جمعية هيئة المحامين بتطوان تتضامن مع الشعب الفلسطيني    تصفيات مونديال 2026: المنتخب المغربي ينفرد بالصدارة بفوز ساحق على الكونغو    الأمثال العامية بتطوان... (622)    من المغرب.. وزيرة خارجية سلوفينيا تدين إسرائيل وتدعو لوقف تام لإطلاق النار بغزة    فرنسا.. اليسار يتجمع بعد تيه ورئيس حزب "الجمهوريون" يريد التحالف مع اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية    أكثر من 5,9 مليون سائح زاروا المغرب    تنزانيا تفوز على زامبيا وتتصدر بمعية المغرب المجموعة    بعد التأهل للدور الحاسم.. عموتة يقود الأردن لهزم السعودية على أرضها وخطف صدارة المجموعة    البرلمان يدخل على خط انتحار تلميذة آسفي    لفتيت يجري مباحثات مع نظيره الإيطالي حول هذه الملفات البالغة الأهمية    المغرب وسلوفينيا عازمان على إعطاء دينامية أكبر لعلاقاتهما الثنائية    أسئلة غلاء تذاكر مغاربة العالم بحراً وجواً تحاصر وزير النقل بالغرفة الثانية    جلالة الملك يحل بتطوان عبر مطار سانية الرمل    إعادة تهيئة مسارات مغادرة الرحلات الدولية والوطنية بمطار طنجة ابن بطوطة    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    18 قتيلا و2704 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع الماضي    وفاة المعلم علال السوداني، أحد أبرز رموز الفن الكناوي    الأخضر يغلق تداولات بورصة البيضاء    صندوق الإيداع والتدبير يعلن عن صرف المعاشات بشكل مسبق ابتداء من 12 يونيو    رسميا .. أولمبيك الدشيرة يعلن إجراء مباراة "الموسم" في البطولة أمام الدفاع الحسني الجديدي بدون جمهور    عيد الأضحى: المكتب الوطني للسكك الحديدية يبرمج حوالي 240 قطارا يوميا    مصرع نائب رئيس ملاوي و9 أشخاص آخرين في حادث تحطم طائرة    انتحار تلميذة بآسفي يسائل أدوار المساعدين الاجتماعيين والتربويين بالمدارس    السجن المحلي عين السبع 1: 129 مترشحة ومترشحا من النزلاء يجتازون امتحانات البكالوريا    وهبي يعلن بدء استخدام الذكاء الاصطناعي في محاكم المغرب    سفر أخنوش يؤجل الجلسة الشهرية بمجلس المستشارين    وهبي: أدوار الوساطة تحتاج التقوية .. ومنصة رسمية تحتضن الإعلانات القضائية    المغرب يرحب بقرار مجلس الأمن الدولي    أخبار الساحة    شركة إسبانية لصناعة الطائرات تستقر بالدار البيضاء    أبرزهم أيت منا.. 5 أسماء تتنافس على رئاسة نادي الوداد الرياضي (صور)    رفيقي يكتب: أي أساس فقهي وقانوني لإلزام نزلاء المؤسسات السياحية بالإدلاء بعقود الزواج؟ (2/3)    القناة الثقافية تحاور الناقدة والروائية المصرية شيرين أبو النجا    الفنانة التشكيلية كوثر بوسحابي.. : أميرة تحكي قصة الإبداع من خلال لوحاتها    بوطازوت وداداس يجتمعان من جديد في المسلسل المغربي "أنا وياك"    الفنان عادل شهير يطرح كليب «دابزنا» من فرنسا    شركة "آبل" تطلق نظاما جديدا للتشغيل في أجهزتها قائما على الذكاء الاصطناعي التوليدي    من إصدارات دار الشعر بمراكش الديوان الخامس من سلسلة "إشراقات شعرية" للشعراء المتوجين بجائزة "أحسن قصيدة"    السعودية تحظر العمل تحت أشعة الشمس اعتبارا من السبت القادم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    " فخورون، معلقون وعنيدون بعض الشيء"، عن منطقة كتامة والحشيش وأشياء أخرى..