لقجع يقدم وصفة الحكومة لتحقيق التوازن بين الأولويات الاجتماعية واستدامة المالية العمومية    "دور المجتمع المدني في التنمية المحلية" موضوع ندوة وطنية بجماعة تيسينت إقليم طاطا    الجيش الجزائري يواصل تصفية الشباب الصحراويين بدم بارد..    "وسيط المملكة" يأسف على عدم توصله بمشاريع القوانين من أجل إبداء الرأي متحدثا في البرلمان عن "انعدام الإرادة"    رغم الجفاف.. المغرب أول مصدر للطماطم إلى أوروبا    بورصة البيضاء تفتتح التداولات بالأخضر    تراجع أسعار الذهب العالمية مع ارتفاع الدولار    هذا ما قررته المحكمة في قضية "مومو" ومن معه    جوائز مسابقات الدورة 13 لمهرجان الرشيدية السينمائي    تكريم أعتز به من مهرجان الرشيدية السينمائي    العالم الافتراضي يخلق توجسا وسط المغاربة بسبب أثمان أضاحي العيد    أمريكا: هجوم رفح لن يؤثر في سياستنا ودعمنا العسكري لإسرائيل    مباراة كرة قدم في الدوري الجزائري تتحول إلى "مأساة"    اعتراف إسبانيا وإيرلندا والنرويج بدولة فلسطين يدخل حيز التنفيذ    استقالة مسؤولة كبيرة بوزارة الخارجية الأمريكية بسبب الحرب في غزة    غوتيريش يطالب بوقف الحرب على غزة    جود بيلينغهام يحرز جائزة أفضل لاعب في الدوري الإسباني    أول تعليق لمدرب الوداد الرياضي بعد الهزيمة أمام آسفي    ضربة جزاء الرجاء أمام اتحاد طنجة تثير الجدل    الركراكي يعلن عن قائمة "الأسود" في تصفيات مونديال 2026    رئيس جماعة مرتيل يستقبل المقيم الدائم الجديد لمؤسسة كونراد أديناور المغرب    تفاصيل مباحثات بوريطة مع نظيره الصيني ببكين    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    مغربي ضمن المتوجين بجوائز "ديوان العرب" الثقافية في دورتها العاشرة    شكيب بنموسى يستقبل الرياضيين المنعم عليهم بشرف أداء مناسك الحج    أولمبياكوس يُعول على الكعبي للتتويج بالمؤتمر الأوروبي    نادي إندهوفن يجدد الثقة في الصيباري    طواف المغرب الدولي للدراجات يشهد مشاركة 18 منتخبا وفريقا    المكسيك تطلب الانضمام إلى قضية "الإبادة" ضد إسرائيل أمام محكمة "العدل الدولية"    بصدد موقف وزير العدل من "عقود الزواج" في الفنادق    وزارة الداخلية تستنفر مصالحها الترابية لتيسير العطلة الصيفية بالمغرب    كيوسك الأربعاء | اكتشاف جديد للغاز بمنطقة اللوكوس    المغرب يخلد يوم إفريقيا في نيويورك    النفط يرتفع مع التوقعات بإبقاء كبار المنتجين على تخفيضات الإنتاج    قراءة في تطورات ما بعد حادث وفاة رئيسي و مرافقيه..    توقعات أحوال الطقس ليوم الأربعاء    سلطات سبتة تُعلن قرب استخدام تقنية التعرف على الوجوه بمعبر "تراخال"    29 قتيلا و2760 جريحا حصيلة حوادث السير بالمدن خلال أسبوع    قراءة في ندوة الركراكي : أنا من يتحمل مسؤولية اختياراتي    الإسراع في بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد بمناسبة انعقاد الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي    ماذا نعرف عن الولاية الهندية التي تحمل مفتاح إعادة انتخاب ناريندرا مودي؟    البِطنة تُذهب الفطنة    صندوق النقد يرفع توقعات النمو في الصين إلى 5 بالمئة    وزيرة الانتقال الطاقي تقول إن تصاميم مشروع خط الغاز المغربي- النيجيري "قد انتهت"    القضاء يدين مختلسي أموال مخالفات السير بالحبس النافذ والغرامة    حكم قضائي غير مسبوق لصالح مغربية أصيبت بمضاعفات بسبب لقاح أسترازينيكا    الأمثال العامية بتطوان... (610)    وسط أجواء روحانية.. حجاج الناظور يغادرون إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج    الرباط.. استقبال