أم هو فعلا "علم آخر الزمان"؟ عَتَبَةٌ "ما زالت أربعة أشهر طويلة تفصلنا عن "سنة الوحش"، وها هي حلّت بيننا من الآن، وطيْفها يجثم فوق صدورنا ونوافذنا. لم يعد للناس حولي من حديث آخر... السنة التي تقترب. الإشارات والتنبؤات (...) فمن موقعي رأيت الخوف. الخوف الفظيع، ينبع ويتعاظم ويستشري. رأيته يتغلغل في العقول، حتى عقول أفراد أسرتي. حتى في عقلي. رأيته يطيح المنطق، يسحقه، يهينه، ثم يلتهمه". أمين معلوف، رواية "رحلة بالداسار" تقديم يُحدثّنا التاريخ على أنه في كل وقت تعيش فيه الأمة ضعفا وتخلُّفا وتبعيّة ينتعش بين أبنائها نوعٌ خاصٌّ من الخطاب يتميز عموما بأمرين: بروز "وعي" لدى جزء كبير منها بالدّور الذي يمكن أن يكون قد لعبه الخصومُ والأعداءُ في نشوء هذا التخلف، ويبدأ هذا "الوعي" بالتّضخم شيئا فشيئا إلى أن يصل حدّ المرض حين يتمظهر فيما يسمى بالهوس ب"نظرية المؤامرة". في نفس الوقت يشرع جزء من "النخبة الدينية" في التّنقيب بين نصوص الكتاب والسنة عن سند شرعيّ يفسر ذلك التردّي، فتُلاقيهم آياتٌ كثيرة وأحاديث أكثر تردُّ الأمر بالأساس إلى العامل الذاتي؛ أي ميل المسلمين عن الحق وتقصيرهم في اتّباعه، مما ينتج مرضا غثائيا يجعل الأمة تتّبع الغالب حَذْوَ النّعل بالنعل، دون أن تنسى الإشارة إلى عدم رضا "اليهود والنصارى" علينا "حتى نتبع ملّتهم". بينما نجد جزءا آخر من هذه "النخبة" يهربون بعيدا إلى الأمام؛ وذلك بإعلانهم أن الزمان هو زمان "مقدمات بين يدي الساعة"، فيبدأون في تأويل ما يُطلق عليه في الأدبيات الإسلامية ب "أحاديث الفتن"، والعمل على ترتيبها زمانيا، وتثبيتها مكانيا، بل ومحاولة استنباط "قواعد وقوانين" منها تحكم الصراع القائم في العالم بين ما يعتبرونه حقا وباطلا، وهو ما يسميه البعض ب"علم آخر الزمان". وقد علا في الآونة الأخيرة صوتُ شيخ أصبح في ظرف قياسيّ نجما إعلاميا، وغَدَا يُقدَّم باعتباره أشهر متخصص في "هذا العلم"، إنه حسين عمران. وأول ما يثير انتباه المتتبع لمحاضراته هي تلك الوثوقيّة العالية التي تُميّز خطابه؛ فهو يتحدث في أمور الغيب القادمة وهي هنا وقائع هائلة مهولة تُعنى بنهاية العالم وما يسبقها من علامات ويعمل على تفسيرها، لا بل تأويلها، بثقة وأريحية الموقن المُتيقِّن الذي يعتقد الحتمية والتحقيق فيما يقوله. في حين ينظر المتلقي إلى هذه الأقوال في أحسن الأحوال باعتبارها آراء وخواطر وتقديرات وتأملات ونظرات، وإن أساء به الظن فسيعتبره بلا أدنى شك مخرِّفا أومهلوسا. من هو حسين عمران؟ في الحقيقة، المعلومات القليلة التي نملكها حول حياة هذا الرجل مصدرها الوحيد هو موسوعة "ويكيبيديا" الإلكترونية، ومن خلالها نعلم أنه ولد في جزيرة ترينداد في البحر الكاريبي عام 1942 من أبوين هاجر أجدادهم من الهند كعمال متعاقدين. تخرج من معهد في كراتشي، ودرس في العديد من المعاهد العليا بما فيها كراتشي، والجزر الهند الغربية، وجامعة الأزهر، وفي المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في جنيف. عمل مدّة في السلك الدبلوماسي في وزارة خارجية ترينيداد وتوباغو، ولكنه استقال عام 1985 ليكرس حياته "من أجل خدمة الإسلام" كما قال. عاش في نيويورك لسنوات طويلة خدم خلالها كرئيس للدراسات الإسلامية لدى اللجنة المشتركة للمنظمات الإسلامية بنيويورك الكبرى. وحاضر في العديد من الجامعات الأمريكية والكندية والكنائس والمعابد اليهودية والسجون. كما شارك في كثير من حوارات الأديان مع علماء مسيحيين ويهود. قام بإمامة صلاة الجمعة الأسبوعية وقدم الخطبة في المقر الرئيسي للأمم المتحدة في منهاتن مرة واحد كل شهر طول مدة مكوثه هناك . عمل مديرا للعديد من المعاهد العلمية في كاراتشي وميامي