رغم خسارة لقب الكونفدرالية.. نهضة بركان يحصل على مكافأة مالية    "الكاف" يُدين أحداث نهائي كأس الكونفدرالية بين الزمالك وبركان    الصومال تسلم المغرب مواطنين محكومين بالإعدام    تفاصيل التصريحات السرية بين عبدالمجيد تبون وعمدة مرسيليا    اجتماع تنسيقي ينزل "تسعيرة البوطا"    لقجع: إخضاع صناديق التقاعد لإصلاحات جذرية يقتضي تفعيل مقاربة تشاركية    إدانة متهمين ب"الإهمال الطبي" في فاس    الزمالك يرد بقوة على الكاف بعد أزمة النهائي أمام بركان    مرافعة الوكيل العام تثير جدلا قانونيا بين دفاع الأطراف في قضية بودريقة ومن معه    الحكم على أنس اليملاحي مستشار وزير العدل السابق ب10 أشهر حبسا نافذا بتهمة النصب والاحتيال    طقس حار وهبات رياح قوية منتظرة اليوم الثلاثاء بهذه المناطق    أكاديميون يخضعون دعاوى الطاعنين في السنة النبوية لميزان النقد العلمي    استنفار حكومي لتأمين تزويد المواطنين ب"البوطا غاز" مع احترام الأسعار المحددة لبيعها    وزير جزائري يتهم المغرب بالتسبب في الجفاف (فيديو)    بعد خسارة لقب الكونفدرالية.. هل يتخلى نهضة بركان عن مدربه التونسي؟    رئيس البرلمان الفنلندي يصف المغرب بالشريك البالغ الأهمية بالنسبة للاتحاد الأوروبي    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم لمبتوري الأطراف (مصر 2024).. المغرب يفتتح مشواره بفوز عريض على أوغندا (9-0)    استعدادا لاستقبال الجالية.. اجتماع للجنة المغربية الإسبانية المشتركة    الأمثال العامية بتطوان... (603)    وزير الفلاحة يطمئن المغاربة بخصوص أضاحي العيد    انخفاض ليالي المبيت بمؤسسات الإيواء السياحي بجهة الشمال    عسكريون يشيدون بحنكة الجنود المغاربة في مناورات "الأسد الإفريقي 2024"    غياب وزراء يوقف جلسة الأسئلة الشفوية    المغرب يتألق في المنتدى العالمي للماء ويكرم بجائزة الملك الحسن الثاني    رئيس الحكومة الفرنسية يزور المغرب في يوليوز لتعزيز العلاقات الثنائية    مختلف عقليا يقتل تلميذة أمام مدرسة ضواحي تاونات    المغرب يعبر عن تعازيه الصادقة للشعب الإيراني عقب حادث سقوط مروحية أودى بحياة الرئيس الإيراني    أيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني.. استعراض التجربة المغربية في تدبير التظاهرات الكبرى    بايدن يصف طلب إصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال لقادة إسرائيليين بأنه شائن    تنغير.. سعر بيع الخبز لم يعرف أي تغيير    اختتام فعاليات الدورة الثانية عشر من المهرجان الدولي لفروسية "ماطا"    تحقيق يتهم سلطات بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوث أودت بنحو 3000 شخص    المغرب يعزي الشعب الإيراني في وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي    مبادرة لإعادة تأهيل دور السينما التاريخية المقفلة في بيروت    وزارة الثقافة تضع شكاية لدى اليونسكو ضد سرقة الجزائر ل"القفطان الفاسي"    السلطات بتنغير تنفي الزيادة في سعر الخبز    جامعات مغربية في وضعية "شبه جمود" بسبب عدم التوصل بميزانية التسيير    المغرب يعزي "الشعب الإيراني" إثر مصرع رئيسه في حادث مروحية    اختتام فعاليات الدورة ال29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط    الدوري الماسي-لقاء مراكش: البقالي يحسم سباق 3 آلاف موانع    دعم متواصل للمغرب ووحدته الترابية في لجنة ال24    جبهة التحرير الفلسطينية ترفض تماما نشر قوات عربية ودولية في قطاع غزة    ظريف يحمل أميركا "مسؤولية" وفاة رئيسي    أسعار الذهب والفضة عند أعلى المستويات    صراع الصعود.. صدام مباشر بين "الكوديم" المتصدر