أحزاب المعارضة بالبرلمان تنتقد حصيلة الحكومة في التشغيل وجلب الاستثمارات    رئيس الحكومة: التوجيهات الملكية تشكل عمق العمل الحكومي لدعم بيئة الأعمال الوطنية وتشجيع دينامية الاستثمار    الركراكي يحسم الجدل حول "خلاف" زياش ودياز    تغيير موعد المباراة بين الرجاء ووجدة    السجن المحلي عين السبع 1 : 129 مترشحة ومترشحا من النزلاء يجتازون امتحانات البكالوريا    تلميذة تنهي حياتها بعد ضبطها متلبسة بالغش    الحكومة تدرس حل العصبة الوطنية لمحاربة أمراض القلب    بعثة الكونغو برازافيل تحط الرحال بأكادير استعدادا لمواجهة المنتخب المغربي    رسميا.. ريال مدريد يعلن المشاركة في كأس العالم للأندية    بعد إغلاق باب الترشيحات.. 3 أسماء تتنافس على رئاسة نادي الوداد الرياضي    الركراكي يعلن عن تغييرات مُهمة في مباراة الكونغو برزافيل    عناد نتنياهو.. هل هو ضعف أم استبعاد لنهاية المشوار السياسي؟    بوريطة يستقبل وزيرة خارجية إفريقيا الوسطى ويستلم منها رسالة خطية موجهة للملك محمد السادس    ولي العهد يعطي انطلاقة أشغال أكبر محطة لتحلية مياه البحر في إفريقيا    إعداد وترويج "ماحيا" يطيحان بعشريني بفاس    الأمثال العامية بتطوان... (621)    الحصيلة العددية لانتخابات البرلمان الأوروبي تضع القارة وسط "زلزال سياسي"    "الماحيا" تُسقط شخصين في الرشيدية    الأحمر يُغلق تداولات بورصة الدار البيضاء    بوانو: أخنوش قام بتخفيض رسوم الاستيراد لشركات أقربائه ورفع من نسبة تضريب المقاولات الصغرى    بوابة رقمية لتعزيز الخدمات الاجتماعية للأمن    ريما حسن "صوت فلسطين" داخل البرلمان الأوروبي.. من مخيمات اللجوء إلى أعلى هيئة سياسية أوروبية    أطباء يستعرضون معطيات مقلقة حول مرضى السكري بطنجة    "البيجيدي": لا ثقة في إسرائيل وندين مجزرة النصيرات    الناظور.. لقاء تشاوري حول مستقبل الأمازيغية بالمغرب    شركة "كازا تيكنيك" تستهل عملها الرسمي بالحسيمة بمشاكل مع العمال    وزير الخارجية اللبناني يشدد على موقف بلاده الدائم الداعم لسيادة المملكة ووحدة ترابها    «شهادة أداء مناسك الحج» ثانية للحجاج المغاربة، وحواجز ومداهمات وعقوبات على المخالفين    تهرب ضريبي واستغلال مفرط وغير قانوني.. تقرير يرسم صورة قاتمة عن "التسيب" في مقالع الرمال    مجلس الحكومة يدرس إعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي    واشنطن تدعو مجلس الأمن للتصويت على مشروع قرار بشأن غزة    الحكم على ثلاثة مشجعين لفالنسيا بالسجن ثمانية أشهر بسبب إساءات عنصرية ضد فينيسيوس    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    بلينكن يطالب ب "الضغط على حماس"    لارام تستعد لاقتناء 200 طائرة جديدة    الوفد الرسمي المغربي للحج يحط بجدة    الصغيري يكتب: مأزق الديمقراطية الداخلية للأحزاب المغربية    الصندوق المغربي للتقاعد يعلن صرف معاشات المتقاعدين قبل عيد الأضحى    طيب حمضي ل"رسالة24″: احتمال إنتشار فيروس انفلونزا الطيور ضعيف جدا    يوسف القيدي مبادرة فردية شديدة التميز