صلاحي السويدي رئيس منتدى الصحراء للحوار والثقافات يجتمع بالمديرة العامة للوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات    ارتفاع حصيلة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 36439 قتيلا    إحباط محاولة تهريب أربعة أطنان و46 كيلوغراما من مخدر الشيرا    بعد منع أسماء لزرق من الغناء بتونس.. فنانون مغاربة يطالبون ب"تطبيق المعاملة بالمثل"    الفنانة اللبنانية أميمة الخليل مسك ختام المهرجان الدولي للعود بتطوان    برشيد: غموض يكتنف قضية نفوق رؤوس الأغنام بجماعة المباركيين    المغرب – كوريا: بيان مشترك حول إطلاق مباحثات استكشافية لإرساء إطار قانوني للتجارة والاستثمار    أحمدي نجاد يترشح للانتخابات الرئاسية بإيران في انتظار قرار مجلس صيانة الدستور بشأنه    "الخالدون" و"آلة الفوز".. الصحف تتغنى بتتويج ريال مدريد ملكاً لأوروبا للمرة ال15    الجيش الملكي يواجه المغرب التطواني لحسم اللقب    الفتح واتحاد طنجة وجمعية سلا والمغرب الفاسي إلى نصف نهائي القسم الممتاز لكرة السلة    الفيفا تتفقد ملاعب اسبانيا المرشحة لاستضافة مونديال 2030    القافلة الطبية للتعاضدية العامة تصل محطتها الأخيرة ببوجدور    تحقيقات أمنية في طنجة تكشف جريمة دفن جثة في جدار منزل    آيت ملول.. توقيف سيدة يُشتبه تورطها في انتحال صفة ومزاولة مهنة ينظمها القانون    مباحثات بين بوريطة ونظيره الكوري تهدف إلى ضخ دينامية جديدة في علاقات التعاون بين البلدين    آيت طالب يبرز دور التحول الرقمي في تحقيق السيادة الصحية بإفريقيا    انطلاق أعمال القمة الدولية لريادة الأعمال ونهائي برنامج الإيسيسكو لتدريب الشباب بمجال التكنولوجيا    مسؤول: نأمل أن يتم تسريع وثيرة دراسات مشروع تّحلية مياه البحر لإنقاذ سقي 10 آلاف هكتار بتارودانت (فيديو)    الملك يشيد بالصداقة المغربية-الإيطالية    رغم الجفاف.. ارتفاع صادرات المغرب من الماء    السعودية تستضيف بطولة العالم للراليات لأول مرة في تاريخها "    صحيفة اسبانية: المغرب يستورد مزيدا من الأغنام الإسبانية وأسعارها تتراوح ما بين 2200 و4400 درهم حسب العينات (فيديو)    أبطال أوروبا.. أنشيلوتي سيد المسابقة القارية من دون منازع    الاكتظاظ بجامعة تطوان على طاولة ميراوي    أمير قطر يصل إلى العاصمة الإماراتية    الطالبي العلمي يمثل الملك في حفل تنصيب رئيس السلفادور    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    من هو طارق حمان المدير العام الجديد للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب؟    كوريا الشمالية تمطر جارتها الجنوبية بالقمامة والقاذورات    99 مليون مكسيكي يختارون أول رئيسة    تفاصيل جديدة حول الباخرة الاثيوبية بالجرف الأصفر.. 9 ساعات إنقاذ ومروحية قادمة مراكش كانت حاسمة في عملية الإنقاذ    خطوات مهمة يجب اتباعها إذا تعرض حساب بريدك الإلكتروني للاختراق    الجزائر تستغل ولايتها في مجلس الأمن لاستهداف مصالح المغرب    من هو محمد الشرقاوي الدقاقي المدير العام الجديد ل"لوطوروت"؟    