عجز الميزانية المغربية يفوق 1,18 مليار درهم عند متم أبريل    الإعلان عن موعد مقابلتين للمنتخب المغربي برسم التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026    العثور على باندا عملاقة نادرة في شمال غرب الصين    إسطنبول.. اعتقال أمين متحف أمريكي بتهمة تهريب عينات مهمة من العقارب والعناكب    كيف بدأت حملة "مقاطعة المشاهير" التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي؟    بنموسى يكشف العقوبات ضد الأساتذة الموقوفين    قناة أرضية تعلن نقلها مباراة الإياب بين بركان والزمالك    اتفاقية مع "عملاق أمريكي" لتشغيل 1000 مهندس وباحث دكتوراه مغربي    إسبانيا ترد على التهديد الجزائري بتحذير آخر    بنموسى يعلن قرب إطلاق منصة رقمية لتعلم الأمازيغية عن بعد    أمل تيزنيت يكتفي بالتعادل خارج ميدانه أمام إتحاد سيدي قاسم    طقس الثلاثاء..عودة الأمطار بعدد مناطق المملكة    لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟    مخرج مصري يتسبب في فوضى بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    الصحافة الإسبانية تتغنى بموهبة إبراهيم دياز    ميراوي محذرا طلبة الطب: سيناريو 2019 لن يتكرر.. وإذا استمرت المقاطعة سنعتمد حلولا بخسائر فادحة    القوات المسلحة الملكية.. 68 عاماً من الالتزام الوطني والقومي والأممي    انقلاب سيارة يخلف إصابات على طريق بني بوعياش في الحسيمة    "إسكوبار الصحراء".. هذه تفاصيل مثول لطيفة رأفت أمام محكمة الاستئناف بالبيضاء    وزير التربية متمسك بالمضي في "تطبيق القانون" بحق الأساتذة الموقوفين    المكتب المديري لأولمبيك آسفي يرفض استقالة الحيداوي    الأمثال العامية بتطوان... (597)    جماهري يكتب: هذه الحكومة لا بد لها من درس في الليبرالية...!    جائزة أحسن لاعب إفريقي في "الليغ 1" تعاكس المغاربة    تنظيم الدورة ال23 لجائزة الحسن الثاني لفنون الفروسية التقليدية "التبوريدة"    اليابان عازمة على مواصلة العمل من أجل تعاون "أوثق" مع المغرب    الجمعية المهنية تكشف عدد مبيعات الإسمنت خلال أبريل    أمن ميناء طنجة يحبط تهريب الآلاف من الأقراص الطبية    الاتحاد الأوروبي يرضخ لمطالب المزارعين ويقر تعديلات على السياسة الفلاحية المشتركة    المركز الثقافي بتطوان يستضيف عرض مسرحية "أنا مرا"    أضواء قطبية ساحرة تلون السماء لليوم الثالث بعد عاصفة شمسية تضرب الأرض    النيابة العامة التونسية تمدد التحفظ على إعلاميَين بارزَين والمحامون يضربون    أوكرانيا تقر بالنجاح التكتيكي لروسيا    المندوبية العامة لإدارة السجون تنفي وجود تجاوزات بالسجن المحلي "تولال 2" بمكناس    طقس الثلاثاء.. عودة التساقطات المطرية بعدد من الأقاليم    رشيد الطالبي العلمي في زيارة عمل برلمانية لجمهورية الصين الشعبية    شح الوقود يهدد خدمات الصحة بغزة    الطلب والدولار يخفضان أسعار النفط    الزمالك يشهر ورقة المعاملة بالمثل في وجه بركان    سي مهدي يثور في وجه بنسعيد    إضراب وطني يفرغ المستشفيات من الأطباء والممرضين.. والنقابات تدعو لإنزال وطني    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الارتفاع يطبع تداولات بورصة الدار البيضاء    الدرس الكبير    السينما في الهوامش والقرى تشغل النقاد والأكاديميين بالمعرض الدولي للكتاب    هل انفصلت فاطمة الزهراء لحرش عن زوجها؟    مصر تُهدد بإنهاء "كامب ديفيد" إذا لم تنسحب إسرائيل من رفح    الأساطير التي نحيا بها    تراجع صرف الدولار واليورو بموسكو    فيلم الحساب يتوج بالجائزة الكبرى في برنامج Ciné Café    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    الأمثال العامية بتطوان... (596)    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مغالطات المقاربة الوثائقية لأحمد زقاقي
