قراءة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2285 بعد ترقب شديد ومفاوضات شاقة وتوزيع الأدوار بين القوى العظمى داخل كواليس مغلقة بمجلس الأمن، أطلق سراح قرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بقضية الصحراء على أساس توافق أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر، بعد تقديم مشروع قرار الولايات المتحدةالأمريكية في اللحظات الأخيرة من مناقشة مجلس الأمن التقرير الأممي الذي بعثر الكثير من الأوراق داخل مجلس الأمن جعلت الأعضاء الخمسة عشر يتوزعون بين رافض لمشروع القرار الأمريكي وقابل له. وبعد نقاشات طويلة وشاقة بين أعضاء مجلس الأمن، وضع القرار للتصويت، وكانت المفاجأة انقسام أعضاء المجلس إلى ثلاث فئات؛ فئة صوتت لصالح القرار وهي دول الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، الصين، إسبانيا، أوكرانيا، ماليزيا، مصر، اليابان، السنغال. وفئة صوتت ضد القرار وهما: فنزويلا والأرغواي. وفئة امتنعت عن التصويت، وضمت روسيا، ونيوزيلندا، وأنغولا. قراءة في عملية التصويت: يتبين من الفئات الثلاث أنها جاءت نسبيا مفاجئة، خصوصا بالنسبة لبريطانيا في ألفئة الأولى. أما بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية، فكان منتظرا أن تصوت لصالح القرار لكون مشروعها قٌبِل مع تغيير شكلي في موضوع تاريخ عودة البعثة الأممية إلى الصحراء من 60 يوما إلى 90 يوما باقتراح من فرنسا التي اقترحت 120 يوما. ويبدو من تغيير زمن إرجاع البعثة أنها شكلت مفاوضات شاقة وقع تنازل من طرف فرنسا من 120 يوما إلى 90 يوما، وتنازلت الولايات المتحدة من 60 يوما ليخرج القرار ب 90 يوما للعودة الكاملة للبعثة الأممية على الصحراء. أما المفاجأة الكبرى، فكانت في الفئة الثالثة، خصوصا امتناع روسيا التي كانت من أشد الرافضين لمشروع القرار الأمريكي، ثم أنغولا. دلالات عملية التصويت: يلاحظ المتأمل في عملية تصويت دول مجلس الأمن على القرار رقم 2285 أن الدول الأعضاء الخمس كلها صوتت لصالح القرار، باستثناء روسيا التي كان المغرب ينتظر منها التصويت لصالح القرار، خصوصا بعد الزيارة الملكية الأخيرة إلى روسيا وتدخلات مبعوثها داخل مجلس الأمن. ويتبين أن 80 بالمائة من الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن صوتوا لصالح القرار، وهذا مؤشر على موقف هذه الدول من جهود المملكة المغربية لإيجاد حل سياسي ودائم للنزاع المفتعل بالصحراء، وانتصار للدبلوماسية الملكية.. وهناك دلالة أخرى لتصويت الصين، رئيسة الدورة، ومصر والسنغال، وامتناع أنغولا، ما يعني أن الدول العربية والإفريقية كلها مع الطرح المغربي، لكن ما يجب الانتباه إليه هو أن ضعف الدبلوماسية المغربية يتجلى في دول أمريكا اللاتينية التي ما زالت مؤيدة لأطروحة ادعاء الوحدة الترابية. وهذا واضح في رفض فنزويلا والأرغواي، وسبب رفضهما التصويت على القرار هو سخطهما على عدم إدانة القرار بشدة تصرفات المغرب وارغامه القبول بتقرير المصير لجبهة البوليساريو، كما تريد الجزائر والمبعوث الشخصي للاتحاد الافريقي الذي