بعد استبعاده من قائمة المنتخب.. عبد الحميد يكشف تفاصيل حديثه مع الركراكي    لقاء يستعرض دور الأسرة في السياسات    اليمين المتطرف الأوروبي والتقارب المتزايد مع إسرائيل    رحلة العائلة المقدسة: المسيح في مصر بين المصادر الدينية القبطية وخيال الرسامين الأجانب    ريال مدريد بطلا لدوري أبطال أوروبا للمرة الخامسة عشر في تاريخه    منظمتان تهتمان بتعزيز الحكامة الرقمية    تشيلي تنضم إلى جنوب إفريقيا في دعواها ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية    طنجة.. سيارة تدهس شخصا وسط البولفار وترديه قتيلا    الفلامينغو يمتع جمهور "باب الماكينة"    فاطمة الزهراء قنبوع تكشف رغبتها بتعلم الريفية: "كنحماق على الريافة، وكنموت على الريف"    إحياء لأعمال محمد عبد الوهاب ووردة بدار الأوبرا المصرية    افتتاح معرض ضخم للرسم على الجدران وسط موسكو    "المهرجان الدولي لفن السيرك وفنون الشارع" بتونس    الأمثال العامية بتطوان... (613)    المغرب يسجل 47 إصابة جديدة ب"كوفيد"    جهة الرباط تتصدر إصابات "كورونا" الجديدة    توديع فوج حجاج إقليم تاوريرت المتوجهين إلى بيت الله الحرام    وصول أولى طلائع الحجاج المغاربة إلى المدينة المنورة يتقدمهم حجاج الأقاليم الجنوبية    4 فوائد صحية محتملة للقهوة "رغم أضرارها"    "العلم" تواكب عمل البعثة الطبية المغربية لتقريب خدماتها من الحجاج في مكة والمدينة    عامل المضيق الفنيدق يستقبل الحجاج المتوجهين للديار المقدسة    «الموسوم الوجيه بأعلام آل الشبيه» : كتاب يتتبع مسار العائلة والزاوية الإدريسية لثلاثة قرون    أول مغربية تقاضي أسترازينيكا تصف الحكم القضائي بالتعويض المالي بالمنصف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اشتهاء نساء إفريقيات لأكل الطين يحيّر العلماء
نشر في هسبريس يوم 21 - 12 - 2016

عندما كانت البائعة بياتريس أثيامبو تسحب غطاء بلاستيكيا من فوق الكشك الذي تبيع فيه كان هناك زبائن من النساء ينتظرن بالفعل الشراء.
هؤلاء النساء في أحد أسواق العاصمة الكينية نيروبي انتظارا لشراء الطين ليأكلنه.. نعم، إنهن يأكلن الطين.
يباع هذا الطين مكبوسا بقوة تجعل بعضه يبدو وكأنه صخر والبعض الآخر يبدو وكأنه شبه مسحوق. في إفريقيا ينتشر ما يعرف ب"أكل الأرض" أو أكل الطين، خاصة بين النساء الحوامل.
وهناك تباين شديد بين التقديرات بهذا الشأن، حيث أظهرت عدة دراسات مختلفة أن 28 إلى 84% من النساء الحوامل في إفريقيا يلجأن إلى أكل منتجات تحتوي على الكثير من الطين.
بعض هؤلاء النساء يجمعن بأنفسهن هذا الطين الذي يأكلنه من المحاجر الصغيرة التي تنتج جراء تشقق الصخور، وبعضهن يجمعنه من تلال النمل أو من قيعان الأنهار، وهناك نساء يشترين كرات الطين من الأسواق أو السوبرماركت التي تعرض هذه الكرات الطينية غالبا في شكلها المحروق؛ وهو ما يجعلها تبدو وكأنها أحجار متكتلة، كهذه الأحجار التي تبيعها بياتريس في نيروبي على سبيل المثال والتي يكاد يعرف الجميع كشكها هنا في سوق توا بنيروبي.
على من يريد الوصول إلى هذا الكشك أن يرتاد العديد من الحارات الضيقة في نيروبي مزاحما الزبائن ومارا بشتى البضائع المعروضة في أكشاك هذه الحارات من بنطلونات ووزرات وأصص للزهور وكشافات مدلاة من أسقف من الصفيح إلى أن ينتهي المقام بهذا الزبون ليقف أمام كشك مكتوب عليه "ماو يا كولا" والتي تعني باللغة السواحلية "أحجار للأكل".