نشر في هسبريس يوم 27 - 03 - 2011


تقديم
لقد تناول الدكتور و الباحث الكبير أحمد زقاقي موضوع الخلاف الشيعي السني و نشر عنه في إحدى أشهر وسائل الإعلام في المغرب. و تناوله لهذا الموضوع كما أشار في مقاله الإستهلالي :" ما كان الحسين شيعياً ولا سنياً" جاء في وقت تضارب فيه كتاب من هذا الجانب و ذاك بطريقة خرجت من النقاش العلمي إلى حد التراشق بالتهم و الكلام الغريب. و لعل هذا هو ما جعل الدكتور زقاقي يتناول الخلاف الشيعي السني من باب المقاربة الوثائقية من أمهات الكتب كمنطلق ألزم به نفسه على الأقل لتجنب النقاشات حول الشائعات و توضيح الأسس التي يرتكز عليها كل مذهب بغية الإنفتاح البيني و تبادل الأفكار. و المقال المذكور كان تمهيداً لبحوث أخرى في الخلاف الشيعي السني يلخص ما ألزم الدكتور زقاقي نفسه به في ثلاث نقاط : الأولى التوثيق من أمهات الكتب، والثانية الإلتزام ببسط صفحة التسامح دون التهجم على المخالف بما هو هو، وتقديم أفكار المخالف بحياد حسب قناعاته. و إضافةً إلى الإلتزامات المذكورة قسم السيد زقاقي مراحل بحثه إلى أربع محاور. الأول في نشأة و إستقرار المذهبين فقهياً وسياسياً، والثاني في الخلاف السياسي حول الإمامة والخلافة و الثالث حول عدد الخلفاء و الأئمة، أما الرابع والأخير فهو تصحيح للإنحرافات و مناقشتها عقلاً و نقلاً و عاطفةً. و إذا كان المحور الرابع يتعارض بلا شك مع الإلتزام بالحياد لكونه جنوح إلى الإستنتاج و خروج عن مبدأ تقديم الآخر كما يعتقد بنفسه و تحول من إسترداد الحقائق كما هي عند الآخر إلى الحكم عليها تعسفاً كما سيتبين، فإن هذا لن يكون الركن الأوحد لنسف كل البحوثات لوجود تفاصيل تجعل منها إستعراضاً لأفكار منتخبة استثمرها الباحث فيما يشبه عملية تبشير مخملية .
ومضة في الشكل
لعل من أشد ما أنكره السيد زقاقي -و هذا محل تأييد- على النقاشات الشيعية السنية التي نشرت في جريدة هسبرس هو قضية تكفير و تسفيه الكتاب بعضهم البعض. لكن الأمر الذي فاجأني هو تسفيهه في نفس مقال الإنكار على التسفيه للآخر المخالف. يقول زقاقي في مقال :" ماكان الحسين شيعياً ولا سنياً " (هسبرس 27 سبتمبر 2010) : "التحقيق في الخلاف السني الشيعي يحتاج إلى الوضوح والصراحة في إبراز مواطن وموارد الخلاف الجوهرية والرئيسية،وإلى المعالجة المتأنية دون الانفعالات الآنية بسبب ما يجري في العراق من استقواء مذهب بالمحتل، وتعرض آخر لتطهير مذهبي ،أو بسبب ما يصدر عن شخص عاق وسفيه ومعتوه من سب لأمهات المومنين وانتقاص لقدرهن". وفي هذا مخالفة لقواعد النقاش العلمي لأنه أقحم شائعات سياسية لا برهان عليها تلصق بطرف في البحث مما يؤثر لصالح الطرف الآخر لدى القارء. و فيه عصبية مذهبية لأنه حتى لو افترضنا جدلاً وجود من يمارس التطهير المذهبي من مكونات المذهب الشيعي، فالباحث المنصف إن لم يترفع عن إزعاج القارء بهذا التفصيل فهو ملزم بإيراد المشابه عند المذهب السني، وله في التهجير أيام صدام التكريتي و تجنيس الأجانب من طرف دولة آل خليفة في البحرين دليل على التطهير المذهبي الممنهج. و هنا يمكن تسجيل استهداف الباحث لعاطفة القارء من المقدمة لاستدراجه نحو جاهز استنتاجاته؛ خاصةً مع ادلائه مسبقاً بإعتماده على المقياس العاطفي. الأمر الثاني وبغض النظر عمن يقصد بالعاق والسفيه و المعتوه فقط لأنه من المذهب الشيعي و له موقف من عائشة، فأن الباحث هنا بعد أن إنتقد التسفيه صار بنفسه يسفه على غير أساس. فأين هو من إستعراض المباني عند الطرف الآخر و التي جعلته يتخذ ذلك الموقف ثم مناقشتها و الحكم عليها بعد الزامها الحجج؟
