الداخلية تحدد تاريخ إجراء انتخابات جزئية بدائرتي بنسليمان وسيدي سليمان    هل ستعود أسعار الخضر للإشتعال؟    السعودية تدعو طرفي الصراع في السودان إلى ضرورة تغليب مصلحة الشعب السوداني    المغرب ينافس إسبانيا على التفوق الجوي.. "الميراج" في مواجهة "يوروفايتر"    غضب رسمي أردني من "اعتداء" إسرائيليين على قافلتي مساعدات إلى غزة    نائب رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية: زعماء دول عربية قالوا لي اهلكو "حماس" دمروهم لأننا سندفع الثمن    دوري أبطال أوروبا (نصف النهاية/ذهاب): دورتموند يهزم باريس سان جرمان 1-0    دورة مدريد لكرة المضرب: الروسي روبليف ي قصي ألكاراس حامل اللقب    طقس الخميس: الحرارة تعاود الارتفاع    ميناء سبتة يعلن عن أكبر تسرب نفطي في تاريخه ويفعل "بروتوكول التلوث"    محكمة إسبانية تُدين بارون مخدرات مغربي بالسجن النافذ    ففرانسا تحكم على شيفور مغربي مهرب الحشيش فموك بغرامة قياسية فتاريخ جرائم تهريب المخدرات    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    كولومبيا قطعات علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل    باحث إسرائيلي في الهولوكوست: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية في غزة.. وهناك أدلة كافية قبل أن صدور إدانة المحكمة الدولية    فريق سعودي يقدم عرضًا كبيرًا لحكيم زياش وهذا هو المبلغ المعروض    الصين: مصرع 36 شخصا اثر انهيار طريق سريع جنوب البلد    الصين تعتزم إطلاق المسبار القمري "تشانغ آه-6" في 3 ماي    مليلية تودع "أحوري".. الصوت النضالي لحقوق الريفيين بالمدينة المحتلة    اختفاء رئيس جماعة ينتمي لحزب "الأحرار" بآسفي بعد وضع مذكرة بحث وطنية ضده بسبب "شيكات بدون رصيد"    بالفيديو.. تعطل فرامل جرافة يتسبب في اصطدام مروع بسيارة في إقليم الحسيمة    اتحاد جدة صيفطو كريم بنزيما لريال مدريد وها علاش    مصرع شخص بعد سقوطه من الطابق الرابع بطنجة    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    البيرو..إطلاق منصة لتعلم أي لغة إشارة في العالم باستخدام الذكاء الاصطناعي    الطبقة العاملة باقليم الحسيمة تخلد ذكرى فاتح ماي    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين مدينتي أكادير والرباط إلى سبع رحلات أسبوعيا    تخلف ورجعية. سلطات إيران استجوبت طاقم وممثلي فيلم "حبة الكرموس المقدس" اللي غادي يشارك ف مهرجان "كان"    حكيمي بعد خسارة PSG مع دورتموند: لالي كان صعيب وثايقين فريوسنا غانتأهلو للفينال فالروتور    الصحراء المغربية .. أكاديميون إسبان يؤكدون على أهمية مخطط الحكم الذاتي    دوري الأبطال.. دورتموند يهزم باريس سان جرمان ويقطع خطوة أولى نحو النهائي    أرباب المقاهي يهاجمون مجلس المنافسة    مدينة طنجة عاصمة عالمية لموسيقى الجاز    أسعار الذهب تتراجع إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع    حموشي يستقبل سفير باكستان ويناقشان تطوير التعاون الأمني بين البلدين    من طنجة.. نقابات تدعو لتحصين المكتسبات وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين ظروف العمل    طائرة مغربية بطنجة تتعرض لحادث تصادم مع سرب طيور    "النقد الدولي": اقتصاد المغرب مستمر في إبداء مرونة في مواجهة الصدمات    «باب الحكمة» بتطوان تصدر «حكاية مشاء» للكاتب محمد لغويبي    آثار جانبية مميتة للقاح "أسترازينيكا".. فما هي أعراض الإصابة؟    