في مجال الفن التشكيلي    الدورة ال 12 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة.. الفيلم الكونغولي «متى يحل عهد أفريقيا» لدافيد بيير فيلا يتوج بالجائزة الكبرى    العشرات يشاركون في كاستينغ المهرجان الوطني للمسرح والكوميديا ببنسليمان    المحامون يدعون لوقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني    "الحياة حلوة" عن معاناة فلسطيني من غزة في الغربة…فيلم مشاركة في مهرجان "فيدادوك"    ديشامب يكشف عن حالة مبابي قبل اليورو    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    رابع أجزاء "باد بويز" يتصدر الإيرادات السينمائية الأميركية    أسعار النفط ترتفع بدعم من آمال زيادة الطلب على الوقود خلال الصيف    موريتانيا تكشف اقتناء أسلحة متطورة    جسور التدين في المهجر.. لقاء مع الدكتور عبد النبي صبري أستاذ جامعي في العلاقات الدولية والجيوسياسية    استعمالات فلسفية معاصرة بين الهواية والاحتراف    «نقدية» الخطاب النقدي الأدبي    أعراض داء السكري ترفع خطر الإصابة بالكسور العظمية    أزيد من 300 حاج مغربي استفادوا من مبادرة "طريق مكة" إلى غاية 9 يونيو الجاري    المغرب يتجه لتحقيق اكتفائه الذاتي من البترول بحلول منتصف 2025    بنحمزة يوضح موقف الشرع من الاشتراك في أضحية واحدة    المغرب يسجل حالة وفاة جديدة بفيروس كورونا    تشوهات الأسنان لدى الأطفال .. أكثر من مجرد مشكلة جمالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما تسوق المرأة نفسها إلى الانتحار ومجتمعها إلى الاندثار
نشر في هسبريس يوم 09 - 11 - 2009

تطلع علينا قنوات الأخبار مرة مرة ، في إطار من العجائبية ، أو إعطاء النموذج و القدوة ، أو التحدي ..، بأخبارٍ لنساء اقتحمن أعمالا معينة كانت إلى وقت قريب حكرا على الرجال . ""
... و كانت العادة الجارية خلال السنوات الماضية من القرن العشرين ، في إطار تباهي الدول على بعضها البعض و خاصة الدول النامية و امتنان الحكام على شعوبهم ، أن تُعلن مرة مرة المرأةُ السبّاقة إلى اقتحام عمل معين : فكنا نقرأ أو نسمع في شيء من النشوة و الفخار عن أول امرأة مسلمة ساقت الطائرة ، و عن أول امرأة عربية قادت القطار ، و عن أول امرأة مغربية شرطية مرور ، إلخ .
كان الأمر ، و ما يزال ، أشبه بسباق محموم لحيازة شهادة السبق و الفخار ، في إطار النهوض بأوضاع المرأة ، و حقوق المرأة ، و المساواة بالرجل ، إلخ .
و لكن في لحظة تأمل لهذا الأمر ، و في إطار ضرورة الانتقال من الفكر الطفولي المستلب إلى فكر ناضج واعي مستقل ، لا بد أن نقف لنتساءل :
ثم ماذا بعد ذلك ؟
ماذا ستربح المرأة من وراء ذلك ؟
و ماذا سنربح جميعا من وراء ذلك ؟
حقيقة ، لا يمكن بهذه المناسبة إلا أن ندين مختلف أشكال العسف التي كانت و ما تزال تتعرض لها النساء ، و الحيف الذي لحقهن لقرون عديدة بسبب الجهل ... كما لا يمكننا بهذه المناسبة إلى أن نشد بحرارة على أيادي كل المنادين بضرورة إنصاف المرأة ، و تمتيعها بحقوقها كاملة باعتبارها إنسانا مثلها في ذلك مثل الرجل .