فيلم بالمسابقة الرسمية لفيدادوك    مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش تنظم ورشة لتلقين مبادئ النقد السينمائي وتجويده، لفائدة الصحفيين    المغرب يلتزم بإدماج التقنيات النووية السليمة في مختلف القطاعات    الحكومة تكشف خطتها لتسريع الإقلاع الاقتصادي وخلق فرص شغل قارة للمغاربة    سوق الأغنام بالرباط.. المعادلة المتداخلة لاختيار أضحية العيد    أطباء: مليون ونصف مصاب بالسكري لا تصلهم علاجات وزارة الصحة والتغطية الصحية لا تزال ضعيفة    ارتفاع درجات الحرارة من أكبر التحديات في موسم حج هذا العام (وزارة الصحة السعودية)    "نقاش نووي" يجمع المغرب وأمريكا    خبراء يوصون باستخدام دواء "دونانيماب" ضد ألزهايمر    الداكي: النيابات العامة استقبلت خلال سنة 2023 ما مجموعه 35 ألف و355 طفلا    اجتماع يُنهي أزمة فريق المغرب التطواني    كيوسك الثلاثاء | ثلث الشباب المغاربة يفكرون في الهجرة    دراسة علمية أمريكية: النوم بشكل أفضل يقلل الشعور بالوحدة    الرسم البياني والتكرار الميداني لضبط الشعور في الإسلام    الحج ب "التهريب": "اضطررنا إلى التحايل لأداء الفريضة"    الركراكي يتقدم بطلب خاص للصحافة قبل مواجهة الكونغو    الوفد الرسمي المغربي للحج يحط بجدة    أزيد من 300 حاج مغربي استفادوا من مبادرة "طريق مكة" إلى غاية 9 يونيو الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مونديال قطر والإسلاموفوبيا: ما بعد الكرة
نشر في هسبريس يوم 19 - 12 - 2022

إن تنظيم كأس العالم في قطر، وبشهادة العديد من المحلّلين والمتابعين، كان مختلفاً عن العادة في تنظيم هذا الحدث الرياضي العالمي، بدءاً بالتحضير للمونديال بإقامة الملاعب الرياضية، وما صاحبه من تقليل من قدرة دولة قطر على النجاح في هذا التنظيم، ثم ما رافقه قبل موعد انطلاق المباريات من قوانين تنظيمية، وما صاحبها من تقليل بقيمتها من لدن بعض الدول الغربية، ليُصاب العالم بعد ذلك بالذهول وهو يتابع الحدث بمواصفات تقنية وعلمية مبتكرة وجديدة، تضاهي أكثر الدول تقدماً في العالم، ثم يصاب العالم مرة ثانية بالذهول وهو يتابع حجم منسوب القيم الذي يتدفق في جنبات الملاعب وأرضيتها، عندما شاهد الملايين عبر القنوات الفضائية سلوك اللاعبين المغاربة بعد فوزهم الساحق على أكبر الفرق الرياضية العالمية.
ومنها مظاهر السجود تعبيراً عن الفرح، حتى وُصف المنتخب المغربي بمنتخب الساجدين الحامدين، ومنها مظاهر البر بالوالدين وخاصة الأم التي نزلت إلى الملعب في لوحة إنسانية نادرة، لم يعتد جمهور الكرة على مشاهدة لاعب يفرح مع والدته في داخل الملعب بعد نهاية المقابلة، ومشهد الطفل الصغير يلعب مع والده حارس مرمى المنتخب المغربي.. وغير ذلك من المشاهد التي ستظل راسخة في أذهان الكثيرين، وخاصة الأمم التي تعاني من هشاشة نظام الأسرة ونقص حاد في القيم الإنسانية السامية، على الرغم من أنها أمم تبدو مدافعة عن تلك القيم.
ويبقى المشهد الأكثر تأثيراً، وفي الوقت نفسه، هو ما أقلق الكثير من المجتمعات الغربية، ذلك الالتحام والوحدة التي ظهر بها العالم الإسلامي، ورفع العلم الفلسطيني والدعاء والصلاة والسجود والتضامن والتعاون، حيث ظهرت الأمة الإسلامية جسداً واحداً، وهذه المظاهر تمثل نصراً جديداً، لأنه تشخيص لحالة العرب اليوم، خاصة وأن بعض اللاعبين في المنتخب المغربي قد ولدوا وترعرعوا في الدول الغربية، مع ذلك لهم ولاء لبلدهم المغرب ولقيمهم الإسلامية، الشيء الذي يعني أن الأمل في المستقبل وفي الشباب قائم وله مشروعية، في أن يحلم العرب بنهضة جديدة تتأسس على الهوية الأصيلة، وعلى التسامح وقبول الاختلاف.