أشهر عازف كمان بالمغرب.. المايسترو أحمد هبيشة يغادر إلى دار البقاء    ميارة يثني على مخرجات الاتفاق الاجتماعي ويرفض اتهام الحكومة ب"شراء النقابات "    الإعلامي حميد سعدني يحل ضيفا على كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك    توافد 3,3 مليون سائح برسم الفصل الأول من سنة 2024    صفعة جديدة لتونس قيس سعيّد.. عقوبات ثقيلة من الوكالة العالمية للمنشطات على تونس        فوزي الصقلي : المغرب بلد منفتح على العالمية    وفاة بول أوستر مؤلف "ثلاثية نيويورك" عن 77 عاما    النفط يتراجع ليوم ثالث بضغط من تزايد آمال التوصل لتهدئة في الشرق الأوسط    هل تستطيع فئران التجارب التلاعب بنتائج الاختبارات العلمية؟    جمعية طبية تنبه إلى التهاب قناة الأذن .. الأسباب والحلول    المنتخب المغربي يتوج بلقب البطولة العربية لكرة اليد للشباب    حارة نجيب محفوظ .. معرض أبوظبي للكتاب يحتفي ب"عميد الرواية العربية"    الأمثال العامية بتطوان... (586)    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيضا: أرشيف المغرب يتقدم ببطء شديد .. والتطوير يحتاج إرادة سياسية
نشر في هسبريس يوم 19 - 04 - 2024

في محاضرة بعنوان "الأرشيف: تراث وحداثة"، استقبلها المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، الخميس، في افتتاح "شهر التراث"، قدم المؤرخ جامع بيضا، مدير أرشيف المغرب، حصيلة تركيبية لما حقّقته المؤسسة، والصعوبات التي مازالت تعترض حفظ أرشيفات البلاد، واستعادة المهرّب منها إلى الخارج، وعوائق انتشار الوعي بالأهمية الاستراتيجية لصيانة الأرشيفات العمومية على وجه التحديد، والخاصة أيضا.
قصة الأرشيف
"أرشيف"؛ هذه الكلمة ذات الجذور اليونانية، أخذ جامع بيضا الحضور في رحلة عبر تاريخ تطوّر دلالتها، علما أن الأرشيف قد حضر في أشكال سابقة على شكله الحالي في مصر القديمة، وبلاد الرافدين، كما أن المخازن الجماعية المغربية، المعروفة بالأمازيغية ب"إكودار" ومفردها "أكادير"، فيها "نوع من الأرشيف الذي تُحفظ فيه إلى جانب المواد الغذائية وثائق بعض القبائل، تلافيا لتلفها وتسهيلا للرجوع إليها".
وأضاف المؤرخ: "بعد الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر، لمحاسبة النظام القديم كانت الحاجة للأرشيف تبريرا لشرعية الأفعال، والجمع يتطلب الترتيب (...) مما خلق أرشيفات وطنية، للتبرير، والتوثيق، وكتابة التاريخ أيضا"، ثم ظهر "الأرشيف الوطني البريطاني" في القرن التاسع عشر، وانتشرت الأرشيفات الوطنية في بلدان أوروبية وفي أمريكا، لدرجة وجوده بين "منتصف القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في معظم الدول المتقدمة".
وتابع موضّحا تلازم "الأرشيف" مع "المحاسبة" و"التنظيم المحكم"، بل إن "كلمة أرشيف مرادفةٌ للتنظيم المحكم"، وهو ما وَعِيَه "القادة السياسيون في أوروبا في نهاية القرن الثامن عشر، والقادة العسكريون أيضا؛ فروّجوه بنفس الترادف، وهو ما تشبّع به نابليون بونابارت ففهم الحمولة العسكرية للأرشيف، لا لهزم الخصم فقط، بل لاحتلاله أيضا (...) ومن هنا جاء أخذ أرشيف البلاد بعد الاستعمار لمعرفة أسراره، واستغلال بعض الهفوات والثغرات في النظام الاجتماعي؛ فقد استغل المستعمر الفرنسي والإسباني مثلا مشاكل (موثّقة) بين القبائل حول مورد طبيعي أو غيره".
وترسّخ الأرشيف لهذا مرادفا "للتنظيم المحكم" الذي "تُشيَّد عليه المشاريع العسكرية والمدنية"، ومحيلا على "الاستمرارية في كل شيء؛ المؤسسات، والدول، والمشاريع".
تاريخ الأرشيف المغربي
قال المؤرخ جامع بيضا إن حظ المغرب "كان ضئيلا جدا" قبل القرن العشرين من حيث الأرشيف، "عكس الدولة العثمانية، التي نظمت أرشيفها لتدبير مجال شاسع"، امتد من شمال إفريقيا انطلاقا من الجزائر وصولا إلى أوروبا الشرقية وآسيا.