الأبطال الرياضيين المنعم عليهم من طرف صاحب الجلالة بأداء مناسك الحج    عمالة تاونات تودع حجاجها المتوجهين إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج هذا العام    ٱيت الطالب: المغرب يضطلع بدور محوري في تعزيز السيادة اللقاحية بإفريقيا    ملابس النجمات تتضامن مع غزة ضد الرقابة    ايت طالب يناشد من الأمم المتحدة إنقاذ المنظومة الصحية في فلسطين    بعد فوضى سوء التنظيم.. سامي يوسف يوجه رسالة خاصة لجمهوره بمهرجان فاس    "مستر كريزي" يعلن اعتزال الراب    خبراء ينصحون بفترات راحة لممارسي رياضة الركض    كيف اكتشف المتحف البريطاني بعد عامين سرقة مجوهرات وبيعها على موقع التسوق "إيباي"؟    الغضب يؤذي القلب وقد يقتلك .. كيف؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هلْ تُطْفِئُ نَارُ سِجْنِ عُكَاشَة "نِيرَان فَضِيحَة خُدَّام الدَّوْلَة"
نشر في هسبريس يوم 01 - 08 - 2016

اسْتطاعتْ القوَّاتُ الأمْنيةُ المغربية، يوم الخميس 28 يوليوز 2016، قُرابَةَ الحاديةَ عشْرةَ ليلا، إخْمادَ نار التَّمرُّدِ التِّي اندلعت في مركز الإصلاح والتَّهذيب، داخل إصلاحية عين السبع بسجن عكاشة (التمرد بدأ على الساعة الثامنة والنصف ليلا)، المُتَمرِّدون تَقِلُّ أعمارُهم عن 18 سنة، وهذه الفئةُ العُمرية من القاصرين هيَ التي تُشَكِّلُ قاعدةَ المُتَورِّطين في ما بَاتَ يُعْرفُ في المغرب بظاهرة "التشرميل" و"الكريساج"، والتي طَفَحَ كَيْلُها مُؤخَّرا جَرَّاءَ الاعتداءاتِ الخطيرةِ على أرْواحِ وممتلكات المواطنين، وبالتالي احتجاجُ الشارع المغربي بمختلف مُكوناته، واسْتِنكاره لتنامي العُنف والجرائم المُتسلسِلة، وقد تُوِّجَ الاحتجاج بقيام نشطاء حقوقيين بكتابة رسالة من الشعب المغربي إلى ملكه محمد السادس، وفتح عريضة إلكترونية لجمع التوقيعات تزامنا مع حملة "‫زيرو كريساج" للمطالبة بتوفير الأمن.
أحْلام المندوبية العامة لإدارة السُّجون وإعادة الإدماج:
بالرجوع إلى الرؤية الاستراتيجية المُستقبلية للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، يمكن القول إنها تُشكِّلُ تصوُّرًا مُشْرِقا لوظيفة المُؤسَّسة السِّجْنية، كمرفق عمومي تتجاوز وظيفتُه رَدْعَ المجرمين عبر تطبيق العقوبات السَّالبة للحرية، إلى مؤسسة تربوية تُعيدُ تأهيل السّاكنة السِّجنية للاندماج الإيجابي في المجتمع، مع الأخذ في الاعتبار المُقاربة الحقوقية والمستجدَّات الدَّولية من دمقرطة السجون، وتَبَنِّي الحكامة الجيدة في التدبير، باعتماد معايير مقاربة النوع، والتَّفييئ (الفئات الهشَّة كالمعاقين وذوي الأمراض المُزمنة، النساء المرفقات بأطفالهن، القاصرين..) والتَّصنيف حسب الجرائم وحالات العود، والتحفيز بمتابعة الدراسة أو تعلم مهنة، أو ممارسة نشاط تربوي هادف... وغيرها من الأحلام الجميلة "خيرا وسلاما".
السُّجون المغربية أكبر مصنع لإنتاج الجريمة:
الاكتظاظ الخانق، سوء المعاملة، التمييز واستفحال الرشوة، الاعتداء والاغتصاب الجنسي، تجارة وتعاطي المخدرات، عدم تفعيل البرامج التربوية، هشاشة التغطية الصحية والاحتجاج على تردي الخدمات.. هي بعض أعطاب واختلالات المؤسسة السجنية، إضافة إلى الأوضاع المزرية لموظفي السُّجون البُسَطاء (لا الصِّغار) الذين يتحمَّلون الأعباء الجسيمة في ضمان وتأمين السير العادي لْلمَرْفِق السِّجْني نهارا وليلا، حَرًّا وقَرًّا، مُقابِل رواتب "صغيرة" لا تستجيب لمتطلبات الحياة الأساسية، مُعظمهم يشتغِل بعيدا عن سُكناه ولا يمتلك وسيلة نقل، ويصل إلى عمله ويُغادِرُه إما في سيارات الأجرة إن توافرت أو بالأوطو سطوب..
