بلينكن يحذر إسرائيل من "الوقوع في فخ القتال مع حماس والانزلاق إلى الفوضى إذا لم يكن هناك خطة لحكم غزة في مرحلة ما بعد الحرب"    نهضة بركان يتفوق على الزمالك المصري في ذهاب نهائي كأس ال "كاف"    اقتلاع شجرة يغضب ساكنة الدار البيضاء    إقليم العرائش يستعد لاحتضان الدورة الثانية عشرة للمهرجان الدولي ماطا للفروسية    3 نقاط تفصل فريق الدفاع الجديدي للكرة الطائرة لتحقيق الصعود للقسم الممتاز    رصيف الصحافة: سمك فاسد في "جامع الفنا" يودع 3 أشخاص الحراسة النظرية    المنتخب المغربي للتنس يتوج بطلا لإفريقيا    الجيش المغربي ونظيره الأمريكي ينظمان الدورة ال20 من مناورات "الأسد الإفريقي"    تحويل ميزانية اصلاح الطرق لشراء سيارتين للرئيس ونائبه يدفع سكان امزورن لصيانة الشوارع من مالهم الخاص    مطلب ربط الحسيمة بشبكة السكة الحديدية على طاولة وزير النقل    النصيري في ورطة بإسبانيا وعقوبة ثقيلة تنتظره    تفاصيل محاولة فرار "هوليودية" لمغاربة بمطار روما الإيطالي        "إيقاعات تامزغا" يرفع التحدي ويعرض بالقاعات السينمائية الأسبوع المقبل    عاصفة شمسية قوية تنير السماء بأضواء قطبية في عدة دول    باريس سان جيرمان يودع مبابي أمام تولوز بالدوري الفرنسي الليلة    وفاة 5 تلاميذ غرقا بأحد شواطئ الجزائر    بونو: هدفنا إنهاء الموسم بدون خسارة وتحقيق كأس الملك    جيتكس إفريقيا المغرب 2024.. وكالة التنمية الرقمية في خدمة النهوض بالابتكار والتكنولوجيا الجديدة    حل مجلس الأمة الكويتي: إنقاذ للبلاد أم ارتداد عن التجربة الديمقراطية؟    أردوغان: نتنياهو بلغ مستوى يثير غيرة هتلر    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    أسعار الطماطم تقفز بأسواق المغرب .. ومهنيون: تراجع الإنتاج وراء الغلاء    معرض الكتاب.. لقاء يحتفي بمسار الأديب أحمد المديني    افتتاح فعاليات الدورة الثالثة للمعرض الدولي للأركان بأكادير    "أسبوع القفطان".. فسيفساء من الألوان والتصاميم تحتفي بعبق الزي المغربي    "كوكب الشرق" أم كلثوم تغني في مهرجان "موازين" بالرباط    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    ارتفاع حصيلة القتلى في غزة إلى 35034 منذ اندلاع الحرب    اليوتوبر إلياس المالكي يمثل أمام النيابة العامة    زلزال بقوة 6.4 درجات يضرب سواحل المكسيك    الدرهم يرتفع بنسبة 0,44 في المائة مقابل الأورو    الإمارات تستنكر دعوة نتنياهو لها للمشاركة في إدارة غزة    المغرب الفاسي يبلغ نصف النهائي بفوزه على المغرب التطواني    الصويرة : دورة تكوينية لفائدة أعوان التنمية بمؤسسة إنماء    الحسيمة تحتضن مؤتمر دولي حول الذكاء الاصطناعي    طانطان.. البحرية الملكية تقدم المساعدة ل59 مرشحا للهجرة غير النظامية    عرض "قفطان 2024" في نسخته الرابعة و العشرين بمراكش    ورشة حول التربية على حقوق الانسان والمواطنة    المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.. تقديم نتائج مشروع دراسة مكتب العمل الدولي المتعلقة بالتقييم الاكتواري لمنظومة التعويض عن فقدان الشغل بالمغرب    مذكرة توقيف تلاحق مقدم برامج في تونس    بعد إلغاء حفل توقيع رواياته.. المسلم يعد جمهوره بجولة في المدن المغربية    الصين تطور أول نظام للهيدروجين السائل المركب بالسيارات من فئة 100 كيلوغرام    الهلالي يشارك في الاجتماع الاستثنائي للمجلس العالمي للتايكوندو بكوريا الجنوبية..    بعد استغلالها لمصالحه الشخصية.. الوزاني يسحب سيارة الجماعة من مستشار بالاغلبية.. ومضيان يثمن القرار    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    مطالب نقابية بإقرار منحة لعيد الأضحى    ماذا يقع بالمعرض الدولي للكتاب؟.. منع المئات من الدخول!    النخبة السياسية الصحراوية المغربية عنوان أطروحة جامعية بالقاضي عياض    عائلات "المغاربة المحتجزين بتايلاند" تنتقد صمت أخنوش وبوريطة    الأمثال العامية بتطوان... (596)    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حجاب المرأة من تحليل فيزيو- صوفي