والكوكب الوصيف    المغرب يضع رقما هاتفيا رهن إشارة الجالية بالصين    مؤتمر دولي يقارب شمولية الترافع عن مغربية الصحراء    «ذهبنا إلى الصين .. وعدنا من المستقبل»    في لحظة استثنائية كرمت المفكر كمال عبد اللطيف: صراع التأويلات ضرورة, ومغادرة الأزمنة القديمة بوابة الحداثة    إعلان وفاة الرئيس الإيراني بشكل رسمي في حادث تحطم طائرة    مؤلف "البصمة الموريسكية" يدعو إلى استثمار الأندلس في رؤية مستقبلية    رغم خسارة اللقب.. منحة دسمة من "الكاف" لنهضة بركان    معرفة النفس الإنسانية بين الاستبطان ووسوسة الشيطان    شركة تسحب رقائق البطاطس الحارة بعد فاة مراهق تناوله هذا المنتج    لماذا النسيان مفيد؟    أطعمة غنية بالحديد تناسب الصيف    الأمثال العامية بتطوان... (602)    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوسريف: ليس الأدب "خطرا" .. الأدب هو الذي في خطر
نشر في هسبريس يوم 16 - 07 - 2014

أكد صلاح بوسريف، المهتم بشؤون المعرفة والإبداع، أنه إذا كانت الشعب الأدبية تعاني من اختلالات، فهذا يفرض عوض ازدراء الأدب، العمل على البحث عن الحلول الممكنة لوضع شُعَب الدراسات الأدبية في سياقها الصحيح، حتى لا تبقى شعبةً بدون جدوى في "سوق الشغل".
وانتقد بوسريف، في مقال خص به هسبريس، التوجه الكثيف للطلبة نحو الشُّعَب العلمية أيضا، مشيرا إلى مدارس التعليم الخاص التي لا يكاد يوجد فيها أقسام أدبية، وكأنَّنا دولة العلم فيها ضرورة وجود، وأنَّ ما نبتكره من تقنيات ومخترعات نُضاهي به العالم" وفق تعبيره.
وهذا نص مقال صلاح بوسريف كما ورد إلى الجريدة:
ليس الأدب «عالةً» على الجامعة، ربما الجامعة، اليوم، بالصورة التي هي عليها، هي العالة على «الأدب»، باعتبار المقررات والبرامج ومناهج التدريس، والمُدَرِّسًين أنفسهم، في علاقتهم بما يُدَرِّسُونه من نصوص، ومعارف ذات الصلة بالموضوع.
كما أنَّ الجامعة، في وضعها الراهن، بقيتْ هي نفسها، ولم تُحاول أن تُوَسِّع من أفق رؤيتها لطبيعة التحوُّلات التي جرتْ في مجالات المعرفة المختلفة، وفي تحيين المعارف والمعطيات، وأيضاً مصادر ومراجع البحث، والدراسات الحديثة التي تكون في قراءتها، وما تقترحه من مفاهيم وتصوُّرات، جديدة، أو تخرج عن المفاهيم العامة والسَّائدة، أو فيها جُرْأة، في المقاربة والطّرْح، وفي ما تصل إليه من نتائج.
فشعبة الدراسات الأدبية، تحديداً، تُعاني خللاً في تدبير «الأدب»، كون الطلبة القادمين من التعليم الثانوي إلى الجامعة، وهذا بين أكبر الأعطاب التي تجعل رؤيتنا للأدب ناقصةً، وفيها كثير من العطب والخلل، يدخلون الجامعة بمعرفة ناقصة. فهُم لا يتملَّكون اللغةَ وفق الحد الأدني الذي يسمح بالفهم والتحليل والتحرير أيضاً، ناهيك عن علوم اللغة الأخرى التي هي من شروط هذا النوع من الدراسة، دون الحديث عن اللغات الأجنبية التي كانت، دائماً، شرطاً لتوسيع أفق الرؤية، وللبحث والتقصي، والاطلاع على ما يجري في غير الثقافة والأدب العربيين.
فالمقررات التعليمية، في مراحل التَّعليم الثانوي، تفتقر للتحفيز، ولمتعة الدرس، أو النص، الذي يكون موضوع القراءة والتحليل، وأيضاً للمناهج التي تُتيح للمدرسين، كما تُتيح للتلاميذ، أن يخرجوا من القراءات التي لا تحتكم لضوابط معرفية، أو «علمية» كما يحلو للبعض تسميتها.
فدرس الأدب يُعاني اختلالاً في المنهج، وفي البرامج المقررة، وفي طبيعة الحوامل، ووسائل الاتصال والتواصُل الحديثة التي تُسْتَعْمَل في نقل المعرفة، وفي العلاقة بين التلاميذ والمدرسين، التي يمكن اعتبارُها بين الشروط المساعدة على التحفيز والمتعة، والرغبة في البحث والتَّعَلُّم.