عن التوثيق
يقول الدكتور زقاقي في المصدر السابق :" ولا أنفع في طرق الإشكالات المذكورة من اتباع مقاربة وثائقية تنبني على النصوص المستلة من أمهات المصادر والمراجع المعتمدة عند كل من السنة والشيعة، واجتناب التعميم الذي يواخذ الكثرة بجرائر القلة، والتبسيط المخل بمقتضيات التحقيق والدقة والعمق". كما لا حظنا في الفقرة السابقة فقد أخل بمبدء الدخول في تعميمات يؤثر ذكرها على الكثرة الشيعية و لا دليل موثق على تورط القلة فيها. أما من ناحية التوثيق الذي حصره في أمهات المصادر و المراجع المعتمدة فتجده مدججاً بما لا يمكن إعتباره على الإطلاق مصدراً أساسياً ناهيك عن المصدر الأم. و المعروف أن أمهات المصادر هي كل مصدر يحوي مجاله بحيث يكون مرجعاً فيه و يكون قريباً زمنياً لأصل نشأة هذا المجال. و هكذا يمكن القول أن البخاري مثلاً و النسائي و الكافي من أمهات المصادرفي الحديث، إلا أنه لا يمكن القبول بالقول أن ما قاله رمضان البوطي في ندوة هو بمثابة مرجع يستدل به، كما و لا يمكن إعتبار كتب المفكر علي شريعتي من أمهات الكتب. و إستعمال مثل هذه الكتيبات مخالفة من الكاتب لما ألزم به نفسه. و حتى لو افترضنا تسامحاً وجود ضرورة للإستفادة من مثل هذه الكتيبات فيما يشتبه حمله على مختلف التأويلات في أمهات المصادر، فإن مثل الكتيبات المذكورة لا ترقى إلى درجة المرجعية في الفكر المذهبي و استعمالها إنتقاءً أفسد ركناً أساساً في بحوثات الدكتور زقاقي و هو ركن التوثيق و جعلها فاقدة للمصداقية.
فجوى المذهب المقارن
إنه من بديهيات حقل الدين المقارن أن يقوم الباحث بتناول و تحليل المتطابق و المختلف في مادتي المقارنة من خلال أبواب يمكن وصفها إجمالاً بكونها - أي أبواب المقارنة- تتصدى لضروريات العقيدة و تصورها لنفسها و للعالم حولها. أما تفصيلاً فيمكن الحديث عن مقارنة شعائر و معتقدات و طقوس دين أو مذهب ما مثلاً مع ما يقابلها في الدين أو المذهب الآخر. و الغاية من ذكر هذا هو الإشارة إلى أن المقارنة تكون بين موضوع معين في دين أو مذهب ما مع ما يقابله كموضوع في الدين أو المذهب الآخر. فلا يمكن أن نقارن المستحب في العبادة في جهة مع الواجب في الأعمال في جهة أخرى على سبيل المثال. و السيد زقاقي فشل في تقديم أبسط صور المقارنة لإنشغاله كما سيتبين بهندرة المذهب السني و إفساد صورة المذهب الشيعي. ففي تناوله للتعريف اللغوي و الإصطلاحي أرسل أشياءً مجهولة إرسال المسلمات و أهمل اخرى اقرتها أمهات الكتب، كما أضاف لتعريفه بالشيعة تقسيمات الفرق و الإتجاهات فيما حرص حرصا شديداً على التعتيم عن الفرق والإتجاهات في تعريفه للمذهب السني مبرزاً إياه كالجبل الذي لم تهزه رياح التفرق. و الأمر يشبه ما كانت وسائل الإعلام في الغرب تفعله لدعم إسرائيل، إذ في تغطيتها لطرفي النزاع في جرائدها كانت تحرص على إبراز صور عدد قليل من الإسرائيليين في في أماكن جميلة كالحدائق أو المدارس مقارنة بجموع الفلسطينيين المخيفة للقارء الغربي وهي تتزاحم في الشوارع. و إدوارد سعيد أستاذ الأدب المقارن المشهور و صاحب "الإستشراق" لما أشار إلى هذا النوع من الإنتقائية علله بإستهداف الإعلام المذكور اخافة المواطن الغربي من جهة في النزاع مع اقلمته مع الجهة الأخرى كي ينجر لدعمها. فإن لم يكن من نوايا السيد زقاقي التخويف من التشيع فإن ما كتب يصب في ذلك.
