نفصل الفنون (قصدنا هنا السينما) عن روحها النابض ونعتقد أننا نحلل؟ نشخص؟ بل وحتى نفسر؟ آخر ما يمكن الحديث عنه بعد السياق هو مراكش السينمائية فهي ليست أكثر من مظهرٍ لبنيةٍ مُتأزِّمة : المشاكل ... نحن لا نناقش منها إلا أعْراضها الخارجية، أما الجوهر فالعمى يحول بيننا وبينه. الأساسي هو: الكرامة = التنمية الاقتصادية وخلق الثروات، التحضُّرُ = التعليم والإعلام والتربية، المسؤولية المدنية والثقافة = الحريات الفردية، الغيرية وثقافة الاعتراف وصيانة المستقبل = المرأة، الطفل، الشباب، الشغل. عندها سينطلق قطار التنظيف والتصحيح والاسترجاع تلقائيا وبرصانة على الطريق الصحيح، وستَبُورُ الأكاذيب والسمسرة والسذاجة والنصب والاحتيال .... وستُبنى المسارح والمكتبات ودور السينما الكافية لتملإ الفراغ الهائل اليوم في: التربية وإعادتها، التنشئة الاجتماعية وتتميمها، التربية الذوقية ونشرها، التربية السياسية وتعميمها، دعم حركات التمدين والعصرنة وتقويتها في الحياة العامة والمشتركة، التوعية بفنون العيش وفوائدها، نشر المعرفة وقيم البحث والتنقيب والمقارنة وآفاقها، زرع عقلية الفضول والدهشة والتثاقف وعمقها، نعم فالفيلم والمسرحية والكتاب، كلها ووحدها ترياقٌ لكل العمى الذي أصابنا، فغدونا نصرُخ كالأطرش (ولو بلغة عربية أو أجنبية محذلقة ومرصوصة البنيان والدلالات) أمام أعراضٍ لا يمكن تجاوزها إلا بالغوص عموديا وبالمسح أفقيا، بهدف رُؤية البنية كلها التي يسكنها الخلل في الترصيص العام وليس في النظرة التجزيئية. لنعد إلى الثقافة وفي سياقها أتحدث عن السينما ولا سياق غير ذلك. بين القطاعات العمومي والجماعي والخاص وشبه العمومي والمكاتب الوطنية والشركات الخاصة الكبرى ومليارديرات المغرب هناك من المبادرات الممكنة الآلاف. لو بَنَى كلٌّ منهم ومرة واحدة في الحياة، قاعة للمسرح أو للسينما أو للكتب، وألحق بها ميزانية للتَّسْيير لسنةٍ واحدةٍ. هذه الميزانية تغطي مصاريف مسؤول شاب يتولى تسييرها على قاعدة تكوينٍ مُلائم ومتابعة له، على أن تنهض القاعة بأنشطة منتظمة وقارة ببرنامج مضبوط بالمقابل المُيسَّر لضمان مصاريف الصيانة، لو حدث هذا ((الحلم؟ لا ليس حلما بل هو أكثر من الممكن)) لتبخَّر الأساسي من مشاكل الفن والإبداع، يتبخَّر بسبب الانتاج المنتظم وظهور تقليد الذهاب للاستمتاع بالمنتوج الفني والثقافي )) عدا ذلك، سيبقى دبلوم الجامعات والمدارس العليا ( والبادجات الواعرين ) من الفيزياء إلى الدراسات الإسلامية مرورا بالنووي، وستبقى البطاقات المهنية من البلومبيي إلى السينما مرورا بهندسة جيولوجيا المريخ، تُزَفُّ بِالنَّكّافة، وتُعْرضُ على المَلأ بفرحة من أُهدِيَ له "كابُوس" ماءٍ يوم عاشوراء سيرش به الناس وهو يخطو أعرجاً بحِذاءِ جديدٍ سلخ قدمه لأنه "عديم الجودة". لو كانت هناك رؤية شمولية للنهوض بالسينما المغربية انطلاقا من دمجها في استراتيجية وطنية شاملة للتنمية وتطوير الصناعات الثقافية، وذلك بهدف بناء مجتمع حديثِ البنيات، لوُلد مهرجان مراكش الدولي للسينما من قبل بسنوات، ولكان هذا المهرجان عالميا ومُؤثرا ومُصنفا بقوته الإبداعية والثقافية والجمالية، وذلك انطلاقا من أصالته المغربية ومن قوة حضور المُبدع والمِهني الصانع المغربي العميق والجاد والمسؤول قبل غيره. )) هل الاصلاحات المجهضة قدرنا؟ لنتذكر الميثاق الوطني ثم الخطة الوطنية …. عقمٌ وتفاقُمٌ وتراجعٌ ... لا تعليق .... كفى من الصخب والضوضاء والصراخ. فمراكش في الواقع ليست مُثيرةٌ للأحزان إلا بقدر ما نجعلها فضاء جَحُودًا تجاه أهله مهما "لنا أساؤوا".