ناهيك عن شطط بعض مدراء السجون وبعض الترقيات تتم بالولاءات والعلاقات، لا الكفاءات والاستحقاقات، زيادة على ضبابية الحركة الانتقالية..، باختصار يجب تطهير المندوبية العامة لإدارة السجون من الفساد الذي يُعشش في مفاصلها، وتكفي الإشارة إلى تجارة العفو الملكي التي سبق أن تحدثنا عنها في مقال "زيرو كريساج" حيث يستغِلُّ بعض المسؤولين ثقة الملك وكرمه، ويُتاجِرون بقضية العفو، التي تعتبر من التقاليد العريقة في "الصَّفْحِ المَلَكي" عن بعض السجناء الذين تابوا وحسُنت توبتهم، لا حصول مجرمين على العفو مُقابِل رشاوى، بينما يُواصل الذين أثبتوا حسن سيرتهم، مُدَّة العقوبة حتى نهايتها، ممَّا يضرب مبدأ الحكامة الجيدة في الصميم، وتُصْبِح من لغو القول وفَرْقَعَة الألفاظ.
لا أريد تفصيل القول في أعطاب تدبير المؤسسة السجنية المغربية، لوجود عوائق أخلاقية (أكسيولوجية) وعوائق معرفية (إبستيمولوجية)، وهو ما يحيل دون تحقيق الأهدف التربوية المُسطَّرَة، وإذا كانت العوائق المعرفية يمكن التغلب عليها بالتعليم والتكوين، فإن الإشكالية الكبرى في العائق الأخلاقي الذي يرتبط بالضمير اليقِظ، والحلُّ هنا هو الصرامة القانونية تُجاه المسؤولين الفاسدين، وسأضرب مثالا مُضحكا، وهو ما يعرف بالتدبير المفوَّض للوجبات الغذائية في السجون؟ والكلفة المالية الباهظة التي يستنزفها، وغيرها من المصاريف التي يمكن الإفادة منها في برامج للتربية والإصلاح، - ماذا يفعل السجناء؟ يجب إسناد مهام الطبخ للسجناء لتأهيلهم للحياة، وملء وقتهم بما ينفعهم وينفع الوطن من خلال برامج تكوينية وتأهيلية جادَّة، كيف لا وجنودنا الأشاوس يقومون بإعداد وجباتهم وتنظيف ملابسهم بأنفسهم في الصحراء المغربية (الحِزام الأمني) في نيران الصيف وزمهرير الشتاء، في الوقت الذي يَحْكي شهريار أن بعض السجناء النافذين يعيشون في غرفهم السّجْنية مُتّكئين على الأرائك، رُفقة وِلْدَانٍ جانِحين للإمتاع والمؤانسة والخدمة.
يا نار كوني بردا وسلاما:
ما حدث في سجن عكاشة من طرف قاصرين متمرِّدين أضرموا النار وألحقوا أضرارا بممتلكات ووثائق وأجهزة المؤسسة السّجنية، مخطِّطين لفرار جماعي، مسألة خطيرة، زيادة على تعنيف والاعتداء على موظفي السجن وقوات الأمن والقوات المساعدة وعناصر الوقاية المدنية، والمساس بهيبة الدولة والاستخفاف بالقانون، وغيرها من مظاهر الفساد الجُرمي التي تستدعي تفعيل القانون ضدَ الجُناة، وفتح تحقيق متعدد التخصصات، في إطار المقاربة التشاركية التي دعا إليها محمد صالح التامك المندوب العام لمندوبية إدارة السجون.
السيد التامك عبَّر أكثر من مرة عن العوائق والعراقيل التي تواجه إصلاح فضاء السجون، وأبرزها غياب المقاربة التشاركية، حيث يُلقي المجتمع بمعضلة تربية وتأهيل المجرمين إلى "المندوبية" التي يتوهم الكثير أنها لوحده ستجفف الجريمة من المغرب بالنيابة والوكالة عن المجتمع، وهذه مغالطة كبرى، لأنفي الحل يقتضي انخراط الجميع بدءا من الأُسَرِ، والسلطات الحكومية، والمؤسسات التعليمية، وهيئات المجتمع المدني، والإعلاميين، والباحثين في العلوم الإنسانية وعلى وجه التحديد السوسيولوجيين والسيكولوجيين المغاربة، والأخذ بدراستهم وأبحاثهم المرتبطة بعلم الإجرام.