مغالطات في التعريف بالشيعة مقابل التعريف بالسنة
إذا نظرنا إلى فصل البحث التعريفي بمذهب الشيعة و بدءًا من عنونته نجدها من شدة التعسف صارت تعانق القمم الشواهق في الركاكة بما لا يعقل أن يصدر عن متضلع في التعبير. فصل سماه "الحد الفاصل بين الرفض والتشيع" (هسبرس 4 أكتوبر 2010)، وكأن صاحبنا نسي أن مثل هذا القول الذي يفصل فيه بين التشيع و الرفض هو نظير القول بحد فاصل بين أهل السنة و بين الجماعة ، أي أن يقوم كاتب شيعي بمحاكاة منهجه الغريب و عنونة فصل للتعريف بمذهب السنة فيقول :" الحد الفاصل بين أهل السنة و بين الجماعة"! وهذا لا يستقيم ومنه تبطل هذه العنونة المأزومة. أطفال الشيعة يغنون "أنا شيعي رافضي" بين الأزقة و لن يقبلوا بالسيد زقاقي الذي قال أنه سيبرز مذهبهم كما هم يرونه و هو يقطع رأس التشيع من جسده. لو حقاً كان السيد زقاقي مطلعاً على أمهات الكتب الشيعية و مدققاً فيما يبحث لما غاب عنه حديث الكافي الذي روي فيه عن الصادق ع بأن الله هو الذي سما الشيعة بالرافضة (الكافي 5/34) و غيره موجود في وسائل الشيعة وغيرها. أما تقسيمات التعريف التي أتت على شكل التعريف اللغوي يليه المعنى العام الذي يشمل عموم من تشيع للإمام علي ع و الخاص الذي فيه تطرق للإمامة و عرض للفرق ما باقي منها وما انسحق فهو شيء جميل، لكن جماله لا يلائم حلة المنهج. فقد سبق للسيد زقاقي أن قال في تحديده لإلتزاماته البحثية في الفصل المشار إليه في التقديم بتجنب التعميم الذي يواخذ الكثرة بجرائر القلة. فمن جهة هو يقارن أهل السنة والجماعة بالشيعة الإمامية الإثنيعشرية ومن جهة يستعرض فرقاً في عموم التشيع للإيحاء بما ينافي السواد الأعظم للشيعة . فهل ياترا غالبية الشيعة يرون أنفسهم زيدية وواقفية و إسماعلية ؟ الجواب لا يكون إلا نفياً و إنطلاقاً من هذا النفي يمكن الوصول إلى الظاهرة المختلقة التي سماها صاحبنا بالتشيع و التي جعل يقارنها بظاهرة مختلقة سماها أهل السنة و الجماعة و كلا الظاهرتين كما عرفهما لا تمثلان الغالبية عند الطرفين و التي كان من المفروض تناولها في البحث. فلا يصدق القول بتوفيقه في معالجة موضوع الشيعة و السنة لفشله في تحديد ساحة المقارنة تعريفاً ثم مقابلةً وهذا ما لم يتم.