إنَّ الخلل بنيوي، يمس طبيعة النظام التعليمي، منذ مراحل التعليم الأولى، وهذا ما يجعل من اختيار شعبة دون غيرها، يخضع لعوامل لا ترتبط برغبة التلاميذ، وبشغفهم وميلهم لهذه الشعبة دون غيرها. فازدراء «الأدب»، بالصورة التي عبَّر عنها وزير التعليم العالي، هو نتيجة لأسباب كثيرة، أبرزُها «سوق الشغل»، وطبيعة المهن والحرف والمؤسسات الاقتصادية التي أصبحت تُوَجِّه اختيارات التلاميذ والطلبة، وتفرض عليهم اختيار العُمْلَة القابلة للصَّرف، حتى وهُم لا يرغبون في بعض هذه العُمْلات، أو الشُّعَب، أو أنَّ هذه العُمْلات، أو الشُّعَب لا تُمَثِّل ميولاتهم المعرفية، لكن ضرورات «الشُّغل» هي ما يفرض تغيير المسار كاملاً، وهذا، بدوره، ساهم في هشاشة التكوين عند عدد من الخِرِّيجين الذين يكتفون بما يتعلَّمُونه، ولا يذهبون إلى ما هو أبْعَد منه.
اليوم، تحتاج شُعَب الدراسات الأدبية للتجديد، ولإعادة النظر في طبيعة التكوينات التي يتلقَّاها الطلبة في هذه الشُّعَب. كما تحتاج هذه الشُّعب للانفتاح على مجالات معرفية وعلمية أوسع، يمكنها أن تجعل الطالب على معرفة بما يجري من متغيِّرات، وبما يطرأ من معارف. ففصل الطالب عن علم الاجتماع، وعن الأنتربولوجيا وعلم النفس، واللسانيات، وعلم التاريخ، وفصله حتى عن الدرس التاريخي الذي هو أحد ضرورات المعرفة بالأدب، كما كان يؤكِّد على ذلك طه حسين في كتاباته، وعزل الطالب داخل مجال محدود وضيق، يكتفي فيه بما تفرضه طبيعة التخصُّص، كان من العوامل التي أدَّتْ إلى تفقير شُعبة الأدب، وإلى عزل الأدب، وإفراغه من مضمونه الحقيقي، الذي ليس هو الشِّعر والرواية والنقد، بل إنَّ الأدب هو الوعي الفكري والنقدي والجمالي، بمختلف الرموز والدلالات والتعبيرات، ومظاهر الوجود التي تواجه الإنسان في حياته.
والأدب هو وعي جمالي بالكون، وبالطبيعة، وباللغة، وليس مجرد أداة، أو آلة نتملَّكُها لحلِّ هذه المعضلة أو تلك، أو لاستقطاب أكبر عدد من الزبائن، أو استمالتهم لسلعة دون أخرى. فالأدب أوسع من هذا، حين ننظر إليه باعتباره فكراً ورؤية نقدية، تحتكم للمعرفة، ولتشييد المفاهيم وتشغيلها، ولاقتراح النظريات ومناهج القراءة والتحليل، مما ينعكس ليس على الأدب وحده، بل يطاول الاقتصاد كما يطاول السياسة، وكل العلوم التي أصبحت، اليوم، تفرض على دارس الأدب، أو المشتغل في هذا الحقل، أن يخرج من حدود السياجات التقليدية التي وضعتها الجامعة في طريقه، أو هذا الفهم الخاطيء ل «طالب» الأدب، ولدارسه.
فحين يرى وزير التعليم العالي أنَّ الطلب على الشعبة الأدبية ارتفع، وهذا فيه «خطر» على الجامعة، ربما، وعلى حاجتنا للشُّعَب العلمية، ولمادة الرياضيات، فهو يكون سار على عكس ما كان نبَّه إليه تودوروف في كتابه الهام الذي صدر من سنوات قليلة، نبَّه فيه، بعكس وزير العدالة والتنمية، إلى ال «خطر» الذي يتهدَّد المدرسة، بعزوف التلاميذ والطلبة عن «الأدب»، كما أنَّ الحديث عن الرياضيات، وعن الشُّعب العلمية، وهذا الإفراط المحموم في توجيه الطلبة نحو هذه الشُّعَب، انظر مثلاً مدارس التعليم الخاص، فهي في جُلِّها، لا توجد فيها أقسام أدبية، وكأنَّنا دولة العلم فيها ضرورة وجود، وأنَّ ما نبتكره من تقنيات ومخترعات نُضاهي به العالم؟
إذا كانت الشعب الأدبية تعاني من خلل ما، فهذا يفرض، بدل الكلام في الإعلام، وازدراء الأدب، العمل على دراسة ما يجري، والبحث عن الحلول الممكنة التي بموجبها يمكن وضع شُعَب الدراسات الأدبية في سياقها الصحيح، حتى لا تبقى شعبةً بدون جدوى. أو عُمْلةً لا تقبل الصَّرْف، أو لا طائل من ورائها، بالنسبة ل «سوق الشغل» طبعاً.
