مَعَ التطوّر المتنامي الذي تعرفه وسائل الاتصال الحديثة، والإقبال الذي تلْقاه القنوات الفضائية المشرقية لدى المشاهدين المغاربة، تتنامَى تخوّفات المسؤولين عن الشأن الديني في المغرب من تأثير الفتاوى الدينية القادمة من الشرق على وسطيّة واعتدال "الإسلام المغربي". وطغى هذا الموضوع بقوّة على كلمة مدير دار الحديث الحسنية، أحمد الخمليشي، في افتتاح حفل الاحتفال بذكرى تأسيسها الخمسين صباح اليوم، إذ قالَ إنّ من أسباب الاحتفال بالذكرى، هو أنّ الواقع يتطلب تضافر جهود جميع المؤسسات الدينية، لمواجهة "الفتاوى العابرة للقارات". ويظهرُ أنّ الفتاوى القادمة من الشرق، تثيرُ قلقاً متناميا لدى المسؤولين عن الشأن الديني في المغرب، خاصّة في ظلّ التأثير الكبير لمفتيي الشرق على المغاربة، وقال الخمليشي "ليْسَ المهمّ هو مضمون هذه الفتاوى، ولكنّ الذي يهمّنا هو وجودُ القابلية للعمل بها وتقبّلها من طرف المتلقّين". ولا تثير الفتاوى الفرديّة لدُعاة المشرق وحْدها مخاوفَ المسؤولين عن الشأن الديني في المغرب، بلْ أيضا الفتاوى الصادرة عن المؤتمرات الإسلامية، وأوردَ الخمليشي في هذا الصدد فتوى أصدرها مؤتمر علماء المسلمين انعقَد في العاصمة المصرية القاهرة قبل سنتيْن وأجازَ "الجهاد" في سوريا. وقال الخمليشي "في أكتوبر 2013، نُظمت أمام البرلمان في الرباط وقفة لمجموعة من السجناء الإسلاميين، فقام خطيب منهم وقال، كيف تحاكموننا عندما نعود من الجهاد في سوريا، بينما مؤتمر علماء الإسلام الذي اجتمع في القاهرة أصدر فتوى يناشد من خلالها المسلمين في جميع أنحاء الأرض للجهاد في أرض سوريا". وعقّب مُدير دار الحديث الحسنية على هذه الواقعة بالقول "هذه المشاكل نرجو أن يتجند كل العلماء في المغرب لعلاجها بالحكمة"، وفي إشارة إلى السعي إلى صدّ الأبواب في وجه الفتاوى القادمة من الشرق أضاف "الاختلاف في الرأي معروف منذ القدم، ولكن لم يكن على النحو الحالي، الذي يتميز بإصدار الفتاوى لكل بلدان العالم الإسلامي". وذهبَ الخمليشي إلى حدّ وصْف ما يروجُ من الفتاوى في العالم الإسلامي، غير المنضبطة ب"الجراثيم الفتاكة التي يجب أن نأخذ العدّة لمواجهتها، بمختلف ما أنتجته مؤسساتُ المغرب التعليمية المختلفة"، وتابع "علماء المغرب هم أوّل من سيكون في الواجهة، من أجل وقاية بلدنا من هذه الآفات والجراثيم التي تئنّ تحت وطأتها عدد من المجتمعات الإسلامية". وأعْلن مدير دار الحديث الحسنية أنّ دار الحديث الحسنية ستعمل على عقد ندوات وموائد مستديرة، يشارك فيها علماء الدّين المغاربة، داعيا إلى توحيد الجهود، "وأخذ الحيطة مما يحيط بنا من أعمال مشينة، وبالأخص عن طريق الفتاوى التي ما زالت تجد صدى لدى نسبة مهمة من المجتمع، وهذا من المشاكل التي يتعين على العلماء الانتباه إليها". وحثّ الخمليشي علماء الدّين المغاربة على العمل على تربية الشباب المغربي على تلقي تعاليم الإسلام السمحة والحقيقية، "وتشجعيهم على التمييز بين الصواب والباطل، وعلى العناية بوطنهم، ومصالحه، والمجتمع الذي يعيشون فيه، قبل تلقي الفتاوى العابرة للقارات، التي تصدر من كل مكان صدى في نفوسهم"، معتبرا أنّ العمل على هذا الصعيد أصبح "ضروريّا ومستعْجلا".