و لكن ، نعيد السؤال من جديد : ... ثم ماذا بعد ذلك ؟
فما الذي يدفع بالمرأة إلى أن تزاحم الرجال في أعمال تكون إلى وقت قريب حكرا عليهم ؟ هل هي الرغبة في التحدي و إثبات الذات ؟ أم هي مجرد الحاجة الملحة الاضطرارية ؟ أم هي بكل بساطة اختيار عادي متعلق بحب مهنة في حد ذاتها ؟
فأن تزاحم المرأة الرجال و تؤكد ذاتها ، معناه من زاوية نظر أخرى ، أن تعرض نفسها لمشاق لا يستطيع تحملها على المدى الطويل إلا الرجال و قد لا يستطيعون و أن تحرم نفسها من حقوق طبيعية أساسية ، و أن تحرم غيرها من حقوق واجب عليها أداؤها لصالحهم باعتبارها المسئولة الأوحد عنهم .
إن إقبال النساء على اقتحام ميادين عمل معينة ، بغضها النظر عن طبيعة تلك الأعمال و عن متطلباتها ، يطرح أسئلة مقلقة عن حقوقها و واجباتها ، و عن معنى وجودها على اعتبار الفطرة التي جبلت عليها و متطلبات تلك الفطرة ..؛ فما مصير أنوثتها ؟ و ما مصير زواجها ؟ و ما مصير أمومتها ؟ و ما مصير إنسانيتها التي تتقاسمها مع الرجل ؟
و أذكر بهذه المناسبة كلاما لأحد الأساتذة في سنوات الثمانينيات ، في خضم الحرب الباردة و ما صاحبها من استعراض لانجازات كل طرف على الطرف الآخر في مختلف الميادين ، و التسابق المحموم لكسب الأتباع المناصرين من الشعوب و الدول ، أذكر أنه قال بنبرة من الفخار و الإعجاب و ضمنيا تبخيس للذات مقابل دعوة إلى الاقتداء بالآخر أن أحد السدود الكبرى التي بنيت ببلادنا شاركت فيها نساء سوفياتيات ، هن كذلك كن تعملن مثل الرجال في أعمال البناء ، و ذلك بطبيعة الحال على مدى عدة شهور .
كما أذكر ، في أحد الكتب الرسمية لوزارة التربية الوطنية الموجهة للفتيان ، صورة ثلاث نسوة سوفياتيات تعملن في البناء ، و تحت الصورة تعليق يقول : مساهمة النساء في جميع الأعمال ... ناهيك عن أخبار أخرى تنقل إلينا عن إنجازات النساء العظيمة هناك ، و عن مكانتهن ، إلخ .
كانت نظرتنا حينها تجمع ما بين الاستغراب و الإعجاب . لكن ، و مع تقدم السنوات ، تطرق أدهاننا كل مرة أسئلة جديدة عن هؤلاء النسوة : ألسن متزوجات ؟.. أليست لهن أسر ؟.. من يعتني بأطفالهن طوال شهور غيابهن ؟.. هل هن مخيرات أم مجبرات على العمل ؟.. ماذا استفدن من وراء ذلك الإنجاز ؟.. و هل يَعْتَدْن فعلا بذلك الانجاز ؟.. أم هي الحكومات فقط التي تتباهى على بعضها البعض بغض النظر عن حقيقة أمر المُتباهى بهن ؟..