وزاد شارحا: "كان حظنا قليلا في تنظيم الأرشيف الرسمي للبلاد، بنظرة واستراتيجية واضحة. ما كان يقع أن الكتاب والوزراء في البْنِيقَات، أي مكاتبهم، في القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر، كانوا يكتبون ويدوّنون، وعندما تنتهي مهمتهم يأخذون قفة الوثائق إلى بويتهم، بكل ما تضمّه من مراسلات وتقييدات"، نظرا ل"عدم وجود فكرة أن ذلك الأرشيف ملك للدولة".
هذا ما قال مدير أرشيف المغرب إنه يكتشفه اليوم؛ ف"في لجنة جائزة الحسن الثاني للمخطوطات، يقدم الناس بعض السجلات الخاصة ونجدها خاصة بالدولة، فنستعيد بعضها ولو ورثت واقتنيت؛ لأن هذه المخطوطات ملك للدولة، ولا يوجد تقادم في هذا الباب"، ووجّه نداء إلى ورثة مثل هذه الوثائق لإعادتها للدولة، عبر مؤسسة أرشيف المغرب، لأنها ملكها لا ملك الخواصّ؛ و"تركها لهم شرعنة للسرقة".
وقدّم بيضا مثالا على التعامل المغربي الرسمي مع الأرشيف في القرن الثامن عشر، قائلا: "في سنة 1791، فترة السلطان مولاي اليزيد، زار البولندي يان بوتوتسكي المغرب، ووثّق في كتابه [رحلة في إمبراطورية المغرب] مشاهدة السلطان الذي يأتيه [الرّقّاصة]، أي عُمّال البريد بلغة اليوم، فيقرؤون رسائل عن زيارة قواد من مناطق، ويقولون مثلا إن قبيلة كذا لم ترد إعطاء كذا أو كذا... ويطلب السلطان الرد بكذا وكذا... وترسل رسالة الرد (دون نسخها) وتُحرق الرسائل المستقبَلة. وهو ما صدمه؛ فكتب: [كيف يمكن لدولة أن تستمر إذا استمرت على هذا المنوال، فما يقرَّر اليوم لا يُعرف غدا]".
واستدرك مدير الأرشيف المغربي قائلا: "لا أعمم كل هذا على المغرب، ففترة المولى اليزيد فترة قلاقل، دامت سنتين، وليست من الصفحات المشرقة في تاريخنا، لا أعمم، لكن في هذا شيء من الحقيقة".
ثم قال: "المخزن لم يقم بأشغاله في التنظيم الرسمي للأرشيف، لكن في الوقت نفسه كان يسافر مغاربةٌ حتى القاهرة ليأتوا بمخطوط مثلا، وكان الفقيه والمتعلم المغربي يعتني بشجرة الأنساب والمخطوط، لكن في الآن نفسه أتساءل: وهو يقوم بالعملية، ألم يرد من وراء ذلك مكسبا ماديا أو معنويا؟ فالشجرة كانت تكون مزخرفة أحسن زخرفة، لإثبات شرف النسب، ولو أن أغلب شجرات الأنساب مزورة، فإن الوثيقة حقيقية، ولو أن مضمونها خاطئ".
واستحضر بيضا مثالا آخر من التاريخ المدوَّن: "نجد أن هنري دوكاستر قد ضمّن موسوعة [المصادر الغميسة لتاريخ المغرب] الكثير جدا مما جمعه من مخطوطات ووثائق جمعها عبر العالم، وكان مقيما في الجزائر الفرنسية المحتلة آنذاك، وانطلاقا من الرواية الشفوية للمغاربة الذين زاروا الجزائر والجزائريين الذين زاروا المغرب، استطاع الخرائطي النابه بتدقيق الرواية الشفهية رسم خريطة المغرب"، وهي خريطة رُصّعت وأهديت في مراكش للسلطان المغربي الحسن الأول الذي توفي سنة 1894′′، ثم "بعدما سقط المغرب في الهيمنة الاستعمارية، دخل مع الفرنسيين هنري دوكاستر وتذكّر الخريطة وهو في موقع إداري سام، ولم يجدها رغم كل الوسائل، ولم أجدها بدوري، ولا ندري أين هي، ولو أنها تحفة".