نشر في هسبريس يوم 01 - 12 - 2009

‍‍‍‍‍‍‍‍/1 مبدأ وحدة العلوم طريق إلى التوحيد عند الصوفية :
من خصائص الفكر الصوفي أنه لا يفصل بين العلوم من حيث دلالتها على عقيدة التوحيد وخدمتها للإنسان من هذا الجانب كغاية وبعد لكل تحصيل معرفي موضوعي، ولهذا فإننا نجد في الكتابات الصوفية أمثلة كثيرة توظف فيها العلوم الحسية، سواء كانت حيوانية أو نباتية أو جمادية، وذلك على وجه الاستدلال وتقريب المعاني المجردة والذوقية إلى متناول الأذهان، حتى أن بعض الكتاب المحدثين عاب على الغزالي مثلا كثرة ضربه للأمثلة في تأكيد المعنى الذي يروم إيصاله إلى وعي القراء بتحريك الخيال وتقريب المعنى من خلاله1.
والغزالي نفسه يصرح فيقول بأن" جميع العلوم مقدمات ووسائل لمعرفة الأول الحق جل جلاله"2، كما أنه كثيرا ما يستشهد الصوفية بهذا البيت :
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد
حتى إن بعض الصوفية كالشيخ أحمد بن عجيبة قد حول المنظومة النحوية المسماة بالآجرومية إلى معنى روحي وذوقي له بعد توحيدي.
وتمشيا مع هذه القاعدة العامة عند الصوفية، فإنه يكون من المفيد أن تستغل العلوم المادية الحديثة لتوظيفها على سبيل القياس الاستئناسي في تأكيد إيجابية الأحكام الشرعية وأحقيتها لكي تكون أولى بالتطبيق من كل آراء بشرية تطبعها الذاتية والنظرة الجزئية السطحية ولا تقاس على حس أو عقل أو ذوق.
لكن، وقبل عرض ما توصلت إليه العلوم الحديثة من آراء، فإن التحديد الحقيقي للوجود وطبيعته يبقى المصدر فيه هو العلم الالهي المنصوص عليه في القرآن الكريم، أو المبين بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم على شكل حديث.
فالقرآن الكريم ينص على أن الأصل في الكائنات حيها وجامدها هو الوحدة سواء تعلق الأمر بالكون ككل، أو بالنفس الانسانية موضوع دراستنا. فنجد قول الله تعالى في وحدة الكون أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي3 إذ البنية الأولى للكون كانت تمثل وحدة متراصة تنتهي إلى عنصر واحد شكلا وجوهرا، ثم عرفت بعد ذلك انشطارية على سبيل التنوع الشكلي لتحقيق التفاعل والتوالد وما إلى ذلك مما يستدعي تجانس الكثرة بين العناصر المتقاربة.
وعلى هذا السياق المفيد لوحدة البنية الأولى للكون ، يمضي القرآن في تحديد طبيعة النفس الانسانية فيقول الله تعالى بهذا الخصوص : يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ، إن الله كان عليكم رقيبا)4
ويذهب ابن عربي الصوفي في تفسير معنى قول الله تعالى :الذي خلقكم من نفس واحدة إلى أنها هي النفس الناطقة الكلية التي هي قلب العالم وهو آدم الحقيقي ، وجعل "منها زوجها" أي النفس الحيوانية الناشئة منها، وقيل أنها خلقت من ضلعه الأيسر من الجهة التي تلي عالم الكون، فإنها أضعف من الجهة التي تلي الحق، ولولا زوجها لما أهبط إلى الدنيا. كما اشتهر أن إبليس سول لها أولا فتوسل بإغوائها إلى إغواء آدم. ولا شك في أن التعلق البدني لا يتهيأ إلا بواسطتها وبث منهما رجالا كثيرا أي أصحاب قلوب ينزعون إلى أبيهم "ونساء" أصحاب نفوس وطبائع ينزعون إلى أمهم"5].