وفلوريدا. سافر كثيرا حول العالم لتقديم محاضرات إسلامية منذ عام 1971. قام بتأليف أكثر من اثني عشر كتاباً عن الإسلام، منها :"القدس في القرآن – نظرة إسلامية في مستقبل القدس" ، وقد تُرجم ونُشر في العديد من اللغات. "الإسلام والبوذية في العالم الحديث" و"رؤية إسلامية ليأجوج ومأجوج في العالم الحديث" و"الخلافة والحجاز والدولة السعودية الوهّابية". مُكثر جدا من المحاضرات في شتى أنحاء العالم، وكلها تقريبا حول فضح "مؤامرات" الأعداء وتربصهم بالأمة الإسلامية، وهو جزء صغير مما يطلق عليه ب "علم أخر الزمان". فما هو "علم آخر الزمان" ؟ تُعرِّفه بعض الموسوعات بأنه "علم قائم على دراسة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تصف حال الدنيا قُبيْل قيام الساعة و أحوال العرب و المسلمون وقتها"، وتشير إلى أن هذا "العلم" لا يُدرس كعلم مستقل بذاته بل ضمن باقي العلوم الإسلامية الأخرى من فقه وتفسير وحديث وغيرها. ويؤكد المهتمّون بأن هذا "العلم" تمت الإشارة إليه في العديد من المؤلفات الإسلامية القديمة مثل "البداية والنهاية" لابن كثير، والمدونات الحديثية، وعلى رأسها صحيحي البخاري ومسلم، في باب "الفتن" و "الملاحم"، حيث تم حصر الأحاديث النبوية المتحدثة عن أحوال الدنيا قبيل قيام الساعة. فيما يأتي من مقال سنقف عند نموذج يكشف لنا عن نمط تفكير هذا الرجل الذي أصبح له مريدون ومحبون يفكرون بنفس منطقه، بل يعتقدون فيه كامل الصدق. الحرب العالمية: قريبة جدا... نووية هذه المرة في كلمة قصيرة له من منزله بكوالالمبور تحدث حسين عمران عما سماه ب "الأهمية الاستراتيجية لعلم آخر الزمن في العصر الحديث"، حيث أكد على أنه، وقبل نهاية العالم كما نعرفه، هناك أحداث مصيرية معينة ستحدث، وقد سبق لكل الرسل أن حذروا قومهم منها، وهي ما يسمى ب"علامات الساعة الكبرى"، وأشار إلى أنه لا يمكن أن نقرأ أغلب أحداث التاريخ ولا فهم الواقع بطريقة صحيحة دون الاعتماد على هذا العلم. ومن هذا المنطلق طرح بعض الأسئلة حول الكيفية التي ظهرت بها الإمبراطورية البريطانية وكيف اختفت تاركة مكانها للإمبراطورية الأمريكية ولسيطرة الدولار، إنه يشير إلى أن أي تغيير في ترتيب موازين القوى في العالم يأتي بعد حرب كبرى، تماما كما حدث بعد الحربين العالميتين، وهذا ما دفعه ليؤكد على أن العالم مقبل على حرب عظيمة جدا، ولكنها نووية هذه المرة، وفي تصوره فإن كل القوى العظمى في العالم تدرك ذلك، وخاصة اليهود؛ الذين يعملون بجد على إشعالها، لأنهم بكل بساطة سيكونون أكبر المستفيدين منها، كما يعتقدون. وذلك لأنهم يؤمنون بأن سيطرتهم على العالم بقيام "الامبراطورية اليهودية العظمى" إنما يكونون حينها في إطار الإعداد الاستراتيجي لظهور ملكهم المسمى في الكتب الدينية ب "الدجال". كل هذا سيحدث حسب اعتقاده بين خمس وعشر سنوات، ويؤكد فيما يشبه التهكم على أنه لا يريد لأحد أن يفهم بأن هذا الأمر سيقع بعد 500 سنة من الآن. الدجال بيننا كل القضايا التي يناقشها حسين عمران تقريبا بل قل يبدي يقينه فيها، تصبُّ في اتجاه موضوعه المحبب والأثير، وهو "الدجال"؛ فلا تخلو محاضرة أو كلمة مما ينشر عبر الأنترنيت من حديث حوله، فهو يقع في لب اهتماماته وانشغالاته. ويؤكد في كل مناسبة على أنه الوحيد الآن الذي يستطيع وصف هذا المخلوق الرهيب بشكل غير مسبوق. ولا يملّ من التأكيد على أن دراسة "موضوعة الدجال" ليس كدراسة الفيزياء أو غيره من العلوم؛ ذلك أن الأمر يحتاج أولا إلى فهم متعمق لأحاديث الفتن، وقبل ذلك وأثناءه يتطلب تقربا إلى الله تعالى بالعبادة والدعاء وطلب التوفيق. ثم يلحَّ على كون "الدجال" شخص وليس نظاما أو منظومة أفكار كما يتوهم البعض، وهو هنا بشكل