر لي يا الله.
اغفر لي خيالي المريض.
أنا أخرف يا الله. وربما معذور. ورغما عني. لأني محتجز في شقتي.
أنا أهلوس يا ألله.
وأراها الآن. أرى السيارات تهرب من أصحابها. وأراها تضحك ملء محركاتها. وأراها تتزود بالبنزين.
وأرى الروبوات تفتح المقاهي. وتجلس فيها.
وتعوض الإنسان.
أرى خلاطات المولينكس تلعب الورق. أرى ماكينة القهوة تصنع القهوة لبراد الشاي.
أرى الكأس يتكسر على الكأس.
أرى القنينة تهرق شرابها وتضحك.
أرى طنجرة الضغط تخرق الحظر وتخرج من المطبخ.
أرى الثلاجة والغسالة والفرن ينافشون من سيسير الآلات.
ومن ينصبوه حاكما.
أرى سخان الماء يدخن.
أرى الحيوانات ترقص.
أرى المقلاة تقفز من مكانها من شدة الفرح.
أرى مارشا عسكريا للملاعق والشوك والسكاكين.
أرى الجنرال المدية.
وأرى نياشين على كتف الضابط المطوى.
بينما لا أثر للإنسان. والأرض خالية منه. ويتفرج في ما يحدث من النوافذ. ويخرج بورقة يمنحها له المقدم.
وأرى كائنات لم يسبق لي رؤيتها.
يا الله أنت ترى فيروس كورونا.
وقبل أن يراه المجهر.
وهناك من قال لنا إنه جند من جنودك.
ولا أظنه كذلك.
والذي يقتل دون سبب. ودون مبرر. ودون تمييز. من المستحيل أن يكون جندا من جنودك.
هذا شيطان يا ألله.
هذا الفيروس مصيره هو جهنم.
بل إنه أشد كفرا من الشيطان.
لأن مهنة الشيطان هي أنه يغوينا. ويزين لنا الآثام. ويحرضنا على الفسق. وعلى ارتكاب المعاصي.
بينما كورونا تقتل الناس جميعا.
وتخلي العالم من الناس. بعد أن أنزلتنا إلى الأرض. ومنحتها لنا. لتختبرنا فيها.
ولا أعرف يا ألله سببا واضحا جعلنا نؤنث هذا الفيروس.
بينما العالم كله يذكره إلا نحن.
لكن ليس هذا هو الموضوع.
الموضوع أخطر من ذلك بكثير. وأخطر من اللغة.
وفي كل مساء ننتظر الأرقام والحالات الجديدة يا ألله. ونعد الموتى.
وقبل لم نكن ننتظر الموت.
كان يأتي لوحده. كان الموت يفاجئنا. وكنا نمرض. أو نشيخ. أو نغرق. أو نسقط من علو شاهق. أو نتعرض لحادثة.
كان الموت إنسانيا.
كان الموت حقا.
كنا نموت ولا نبالي.
كنا نموت ولا نحتج على الموت. ولا نعقد بسببه ندوة صحفية كل مساء.
ولم يكن الموت موجودا. لأنه عندما يأتي. نكون قد متنا.
أما الآن فهو حاضر. وعلى مدار الساعة.
أما الآن فهو حديثا اليومي.
وكنا نصلي على الميت. ونمشي خلف نعشه. ونهيل عليه التراب.
أما هذا الموت ف "مستجد". أما هذا الموت فهو موت وقح. موت يعلن عن نفسه. وموت يقف في وجهك يا الله.
موت يبعد عن أحبابك.
موت غريب. وموبوء. ومنفر. وظالم.
موت أدخل الناس جميعا إلى بيوتهم.
موت لا يميتنا ميتة الله.
واسمه كورونا.
ويحب الأضواء. ويحب أن يتحدث عنه الجميع. وأن يكون في الفضائيات.
هذا موت مغرور.
هذا موت يشبه برنامجا عن الموت.
هذا تلفزيون واقع للموت.
ويريد أن يكون نجما لكل أشكال الموت.
يريد أن يحتل صدارة المشهد. ويريد أن يفوز بأي حياة تصافحه.
ويريد أن يحتكر الموت. والمستشفيات. والأسِرة. وأن يغلق المدارس والمصانع.
ويفرغ الساحات.
كي لا يكون موت إلا هو.
هذا موت معولم.
هذا موت تتحدث عنه الحياة.
وابتداء من الساعة السادسة. تسمع هرير الكلب من الشرفة.
وتسمع نشيش الزيت في مطبخ الجيران.
وتسمع التكتكة. والخشخشة. وتسمع صوت الصمت ضاجا. وتريد أن تخفض منه. لكنه يثقب طبلة أذنك.
ويقول الصمت كورونا. كورونا. كورونا. كورونا. كورونا.
يا ألله.
أوقف هذا الصمت الصائت. أوقف الأطباء. وأوقف الأخبار. وأوقف النصائح. وأوقف الخيرين. وأصحاب الأنشطة التوعوية.
أوقف المحذرين. وحاملي صفارات الإنذار. وأوقف الكلام عن كورونا.
يا ألله
هذا كتابي الأخير. هذه رسالتي. وقد كتبتها إليك. وإلى نفسي.
وأريد أن استقبلها في المكان الذي سأكون متواجدا فيه.
أريد أن أجرب هذه اللعبة.
أريد أن ألعبها إلى نهايتها.
أريد أن ألتقي رسالتي في الهواء. وفي ذرة الغبار. وفي السماء. وفي شقتي. وفي أي مكان كنتُ فيه.