وعلى أساس هذه الوحدة التكوينية لنفس الرجل والمرأة يحلل الصوفية أسباب السكينة التي تحصل بين الزوجين باعتبار المشاكلة والمجانسة بين النفسين كما يقول أبو طالب المكي : "وذلك أن للنفس استراحات إلى ماجانسها هو فتورها عن الذكر، فاستراحات نفوس المتقين إلى المباح من ذلك قوله عز وجل "ليسكن إليها" وهذا سكون النفس إلى الجنس لما تلائمه من الصفات المتجانسة، وهو أحد المعاني في قول علي عليه السلام: "روحوا القلوب يعني في الذكر". قيل روحوها باستراحة النفس إلى المباح6.
ويفسر ابن عربي هذه السكينة بكونها ذات بعد عرفاني غايته توحيدية فيقول : "فأما فتنة النساء فصورة رجوعه إلى الله في محبتهن بأن يرى الكل أحب بعضه وحن إليه. فما أحب سوى نفسه لأن المرأة في الأصل خلقت من الرجل من ضلعه القصرى فينزلها من نفسه منزلة الصورة التي خلق الله الانسان الكامل عليها وهي صورة الحق، فجعلها الحق مجلى له وإذا كان الشيء مجلى للناظر فلا يرى الناظر تلك الصورة إلا نفسه، فإذا رأى في هذه المرأة نفسه بشدة حبه فيها وميله إليها رأى صورته"7
وهذا النص قد يصعب على غير المختصين فهمه وإدراك إشاراته لما يطبع كتابات ابن عربي من تعميق للمعاني، إلا أنه يتضمن نقطة جوهرية تهمنا في هذا الموضوع وهي تأكيد التجاذب القوي بين نفسية المرأة والرجل، المرتكز على وحدة الذات التي تمت عليها نشأة النفسين قبل الانشطار الشكلي.
2/ حجاب المرأة بين تطابق السنن الشرعية والكونية :
إن وحدة النفس وارتباط الأنثى بالذكر على سبيل التوافق العنصري الجوهري والانشطارية الشكلية كما فهمها الصوفية من النص القرآني والحديثي هي وحدة واقعية وكفيلة بأن تدع بين الجنسين تجاذبا سواء على مستوى النفس أو على مستوى الجسد، وأكثر ما يكون هذا التجاذب حينما لا يوجد حاجز أو عازل يمنع حدوثه ويحد من قوة هياجه، لأن القاعدة الصوفية في تحديدها لترابط الكائنات تنبني على مبدأ الذوق المقتضي للتناسب، وهو مؤدي إلى التقارب لا محالة، وإذا تقاربت الأشكال المتناسبة فالشكل إلى الشكل أميل، وعن هذا الميل يتم التواصل والتفاعل المؤدي إلى التوالد الذي يمثل النتيجة الحتمية والوسيلة العادية لاستمرار نوع الأشياء وتكاثرها وخاصة النوع الانساني، بحيث يمكن تعريف ولادته نظريا بأنها " نتاج تلاقح معين بين عنصرين مختلفين شكلا متحدين جوهرا" .
وحينما نطالع آراء الباحثين في مجال الطب والوراثة ووظائف الأعضاء...إلخ، نجدهم يؤكدون في موضوع التوالد الانساني، أن جميع خلايا الجسم البشري تحتوي على 23 زوجا من الصبغيات (الكروموسومات) أحد هذه الأزواج يكون الصبغين الجنسيين، عند الأنثى يكون الصبغيان الجنسيان متطابقين (س س) أما عند الذكور فأحد هذين الصبغيين أقصر (س ص) ومع ذلك يتم الاتحاد بين هذه الصبغيات عند التوالد لتحديد جنس المولود إما ذكرا أو أنثى (س ص) أو (س س).
كما أن بعضا من الباحثين يذهب إلى أن الهرمونين المذكر والمؤنث موجودان معا في الذكور والاناث "فلا يوجد آدم مائة بالمائة رجلا ولا توجد حواء مائة بالمائة امرأة 8.