نقطة أثارت انتباه العديد من المتبعين لهذا التمرد في سجن عكاشة، هي استخدام المتمردين للحجارة، علما أن مركز الإصلاح مجهز بكاميرات المراقبة.. فمن أين جاءت الحجارة؟؟
اعتبر بعض المُعلقين على "تمرد سجن عكاشة" في موقع هسبريس الحدث جملة وتفصيلا، مجرد نارٍ لِإِلْهاء المواطنين عن النيران التي اشتعلت وأخذت ألسنتها تحصد "خُدَّام الدولة"، ومن المعلقين والفايسبوكيين من غَاصَ وتبحَّر في الحديث عن مكر اشتغال الإيديولوجيا وآلياتِها في تزييف الواقع وقلب الحقائق، وتكرَّرت الأسئلة التي طرحها الملك محمد السَّادس في خِطاب الذِّكرى الخامسة عشر لتَولِّي سُدّةَ الحُكم في المغرب من قبيل: "أينَ الثَّرْوة؟ وهلِ اسْتفَادَ مِنها جميع ُالمغاربة، أم أنَّها همَّتِ بعض الفئات فقط؟".
الملك محمد السادس ومحاربة الفساد والتفاعل مع المعارضة الفايسبوكية:
يواصل الملك تطهير المغرب من الفساد الشامل، بعزيمة لا تلين من أجل بناء دولة ديمقراطية، دولة المؤسسات والحق والقانون، والرغبة في تغيير وجه ووجهة المغرب نحو الحداثة دونما تفريط في الجذور، واللحاق بالدول الصاعدة، بمجهوداته الجبارة في الصيف والشتاء، في المدن والبوادي النائية، في الداخل والخارج، والمُتتبِّع للخطب الملكية، سيلاحظ تكرار الحديث عن معضلة الفساد، التي يدعو الملك إلى ضرورة مكافحتها، وبهذا الصدد يمكن الإشارة إلى خطاب الذكرى ال61 لثورة الملك والشعب، حيث قال محمد السادس إن"اللحاق بركب الدول الصاعدة لن يتم إلا بمواصلة تحسين مناخ الأعمال، ولاسيما من خلال المضي قدما في إصلاح القضاء والإدارة، ومحاربة الفساد، وتخليق الحياة العامة، التي نعتبرها مسؤولية المجتمع كله، مواطنين وجمعيات، وليست حكرا على الدولة لوحدها".
غير أن خطاب العرش الذي ألقاه الملك يوم السبت 30 يوليوز 2016، سيشكل انعطافة فارقة في الخطب الملكية، أسلوبا وأسلوبية ومضمونا ونبرة، وسأعود في مقال لاحق لتفصيل القول في جغرافية هذا الخطاب الملكي اعتمادا على علوم تحليل الخطاب، وبالأخص نظرية أفعال الكلام ولسانية الجملة ضمن الخطاب.
تضمن خطاب العرش مجموعة من النصوص، تناولت مواضيع متنوعة ومتماسكة، تصب في مصلحة المغرب والمغاربة، من بينها نص خصصه الخطاب الملكي لمحاربة الفساد، أعلن فيه الملك:
"مفهومنا للسلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله: في الانتخابات والإدارة والقضاء، وغيرها. وعدم القيام بالواجب، هو نوع من أنواع الفساد.
والفساد ليس قدرا محتوما، ولم يكن يوما من طبع المغاربة، غير أنه تم تمييع استعمال مفهوم الفساد، حتى أصبح وكأنه شيء عادي في المجتمع، والواقع أنه لا يوجد أي أحد معصوم منه، سوى الأنبياء والرسل والملائكة.
وهنا يجب التأكيد أن محاربة الفساد لا ينبغي أن تكون موضوع مزايدات.
ولا أحد يستطيع ذلك بمفرده، سواء كان شخصا، أو حزبا، أو منظمة جمعوية. بل أ كثر من ذلك، ليس من حق أي أحد تغيير الفساد أو المنكر بيده، خارج إطار القا نون.
فمحاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع: الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضر ب بقوة على أ يدي المفسد ين.