رفضت دول مجلس الأمن الاستماع لتقريره حول نزاع الصحراء الذي صيغ من طرف المخابرات الجزائرية. مضامين القرار: القرار وتمديد ولاية بعثة الأممالمتحدة: خرج هذا القرار بتمديد ولاية بعثة الأممالمتحدة في الصحراء (مينورسو) حتى شهر أبريل 2017، ويعدل قرار تمديد البعثة من من ثوابت قرارات مجلس الأمن الدولي السابقة، إلا أن القرار رقم 2285 له مميزاته؛ حيث إنه تم التفاوض بشأنه في ظروف دقيقة وصعبة، ليس فقط نتيجة تداعيات أزمة المغرب مع الأمين العام للأمم المتحدة، بل لأنه تم إخضاع القرار لعملية التصويت، وهذا يحدث لأول مرة بين أعضاء مجلس الأمن منذ عام 1991، مما يعني أن المجلس خرج من ثقافة التوافق إلى ثقافة التصويت في موضوع النزاع المفتعل بالصحراء. حث طرفي النزاع على ايجاد جل سياسي وعادل: أكد مجلس الأمن في قراره رقم 2285 "التزامه مجددا بمساعدة الطرفين، المغربي وجبهة البوليساريو، في التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين"، مع حث المغرب والبوليساريو على إظهار "المزيد من الإرادة السياسية للمضي صوب التوصل إلى حل، وذلك بطرق منها توسيع نطاق نقاشهما حول ما يطرحه كلاهما من اقتراحات، والتعاون مع مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين في تنفيذ خطة العمل المتعلقة بتدابير بناء الثقة". ونلاحظ هنا أن القرار وضع المغرب وجبهة البوليساريو في كفة واحدة، وإبعاد الجزائر كطرف أساسي في النزاع وفي حله، كما كانت تطالب فرنسا قبل التصويت على القرار. تشديد القرار على الحاجة الملحة لعودة بعثة "مينورسو" إلى ممارسة عملها بشكل كامل: يلاحظ المتتبع لتقارير الأمين العام للأمم المتحدة، أو قرارات مجلس الأمن، أن موضوع بعثة "مينورسو" يمثل نقطة سوداء في تاريخ ملف الصحراء بالنسبة للمغرب، لكن الجديد في القرار رقم 2285 هو إلزام مجلس الأمن المغرب بعودة بعثة المينورسو في غضون 90 يوما، وتكليف الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بتبليغ المجلس "ما إذا كانت البعثة عادت إلى ممارسة عملها بكامل قدراتها"، وفي حال عدم تحقيق ذلك، سيدرس مجلس الأمن آنذاك "أفضل السبل لتسهيل تحقيق ذلك الهدف". ويفهم من هذا أن المغرب ملزم بتنفيذ القرار، وذلك تحت طائلة اتخاذ مجلس الأمن الإجراءات الضرورية في حالة عدم امتثال المغرب لهذا القرار، وهو ما يعني وضع المغرب أمام الأمر الواقع، وإلا التجأ مجلس الأمن إلى تحويل الملف التفاوضي حول الصحراء من إطاره الحالي إلى إطار آخر. وفي هذا الصدد، نؤكد أن المغرب لم يحسن تدبير ملف البعثة أثناء غضبه على الأمين العام للأمم المتحدة. فعملية اتخاذ قرار طرد 85 عضوا من البعثة الأممية، جاء على شكل رد فعل متسرع دون التفكير في التداعيات. والأكيد أن قرار الطرد المغربي للشق المدني من البعثة مثّل ثقبا كبيرا في التقرير وفي القرار، استغله الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي والإدارة الأمريكية للضغط على المغرب، معتبرة ذلك الطرد مسا بهيبة هيئة الأممالمتحدة، وطلب القرار من الأمين العام، بان كي مون، تقديم تقرير عن مدى