وإذا كان الأمر كذلك فهذا ما يستأنس به كتفسير لبعض الظواهر النسوية التي تطفو أعراضها على بعض الرجال، وكذلك العكس وذلك إما على المستوى الجسدي أو حتى النفسي والسلوكي والتي قد يكون سبب مؤداها إلى هذه الحالة انغماس الرجل في التشبه بالنساء أو العكس، وهذا ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتفاديه من خلال قوله : "لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء"9 . وكذلك " لعن الله المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء " وذلك حتى لا يختل التوازن النفسي لكلا الجنسين مما يؤدي تبعا إلى اختلال التوازن الجسمي وكذا الوقوع في الشذوذات السلوكية والجنسية وهذا ما توصلت إليه بشكل محتشم وجزئي الدراسات الطبية وعلم وظائف الأعضاء من خلال ما يسمى بدراسة الظواهر النفسية والجسدية... إلخ.
لكنهم لم يدركوا جيدا أو تجاهلوا تعمدا أن الشيء إذا تجانس وتقارب دون الارتكاز على قاعدة ضابطة ومناسبة قد ينقلب إلى ضده ، بحيث أن تكشف النساء للرجال على غير ضوابط شرعية وبصورة جماعية مؤدي حتما إلى الخلل الجنسي إما على وجه الافراط أو التفريط، مما يترتب عنه في النهاية إما الاحتراق أو الاختراق وهو ما يمكن تقريب معناه من خلال النموذج الكهربائي في توليد الضوء والانارة وإمكان ذلك بين تعرية الأسلاك أو عزلها عن بعضها بالحجاب المطاطي.
إذ من القواعد البسيطة والملخصة للكهرباء أنه لكي نتمكن من توليد الضوء وإيصاله إلى المصباح يلزم وجود مولد يتضمن في مكوناته عنصري الايجابية والسلبية. بحيث أن الكهرباء بوجه عام هي "دراسة حركة الشحنات الكهربائية... والشحنة الكهربائية بحد ذاتها تنتج عن وجود (شحنة سلبية) أو غياب (شحنة موجبة) الالكترونات، فكل مادة تنتزع من ذراتها بعض الالكترونات بواسطة الاحتكاك مثلا تكتسب شحنة موجبة. مثال ذلك إذا فركنا قطعة زجاج بقماش من الحرير أدى ذلك إلى انتقال الالكترونات من الزجاج الذي يصبح موجبا إلى الحرير الذي يصبح سالبا، ويتميز كل جسم محمل بشحنة موجبة بأنه قادر على جذب جسم آخر محمل بشحنة سالبة، وهناك تنافر بين الأجسام التي تحمل نفس النوع من الشحنة10.
وعلى فرض أن الرجل والمرأة يكونان فيما بينهما مجمع الشحنتين الإيجابية والسلبية، فإنه لا يمكن أن تجتمع هاتان المتضادتان شكلا لتوليد الضوء وضمان استمرار التوازن والسلامة للنشاط الإنساني إلا بواسطة الإرتكاز على دعامتين رئيسيتين وهما :
أ - وجود عازل بين محمل أو مرتكز الشحنتين السالبة والموجبة.
ب - الإلتقاء عند قاعدة مضبوطة وكفيلة بضمان توليد الضوء أو الإنارة دون حدوث احتراق أو اختراق قد يتلف السلكين أو يهدد القاعدة العامة التي بسببها ومن أجلها تم الجمع بين الشحنتين السالبة والموجبة.
إذ أن وجود سلكين متحدين جوهرا ومختلفين شكلا على وجه أن أحدهما يحمل شحنة موجبة والآخر سالبة، يتطلب وضعهما لتوليد الضوء المفيد حالتين وهما : ضرورة التقارب بين السلكين وضرورة العزل بينهما في آن واحد وإلا فلن يتم توليد الضوء، كما لن يبقى للسلكين استقرار في المجاورة بحكم طبيعتهما في الإنجذاب نحو الإحتراق والإختراق عند التقارب بغير حجاب.
كما أن العازل المطاطي بين السلكين قد لايؤمن إستمرار وظيفته التي من أجلها وضع وصمم إذا طالت مدة استهلاكه وتعرض لهزات الرياح والشتاء والرطوبة والحرارة وما إلى ذلك، إذ قد يحدث فيه تآكل وذبول لحد الشفافية مما يجعل التجاذب بين السلكين على غير قاعدة سليمة وشيك الوقوع لا يؤمن شره وضرره خاصة إذا تعرض للإهمال وغياب المراقبة والإصلاح.
