شهد المغرب، في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، تنظيم تظاهرة أمام البرلمان تزعمتها جمعيات للرفق بالحيوان، على رأسها "جمعية أسد"، حيث رفعت النساء المشاركات في التظاهرة لافتات يحتجن من خلالها على قتل الكلاب الضالة بالرصاص، معتبرات ذلك انتهاكا لسلامة هاته الحيوانات وقتلا قاسيا وغير إنساني لها. وفي السياق نفسه، سبق أن عبّرت نائبة رئيس مجلس مدينة أكادير عن انتقادها لاستخدام الأجهزة البلدية المعنية لمواد كيماوية لقتل هذه الكلاب تشكل خطورة على صحة الأشخاص المكلفين بهذه المهمة، وتتسبب في موت بطيء ومؤلم للحيوانات التي تحقن بها. كما عرفت مدينة طنجة حادثة إطلاق النار من طرف قوات الشرطة على كلب بيتبول هاجم به أحد مروجي المخدرات عناصر الأمن لكي يلوذ بالفرار. كما سبق لأحد متزعمي الأحزاب الوطنية أن نظم مسيرة استعمل فيها الحمير للاستهزاء برئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، مما يطرح بالتالي الوضعية القانونية والحقوقية للكائن الحيواني في منظومة ثقافية وقانونية وسياسية ما زالت تحكمها نظرة تحقيرية لكل ما هو حيوان. انعدام ثقافة حقوق الحيوان من الصعوبة بمكان تحديد عدد الحيوانات الأليفة التي تعيش بالمغرب، خاصة الكلاب والقطط وباقي الحيوانات الأليفة الأخرى. ولا ترجع هذه الصعوبة فقط إلى كثرة هذا النوع الحيواني، بل إلى انعدام ثقافة الرفق بالحيوان بالمغرب أو أي حس حقوقي إزاء هذه الحيوانات، خاصة في المدن والحواضر المغربية. فالحيوان رغم تواجده المحسوس والملموس في المجال الوطني، لا يتمتع بأي وجود قانوني، وبالتالي فهو لا يتوفر على أية منظومة حقوقية أو قانونية خاصة به. الحيوان المغربي يعتبر مكونا من مكونات المجال الوطني، فالكلاب، والقطط ، والحمير والبغال، وغيرها من الحيوانات الأليفة، تشكل مظهرا من مظاهر الحياة العامة. فهي تتحرك يوميا في الطرقات والشوارع العمومية، وتقتات من قمامات ومزابل المدن، وتعيش من بقايا أطعمة منازل الأحياء الشعبية أو مما يقذف لها من تحت موائد وطاولات المطاعم، أو ما يجود به صيادو سفن الصيد في الموانئ والمراسي، أو ما يلقى إليها من عظام من طرف جزاري المسالخ، ومحلات الجزارة. لكن هذا لا يمنع من أن هذه الحيوانات تبقى فريسة سهلة لكل أنواع الضرب، أو المعاملة السيئة لكل من أراد التنفيس عن مكبوته الداخلي من العنف أو السادية دون أن يطاله أدنى زجر قانوني أو أن يتعرض لعقاب جزائي. فالترسانة القانونية بالمغرب بمختلف مكوناتها، سواء كانت قانونا مدنيا أو جنائيا، وبمختلف أنظمتها البلدية أو الوطنية، تخلو من الإشارة إلى أي نص يحدد طبيعة المخالفة أو الجريمة التي يمكن أن يتعرض لها من انتهك حرمة حيوان، أو قام بممارسة أي اعتداء أو إيذاء له. كما أنه لم يسبق لأي منظمة حزبية أو مدنية أن قامت بوضع مطالب تهم تحسين أوضاع هذه الشريحة من الحيوانات البكماء. فباستثناء بعض جمعيات الرفق بالحيوان، والتي تعد على رؤوس الأصابع بعد أن أقفل جلها أبوابه بسبب قلة المساعدات الأجنبية، لم تطفو إلى السطح، سواء السياسي أو الحقوقي أو الإعلامي أو الفكري، أي شخصية عمومية، أو تنظيم بمختلف مرجعياته اليسارية أو الليبرالية، أو حتى الأصولية، يناضل أو يدعو إلى حماية هذه الشريحة الحيوانية العريضة. ولعل سبب هذا