لكن و بعد تلك البهرجة بسنوات ؛ نستفيق على سقوط الاتحاد السوفياتي ، و على سقوط الشعارات التي كان يتغنى بها ، و افتضاح أوضاع اجتماعية مزرية ، لا أرى إلا أنها نتيجة الانجازات العظيمة للنساء اللواتي أبَنَّ عن قدرتهن في المساهمة في كل الأعمال ..، و في المساهمة في الناتج الوطني ، و في بناء الاقتصاد ، و في التقدم ... و نفس الحالة تسجلها باقي الدول الغربية و إن بنسب متفاوتة بحسب ظروف كل بلد على حدة :
فقد نجح النظام السوفياتي ، عبر النظام التعليمي و التربوي و الثقافي التقدمي الثوري اليساري ، في تكوين أجيال بعيدة جداً عن الدين و ملحدة أو شبه ملحدة ؛ حتى بلغت نسبة الملحدين وأشباههم في الستينيات من القرن العشرين ما بين 80 و 90 % من مجموع سكان روسيا ... و لا بد أن تكون المرأة في قلب و صميم هذا التكوين المتميز ؛.. فماذا كانت النتيجة ؟
أشارت تقارير روسية اعتمادا على بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن روسيا أمة تموت تدريجيا ، و قد تنقرض في ظرف 50 سنة ؛ و يرجع هذا الوضع الخطير إلى عاملين ديمغرافيين اثنين : ارتفاع حاد في معدل الوفيات مقابل انخفاض حاد في معدل الولادات ؛ الأول بسبب النسب المهولة للروس المدمنين على الخمور و المخدرات و السجائر و ما يلحقها من مضاعفات صحية و اجتماعية ، ناهيك عن آلاف المصابين بمرض الإيدز ( 1,5 مليون حامل للفيروس )، و الثاني بسبب إعراض الروس عن الزواج و الإنجاب ، وانشغال النساء بالعمل من أجل الإنفاق على أنفسهن ، ناهيك عن استفحال ظاهرة الإجهاض ( ما يفوق 4 ملايين حالة إجهاض سنة 1990 ) .
... و جاء منقذ روسيا من الهلاك الرئيس الروسي السابق "فلاديمير بوتين" ليُلَخِّص أهم القضايا التي تواجه روسيا في : « الحب و المرأة و الأسرة » في إشارة إلى « المشكلة الديموغرافية » التي تهدد بانقراض الجنس الروسي ؛ فطالب بضرورة حفز المواليد و مكافأة الأسر التي تزيد من عدد مواليدها . و قد خصصت الدولة رسميا مساعدات مادية و معنوية مختلفة لصالح النساء اللواتي يزدن من عدد السكان ... و لكن ، و حيث أن التكوين السوفياتي الفعال ما يزال مفعوله حيا ، فإن عددا من تلك النسوة تبادرن بالتخلي عن مواليدهن بمجرد حصولهن على المكافآت ، و ترمين بهم إلى الملاجئ .
و عموما ، فإن الحالة هي نفسها في كل الدول المتقدمة ، فقد أصبحت قضية الأسرة ضمن أولويات الساسة ؛ و حسب المجلس الاقتصادي و الاجتماعي لهيئة الأمم المتحدة ( 2002 ) فإنه في : » معظم البلدان ذات الخصوبة المنخفضة، يؤجل بشكل متزايد الدخول في علاقة زوجية مما يؤدي إلى تقليص كبير لفترة الإنجاب. و في العديد من بلدان أوروبا الغربية، وبلدان الشمال الأوروبي، والبلدان الواقعة في أمريكا الشمالية، ينتشر وجود أسر من غير أطفال انتشارا واسعا « .
في فرنسا ، صرح رئيس الوزراء الفرنسي دو فيلبان أنه حين يتوقف أحد الأبوين عن العمل ليرعى ثلاثة أطفال فسيحصل على 750 أورو شهريا لمدة عام ..، و كأنها دعوة إلى أن تقر النساء في بيوتهن لرعاية أطفالهن . و هذا ما يقع فعلا : حيث إنه تعمد سنويا حوالي 380 ألف امرأة إلى التوقف عن العمل لأجل العناية بالأطفال الذين يقل سنهم عن ثلاث سنوات .