يجدر هنا أن أذكر أن السيد زقاقي لما أفرد فصلاً للتعريف بالمذهب السني إرتكب مخالفة بتجنبه إستعراض الفرق السنية على غرار ما فعل في التعريف بالشيعة. المقارن المتعقل لا يقارن مثلاً أبواب مدينة فاس بجبال الهيمالايا، ولكن يمكن مقارنة جبال الأطلس بها. و لنا تساؤل عن هدف السيد زقاقي من الإشارة إلى المذاهب الشيعية المنقرضة مع التكتم على نظيراتها السنية. لماذا لم يذكر مثلاً المذاهب السنية كلها ومنها مذهب عامر بن شرحبيل الشعبي الذي إنتهى بأمر من الخليفة العباسي المنتصر؟. لماذا لم يذكر مذهب الأوزاعي و الظاهري و الليث بن سعد و البصري ؟ كان من المفروض عرضها و مناقشتها كما فعل مع مذاهب تاريخ التشيع. من الواضح أنه لو ذكر هذا الأمر فسوف يكتشف القارء مدى الدور الذي لعبته السلطات الحاكمة آنذاك و المتحكمة في وسائل النسخ و مضامين المنسوخ و التي كانت لها دور في إستمرار المذاهب الأربعة، و هذا ما يضع علامات الإستفهام حول العلاقة بين المذهب و السلطة الحاضنة له. وهذا الإشكال لا يمكن طرحه في شرح إستمرارية المذهب الشيعي الإمامي الذي قام باستقلاله عن السلطة وهذا من دواعي الإطمئنان خاصةً إذا اعتبرنا عدم حاجة هذا المذهب للدعم السلطوي أساساً بسبب استقلالية علمائه الإقتصادية بفضل فريضة الخمس. فالمذاهب السنية قاطبةً ليست الشيء الوحيد الذي تم تجنبه بل وحتى من الناحية التعريفية التي طالت اللغة و الإصطلاح لم يتم مثلاً الحديث عن الأيات التي فسرت في ذكر الشيعة، وهنا أذكر فقط مثالاً واحداً للاختصار وهو تفسير الآية :"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ هُمْ خَيْر الْبَرِيَّة"،و الذي ذكرت أمهات الكتب حتى عند السنة منها تفسير الطبري أن تفسير خير البرية يعني علي و شيعته (الطبري 30 / 146). أما إذا نظرنا إلى تناوله لأهل السنة و الجماعة فلا ترى له كتسمية أصل لا في القرآن و لا في الحديث بالمعنى الذي أشار إليه الشامل لسنة رسول الله و الخلفاء و لزوم الجماعة و الطاعة. فالنص الحديثي الوارد فيه ذكر السنة و الجماعة لم يتطرق له صاحبنا في التعريفين. فأقدم نص على حد علمي هو حديث النبي ص :"ألا ومن مات على حب آل محمد صلى الله عليه وآله مات على السنة والجماعة"، رواه الزمخشري (الكشاف 3/82) و بن حجر في الصواعق و الحموي في فرائد السمطين و القندوري الحنفي في ينابيع المودة و غيرهم. فكيف يهمل نصاً حديثيا هنا لمصطلح أهل السنة و الجماعة يفيد في التعريف ثم يهمل آية هناك تفسيرها يشير إلى أصل التسمية بالشيعة. اليس هذا تغييباً للحقائق؟ أم أن ذكر هذه الموارد مثقال لا تتحمله هشاشة التنظير المنحاز؟ و لعل إجتناب حديث علاقة حب آل محمد بالسنة و الجماعة فيه إخراج لمن حارب آل محمد من دائرة السنة وهذا ما لا يريد الدكتور الوصول إليه. كما أن إجتنابه لذلك الحديث وفر له عناء ما يتمخض عن موضوع مظلومية فاطمة الزهراء ع و التي كانت دائماً محوراً أساساً لا يستثنى عند التحدث عن حب أهل البيت بل و عن السواد الأعظم للشيعة.