إذن، "لم يكن للمغاربة عناية، فيما يتعلق بالأرشيف الرسمي على الأقل، مثل العناية التي وجدناها عند الدولة العثمانية، رغم محاولة محتشمة في عهد السلطان الشاب المولى عبد العزيز، في سياق ترتيب الأرشيف المغربي الموجود بدار النيابة بطنجة، لأنه كان مجبرا (...) مع الأجانب الذين كانوا يقضمون المواقع المغربية انطلاقا من الجزائر (المستعمرة آنذاك قبل استعمار المغرب)، بسياسة ما كان يسميه ليوطي [بقعة الزيت]، وهو ما تتطلب استعادته الأرشيف، أي قوة الحُجِّيَّة".
ومن الأمثلة أيضا على وضع الأرشيف بالمغرب ما قبل الاحتلال الأجنبي، ما كشفه "التكالب الاستعماري، الذي تطلّب توفير الأرشيف، وقول محمد بن لعربي الطريس [المرجو تنظيم أشيائك]، وهو نائب للسلطان بطنجة، إثر دخول الفرنسيين من الشرق والإسبانيين من الصحراء (...) حيث كانت اتفاقيات مبرمة مع دول، لم يجدها المغاربة، وطلب الطريس من المندوب الأجنبي نسخة من الاتفاقية، ولو أنه يفترض وجود نسختين لدى طرفين موقّعين"؛ وهذه "وضعيات شاذّة، تنقص من قوة الندية؛ أن تطلب من خصمك الذي يقضم أرضك أن يمدّك بوثيقة فقدتها! التاريخ هو التاريخ، وعلينا النظر للمستقبل، لكن دروس التاريخ عليها أن تُعلّمنا اليوم وتنظّمنا".
الأرشيف المغربي اليوم
ذكر مدير أرشيف المغرب جامع بيضا أنه في تواصله مع وزارة المالية يحاول الإقناع بأهمية الأرشيف في حفظ الأموال العمومية؛ ف"تُمرَّر مثلا دراسة بقدر معين، لتدفعنا للأمام، وإذا لم نؤرشف ذلك، فعندما سيأتي مسؤول آخر (...) إذا لم تترك له أي أرشيف، يمكن أن يجري نفس الدراسة ويخسر معها زمنا ومالا؛ ولذلك الأرشيف استمرارية للمشاريع والدولة".
وذكّر المؤرخ ب"حدثين هامين في القرن العشرين؛ "المسيرة الخضراء واسترجاع صحرائنا سنة 1975′′، و"هيئة الإنصاف والمصالحة" بين سنتي 2004 و2007′′، ليقول حول الحدث الأول: "العبقري الحسن الثاني ارتأى أن لا تنظم المسيرة فقط، بل استبق إعدادها بإرسال أساتذة وباحثين لجمع أرشيفاتِ كلِّ ما يفيد مغربية الصحراء، وأرسل آخرين للبحث في دُورِ الأرشيف الأجنبي عن كلّ ما توجد فيه رائحة الصحراء، وبذلك كوَّن ملفنا الذي أرسله إلى محكمة العدل الدولية بلاهاي، ليأتي حكمها: توجد علاقات فعلا بين السلطة المركزية وبعض القبائل بالبيعة. وهو ما كان ورقة ناجحة للملك اعتمد عليها للأمر بمسيرة بنظام وانتظام إلى الصحراء".
أمّا الحدث ثاني ففي عهد الملك محمد السادس، الذي "لمّا وصل إلى سدة الحكم وأراد تصفية الأجواء فيما يتعلق ببعض الممارسات التي فيها شيء من التجاوز لحقوق الإنسان، بين سنتين 1959 و1999، أعد هيئة الإنصاف والمصالحة، التي ترأسها إدريس بنزكري، وعملت لمدة 23 شهرا، وكنت مستشارا غير رسمي لها، وعملت في إطار الأرشيف والذاكرة بالموازاة مع عمل الهيئة، لوضع الأحداث في سياقها؛ فالنص دون سياق وظرفية لا قيمة له".
وكشف بيضا أن "المشكل الكبير" الذي واجهه والمؤرّخون الآخرون هو "الأرشيف الذي قد يكون غير موجود في أحداث، إما دُمّر بوعي أو موجود وغير منظم، أو موجود ومنظم بشكل سيء، في المشارح مثلا أو المقابر... حيث وجدنا أرشيفات عمومية في قبو كبير، بارد، يستحيل فيه أن تجد اسما تبحث عنه"، ومن المشاكل أيضا "رفض تسليم أرشيف من الأرشيفات، وفي غياب قانون منظّم لمجال الأرشيف آنذاك، لم يكن من الممكن العودة للملك، والهيئة هيئةُ مصالحة فلا يمكن طلبُ اقتحام رجلِ سلطة مكانا لتسليمنا الأرشيف؛ لذا كان من التوصيات إصدار قانون للأرشيف وإحداث مؤسسة تعنى به".