وفي حياة أخرى. وفي الغمر. وفي لا حياة أخرى. وتحت الأرض.
فأنا كنت مجربا.
كنت دائما أجرب الحياة. كنت مغامرا. ولذلك لم أتوصل بعد إلى حل. إلى أن داهمتنا كورونا.
يا ألله
هذا ليس وقتها. لكن تخطر على بالي أسئلة غريبة.
وأتخيل كيف سيكون الفيسبوك بعد أن نموت.
وأسأل نفسي من سيشعل كل هذه الشاشات المعلقة في جدران البيوت.
وهل سيتوقف الإرسال.
وأكيد أني أبالغ. لكني معذور كما قلت. وعلي أن أقول أي شيء.
فأنا لست طبيبا. ولا عالما. ولا رجل دين.
أنا عالة.
وليس لي ما أقدمه. وليس لي ما أساهم به. وليس لي ما أكتبه.
ولذلك أجرب كيف سيكون نصي الأخير.
أجرب أن أرسل كلماتي الأخيرة.
أجرب أن أصلي.
أجرب أن أضحك.
أجرب أن أموت. أجرب ألا أموت. واضعا كل الاحتمالات الممكنة أمامي.
أجرب أن أكون جادا مائة في المائة ولا أقدر على ذلك.
أجرب ألا أكون جادا.
أجرب ألا أكتب. لكن علي أن أكتب.
وليس لي ما أقوله. وليس لي موقف. ولا معلومة. ولا نصيحة يمكن أن أقدمها. ومرغم مع ذلك على أن أكتب.
هذا عقابي يا ألله قبل الموت.
هذا حظي الجميل في حياتي الأخرى.
وأحب أن أتفلسف لكنه ليس وقت الفلسفة.
أحب أن أكتب أدبا. لكن يبدو أني تأخرت كثيرا. ولم يبق وقت كثير.
وأراها فكرة جيدة لأبدأ.
رجل يريد أن يكتب عمل أدبيا خالدا. بينما القيامة قريبة. والحياة في خطر. ويسرع. قبل أن ينتهي الأجل.
يسرع ليترك عمله على الأرض.
وأحب أيضا أن أتدارك.
وأن أكتب شعرا من جديد. لكن فات الأوان يا ألله.
أحب الصحافة لكن ليس هذا وقت الصحافة.
وقد كنت دائما أرى الموت هو موضوع الشعر. الموت الذي يعني أيضا الحياة.
وليس لي الآن أي رأي.
ولا أواجه كورونا. ولا أتحداها. ولا أفهمها. ولا أحاول.
وأرى الوجود عبثا.
أرانا مضحكين. أرى البشرية تقاوم. أرى من يرى أنها اللحظات الأخيرة.
أرى أملا. وخوفا. أرى مستقبلا. أرى فزعا. أرى عدم قدرة على الاستيعاب. أرى هروبا إلى البوادي.
أرى تهويلا.
أرى الموت طبيعيا كما كان يراه الرواقيون.
أراه من "الأشياء غير الفارقة".
أراه غير موجود.
ومع ذلك أغسل يدي بالماء والصابون
أغسلها.
وأغسلها.
وأغسلها..................................
إلى أن استيقظت مفزوعا. ومتعرقا. من كابوس مزعج.
فقد كنت نائما يا ألله. هذا ما حدث لي.
وهذا ما كتبته في نومتي. متحدثا إليك.
هذا النوم الذي قال عنه أحد الصوفية إنه ميتة صغيرة.
وهذا ما فكرت فيه.
وهذا مقالي الذي أملاه علي كابوسي. وها أنا أنشره.
ولأشارك القراء في هذه القيامة الصغيرة.
هذا ما أتاني في حلمي يا ألله
وقد كانت درجة حرارتي مرتفعة. ولم أحذف كلمة. ولم أضف كلمة.
وكنت أهلوس بسبب الحمى.
وكنت أظنني مصابا.
وبسبب الحجر الصحي. وبسبب الأمراض التي تنتج عن الاضطرار إلى القعود في البيت.
جاءت هذه الرسالة.
وجاءت على شكل كتاب مبتور. وجاء سفر كورونا. وجاء على شكل أصحاح،
وجاء من قال لي باطل الأباطيل
جاء من قال لي كل شيء باطل.
جاء من قال لي لا بد من تطمين الناس.
وجاء من قال إنها مجرد أرقام. وسيغلب الإنسان كل الأمراض. وكل الأوبئة. كما غلبها في الماضي.
جاء من قال سننسى.
فاغفر لي يا ألله.
واقض عليها.
اقض يا ألله على كورونا. ودمر فيروسها.
كي يخرج الإنسان من جديد إلى الأرض. ويملأ الجوامع. والكنائس. والمقاهي. والمصانع. والأسواق. والحافلات. والتاكسيات. والقطارات.
ويملأ العالم صلوات
وزحمة وضجيجا.
وكي تعود الحياة من جديد. بعد هذا الفاصل الذي لا يعرف أحد متى ينتهي.
وكي يعود كل شخص إلى عمله.
ويعود الحب.
وتعود السرقة. ويعود النشل.
ويعود الفساد
وتعود المظاهرات. والأحزاب السياسية. والحسابات الضيقة. وأقساط البنك. والسفر. والسباحة. وحبات الأسبرين. والميوعة. والهجرة. والهجران. والعلاقات غير الشرعية. واللقطات الساخنة. وتعود كل الأشياء التي كانت تبدو لنا تافهة. وافتقدناها.
لأنها ملح الحياة. بينما لم نكن نعرف أنها كذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.