الصمت المطبق يرجع، بالأساس، إلى عدة عوامل فكرية واجتماعية وسياسية ، تتمثل، على الخصوص، في النظرة الدونية التي عادة ما ينظر بها إلى الحيوان الأليف. فالحيوان الذي يعتبر كائنا حيا إلى جانب الكائن الإنساني، ينظر إليه ككائن أدنى لا ينبغي أن يتمتع بأية حقوق أو أية حماية قانونية أو سياسية. إذ جرت العادة أن يعتبر دائما في درجة أدنى من الكائن البشري أو الإنساني، الشيء الذي يبرر أي سلوك عدواني ضده. ولعل هذا يظهر بالخصوص من خلال السباب الذي يتبادله المغاربة فيما بينهم بنعت خصمهم بالكلب أو الحمار، كنوع من التحقير والحط من قيمته. ولعل إقالة أحد المسؤولين عندما شبه أحد وزراء حكومة بنكيران بنوع من الكلاب، ليعكس بجلاء هذا التصور الدوني لهذه الحيوانات. أما العوامل الاجتماعية، فتتمثل في هذا الانتقال السريع من نظام الحياة البدوية والقروية للمغاربة، حيث يعتبر الحيوان جزء لا يتجزأ من هذه الحياة من خلال قيامه بالدور المسنود له، فالكلاب للحراسة، والحمير للركوب، والخيول للسفر، إلى نظام الحياة الحضرية التي انعدم فيها أي دور محوري لهذه الحيوانات التي استبدلت بوسائل نقل عصرية لم تترك للغالبية منها سوى أدوار التأثيث المنزلي، أو استخدامها في بعض عربات الجر في الأحياء الشعبية أو الهامشية. ولعل هذه النظرة السياسية هي التي دفعت السلطة، في أحلك فترات القمع السياسي، إلى التعامل مع معارضيها كحيوانات يتم جلدها وتعليقها وكيها في غياهب المعتقلات السرية ومخافر الشرطة، بالإضافة إلى نعتها بأقدح النعوت الحيوانية بوصفها بالكلاب أو الحمير. فهذه النظرة التحقيرية للحيوان في المغرب هي التي سمحت للسلطة بأن تعامل مواطنيها معاملة تخرق كل حقوق الإنسان، وتحرمهم من حرية الحركة، وحرية التعبير. انعدام ثقافة الرفق بالحيوان إن غلبة النشاط الفلاحي بالمغرب لقرون طويلة، جعلت دور الحيوان مقتصرا بالحواضر المغربية على بعض المرافق المحدودة، حيث استخدمت الحمير أو البغال للنقل أو السفر أو في بعض المطاحن والحمامات، في حين كانت باقي الحيوانات الأليفة، كالكلاب والقطط، متوارية في المشهد الحضري إلى درجة أن بعض الفقهاء اعتبر تواجدها بالمنازل نجاسة مرفوضة. لكن بدخول الحماية إلى المغرب، بدأت هذه الحيوانات تتموقع داخل المجال الحضري كمكون من مكونات الحياة العصرية الفرنسية- الإسبانية، الشيء الذي ارتبط في الذهنية المغربية بالتعامل مع هذه الحيوانات باللغة الفرنسية، سواء من خلال تسمياتها أو من خلال المناداة عليها. بالإضافة إلى أن هذا التواجد أدى إلى فتح العديد من العيادات البيطرية الخاصة بهذه الحيوانات في مدن كبرى، كالدار البيضاء والرباط وغيرها. كما أن تمركز الدولة بدواليبها العصرية شجع على تربية مثل هذه الحيوانات واستخدامها، خاصة في الصيد والحراسة، ليتطور الأمر بعد ذلك إلى اقتناء ما سمي بالحيوانات المدللة كنوع من التأثيث المنزلي، أو التمظهر الاجتماعي. وقد تطور هذا الأمر لتنتشر هذه الحيوانات، خاصة الكلاب والقطط، في مختلف الأحياء الشعبية وتصبح مظهرا مألوفا في الحياة العامة، بعدما أصبحت تباع وتشترى في أسواق خاصة. لكن هذا التطور وهذا الانتشار لهذه الحيوانات في المجال الحضري لم يصاحبهما تبلور ترسانة قانونية تحمي هذه الحيوانات من كل انتهاك لسلامتها الجسدية أو ضمان