وشدّد المؤرخ على أن تقنين الأرشيف وتنظيمه "مهم لولوج الحداثة"؛ فل"دخول عالم الأرشيف تحتاج أن تكون حديثا، ويوجد فرقٌ بين الحداثة والتحديث".
واليوم، "وُضع المغرب على سكة تنظيم الأرشيف، ولا أقول إن الأمور كلها جيدة. وأول دورية كانت في سنة 2011 في عهد حكومة عباس الفاسي وموضوعها عدم إتلاف الأرشيف، وضرورة تنظيمه وتسليم ما انتهت صلاحيته لمؤسسة أرشيف المغرب، وتخصيص مكان للأرشيف، غير القبو؛ لأن القبو كان يعني مكان العقوبة التي يرسل إليها المدراء والمسؤولون الموظفون المغضوب عليهم، وممنوعٌ اليوم وضع الأرشيفات في قبو المؤسسات".
لكن، رغم الخطوات المتخذة "ما زلنا بعيدين عن تحقيق الهدف، رغم مرور 13 سنة عن بداية مؤسسة أرشيف المغرب"؛ ودولٌ قريبة منا "لها اهتمام ووصاية أكبر على الأرشيف، ولو أننا تقدمنا قليلا بمؤسسة عمومية استراتيجية، أعطيت وصايتها بالمغرب لوزارة الثقافة، بينما في تونس الوصاية لرئيس الحكومة، وفي الجزائر الوصاية لرئيس الدولة، ولو أن ذلك لأهداف أخرى".
وأكد مدير أرشيف المغرب أن الأرشيف في البلاد "يحتاج إرادة سياسية، لن تأتي مع الأسف من الوزراء، وأتمنى أن تأتي من الأعلى"، مع تأسفه لاعتذار رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، عن توفير المقر الجديد لمؤسسة أرشيف المغرب بالنظر إلى "الظرفية الاستثنائية للبلاد".
وصرح بيضا بأن مؤسسة الأرشيف اقتنت 4 هكتارات من الأرض، اثنان منها "للاستجابة الفورية لحاجة المغرب"، والباقي "مخازن بالمعايير الدولية لحفظ الأرشيف، نُكرِيها الدولةَ بمبلغ رمزي"، لتفادي وسطاءَ "يمسكون أرشيف الدولة رهينة"، ويطالبون بزيادة ثمن الكراء.
وتطرق المتدخل إلى "المجلس الوطني للأرشيف"، الذي له صفة استشارية غير ملزمة، كما تحدث عن "الاستراتيجية" الخاصة بالأرشيف المغربي، التي أُعدّت "بمبلغ مليون درهم، للعشر سنوات القادمة، بعدما عرضناها على المجلس الدولي للأرشيف، وأخذنا ملاحظاتهم، وهي استراتيجية تستحضر أمورا من بينها الجهوية المتقدمة".
ثم قال: "نتقدم ببطء شديد، وهذه استراتيجية عمومية، تحتاج هيبة الدولة، لتعطي الأوامر لفلان وفلان والوزراء والجماعات المحلية... والأرشيفات قبل كل شيء مبنى، وليست تضييعا للأموال، هذا خطأ؛ فالمباني مهمة".
الأهمية الحاسمة لحفظ الأرشيف
بعد استحضار واقع الأرشيف في المغرب منذ تأسيس مؤسسة أرشيف المغرب سنة 2011، خلص مديرها إلى "أننا لم نعِ بعد جدية الموضوع"، ثم استرسل قائلا: "من أتلف أرشيفا أُتلفه، فهذه جريمة. الاتلاف المسموح به مقنّن، بمحضر موقع بين أرشيف المغرب والمؤسسة المنتِجة للأرشيف. وفي ظلّ التدبير الحالي، نفقد معطيات عمومية، لكن من يدق بابنا ويبحث عن المساعدة نقدمها (...) كمركز خبرة، وتأتينا طلبات من مناطق بعيدة، من أشخاص لهم نباهة لحفظِ أشياءَ".
وزاد أنه رغم التقدم البطيء إلا أنه إفريقيّا المغرب اختير "من منصة اليونسكو بسيول الكورية، منصة تدريب للقارة في السنوات القادمة، رغم مصادرنا المتواضعة، وكوريا الجنوبية توفر تمويل متدربينا".