والمجتمع بكل مكوناته، من خلال رفضها، وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها، مع استحضار مبادئ ديننا الحنيف، والقيم المغربية الأصيلة، القائمة على العفة والنزاهة والكرامة".
يمكن تقسيم هذا النص إلى الفقرات التالية:
"مفهومنا للسلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله: في الانتخابات والإدارة والقضاء، وغيرها. وعدم القيام بالواجب، هو نوع من أنواع الفساد".
بمعنى أن الملك يُحدد المهمة المركزية للسلطة في المغرب المعاصر في محاربة الفساد بكل أشكاله، وتطهير المؤسسات المغربية من الفساد، وهنا قام الملك بتصحيح مفهوم السلطة، باعتماد لآلية التعريف، وضرب أمثلة واقيعة، الفساد في الانتخابات، الفساد في القضاء، أيضا عدم القيام بالواجب هو صنف من أصناف الفساد.
"والفساد ليس قدرا محتوما، ولم يكن يوما من طبع المغاربة، غير أنه تم تمييع استعمال مفهوم الفساد، حتى أصبح وكأنه شيء عادي في المجتمع، والواقع أنه لا يوجد أي أحد معصوم منه، سوى الأنبياء والرسل والملائكة".
النبرة الملكية هنا صارمة، وفي نفس الوقت متفائلة بإمكانية القضاء على الفساد، لأنه ليس قضاء وقدرا محتوما، كما يدعي بعض المتشائمين وضعاف النفوس والانتهازيين، أن محاربة الفساد في المغرب مستحيلة، بهدف التعايش والتطبيع معه، والاستفادة من "ريعِ الفساد" ، بل إن الفساد لم يكن تاريخيا من خِصال المغاربة، وقد أردف الملك جملة ذكية تربط المسؤولية بالمحاسبة، ورفع القداسة والعصمة والحصانة عن كل من يتورط في الفساد، إذ لا يوجد أي أحد معصوم منه، سوى الأنبياء والرسل والملائكة.
"وهنا يجب التأكيد أن محاربة الفساد لا ينبغي أن تكون موضوع مزايدات".
عدم الرُّكوب على ملف محاربة الفساد لأغراض دنئية، خصوصا وأن شعار محاربة الفساد هو من المَسْكوكات اللغوية التي تحظى بجاذبية لدى الجميع، لحمولتها الوجدانية، ودغدغتها للمشاعر، وبدل الشعارات الرنانة يجب الانتقال إلى مكافحة الفساد ضمن المرجعية القانونية التشاركية.
"ولا أحد يستطيع ذلك بمفرده، سواء كان شخصا، أو حزبا، أو منظمة جمعوية، بل أكثر من ذلك، ليس من حق أي أحد تغيير الفساد أو المنكر بيده، خارج إطار القانون.
فمحاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع: الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضر ب بقوة على أ يدي المفسد ين".
الجملة الثانية شارحة ومتتمِّمة للجملة الأولى في كون محاربة الفساد هي مسؤولية الدولة والمجتمع، وتتطلب تضافر المجهودات بين كل المؤسسات والهيْآت والمجتمع المدني والإعلام، لكن في إطار القانون، وعدم التساهل مع المفسدين.
" والمجتمع بكل مكوناته، من خلال رفضها، وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها، مع استحضار مبادئ ديننا الحنيف، والقيم المغربية الأصيلة، القائمة على العفة والنزاهة والكرامة".
إن مكافحة الفساد تتطلب مقاربة تربوية استباقية، وليس فقط معاقبة المجرمين، ويتأسس العلاج التربوي في تربية المواطنين على العفة، والنزاهة والكرامة، ضمن المرجعية الدينية التي تجرم الفساد وتتوعد المفسدين بأشد العقاب، وأيضا بالانفتاح على القيم المغربية التي أصبحت أثرا وذكرى جميلة تحتاج إلى انبعاث جديد، وهي وظيفة الأسرة والمدرسة والإعلام، علما أن هذه القيم تتسم بالحياة والمرونة والانفتاح على ماهو كوني من استلهام القيم الإنسانية المناهضة للفساد.