و في إيطاليا ، تقول الإحصائيات أن حوالي 25 % من نساء إيطاليا لا أولاد لهن ، و25 % من النساء لديهن طفل واحد فقط ؛ و في مدينة في شمال غرب إيطاليا سجلت أعلى نسبة للمسنين في العالم ، و تشهد مؤخرا إغلاق العديد من المدارس بسبب تناقص عدد الولادات . و تحاول الحكومة جاهدة تشجيع النمو السكاني بتقديم 500 أورو شهرياً لكل أسرة عندها طفلان لتشجيع النساء على الولادة و رعاية الأبناء .
و في اليابان ، نفس الظاهرة الديمغرافية كذلك مع أرقام أخرى ميزتها الأساسية : ارتفاع نسبة الشيخوخة مقابل انخفاض نسبة الأطفال .
و تعزو بعض الأبحاث انخفاض نسبة المواليد في تلك الدول المعتبرة إلى سيادة ثقافة تعتبر الإنجاب و الأمومة و الأبوة عبئا ثقيلا لا داعي للتكلف بحمله ؛ فالشباب عندهم عموما عزوف عن الزواج تهربا من مسؤوليته ، و استغناءً عنه بفضل البدائل المتنوعة التي توفرها لهم الثقافة الغربية التحررية ، هذا بالإضافة إلى رواج سوق الإجهاض مقابل كساد سوق الإنجاب ، إلى حد دفع ببابا الفاتيكان إلى أن يحذر أوربا من الموت و الانقراض إذا بقي المجتمع الأوربي يقبل بفكرة الإجهاض .
* * * * *
لقد حان الأوان لكي نفرك أعيننا جيدا حتى نزيح عن أبصارنا غشاوة الانبهار و تتضح لنا الصورة بشكل أحسن ، فواقع المرأة عندهم هناك ليست كما نتخيل ، أو كما تُصورها لنا أبواق التغريب ؛ بل على العكس من ذلك تماما ، تعيش من المشاكل و التعاسة ما لا قبل لنسائنا به .
لقد أصبح العُرف السائد في النساء الغربيات أن الخروج لأجل العمل قضية حياة أو موت لكل امرأة تريد أن تعيش حياتها بالحرية و الاستقلالية التي تضمن لها كرامتها زعموا كما أصبح العرف السائد عندهن كذلك هو أن بناء شيء اسمه الأسرة يأتي في مرتبة ثانوية ؛ و هكذا ، فالأولوية للعمل و ترقي درجاته و تلقي مكافآته المادية و المعنوية .
تخرج المرأة المتزوجة في الصباح الباكر لتواجه قساوة الظروف المناخية و المواصلات ، ثم تلج إلى عملها لتواجه قساوة ظروف العمل ، و تبقى هناك لثماني ساعات أو ما يزيد في جو تطبعه كل أشكال الخضوع و الخنوع للقوانين التنظيمية و غير التنظيمية ..؛ ثم تعود من عملها إلى بيتها ( هذا في أحسن الحالات : أي إن كان بيتها في نفس مكان عملها ) لتواجه متطلبات الأبناء و الزوج ؛ و كأنها في قتال مرير على جبهتي حرب ، و قد تجد أن العمل يستنزف كل طاقتها النفسية و الجسدية ، فلا يبقى للأسرة إلا النزر القليل ..، أو قل : إلا ما يكفي للاسترخاء و العودة بنشاط مجددا للعمل في اليوم الموالي .
و حتى لو افترضنا أن أحدنا تقدم باقتراح أن تقر في بيتها رحمة بها إذا كان دخل زوجها يغنيها عن ذلك الهم و الغم ، فإنها ستبادر بالرفض بسبب عدم الاستقرار الذي تعانيه الأسر الغربية مع ارتفاع نسب الطلاق مقابل انخفاض نسب الزواج .