وعلى هذه القاعدة الكهرفيزيائية وربطا بمبدأ وحدة العلوم عند الصوفية نقيس علاقة الرجل بالمرأة ، بحكم الوحدة المكونة لعنصريهما جوهرا، وبحكم الاختلاف الشكلي الذي يميز بينهما وبحكم الوظيفة المنوطة بتواصلهما وهي التجاذب النوعي لضمان التناسل والولادة واستمرارية بقاء النوع الإنساني على وجهه السليم
فالرجل والمرأة بمثابة السلكين الكهربائيين الموجب والسالب ، وضرورة تعاون الرجل والمرأة يقتضي المجاورة النسبية وعلى درجات بحسب مقتضيات التركيبة الاجتماعية والأسرية التي تحدد نوعية هذا التعاون والتجاور وذلك إما على مستوى الزواج أو قرابة الرحم، والمحرمية، وغيرهما، وكذلك على مستوى الدراسة والتجارة والصناعة، وحتى السياسة إن اقتضى الحال... إلخ.
لكن هذه المجاورة لكي تبقى سليمة المبدأ والغاية ينبغي أن تحتفظ بالوسيل الحاجبة لذبذبات التجاذب غير المرغوب فيه حتى لا يحدث الاحتراق أو الاختراق ، ولا يمكن الوصل بين العنصرين ورفع الحجاب الكلي أو الجزئي إلا بواسطة القاعدة الشرعية المحددة لنوعية هذا التواصل ومستويات نزع الحجاب وحدوده.
كما أن التواصل بين غير المحارم وإن كان الحجاب موجودا قد لا يكفي لضمان السلامة الكلية من الاختراق والاحتراق، فينبغي إذن عدم ترك الوضع للاهمال وغياب المراقبة وتحديد الضروري من المبالغ فيه والزائد عليه، ولهذا جاء الشرع بالأمر بمنع الخلوة بين رجل وامرأة لا تجمع بينهما قرابة رحم محرمية وذلك من خلال قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم"11، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : "باعدوا بين أنفاس الرجال والنساء".
وقد يتوافق رأينا المستفيد من البعد التوحيدي لحجاب المرأة عند الصوفية وموفقهم من وحدة العلوم وترابطها مع رأي قريب من هذا المعنى وجزئي إلى حد ما عند ابن حزم الأندلسي الفقيه الظاهري، وخاصة عندما ضربنا لمثال الاحتراق والاختراق في مجال الكهرباء بحيث يقول في كتابه طوق الحمامة : "الصالحان من الرجال والنساء كالنار الكامنة في الرماد لا تحرق من جاورها إلا بأن تحرك، والفاسقان كالنار المشتعلة تحرق كل شيء... وأما امرأة مهملة ورجل متعرض فقد هلكا وتلفا"12.
وهذا المثال عند ابن حزم يتقارب مع ما ضربناه بالأسلاك الكهربائية والاهمال رغم وجود الحجاب المطاطي، كما أنه يدل ويؤكد ما قلناه من مذهب الصوفية الموضوعي في وحدة العلوم.
فالمباعدة بين أنفاس الرجال والنساء تؤسس الاحتياط الضروري كتدعيم لغض البصر والحجاب، ولهذا فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم النساء عن أن يتطيبن خارج بيوتهن حتى لايفقد الحجاب دوره، ويعسر إذاك غض البصر على الرجل، فتكون المرأة بذلك حجابا له عن الله تعالى من خلال إثارة شهوته عن القناة الشمية، وكذا السمعية لأن الإثارة قد تحصل عن طريق القنوات الحسية غير البصر. وهو ما نص عليه القرآن الكريم بقول الله تعالى:ولايضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن... الآية. إذ الخصائص النسوية مثيرة للرجال سواء تعلق الأمر بالظواهر الجسدية المحضة أو بملازمتها لحكم الغريزة والعادات النسوية.