لا أحد ينكر الأداء المتميّز لفريق المنتخب المغربي، فقد ظهر بصورة مختلفة؛ ومنها سيادة روح الفريق وبروز العمل الجماعي، وهيمنة الانضباط الكامل، واحترام المدرب، والصبر والصمود والعزيمة، حتى انتزعوا النصر، وتغلّبوا على فرق رياضية عريقة لم تكن تظن أنها ستسقط وتُقصى من المونديال، وهذا يعني أن الشعوب والدول تتغير، وأن المغرب الذي ظهر في المونديال يختلف عن المغرب القديم الذي اعتاد عليه الغرب، مثلما انتصر أيضاً فريق المملكة العربية السعودية، ومثلما انتصرت دولة قطر في تنظيم هذا الحدث العالمي، كل ذلك يؤكد أن المنطقة العربية اليوم تشهد تحولات كبيرة، وهو ما جعل العالم الآخر المتقدم يعبّر عن قلقه، فقد حاولت دول أوروبية ومنها ألمانيا فرض قيمها في البلد المضيف لهذه التظاهرة الكروية، حيث حاولت الترويج للمثلية والشذوذ وربطها بحقوق الإنسان وبالانفتاح وحرية التعبير.. وقد كان من المرتقب أيضاً أن نشاهد مظاهر أخرى لا تنسجم مع قيم قطر الدولة المضيفة، وقد تتناقض مع العقل والمنطق والعرف، مع العلم أن الذوق والقانون يقتضي أن تحترم الجموع المشاركة في المونديال قيم الدولة المضيفة، مثلما يخضع العرب في الدول الغربية لقوانين الغرب مهما كانت متناقضة مع قيمهم، فكذلك يجب أن يخضع الغرب لقيم المجمع العربي والإسلامي، وهذا هو جوهر التسامح الحق، الذي يعني الاحترام المتبادل.
لقد أظهرت هذه التظاهرة الرياضية، زيف كثير من الشعارات، إن الطرف الآخر الغربي يحتفظ بإحساسه بالتوفق والاستعلاء، ولا يريد الاعتراف بقيم الآخرين، ويستكثر عليهم النجاح والانتصار في حدث دولي كان إلى عهد قريب حكراً على العالم المتقدم، إن ردود فعل الأوروبيين وهم يشاهدون فوز المغرب وتقدمه، تكشف عن كثير من التطرف والعنصرية، ومن ذلك انزعاج واضح في ملامح رئيس الفيفا عند إعلان نهاية مقابلة المغرب و البرتغال وتأهل المغرب، حيث عادةً ما يقوم رئيس الفيفا إنفانتينو بالتصفيق للمنتخب الفائز، لكنه تصرف بشكل مغاير مع المنتخب المغربي، المنتخب العربي والإفريقي والمسلم والقادم من العالم الثالث.
إن أطروحة الاستعمار الغربي للعالم العربي والإسلامي، حاضرة بقوة في مونديال قطر، وعلى الرغم من التقدم الهائل لدولة قطر في مجالات علمية وتقنية، وإنسانية، وتقدم الفرق الرياضية العربية في الأداء المتميز لجميع لاعبيها، وأيضاً مستوى الوعي الحضاري عند الجمهور العربي، كل ذلك لم يشفع للعرب والمسلمين، في تعديل صورتهم التي يحملها عنهم الغرب، هذا الغرب الذي استكثر عليهم الفوز في مباراة الكرة بالمونديال، واستكثر عليهم ذلك الالتحام بين الجماهير عبر ربوع العالم الإسلامي، إنها الإسلاموفوبيا التي تعصف بالغرب واليمين المتطرف في حكوماتها الذي يخشى المدّ الإسلامي وزعزعة هوية تلك المجتمعات.
وتتأكد هذه الفوبيا عند الغرب من العرب والمسلمين، بشكل جلي في مباراة المغرب وفرنسا، وعلى رأسها أخطاء تحكيمية ومنها عدم منح ضربتي جزاء واضحتين أمام فرنسا كانت ربما ستغير الموازين، وذلك بشهادة خبير في التحكيم عبر قنواتbeinsport وقناة أخرى إسبانية، فهل كان لحضور الرئيس الفرنسي ضمن الجمهور دور في التأثير على النتيجة؟ هناك عوامل أخرى أسهمت في فوز المنتخب الفرنسي وخروج المغرب، يصعب التحقق منها في غياب تصريحات مباشرة وصريحة، إلا أن المؤكد هو وجود ضغط مورس على المنتخب المغربي، ومع أن نظرية المؤامرة تبدو أسهل طريق للتفسير، إلا أن العقل يقتضي في النهاية الاستفادة من الدروس، والاستعداد للمستقبل بما يليق من تكاثف الجهود ووحدة الصف والمزيد من التشبث بالهوية والقيم الإنسانية الكونية، ومع أن المونديال مجرد حدث كروي، يدخل ضمن خانة الترفيه أو التسلية أو اللعب، إلا أنه أصبح ديبلوماسية ناعمة قائمة بذاتها، ولا يمكن إنكار آثار المونديال على البلد المضيف، والبلدان المشاركة في الحدث، والجمهور واللاعبين، ورؤية السياسيين والمستثمرين وأهل الفكر والعلم والفن والإبداع.. إن العالم العربي والإسلامي قبل مونديال قطر ليس هو بعد المونديال؛ هناك الكثير من الأشياء التي ستتغّير، وهناك أشياء بالفعل تغيّرت خلال المونديال.