مفاهيم مغلوطة
في بحث "نص الإجبار أم إختيار الأحرار" (هسبرس 19 أكتوبر 2010) إعتمد السيد زقاقي على ترسانة من المصادر الأولية و الثانوية لشرح الإمامة بنصوصها كما هي عند الشيعة الإثنيعشرية، وهذا مصداق كون موضوع البحث يتحدد فيما بين السواد الأعظم للشيعة وأهل السنة، فلا نرى اقحامه سالفاً لفرق تاريخ التشيع إلا خروجاً عن أصل الموضوع كما سبق تبيانه وميولاً واضحاً لأهل السنة، الفرقة التي عفاها من هذه الضريبة بتعمد التكتم عن فرقها قاطبةً. من خلال هذا البحث بين حقيقة تعيين الإمام معبراً عنها بنص الإجبار مقابل غياب التعيين لخليفة رسول الله ص عند السنة معبراً عن هذا بإختيار الأحرار تجد عيوباً كثيرة. عيوب شوهت هذا المسلك نذكر منها مع شديد الإختصار ما يلي. أولاً، إنعدام التوازن بين طرفي المقارنة وهما الإمامة والخلافة. فكيف في الحديث عن مفهوم الإمامة يذكر ما يملأ مكتبة الجاحظ من مصادر قديمة وحديثة للتعريف بها و بضروريتها المذهبية في حين لم يتطرق لمناقشة مفهوم الخلافة ؟ وهذا في حد ذاته يعد منشأ للتساؤل عن مدى أصولية مفهوم الخلافة مقارنةً بالإمامة التي عرض الآيات و الأحاديث المعتمدة بخصوصها. وكذلك في وقت لا يختلف فيه شيعيان على الإمامة التي تقوم مقام النبوة تجد الباحث بنفسه يقر بمسألة الخلاف الحاصل عند علماء السنة في مسألة ورود النص بالخلافة من عدمه (مثال إبن حزم والجويني في القول بالإثبات والنفي). ثانياً: نسبة صفة " احرار" لمسألة إختيار الأمة لخليفة الرسول ص كما هو واضح من عنوان البحث في إشارة إلى خلافة ما قبل معاوية و هذا ينافي الحقائق التاريخية التي -وإن تسامحنا لإثقال الحجة- أن بيعة السقيفة كانت إختياراً للأحرار فماذا يقول صاحبنا في مسألة تعيين أبي بكر لعمر و كتابة نص التعيين من طرف عثمان و كون دعوة التعيين تمت في خلوة كما ذكر الطبري و بن قتيبة ؟ ثم حصر عمر لستة احدهم يخلفه و أمره بضرب عنق من عارض منهم الإجماع، هل يعد هذا إختياراً للأحرار؟ و هل ضرب عنق المعارض مثال للتحرر ؟ أم ماذا يفعل بقول عمر أن بيعة أبي بكر كانت فلتةً من فلتات الجاهلية؟ كما ذكر السيوطي و الهيثمي و أحمد في مسنده (1/55) . هذه مؤشرات تدل على وجود نصين في خلافة الرسول احدهما من قبل الله كما عرضه الباحث و الثاني من قبل أشخاص الأمر الذي قام الباحث بتجاهله . ثالثاً : إستخلاص وجود نص شيعي مقابل نص شيعي في نفي التعيين مستشهداً بإحتجاج أهل السنة و افراطهم في تأويله. وهذا لا يستقيم لأنه إحتجاج على التشيع بمادة شيعية كما يراها السنة و كذلك عدم إتيانه بردود الشيعة على هذه الإحتجاجات مع الإبتعاد عن تبيين إحتجاج الشيعة على المواد الداعمة لنظرية الخلافة. تجد هذا في إتيانه بكلام الإمام علي ع في نهج البلاغة يمدح أبا بكر أو عمر على حد زعمه و هذه حجة واهية لعدم تمكن صاحبها من تحديد المراد بالحديث ناهيك عن إحتمال صدوره في حق عمار بن ياسر مثلاً أو أحد أصحابه. أضف إليه إستخلاص كون تعيين الأئمة انتج إلى جانب التوريث فيما بعد الخلافة الراشدة على حد زعمه أزمة التوريث في الأنظمة السياسية الحالية. و هذا نقيض استشهاده بكلام المفكر علي شريعتي الذي يقول فيه بأن ما بعد زمن غيبة الإمام الثاني عشر بدأ عند الشيعة عهد الإختيار! وهذا مما لا يحتاج إلى شريعتي للإستشهاد نظراً لكون إنقطاع التعيين بعد الغيبة الكبرى تحصيل حاصل لا حاجة للتكلف فيه.
ختاما
إذا كانت البحوث المشار إليها تأسيسية اعتمدها السيد زقاقي في نقاشاته لمساري التصحيح و التقريب المذهبيين لا تخلو من مغالطات شكلية و مشاكل منهجية و مفاهيم منحرفة يتم توجيهها إلى غير ما تؤول اليه ، فمن الطبيعي أن تكون الإستنتاجات التصحيحية و التقريبية كما أحب الباحث تسميتها باطلةً. فمعالجة ما بني على قواعد البحوث المذكورة لا يكون نقاشاً معقولاً، وهذا لا يمنع من الإتيان عليها من القمة بدلاً عن القاعدة على أساس الإفتراض الجدلي بصحة قاعدتها؛ آنذاك يكون مجموع البحوث تم نقده من أساسه فضلاً عن منتهاه، وهذا ما نأمل أن يتيسر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.