فالإسلام ينهى عن مقدمات الإثارة حتى لايقع المثار في المحظور تدريجيا. وهذا النهي يمكن فهمه واستنباطه من خلال قول الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لاتتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يامر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم.13
والصوفية لوعيهم بمدلول النص القرآني وكذا الحديثي في الدعوة إلى صرف النفس عن اتباع الشهوات واجتناب سلبيات تراكماتها ، سيلتزمون هذه القواعد الشرعية محددين بها تعاملهم مع موضوع الشهوة، ابتداء من ملاحظة الباعث الأول للحركة حتى نهاية تدرجاته في تفاعله مع النفس مما يحدد نوعيته هل هو باعث خير أم باعث شرير، وذلك من خلال مراقبة ما يعرف عندهم بالخاطر، إذ يعد المحرك الأول للسلوك كما يقول الغزالي: "أول ما يرد على القلب الخاطر كما لو خطر له مثلا صورة امرأة وأنها وراء ظهره في الطريق لو التفت إليها رآها. الثاني هيجان الرغبة إلى النظر وهو حركة الشهوة التي في الطبع، وهذا يتولد عن الخاطر الأول ونسميه: ميل بالطبع ويسمى الأول حديث النفس. والثالث : حكم القلب بأن هذا ينبغي أن يفعل أي ينبغي أن ينظر إليها، فإن الطبع إذا مال لم تنبعث الهمة والنية ما لم تندفع الصوارف فإنه قد يمنعه حياء أو خوف من التفات، وعدم هذه الصوارف ربما يكون بتأمل وهو على كل حال حكم من جهة العقل ويسمى هذا اعتقادا وهو يتتبع الخاطر.
والميل الرابع : تصميم العزم على الالتفات وجزم النية فيه وهذا نسميه هما بالفعل ونية وقصدا"14.
ويضرب الغزالي أيضا مثالا حول الخواطر الأولى وأسباب الاثارة الشهوية بسبب الدافع الخارجي على غرار المثال السابق فيقول : "مثاله أنه خلق فيك شهوة الطعام إلا أنها قد تكون فيك راكدة كأنها نائمة وإذا وقع بصرك على طعام حصلت المعرفة بالطعام فانتهضت الشهوة للطعام فامتدت إليه اليد، وإنما امتدت إليه بالقوة التي فيها المطيعة لاشارة الشهوة وانتهضت المعرفة المستفادة من طبيعة الحس"15.
وكقاعدة صوفية في اعتبار تفاعل العناصر وأوجه التواصل بينها وخاصة على مستوى التأثر الشهوي وضوابطه وعلى رأسها الحجاب الحسي و المعنوي، يقول المحاسبي : "والشيء يغلب الشيء والشيء يشغل عن الشيء والشيء ينسي الشيء والشيء يهيج الشيء والشيء يزيد الشيء، والمحاسب نفسه قد عرف هذا، وأدناه التيقظ وأعلاه النسيان. واعلم أن الشر شهوة والخير كراهية، والشهوة سابقة على الكراهية وغالبة عليها حتى يجيء العلم والصدق فيزيلان الشهوة ويجعلان الكراهة مكانها، فمن لم يفقه ولم يفهم هذا حين يسمع لم يحسن مراجعة سريرته ولا يجئ على اصطلاحها حتى يتعلمه ممن يحسنه و يحسن وصفه16.
قائمة المصادر والمراجع
1 زكي مبارك : الأخلاق عند الغزالي، ص : 75.
2 الغزالي : معارج القدس في مدارج معرفة النفس دار الآفاق الجديدة، بيروت، ص 6.
3 سورة الأنبياء آية 30.
4 سورة النساء آية 1.
5 ابن عربي الحاتمي تفسير القرآن الكريم، تحقيق مصطفى غالب دار الأندلس بيروت ج 1 ص : 247 .
6 أبو طالب المكي : قوت القلوب ج2، ص : 247 .
7 ابن عربي : الوصايا دار الايمان بيروت دمشق ص : 25 .
8 صبري القباني، حياتنا الجنسية، دار العلم للملايين بيروت ط 22 - 1978، ص : 253
9رواه أحمد والنسائي وأصحاب السنن.
10 ألان إسحاق فاليري بيت : الفيزياء : ترجمة محمد دبس، مكتبة الثقافة العلمية الميسرة، معهد الإنماء العربي، ص : 38
11 متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بهذا اللفظ.
12 ابن حزم : طوق الحمامة في الألفة والألاف، تحقيق الطاهر أحمد مكي، دار المعارف، ط2، ص 146
13 سورة النور آية 1 .
14 الغزالي : إحياء علوم الدين ج 3، ص : 36.
15 الغزالي : الاربعين في أصول الدين دار الآفاق الجديدة، ص : 171 .
16حارث بن أسد المحاسبي : آداب النفوس دار الجيل بيروت ط 1984 ص : 126 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.