لأول مرة في تاريخ هذا الحدث العالمي، يشارك العرب في صناعة الحدث، وقد كانوا من قبل مجرد متابعين ومتفرجين، وهذه نقطة تحوّل تبشر بالكثير من الأمل في تحطيم الصورة السلبية التي يحملها الآخر عن العرب، ويحملها العرب عن أنفسهم، على الرغم كل التحديات الجسيمة، وعلى رأسها الإسلاموفوبيا واليمين المتطرف والعنصرية والاستعلاء الغربي..
ولعل من أجمل ما أختم به هذا المقال، هو ما كتبه المفكر المغربي الدكتور محمد التهامي الحراق، المتخصص في البعد الروحي للثقافات والتواصل والجماليات، من أجل التأمل والاعتبار، أحد عشر درسا من مشاركة المغرب
في مونديال قطر:
الثقة في الكفاءات الوطنية؛
التعاون من أجل نجاح وطن لا من أجل إرضاء نرجسيات أشخاص؛
الشخص المناسب في المكان المناسب؛
اختيار الأشخاص الجامعيين بين الكفاءة والولاء للوطن وعدم الاقتصار على أحدهما؛
محاربة السماسرة والرويبضة والمغتنين في الظلام والمغتنمين لغياب الوضوح وخلط الأوراق وتمييع المعايير؛
الجمع بين الإيمان والعمل، بين النية والسعي، بين الاعتزاز بالذات وامتلاك القدرة على الفعل؛
لا سبيل للتنمية والتطور والتوهج والانخراط الفاعل في العصر إلا بالاستمداد من الوعي الوجداني الجماعي، وتخصيب ثقافة الذات، وتثمير الميراث االمشتَرَك والاعتداد بالانتماء الروحي والحضاري، وتحويل الذاكرة القيمية الجماعية إلى حاضن روحي وثقافي لتوليد الأمل والتحفيز على العمل وتوهيج الإيمان بالقدرة على التحدي والذهاب نحو أقصى مراقي الإنجاز والنجاح؛
عدم الفصل بين المجالات من حيث روح البذل وقيم التضامن والتعاون والإيمان بالقدرة على الفعل وتسخير كل الطاقات من أجل الوطن لا من أجل فئة أو عرقٍ أو جماعة أو مصلحة ذاتية أنانية مخرِّبة لشروط النجاح المشترك بهذه الدرجة أو تلك؛
لا سبيل لفصل الأمة عن تاريخها ودينها وثقافتها وحضارتها وطموحاتها التاريخية الدفينة في الوحدة والتنمية وصناعة التاريخ و الإسهام في صياغة الحضارة الإنسانية؛
الوطن ليس مجرد جغرافيا أو لون أو نشيد أو شعارات ...إلخ، إنه كل هذا وغيرهُ، الوطنُ يسكنُ المواطنَ قبل أن يسكنَه، إذ يحمل المواطنُ وطنَه في وجدانه وخياله وإحساسه واسمه وذاكرته... حيثما حلَّ وارتحل؛
النجاح يحقق الإجماع على الناجح، ويحوله إلى قدوة، بشرط أن يكون النجاح واشجا بين أخلاق العطاء وعطاء الأخلاق، وننقذه من آفات الغرور والتكبر وسطو التبني لاحتكار ثمرات الإنجاز المادية والمعنوية.
أحد عشر درسًا، نستفيدها من النجاح الباهر للمغرب في مونديال قطر لكرة القدم، ويمكن، بل يجب، أن تكون سبيلنا لنجاحات أخرى في قطاعات التعليم والصحة والإعلام والسياسة والاقتصاد والفن...إلخ. إنها معالم ثورة وثروة بنفس مغاربي إفريقي عربي أمازيغي أصيل، عنوانه أن لا شيء مستحيلا إذا آمنا بالعمل وعملنا بإيمان".
انتهى كلام المفكر المغربي الدكتور محمد التهامي الحراق، ولاشك أن سيل الدروس سيتواصل بعد مونديال قطر، هناك حقاً المزيد من الأمل، في غد أفضل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.