اختارت جماعة العدل والإحسان، التي يتصدّرها محمّد عبّادي وتعلنها السلطات المغربيّة "تنظيما محظورا"، أن تزامن احتفالات عيد العرش بالذكرى ال15 لوصول الملك محمّد السادس إلى الحكم بالمغرب، بنشر كلمة لمؤسسها الشيخ عبد السلام ياسين تهمّ البيعَة. فعلى أولى الموقع الرسمي ل "الجماعة"، وتحديدا ضمن ركن "الفقه المنهاجي"، بعنوان "البيعة الشرعيّة"، تمّ تضمين مقتطف من "سراج" للشيخ المؤسّس يثير ضمنه ممارسة البيعة من عهد معاوية ابن أبي سفيان وارتباط كل ذلك ب "حدّ السيف". وفيما يلي ما تمّ استحضاره من لدن تنظيم العدل والاحسان بتوقيت يوافق ترأس الملك محمّد السادس ل "حفل الولاء" بقصره وسط العاصمة الرباط.. البيعة الشرعية قُربة عالية بين أطرافٍ طُمُوحُ كل منهم متعلق بالله وباليوم الآخر. فلما استولى أبناء الدنيا، ملوك العض، على الحكم أصبحت البيعة مصادرة قسرية لذمة المسلمين، يُكْرَهون عليها إكراها، ويقيّدون إليها بقيود باطلةٍ شرعا، لكنها قيود لها فاعلية عملية لأن المقيَّد لا يفقه في دينه، أوْ لأن اجتهادَ الفقيه، وله اعتباراته، ساقه إلى «دين الانقياد». بدأ معاوية بن أبي سفيان بالإكراه على بيعة ابنه يزيد، فكان السيف المُصلَت هو ضامِنَ الوفاء. في عهد العباسيين التمس الحاكمون ضامنا آخر، فاستحلفوا الناس على الوَفاء لبيعة الصبيان في الخِرق، واستوعبوا الأيمان كلها فيما سمَّوْه «أيمانَ البيعة»، يحلف الرجل بالطلاق والعِتق وما إلى ذلك. قال ابن خلدون رحمه الله: «لما أفتى مالك رضي الله عنه بسقوط يمين الإكراه أنكرها الوُلاَة عليه ورأوها قادحة في أيمان البيعة، ووقع ما وقع من مِحنة الإمام رضي الله عنه». ثم تدهور الحكم على رقاب المسلمين، واستحكم السيف متمكنا بقوته وبفتوى شرعية الاستيلاء ووجوب طاعة «من غلب عليهم بالسيف»، فاستحالت البيعة إلى نوع من الحفلات التهريجية يُقدم فيها القربان الرمزي للحاكم الذي أصبح يستعبد الناس لشخصه من دون الله. يقول مؤرخنا رحمه الله: «وأما البيعة المشهورة لهذا العهد فهي تحية الملوك الكِسروية من تقبيل الأرض أو اليد أو الرجل أو الذيل [...]. واستُغْنِيَ بها عن مصافحة أيدي الناس [...] لما في المصافحة لكل أحد من التنزّل والابتذال المنافِيَيْن للرياسة وصون المنصب الملكي». قال رحمه الله مخاطبا من يقرأ ما بين السطور ومن يقاسم لوعة علمائنا على ضياع حقائق الدين: «فافهم معنى البيعة في العُرف (يعني بيعة تقبيل الأرض أمام الأكاسرة المستكبرين)، فإنه أكيد على الإنسان معرفتُه، لما يلزمه من حق سلطانه وإمامه. ولا تكون أفعالُه عبثا مَجّاناً». قال: «واعتبر ذلك من أفعالك مع الملوك. والله القوي العزيز». قلت: الله القوي العزيز، به سبحانه الاستعانة على اقتحام العقبة من وهدة الإكراه والتزوير إلى بيعة الخلافة الثانية. لا إله إلا هو.