أما إن كانت المرأة عازبة ، فهي تعمل لتسديد تكاليف المعيشة المفروضة عليها فرضا في غياب أي معيل و أي تضامن أسري . و أذكر بهذه المناسبة برنامجا تلفزيونيا يعرض لعارضات أزياء كنديات و أمريكيات تعملن في إحدى مدن إيطاليا ، فسئل مشغلهن عن سبب عدم الاكتفاء بالفتيات الإيطاليات لهذا الغرض ، فأجاب بنبرة استصغار بأن الفتيات الإيطاليات في مدينته قابعات في أحضان أسرهن ، أما الكنديات و الأمريكيات فهن متحررات مستقلات ، كما أن متطلباتهن المادية كثيرة و متنوعة و عليهن سدادها عن طريق العمل ...
عمل المرأة إذن ليس ميزة حقيقة ..، بل عبء ثقيل و قهر تئن منه النساء العاملات في صمت ...
و نعرض فيما يلي مؤشرات أخرى دالة على الوضع الحقيقي و الفعلي الذي تعيشه النساء الغربيات بعيدا عن مساحيق التجميل التي تستقبلنا بها عند الواجهة : فهناك ارتفاع مهول في حالات الطلاق بما يشير إلى الخلل الكبير الذي أصبح يهدد الأسر الغربية ..؛ و ارتفاع حالات الاغتصاب على الرغم من الامتيازات التي تتيحها الفوضى الجنسية التي تطبع المجتمعات الغربية ..؛ و ارتفاع عدد حالات الإجهاض ..؛ و ارتفاع عدد الأمهات العازبات و بالتالي توسع ظاهرة أبناء الزنا فاقدي الهوية و عواقب نقمتهم على المجتمع ..؛ و ارتفاع عدد النساء البالغات اللواتي تعشن لوحدهن ..؛ و ارتفاع عدد الأسر التي تعيلها النساء لوحدهن بدون أي سند ..؛ و ارتفاع نسب العنوسة ، بحيث أصبحت العزوبية هي القاعدة ، و أصبح الزواج هو الاستثناء .
لقد نبذت المرأة الغربية وظيفتها الطبيعية في الزواج و الأمومة و الأسرة ، و استعاضت عنها بالجديد البراق الذي حملته إليها الثقافة اللادينية اللائكية ... إنه الواقع الذي يُنَفِّذ في غباء و بالحرف أفكار رواد الفكر الغربي ؛ كالقولة الشهيرة للفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بفوار ( Simone de Beauvoir ) عشيقة الفيلسوف الفرنسي الكبير جان بول سارتر (*) ، و التي تربت على يديها أجيال من مناضلات حقوق المرأة ، قولتها الشهيرة التي ترفعها المناضلات النسوانيات أعلاما هنا و هناك ، حيث تقول : »المرأة لا تولد امرأة ، بل تصبح كذلك « ؛ و كذلك قولتها : » ستظل المرأة مستعبدة حتى يتم القضاء على خرافة الأسرة وخرافة الأمومة « ...
إنه التنكر التام و المطلق لفطرة المرأة التي جبلت عليها كل أنثى ..؛ بل هو الانتحار .
و هذا ما شهدت به كل أولئك النسوة اللاتي ذقن مرارة الضياع و الخديعة ، و كرهن الوضع الذي أصبحن فيه بدعاوى كاذبة : فقد كتبت ممثلة الإثارة الأمريكية الشهيرة مارلين مونرو قبل انتحارها : » احذري المجد ، احذري من كل من يخدعك بالأضواء ، إني أتعس امرأة على هذه الأرض .. لم أستطع أن أكون أما ... إني امرأة أُفَضِّل البيت ، الحياة العائلية الشريفة على كل شيء ... « .