حقوقها الصحية. فالسلطات الأمنية أو القضائية عادة ما لا تتخذ أية إجراءات زجرية أو عقابية إلا في حالة القبض على أشخاص تورطوا في قتل كلاب أو قطط أو حمير لتقديمها كنقانق للمواطنين، ليتم معاقبة هؤلاء المتهمين ليس لأنهم قتلوا هذه الحيوانات الأليفة، بل لأنهم قدموا لحومها أكلة للمواطنين، مما يجعل عقوباتهم مخففة، بحيث تكيف أفعالهم من جرائم إلى جنح. ولعل هذا يعكس، إلى حد كبير، هذا الوضع الحقوقي المقلوب الذي ما زال سائدا في المغرب، إذ ما زال ينظر إلى الروح الحيوانية كروح أدنى من الروح البشرية، في حين إن الروح هي روح لمخلوق من مخلوقات الله، سواء كان كلبا أو قطا أو حمارا، فقد ذكرت كل هذه الحيوانات في الكتب السماوية بما فيها القرآن. كما أن السلطات المركزية أو المحلية لا تحس بأدنى مسؤولية تجاه هذه الحيوانات، حيث لا تتحرك إلا في حملات دورية للقبض على ما يسمى بالكلاب والقطط الضالة، أو لحماية السكان إذا ما تعرض أحدهم لعضة كلب أو قط من خلال توفير أمصال ضد أي احتمال لتداعيات داء الكلب أو السعار، في حين يتم ملاحقة الحيوانات المشتبه بها لحقنها وحرقها إذا ما تم الاشتباه في إصابتها أو في حالة لم يتم التعرف على أصحابها، في الوقت الذي من المفروض أن يكون لهذه الحيوانات الحق في أن تحصل على مختلف الحقن والأمصال لضمان سلامتها الصحية، لأن في ذلك ضمان صحة المواطنين من استشراء أي عدوى من الأمراض التي تصيب هذه الحيوانات. وبالتالي، فهناك تلازم جدلي بين حماية حقوق الحيوان وحقوق الإنسان بالمغرب. فكلما تمت حماية حقوق الحيوان كلما تطورت ثقافة حقوق الإنسان بالمغرب، إذ إن الإنسان الذي ارتبطت وترتبط حياته بحياة الحيوان، لا يمكن أن يقبل بضمان حقوقه والتمتع بها وربيبه الطبيعي يعاني من مختلف التجاوزات التي تمس بحقوقه. لذا يبدو من الغريب أنه على الرغم من مختلف التعديلات الدستورية التي عرفها المغرب منذ بداية ستينيات القرن الماضي إلى الآن، لم تتم الإشارة ضمن الترسانة القانونية إلى أدنى حق من حقوق هذه الشريحة البكماء، واعتبارها مكونا أساسيا من مكونات التركيبة الترابية للبلاد. فإلى حد الآن، ما زال أغلب هذه الحيوانات يشكل وسيلة للتنفيس عن مكبوتات العنف التي يختزنها جل المغاربة من ركل أو ضرب، أو اعتداء أو إيذاء، دون حماية قانونية أو زجرية تضمن لهذه الحيوانات التحرك في المجال العمومي بكل حرية وأمان، اللهم إلا إذا استثنينا شريحة من الحيوانات المدللة التي تستمد سلامتها من الحماية التي يوفرها لها أصحابها، مقابل تحويلها إلى أدوات للمباهاة الاجتماعية، أو وسيلة للاسترزاق والكسب المادي. وبالتالي، على منظمات حقوق الإنسان أن تهتم بهذا الموضوع، لتغيير النظرة السياسية والنظرة الشعبية إلى التعامل مع هذه الشريحة من الحيوانات، من خلال خلق ودعم جمعيات للرفق بالحيوان، بل جمعيات للدفاع عن الحيوان وحمايته. فالتلازم وثيق بين حماية الحيوان والإنسان في أي مجتمع، إذ إن تطور حقوق الإنسان مرتبط بشكل جدلي بحماية ربيبه الحيوان. فقد اعتبر الفلاسفة، منذ وقت طويل، أن الإنسان هو قبل كل شيء حيوان ناطق، وحيوان اجتماعي. فعندما يجاهد الإنسان لحماية والدفاع عن حقوق الحيوان، فهو في الوقت نفسه يحمي حقوقه كإنسان، وعندما يطور المنظومة الحقوقية للحيوان يطور منظومته الحقوقية.