في مقالنا السابق " سُؤالُ المَلِكِ: أيْنَ ثَرْوَةُ الشَّعْب؟ الجَوابُ: اخْتَطَفَها خُدَّامُ الدَّوْلة؟" تحدثنا عن فضيحة تجزئة خدام الدولة، التي تورط فيها العديد من السؤولين الكبار من رجال دولة وسياسيين، إضافة إلى شخصيات محسوبة على الفكر والتشدق بمحاربة الفساد، لذلك لا بد من تحريك المتابعة القضائية في حق المتورطين، تفعيلا للتعليمات الملكية في محاربة الفساد، وعدم السماح بالتطاول على ممتلكات الدولة، وهذا الملف لن يُطوى ويصبح نسيا منسيا، على غرار الملفات في ما مضى من زمن مغرب الأمس، لأن المغاربة اليوم يمتلكون وعيا ونضجا ويرفضون العبودية والفساد والاستبداد، ومغاربة العالم الأزرق يشكلون معارضة فايسبوكية ضخمة، مما يجعل قضية خدام الدولة أشبه بكرة الثلج كلما دحرجتها مقالات هسبريس ومواقع التواصل الاجتماعي إلا وزاد حجمها.
خدام الدولة أم خدام الشعب؟
"المفهوم الجديد للسلطة يعني المساءلة والمحاسبة، التي تتم عبر آليات الضبط والمراقبة، وتطبيق القا نون" هذا ما ورد في خطاب العرش الأخير، وبالتالي لا بد من المساءلة والمحاسبة وتطبيق القانون، حتى يعلم الجميع أم المغاربة سواسية، أكثر من ذلك على كبار المسؤولين أن يُكرسوا أنفسهم لخدمة الشعب، إسوة بالملك محمد السادس الذي يصف نفسه دائما ب"الخديم الأول للشعب"، لأن الشعب هو مصدر السلطة، يقول الملك في نفس الخطاب: "المواطن هو الأهم في العملية الانتخابية وليس الأحزاب والمرشحين، وهو مصدر السلطة التي يفوضها لهم، وله أيضا سلطة محاسبتهم أو تغييرهم، بناء على ما قدموه خلال مدة انتدابهم".
وحتى لا يعتقد أي مسؤول أمني أنه فوق المحاسبة، يقول الملك: "يتعين مواصلة تخليق الإدارة الأمنية، وتطهيرها من كل ما من شأنه أن يسيء لسمعتها، وللجهود الكبيرة، التي يبذلها أفرادها، في خدمة المواطنين.
باختصار الملك مواكِب الأحداث والوقائع المغربية، ولا يعتمد فقط على مستشاريه وتقارير مؤسسات الدولة، بل يتابع مجريات الأمور في الواقع الميداني والفضاء الافتراضي، وخير مثال على ذلك، تعليماته لقوات الأمن لمكافحة العنف والجريمة، وأيضا الأوسمة الملكية الأخيرة التي خصَّها للمفكرين والمبتكرين والأساتذة المبدعين والتلاميذ المجدين، وعدم تكرار بعض الأوسمة الطائشة التي احتج عليها الفايسبوكيون والتي استفاد منها بعض الفنانين لمرتين متتاليتين، وهي مسألة تحتاج فتح تحقيق في ملف الأوسمة الملكية إزاء الذين يُرشِّحون أشخاصا للملك محمد السادس مستغلين ثقته وكثرة أعبائه الداخلية والخارجية، على غرار ملف المرشحين للعفو الملكي.
الملك قريب من الشعب:
كشف خطاب العرش أن الملك قريب من الشعب، حيث قال: "ما أريده لكل المغاربة أينما كانوا في القرى والمدن، وفي المناطق المعزولة والبعيد ة، هو تمكينهم من العيش الكريم في الحاضر، وراحة البال والاطمئنان على المستقبل، والأمن والاستقرار على الدوام"، وبالتالي لم يعد في المغرب "زبانية" يسرقون المغرب ويُهدِّدون المغاربة، لقد ولى زمن "الرِّيع المخزني". كلنا في وطننا في خدمة الوطن لا سرقته، كل المغاربة يستحقون العيش الكريم، في أمن وراحة بال.
ختاما الشكر والامتنان لكل قوات الأمن المغربية، نشعر بجسامة المهام التي يقومون بها، لينعم الوطن والمواطنين بالاستقرار والأمن والأمان، وننحني لهم باحترام لتضحيتهم بحياتهم لمكافحة الجريمة والعدوان، وما أكثر شهداء الواجب الوطني الذين ماتوا فداء للمغرب والمغاربة، من شرطة، درك، جنود،قوات مساعدة، وقاية مدنية.. وتركوا أسرهم في دور الكراء برواتب هزيلة، هؤلاء هم خدام المغرب الأوفياء الذين لا يبنزُّون الوطن دون خجل أو حياء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.