من الأشكال يرد على محمد أسد الذي أوّل ذات مرة "الدجال" باعتباره يشكل رمزا للحداثة الغربية؛ ذلك أنها "ذات عين واحدة"، لأنها لا تنظر إلا إلى جانب واحد من الحياة، وهو التقدم المادي، بينما تغيّب البعد الروحي من قاموسها، وبمعاونة مخترعاتها العلمية المتطورة تمكن الإنسان من أن يسمع ويرى ما يقع في أرجاء الأرض، ويستطيع أن يغطي مساحات شاسعة منها في زمن بسيط وسرعة كبيرة، وبمعارفها "تسقط الأمطار وتنمو النباتات أسرع من معدلاتها العادية"، كما تكشف عن الثورات الخبيئة في الأرض وعقاقيرها التي تشفي من أشرف على الهلاك، وبلغ تقدمها المادي من القوة والإغراء والبريق ما يجعل ضعيف الإيمان يعتقد أن لا قوة حقيقية في الوجود غيرها. إن "الدجال" في تصور حسين عمران، وانطلاقا من الأحاديث الكثيرة التي يستند إليها، شخصية وهبة قوة خارقة، وهو مخادع كبير جدا، وأعظم خدعه أنه سيتقمّص شخصية المسيح. ولكي يقنع اليهود بأنه المسيح حقيقة عليه أن يحكم العالم من القدس. إن المؤامرة التي تحاك في عالم اليوم، والتي مركزها المشرق العربي، إنما تُنسج خدمةً لهدف واحد ووحيد؛ الإعداد لظهور "الدجال". والغريب أنه يلحّ على أنه موجود بيننا اليوم، وقد بلغ مرحلة "وسائر أيامه كأيامكم" الواردة في الحديث المشهور. بين منطقين أحاديث كثيرة يصعب على المسلم إنكارها جملة وتفصيلا وردت في كتب الفتن والملاحم تُحدّثنا عن بعض أهوال "آخر الزمان"، ويبقى أشهرها تلك التي تنبئ بخروج الدجال وظهور المهدي ونزول سيدنا عيسى، ونحن نؤمن بها كما هي، لكننا نتحرَّج أن ندفع في اتجاه أكثر من هذا، وإلا سنجد أنفسنا في "زمرة الخرّاصّين" إن ولجنا باب التخمينات كما يفعل حسين عمران وغيره من المشتتين الحائرين جراء نظرهم في دواوين الأخبار دون نسق فكري يصوب نظرتهم إلى أفق الإسلام ومستقبله. يصعب على أيّ كان أن يُفصّل في الكيف والحين وغير ذلك من التفصيلات، إلا أن يكون مدّع، راجم بالغيب. يقول العلاّمة الطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير" في شرح قوله تعالى:" قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ"، بأن: "الظن الذي لا حجة لصاحبه على ظنه، معرض للخطأ في ظنه، وذلك كناية عن الضلال عمدا أو تساهلا، فالخرّاصون هم أصحاب القول المختلف، فأفاد أن قولهم المختلف ناشئ عن خواطر لا دليل عليها. وقد تقدم في الأنعام "إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون". إن الهوس ب"نظرية المؤامرة" الذي تقمّص شق عظيم من أبناء الأمة الإسلامية، جعلهم لا يرون في كل ما يجري من وقائع وأحداث سوى حركة مشبوهة من قبل الأعداء المتربصين بالأمة ووجودها، إلى حدّ أنهم يعملون جاهدين على استدعاء الأحداث وتسريعها وصناعتها تشوقا لما يسمى في الأدبيات الإسلامية التراثية ب"الملحمة الكبرى"، وتسميها غيرها ب" هرمجدون". وهو المشاع حاليا بين صفوف من يعتبرون أنفسهم "يجاهدون" في سوريا، فتجدهم يتحدثون بحماس كبير عن موقع هناك يسمى "دابق" المذكور في حديث من أحاديث الملاحم. وفي المقابل، يصعب على كل عاقل أن يصدّق بعض الخطابات المتوشّحة بالعقلانية المجرّدة التي تدعي أن كل ما تعانيه الأمة العربية الإسلامية من عطب إنما مردّه فقط للعامل الذاتي. نحن نؤمن بأن "أياد خفية" كثيرة، ممثلة في الامبريالية والصهيونية والماسونية وكل مؤسسات الاستكبار والإفساد العالمي تعمل بحرص تام على الحفاظ على مصالحها، والإبقاء على الوضع كما هو، بل والعمل على المزيد من التقسيم والإضعاف والاستتباع للأمة كلما أحست بأن حركيتها في غير صالحها، فإن كان الصراع ذا "خلفية دينية" يلوِّحُ فيه كل طرف بنصوصه المقدسة التي تنبئ بمستقبل هذا الصدام، أصبح أكثر عنفا وشراسة.