ومن بين الصعوبات التي تواجه الأرشيف المغربي، فقدان البلاد أرشيفات نُقلت أو هُرّبت إلى فرنسا؛ "فكلّ ما رأوه حساسا بعد الاستقلال نُقِل خارج المغرب، وهناك أرشيفات أخرى سُرقت، ولم يتنبه لها المغاربة. مثل أرشيفات محمد بن عبد الكريم الخطابي، التي أخذت من تارجيست (...) ورسائل علال الفاسي إلى أهله لَمّا كان منفيا في الغابون، فضلا عن سرقات ضباط الشؤون الأهلية للمراسيم والأوراق والوثائق التي لم يعيدوها لأصحابها".
ثم أردف قائلا: "استرجعنا الكثير وبقي الكثير، استرجعنا من فرنسا الكثير من الوثائق المرقمنة، لكن فيما يتعلق بأرشيف الريف، قلت لهم إن أرشيف الخطابي ليس أرشيفا أُنتِج كولنياليا بالمغرب بل هو أرشيف مسروق من شخص مغربي، وطرح هذا مشكلا مع فرنسا، وصعد الأمر "الفوق كثيرا"، ثم جمعني لقاء بمدير الأرشيف الدبلوماسي الفرنسي، قال لي فيه: عندك الحق لكن حتى لو أردت ذلك فلا يمكن، لأن هذا يتقرر على مستوى أكبر من كلينا".
ومن بين ما ذكره جامع بيضا أنه "التمس من الحكومة، وراسل وزير الخارجية، لوضع مسألة الأرشيف ضمن جدول أعمال عالي المستوى."
وحول رقمنة الأرشيف المغربي، قال بيضا: "لدى المؤسسة خمسة كيلومترات من الأرشيف، ورقمنتها، بعيدا عن المشاكل القانونية، تتطلب عشر سنوات مخصصة للرقمنة فقط؛ والآن نرقمن المتلاشي، للحفظ الوقائي، حتى لا نقدم الأصلي للزوار؛ لأنه في وضع مادي صعب، كما نرقمن الأرشيفات المطلوبة كثيرا (...) وأرشيفات الخواص التي يتخوّف أصحابها من تسليمها لنا ثم نعيدها لهم".
وحول البحث عن الأرشيف المغربي الخاص، في الزوايا والفضاءات الأخرى المترامية في أطراف المغرب، ذكر مدير أرشيف المغرب "أن تحريك فريق، وطنياّ، غير ممكن بالنظر لقدراتنا المالية، لكن نستجيب لطلبات الخبرة. ولو أنه ليست لنا مختبرات رقمنة متنقلة".
وعاد المؤرخ إلى موضوع محاضرته، قائلا: "الأرشيف تراث وحداثة في الآن ذاته، ومن يقول حداثة يقول ديمقراطية، وربطٌ للمسؤولية بالمحاسبة؛ فعبر الأرشيف نحاسِب. لا أدري إذا لم تكن هناك إرادة سياسية، وأتمنى أن لا يكون هذا حقيقيا (...) المغرب لم يأخذ بعد الثور من قرنيه"، لكن "مؤسسة المغرب ووضعها عنصر مهم في الدينامية، وتكريسها ضمن المؤسسات العمومية ذات الطابع الاستراتيجي يطمئن المرء شيئا ما".
وفي ختام محاضرته، كانت رسالة المؤرخ جامع بيضا أن الأوان قد آن "للتخلص من اعتقاد أن مهمة الأرشيف الوطني منحصرة في القضايا الهوياتية والتاريخية على أهميتها"، بل إن "إرساء دولة القانون في المغرب والانخراط في الحداثة، رهين بوجود سياسة عصرية للأرشيف، الذي يُعتبر شاهدا على العمل السياسي والإداري والاجتماعي الذي تباشره السلطات العمومية المنتجة للأرشيف، وهو ليس فقط مساعدا على اتخاذ القرار، بل يشكل أيضا وسيلة تمكن المواطنين من مراقبة إنجازات السلطات العمومية ومحاسبتها عند الضرورة.
كما أن لتنظيم الأرشيف وحسن تدبيره انعكاسات إيجابية على الحاضر والمستقبل، ويعزز ممارسة الشفافية في ظل نظام ديمقراطي، وهو ضمانُ استمرارية الدولة؛ فلا دولة عصرية دون تنظيم عصري للأرشيف".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.