يعود بنا الباحث والروائي، حسن أوريد، في رواية موسومة بعنوان "سيرة حمار" صدرت حديثاً عن دار الأمان، إلى مرحلة قديمة للغاية من تاريخ المغرب، وبالضبط إلى التفاعل الذي وقع بين موريتانيا الطنجية، كجزء من المغرب الأقصى، والإمبراطورية الرومانية التي بقيت في شمال إفريقيا لثمانية قرون، لينسج أحداثاً خيالية عن إنسان تحوّل إلى حمار، واضطر إلى قطع رحلة مُتعِبة لهدف العودة إلى آدميته. يرجع "أذربال" إلى بلدته أليلي بموريتانيا الطنجية بعد سنوات من الدراسة في قرطاج وروما وتين جيس، ليبدأ علاقة غرامية مع إحدى سيدات المدينة، انتهت بتجرعه لشراب ظن أنه سيحوّله إلى طائر يهرب رفقة حبيبته، فحوّله إلى حمار بِيع إلى رجل جشع يحمل عليه الأثقال، ليهرب الحمار "أذربال" إلى الغابة حيث ستتخذه قبيلة معبودها الوحيد، وبعد ذلك يسقط في أيدي قبيلة أخرى تكره الحمير، ليكون موعده مرة أخرى مع الهرب. التقى الحمار بعد ذلك بشيخ أكرمه وأعطاه صورة إيجابية عن تعامل البشر مع الحيوان، إلا أن الأيام الجميلة انتهت بسرعة بعدما سُجن الشيخ ظناً من السلطة أنه يسرق الحمير، فيعود "أذربال" إلى مالكه الجشع الذي باعه إلى صاحب سيرك، هذا الأخير سيجبر الحمار على خوض معركة مصيرية مع سَبُع من أجل كسب النقود، ليختار الحمار بعد ذلك الهروب مرة أخرى من أجل البحث عن طريقة ما تعيد إليه آدميته. نقرأ في إحدى صفحات الرواية:" نظرتُ في مرآة، فإذا أنا حمار كامل الأوصاف، لا أختلف عن الحمير إلا في شيء أضحى مصدر معاناتي هو قدرتي على التفكير، إذ كان الأمر سيهون لو حُرمت التفكير وعشت حياة الحمير لا أختلف عليها في شيء". ونقرأ كذلك:"هل هان بي الأمر لأعشق أتاناً؟ هل طلّقت وضعي الإنساني السابق لأصبح حيوانا كامل الحيوانية؟ هل هو الإعلان عن الإفلاس والانغمار كلية في سلك الحيوانية أنا الذي قدرت يوماً أن أنعتق من جلد الحمار ومهاوي الحيوانية؟ ليتني لم أنهق". كما نقرأ أيضا:" وقد تبيّنت أن كثيراً من بني الإنسان أنفسهم لا يختلفون عن هذا الحمار الذي حاججني، وأنهم يقيسون الحياة فيما يملكون، ويجعلون غايتهم النيل من متعها والظفر بمتاعها". وفي تصريح لهسبريس، قال حسن أوريد إن السياق التاريخي كان مؤثراً في هذه الرواية، وإنها أتت في أعقاب الانتكاسة التي شهدها الربيع العربي خاصة مع ما يقع في مصر، مؤكداً أنه استوحى الكثير من وقائعها من رواية "الحمار الذهبي" للكاتب الأمازيغي "أفولاي"، وهي الرواية التي تُعتبر أول عمل روائي في تاريخ الأدب، وأوحت لكتاب آخرين بالسير على المنوال نفسه، أي تخيل أحداث كائن بشري يتحول إلى حشرة كما في رواية "المسخ" لكافكا، أو لحمارٍ كما فعل توفيق الحكيم في عمله "حمار الحكيم". وأضاف أوريد أن الجانب التاريخي حاضر في "سيرة حمار"، كما هو موجود في "المورسكي" إحدى أشهر أعماله الروائية، إلا أن الاختلاف يكمن في طبيعة العلاقة بين الضفة الجنوبية ونظيرتها الشمالية، فإن كانت علاقة التباس وتناحر في "المورسكي"، فهي علاقة تمازج وقبول في "سيرة حمار" وإن كانت هذه الرواية لا تخلو من إشارات رفض الساكنة المحلية لأي غطرسة عسكرية قادمة من بلاد الرومان. جدير بالذكر أن حسن أوريد الذي سبق أن شغل عددا من المناصب المهمة كمؤرخ المملكة المغربية، الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، ووالي جهة مكناس-تافيلات، أصدر عددا من الأعمال الروائية، منها "الحديث والشجن"، و"صبوة في خريف العمر"، وكذا دراسات نقدية منها "مرآة الغرب المنكسرة" و"تلك الأحداث".