التزام المغرب بتنفيذ هذا البند من القرار الأممي بعد مرور ستين يوما عن صدوره. والقارئ لقرار مجلس الأمن في الموضوع شكلا ومضمونا، سيشم رائحة الانتقام والإحراج والتأديب لمواقف المغرب الصارمة تجاه تصرفات الأمين العام للأمم المتحدة وتجاه مبعوثه الخاص وتجاه البعثة الأممية في شقها المدني والسياسي. وفي هذه النقطة يجب على المغرب أن ينتبه كثيرا لأن المتربصين به لن يرحموه في أي خطأ يرتكبه في تنفيذ قرار مجلس الأمن في موضوع عودة البعثة الأممية إلى اللصحراء. القرار وملف حقوق الإنسان: يعتبر هذا الموضوع من المواضيع الأكثر حساسية في التقرير الأممي وفي قرار مجلس الأمن وحول ملف حقوق الإنسان في الصحراء. فقد أكد القرار على أهمية تحسين حالة حقوق الإنسان، وحث الطرفين على العمل مع المجتمع الدولي على وضع تدابير تتسم بالاستقلالية والمصداقية لكفالة الاحترام التام لحقوق الإنسان. وقد أشاد القرار بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي وبأعمال وأنشطة ودفاع المجلس الجهوي لحقوق الإنسان بالعيون وبالداخلة، في حين ندد بالوضع الحقوقي بمخيمات تندوف؛ حيث ممارسة حظر التجول ليلا وتشجيع ثقافة الرق والعبودية ومنع السفر دون ترخيص. والمهم في هذا المجال هو أن جل الاحتجاجات التي تعرفها المناطق الصحراوية هي ذات طابع اقتصادي اجتماعي، وليس سياسي، كما تدعي الجزائر والبوليساريو، وللمطالبة بتكافؤ فرص العمل. القرار ومشروع الحكم الذاتي: من الجوانب الايجابية في القرار وصف الجهود التي يبذلها المغرب للمضي قدما في مسلسل تسوية نزاع الصحراء، ب"الجدية وذات المصداقية"، إذ أكد أنه "يحيط علما بالمقترح المغربي الذي قدم إلى الأمين العام في 11 أبريل 2007، وبالجهود المغربية المتسمة بالجدية والمصداقية والرامية إلى المضي قدما بالعملية صوب تسوية (النزاع)"، ونشير بالمناسبة إلى أن فرنسا دافعت بقوة داخل المجلس ليشمل القرار جهود المغرب ومشروع الحكم الذاتي، وهذا انتصار كبير للمغرب وضربة قوية للجزائر وصنيعتها البوليساريو المتشبثة بتقرير المصير. القرار بين المناورات الامريكية والتوازنات الدولية في أبعادها الإقليمية: أكد قرار مجلس الأمن الدولي أن قضية الصحراء كانت، وستبقى، عمق تضارب المصالح الجيو سياسية للدول العظمى، وأهم الآليات لضبط التوازنات الإقليمية والدولية في شمال إفريقيا. وبالمناسبة، أثبت التاريخ أن مواقف القوى العظمى من جل الصراعات الإقليمية لم تكن أبدا ثابتة وموحدة وبريئة، بل إن ثقافة المصالح والحفاظ على التوازنات الإقليمية والدولية كانت المتحكم في هذه المواقف، وهذا ما ينطبق على الموقف الأمريكي من قضية الصحراء الذي لم يكن يوما واضحا، وإن كان يلعب دورا أساسيا في تحريك الملف، خصوصا على مستوى الدعوات لتوسيع صلاحيات بعثة المينورسو. ويجب التذكير هنا بأن الإدارة الأمريكية قد تتخذ مواقف متناقضة، وهذا ما تؤكده مواقف الولايات المتحدةالامريكية بمجلس الأمن تجاه قضية الصحراء؛ حيث تبدو مرة متحمسة لموقف المغرب، ومرة أخرى لموقف الأطراف الأخرى. ومشروعها المقدم اليوم في سنة 2015 حول كيفية