و في دراسة بريطانية استهدفت بحث ظاهرة اعتناق النساء الغربيات للإسلام ، أكدت الباحثة البريطانية (ه. بول) على أن أهم دوافع اعتناق الإسلام لهذه الفئة هو واقعيته ، و تركيزه على توجيه السلوك الإنساني ، بجانب العبادات و الشعائر ، و كونه دينا اجتماعيا و أخلاقيا ، و قد لاحظت في بحثها في أحوال النسوة المستهدفات : أن الإحساس بانعدام الهوية ، و التحرر من أي التزام أخلاقي ، و الشعور بالخواء الروحي ، و الشعور بالضياع كان من أبرز ما عانته تلك النساء قبل إسلامهن . ففي شهادات لبعضهن ، نقرأ : »الإسلام أعاد صياغة حياتي وجعل لها شكلاً وحدوداً « ..؛ و » حياتي لم تكن مستقرة ، فلا منهج ولا يقين و لا هدف واضح « ..؛ و » الإسلام جعلني أشعر بالحاجة إلى ضبط حياتي بطريقة إيجابية ، و لأحرر نفسي من المقاييس الزائفة في المجتمع « .
نخلص من كل ما سبق أن إقدام النساء على اقتحام سوق العمل دون أدنى اعتبار لطاقتهن و واجباتهن ليس سوى ارتماء في هاوية التهلكة ؛ تهلكة أولى ضحاياها هي المرأة نفسها ، ثم أسرتها ( إن وجدت ) ، ثم المجتمع الذي لا يقوم إلا على أساس الأسر التي تكفل له الاستمرارية و التجدد . كما نخلص إلى أن محاولة النساء العاملات المزاوجة بين واجباتهن الأسرية و واجباتهن العملية غالبا ما ستبوء بالفشل ، و يروح أحد طرفي المسؤولية ضحية ذلك الفشل أو كلاهما معا : الأسرة أو العمل .
أما عن بروز نساء على الساحة استطعن التوفيق بين الواجبين ، و استطعن تحمل مسؤوليات أعمال صعبة فهو من قبيل الاستثناء الذي لا يقاس عليه . و لنا هنا مثالان : الأول لوزيرة مغربية سابقة ، احتج عليها البرلمانيون يومًا بسبب غيابها عن حضور إحدى الجلسات ، فاعتذرت بالتزام أسري مرتبط بابن لها أصابه مكروه ..؛ و الثاني لابنة وزير الخارجية التركي الصغرى التي راسلت الرئيس التركي و طلبت منه إعفاء والدها من مهامه لأنها لم تعد تراه منذ أصبح وزيرا ... و في هاتين الحادثتين عبرة .
(*) قصة سارتر و سيمون في حد ذاتها مؤشر على طينة البشر التي تقود سفينة العالم الغربي ؛ فقد كانت السيدة سيمون رائدة من رواد تحرير المرأة طوال حياتها ، حتى أنها عبرت قبل مماتها بقليل عن رغبتها في التظاهر ضد لباس الحجاب في إيران . كانا معا في علاقة دامت لمدة تزيد عن 19 سنة ؛ ثم اتفقا على أن يذهب كل واحد منهما إلى حال سبيله بدعوى التحرر من أية عبودية قد يسقطان فيها هما داعيا الحرية ، فانطلقت هي إلى ربط علاقة مع كاتب أمريكي ، ثم إلى علاقة شاذة مع إحدى طالباتها ، و انطلق هو إلى ربط العلاقة مع شبكة معقدة من النساء منهن تلميذات الأستاذة سيمون .
و إذا أمعنا النظر ؛ فإن قادة السفينة السياسيين أنفسهم من نفس الطينة : فالرئيس الفرنسي ساركوزي طلق زوجته و انتقل إلى أخرى كانت له بها علاقة مسبقة قبل الزواج ، و رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلوسكوني الذي ضاقت زوجته ذرعا من سلوكاته مع الفتيات الشابات على حساب أسرتها ، و وزيرة العدل الفرنسية خريجة بلد الأنوار التي أنجبت مؤخرا طفلة من زنا دون أن يعلم أحد باسم الفاعل و دون أن تعلم الطفلة المولودة باسم والدها في رائعة من روائع العدالة الفرنسية ...
[email protected] mailto:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.