أمَّا الأدب، بمعناه الواسع، فهو أكبر مما يمكن أن يفهمه الوزير نفسه، لأنّ فكر الوزير، وفكر الحكومة التي ينتمي إليها، هو فكر لا يحتمل الإبداع، كما لا يحتمل النقد والاختلاق، أو بمعنى أدقّ، لا يحتمل الإنسان المُخْتَلِف، الحَيَّ، والذي يكون أفق الرؤية عنده، أفق أمامٍ، لا أُفُق وراء بالمعنى الدَّعَوِيّ الضَّيِّق، الذي يفتقد لبُعد النظر، أو للنَّظَر الحَصِيف، كما يقول الفقهاء.
لا يمكن لأي مجتمع كان، أن يعيش على الاستهلاك، وأن يكون مجتمع آلةٍ، لا قيمَةَ فيه لابن آدم، الذي كرَّمَه الله ووضعه فوق كل شيء، أي باعتباره حامل فكر وخيال، وحامل قِيَم، هو من يبتكرها ويعمل على اختلاقها وتجديدها، وفق ما يجري من مُتغيِّراتٍ، وما يطرأ من علوم ومعارف. فتغييب الإنسان، وتحويله إلى كائن لا يبتكر ولا يُبْدِع، يعني تَسْليعُه، وبالتالي تسليع الثقافة وتحويلها إلى استهلاك، ما يُساعِدُ على ترسيخ الاستلاب وروح القطيع. فلا معنى للمعرفة ولا للعقل دون خيال، فالخيال الذي نَسْتَهينُ به، هو أساس المعرفة والابتكار، وهو ما ينقُصُنا في تكوين الإنسان، وفي تعليمه. فإنسان بدون خيال، هو، حتماً، إنسان بدون عقل، وبدون فكر، وهو ما ينطبق على الجمال بدوره. وهو ما كان عبَّر عنه ابن سينا في قوله «يَتَصرَّف الإنسانُ بقُوَّة المُخَيِّلَة في أمورٍ لطيفةٍ بديعةٍ، حتَّى يكادُ يُضاهِي بذلك صَريحَ العَقْلِ، ويتخَيَّرُ لمُوافَقَة أهْل الجمالِ »،
فهذا المعنى «الفردي» الذي تظهر فيه طاقة الإنسان وقدرتُه على تجديد الحلول وابتكارها، وعلى السؤال، وتفكير المشكلات، ومواجهتِها، هو جوهر معنى الأدب، حين ننظُر إليه كحامل للخيال والفكر، وكحامل للجمال، وما يبتدعُه قِيَم، ومن معارف، لا أن يكون آلةً، تسير وفق برامج مسبقة، لا يَدَ للإنسان فيها، أي باعتبارها تقنياتٍ جاهزةٍ، وقابلة للاشتغال حالما يَتِمّ استعمالُها أو تشغيلُها.
تجديد الدراسات الأدبية وتحْيينُها، وتأهيل الطلبة للمعارف الموازية للأدب، وتقوية اللغات الأجنبية، وتنويعها، واستعمال الحوامل الجديدة للمعرفة في تدريس الأدب، وتَحْيين معرفة المُدَرِّسين أنفسهم، وإخراج الأدب من أدبيته الصِّرْفَة، أو من أُحاديته، بفتحه على العلوم والمعارف الحديثة، هو ما يمكن أن يجعل الأدب يتجدَّد، ولا يبقى عالةً، لا على نفسه، ولا على دارسيه، أو «خَطَراً» على البلاد. فالخطر يوجد في دولة بدون «أدب»، وبدون إنسان، أو بدون عقل وخيال، وقدرة على تفكير الحلول الممكنة، وطرح الأسئلة التي هي جوهر الأدب، بالمعنى الذي أشرتُ إليه أعلاه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.