هناك في هذا الكشك قوالب رمادية برتقالية اللون ولينة تتلاشى عند وضعها في الفم لتصبح رمالا دقيقة الحجم. وهناك أيضا القوالب الرمادية الأكثر خشونة وصلابة؛ وهي قوالب كانت ستستخدم في الأصل في البناء لولا أنها وصلت هنا إلى دكان ماما أثيامبو، حسبما قال النجار أيوب أوديامبو ضاحكا والذي يعمل في هذا الكشك المجاور لكشك بياتريس أثيامبو ويساعدها أحيانا في تفريغ أجولة الأحجار الثقيلة.
تشتري أثيامبو بضاعتها مباشرة من حفرة في أجولة يزن الواحد منها نحو 100 كيلو غرام، ثم تقوم أثيامبو بتقطيع هذه الأحجار التي بحجم قالب الطوب باستخدام منجل إلى قطع بحجم التفاحة. وتبيع الواحدة منها بخمسة شلن كيني، أي ما يعادل خمس سنتات من اليورو. ويبلغ سعر القطع الأصغر 3 شلن كيني؛ فيما تباع الكسيرات المتبقية والناتجة عن تفتيت هذه الأحجار بشكل أساسي للزبائن الأساسيين لأثيامبو واللاتي يتسلين عليه أثناء تبادلهن حديث الصباح عن شؤون الآخرين.
خطرت فكرة هذا الدكان على بال أثيامبو قبل أربع سنوات؛ لأنها نفسها كانت تحب أكل الطين.
ولكن السؤال الآن: لماذا يتناول هؤلاء الناس التربة طعاما لهم؟ وبعضهم يأكله بكميات تصل إلى عدة مئات من الكيلوغرامات يوميا؟
استطلعت مجموعة من الباحثين تحت إشراف روت كوتاليك، الباحثة في علم الإنسان الطبي في جامعة فيينا، آراء عدد ممن يأكلون الطين.
قال الباحثون إنه بالرغم من أن هذه الاستبيانات التي أجروها في أوغندا وكينيا لا تقدم نتائج يمكن اعتبارها شاملة وممثلة لجميع إفريقيا، فإنها تفتح أعين الباحثين على دوافع ومبررات لأكل الطين قلما انتبه إليها الباحثون، حسبما أوضحت كوتاليك.
استطلع الباحثون آراء 50 شخصا بشأن هذا الموضوع، رجالا ونساء، أولات حمل وغير حوامل، بالإضافة إلى أطباء استشاريين. وخلص الباحثون إلى أن هذه الظاهرة موجودة أكثر انتشارا بين النساء الحوامل واللاتي ذكرن أن رغبة جسدية لديهن لا يستطعن في الغالب تفسيرها هي التي وراء تناولهن هذه الكتل الصخرية.
وذكرت الكثير من الحوامل أن التربة تساعدهن ضد حالة الغثيان والحموضة التي تنتابهن صباحا، وأن روائح هذه التربة بشكل خاص ذات جاذبية لهن تشبه رائحة التربة المبللة عقب سقوط المطر أو رائحة لبنات الطين التي تم حرقها للتو.
عن ذلك، تقول الإفريقية جويس أندالو، التي تعد زبونة دائمة لدى نيكولاس موتيسيا الذي يبيع الأحجار في سوق توا إلى جانب شباشب وحقائب وحبال غسيل: "إنه يصيب بالإدمان، يسيل لعابي عندما أراه".
وكانت أول مرة تتذوق فيها أندالو التي تبلغ من العمر الآن 34 عاما هذه القوالب الطينية عندما كانت لا تزال فتاة صغيرة في السن، حيث اشترت أمها بعض هذه القوالب.
تقول أندالو إنها تحاول اليوم رؤية هذه الوجبة الخفيفة من الطين على أنها مكافأة مثلها مثل كوب من الجعة بعد يوم عمل شاق، حيث تأكل هذه القطع الحجرية اللذيذة لها عقب وجبة العشاء أو الغداء أو بينهما.
وأضافت أندالو إنها أكلت خلال آخر حمل لها أربع إلى خمس قطع من هذه القوالب الكبيرة، مضيفة بشيء من الحيرة: "يوميا".