إلزام المغرب بعودة البعثة الأممية إلى الصحراء يذكرنا بمشروعها المقدم سنة 2013 حول توسيع صلاحيات البعثة لتشمل حقوق الإنسان، والذي كاد أن يشكل ضربة قاضية للمغرب آنذاك لولا تحرك فرنسا وأصدقاء المغرب في آخر لحظة. القرار يعكس نظرة الولايات المتحدةالأمريكية للعلاقات الدولية: تنطلق الولايات المتحدة من مسلمات- على المغرب أن يقتنع بها- وهي لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة في علاقاتها مع الدول، خصوصا النامية منها، بل إن علاقاتها تحددها المصالح، ولعل هذا ما يفسر تغير المواقف بالنسبة للولايات المتحدة ويجعل دورها في النزاع المفتعل حول الصحراء يتخذ مواقف متغيرة تتحكم فيها أجندة حماية مصالحها الجيو-سياسية والاقتصادية مع طرفي الصراع، المغرب والجزائر. ومن هذا المنطلق، يجب فهم المشروع الأمريكي الذي قدمته الولايات المتحدةالأمريكية إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي ساعات قبل بداية مناقشة تقرير الأمين العام، وإصدار المجلس قراره حول الصحراء. مشروع القرار الأمريكي فيه رسائل سياسية ورمزية مفادها أن الإدارة الأمريكية تريد الحفاظ على التوازن بين المغرب والجزائر، أو بمنطقة شمال إفريقيا، خصوصا وأن نوعية التحالفات الأخيرة للمغرب مع روسيا الاتحادية والصين ودول الخليج أزعجت الإدارة الأمريكية. نعم يمكن أن يقول المغرب "أوف" وأخيرا خرج قرار مجلس الأمن ليحافظ على التوازن في الصراع، مع الإشارة إلى أن شكل ومضمون القرار رقم 2285 مثّل انتصارا نسبيا للمغرب في صراعه مع الأمين العام للأم المتحدة ومع مبعوثه الشخصي، وصدمة للنظام الجزائري وضربة قوية لجبهة البوليساريو وعملائها. فقادة الجزائر وقادة البوليساريو كانوا ينتظرون تصويت الولايات المتحدةالأمريكيةوبريطانياوالصينوروسيا ضد القرار، وأن يدين القرار المغرب بشدة بعد رده القوي على الأمين العام للأمم المتحدة وطرد أعضاء البعثة، وأن يوسع صلاحيات المينورسو بالصحراء لتشمل حقوق الإنسان. صحيح خرج المغرب منتصرا نسبيا، لكن هناك أسئلة تفرض نفسها مع صدور كل قرار من مجلس الأمن حول الصحراء؛ منها هل سيستفيد المغرب من المرحلة الصعبة التي مرت منها القضية الوطنية سنة 2016؟ ويقوم بنقد ذاتي وجريء لتدبير ملف الصحراء؟ والابتعاد عن اتخاذ القرارات المتسرعة كردود فعل كما وقع مع بعثة الأممالمتحدة في شقها المدني؟ وإلى متى سنبقى نعول عن فرنسا بمجلس الأمن لتدارك أخطاء المغرب في تدبير ملف الصحراء؟ وهل وضع المغرب سيناريوهات إذا ما وقع فراغ مؤسساتي بالجزائر في حالة وفاة الرئيس الحالي بوتفليقة التي تتحدث بعض المنابر عن دخوله في غيبوبة بإحدى المصحات الأوروبية؟ وهل سيغير المغرب طريقة تدبيره لملف الصحراء عبر ربط المسؤولية بالمحاسبة؟ وهل بدأ يفكر من الآن؛ أي من 1 ماي 2016، في كيفية تدبير المفاوضات المقبلة مع الأمين العام المقبل للأم المتحدة، خصوصا مع الدول المناوئة للوحدة الترابية قبل مجيئ 30 أبريل 2017؟ د.ميلود بلقاضي، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية اكدال الرباط [email protected]