هذه الظاهرة كثيرة الانتشار، حيث تأكل ماري جيتونجا على سبيل المثال هذه القطع الطينية اليابسة منذ نحو أربع سنوات وتأكل نحو نصف قطعة يوميا في الوقت الحالي، مشيرة إلى أن شهيتها لهذا الطين ازدادت أثناء الحمل.
وإذا كان بعض الباحثين يرجحون نقص الحديد كسبب أساسي لظاهرة أكل الطين، فإن باحثين من جمهورية غيانا الفرنسية قالوا إنه بالرغم من عدم ثبوت هذه الفرضية علميا فإن هناك الكثير من المؤشرات على صحتها، كما أن المواد التي تحتوي عليها التربة الطينية يمكن أن تقي من تسممات.
ويأكل الإنسان الطين منذ الأزل، حيث اكتشف باحثون من جمهورية غويانا الفرنسية على الحدود بين زامبيا وتنزانيا شرق إفريقيا أن الإنسان الذي عاش في الفترة ما بين العصر الجيلازي والعصر البليستوسيني كان يجمع أنواعا خاصة من التربة ويأكلها.
وحسب هؤلاء الباحثين، فإنه قد عثر في مناطق حفر أوربية أيضا على أسنان تعود إلى العصر الحجري الحديث عليها آثار تآكل جراء تناول هذه الأحجار.
وقالت كوتاليك، الباحثة في علم الإنسان الطبي بجامعة فيينا، إن أكل الطين كان منتشرا في أوربا حتى مرحلة متقدمة من العصر الحديث وإن هذه الظاهرة لا تزال موجودة في أجزاء في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية والهند وبلدان إفريقية.
وحسب كوتاليك، فإن هناك في أوربا محلات سوبر ماركت معروفة بغرائب الأطعمة تبيع الطين المخصص للأكل؛ ولكنه من غير المعروف عدد الناس الذين يتناولون هذا الطين فعلا.
يعالج سامسون مابوغا فانيالا، طبيب النساء والولادة في مستشفى نيروبي بكينيا، يوميا نساء اعتدن أكل الطين ويفسر شهيتهن للطين كالتالي: "هذا رد فعل نفسي للجسم تجاه شيء ينقصه".
ورأى الطبيب فانيالا أن النساء يلجأن إلى أكل الطين، لأنهن يحتجن إلى الكثير من الكالسيوم.
ويمارس هذا الطبيب مهنته منذ سبعينيات القرن الماضي في كينيا، ويقول إن ظاهرة تناول الطين موجودة في المدينة والقرية على السواء، وإن استهلاكه لم يتغير على مدى العقود الماضية.
ويوضح فانيلا أن أكل الطين ينطوي على مخاطر للنساء؛ "فبينما ترضي هذه النساء شهوتها من خلال تناول الطين فإنهن يصبن في الوقت ذاته بأنواع من العدوى".
وأشار المتحدث إلى أن البضاعة لا تعامل بشكل نظيف وتوضع متناثرة على الأرض كأنها مواد بناء؛ وهو ما يجعل الإصابة بحالات الإسهال والأمراض الديدانية أمرا غير نادر بين النساء اللاتي يأكلن الطين.
ومن جانبها، أوضحت كوتالك أنه لا توجد دراسات علمية يعتمد عليها عن تأثير الطين على الجسم الإنساني؛ ولكن من الواضح أن الكثير من هذه الأنواع من الطين تحتوي على معادن ثقيلة، ربما تكون ضارة بالصحة؛ بل إن باحثي غويانا يعتقدون أن الطين يزيد نقص الحديد سوءا، ويؤدي إلى الإصابة بتسممات ويحذرون من تناوله.
ومع ذلك، فإن أندالو، وهي أمّ لاثنين من الأبناء، لا تزال متمسكة بقوالبها الطينية الحجرية. وقالت أندالو إنها أقلعت عن تناول الطين فترة قصيرة أثناء حملها الأخير عندما أعطاها طبيبها مكملا غذائيا؛ "ولكن ذلك استمر بضعة أشهر فقط عقب الولادة.." حسبما قالت أندالو ضاحكة ومنتشية بتناول قطعة طين في حجم حبة الجوز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.