منظمة حقوقية تدخل على خط ملف "الأساتذة الموقوفين"    معرض هواوي العالمي "XMAGE" ينطلق لأول مرة بعنوان "عالم يبعث على البهجة"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    كأس العرب…قطر تستضيف النسخ الثلاث المقبلة    المنتخب المغربي للفتيات يقصد الجزائر    الجيش الملكي ومولودية وجدة يواجهان الدشيرة وأولمبيك خريبكة للحاق بركب المتأهلين إلى المربع الذهبي    بلاغ جديد وهم من وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة    بينهما مقدم شرطة.. أمن الناظور يبحث مع شخصين يشتبه تورطهما في حيازة وترويج الكوكايين    الجديدة: حجز 20 طنا من الملابس المستعملة    لطيفة لبصير ضيفة على الإيسيسكو ب SIEL عن روايتها "طيف التوحد"    وفاة عازف الساكسفون الأميركي ديفيد سانبورن عن 78 عاما    رجوى الساهلي توجه رسالة خاصة للطيفة رأفت    معرض الكتاب يحتفي بالملحون في ليلة شعرية بعنوان "شعر الملحون في المغرب.. ثرات إنساني من إبداع مغربي" (صور)    تكلفة المشروع تقدر ب 25 مليار دولار.. تأجيل القرار الاستثماري النهائي بشأن أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب    احتدام المعارك في غزة وصفقة أسلحة أمريكية جديدة لإسرائيل بقيمة مليار دولار    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    حصيلة حوادث السير بالمدن خلال أسبوع    حملة للنظافة يتزعمها تلاميذ وتلميذات مؤسسة عمومية بالمضيق    علي بونغو يحتج على التعذيب في الغابون    عملاق الدوري الإنجليزي يرغب في ضم نجم المنتخب المغربي    مشروع "طنجة تيك" يخرج إلى النور.. التوقيع على اتفاقيات استثمارات صينية بقيمة 910 مليون دولار    رسالتي الأخيرة    الرئيس الروسي يزور الصين يومي 16 و17 ماي    بلينكن في كييف والمساعدات العسكرية الأمريكية "في طريقها إلى أوكرانيا"    كيف يعيش اللاجئون في مخيم نور شمس شرق طولكرم؟    لقاء تأبيني بمعرض الكتاب يستحضر أثر "صديق الكل" الراحل بهاء الدين الطود    دعوات لإلغاء ترخيص "أوبر" في مصر بعد محاولة اغتصاب جديدة    المنتخب المغربي يستقبل زامبيا في 7 يونيو    توصيات بمواكبة تطور الذكاء الاصطناعي    هل يتجه المغرب إلى تصميم المدن الذكية ؟    زنيبر.. رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان ثمرة للمنجز الذي راكمه في مجال النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها    شبيبة البيجدي ترفض "استفزازات" ميراوي وتحذر تأجيج الاحتجاجات    ميراوي يجدد دعوته لطلبة الطب بالعودة إلى الدراسة والابتعاد عن ممارسة السياسة    إسرائيل تقول إنه يتعين على مصر إعادة فتح معبر رفح مع قطاع غزة، والقاهرة تستنكر محاولات تحميلها الأزمة الإنسانية    رفع أسطول الطائرات والترخيص ل52 شركة.. الحكومة تكشف خطتها لتحسين النقل الجوي قبل المونديال        توقيع عقد للتنزيل الجهوي لخارطة طريق السياحة بجة الشمال    الأمثال العامية بتطوان... (598)    تاريخها يعود ل400 مليون سنة.. الشيلي تعيد للمغرب 117 قطعة أحفورية مهربة    الجامعة تعين مساعدا جديدا لطارق السكتيوي    قيمة منتجات الصيد الساحلي والتقليدي المسوقة ارتفعت لأزيد من 3,5 مليار درهم    الاتحاد الأوروبي يمنح الضوء الأخضر النهائي لميثاق الهجرة واللجوء الجديد    "الطابع" لرشيد الوالي يكشف عن مأساة مهاجر مغربي في رحلة بحث عن الهوية    القضاء يتابع مُقتحم مباراة نهضة بركان والزمالك    دار الشعر بمراكش تواصل الانفتاح على التعدد اللساني والتنوع الثقافي المغربي    هذا الجدل في المغرب… قوة التعيين وقوة الانتخاب    "أكديطال" تفتتح مستشفى ابن النفيس    "أطلنطا سند" تطلق التأمين المتعدد المخاطر منتوج "برو + المكتب"    بعد القضاء.. نواب يحاصرون وزير الصحة بعد ضجة لقاح "أسترازينيكا"    دعوات متزايدة عبر الإنترنت لمقاطعة مشاهير يلتزمون الصمت حيال الحرب على غزة    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    دراسة: البكتيريا الموجودة في الهواء البحري تقوي المناعة وتعزز القدرة على مقاومة الأمراض    لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟    الأمثال العامية بتطوان... (597)    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    الأمثال العامية بتطوان... (596)    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النيوبوشية المغربية : هل معارضة النظام حقيقة مطلقة؟
نشر في هسبريس يوم 26 - 06 - 2011

ظهرت من خلال النقاشات الدائرة على مواقع بعض المنابر الإلكترونية وعلى الفايسبوك والتويتر ثنائية غريبة يكون بموجبها كل من ساند الدستور المقترح وعبر عن مساندته للملك والنظام وتشبته بالوضع القائم مع بعض الإصلاحات على أنه بلطجي ومخزني وفاسد ويحمي نوعا من المصالح، أما من عارض وتظاهر في الشوارع ودعا إلى مقاطعة الدستور فهو إنسان صالح وتقدمي وديمقراطي ويصطف في صف الشعب والمظلومين .
فخديجة الرياضي حين اعترض سبيلها مواطنون في حي التقدم واستفزوها وتحرشوا بها وسلبوها حقها في التظاهر والتعبير ( وأنا بهذه المناسبة أتضامن معها فيما جرى لها و لا أؤيد بتاتا من يسلبها حقها في التعبير عن نفسها، رغم رفضي المطلق لأفكارها ومواقفها ) فهؤلاء مسخرون من طرف النظام، أي أنهم " بلطجية " تتحكم فيهم الدولةعن بعد ولا يمكن لهم أن يكونوا قد عبروا عن أي رأي سياسي معين لأنهم لا يفقهون شيئا وما لجوؤهم للعنف والتحرش إلا دليل عن ذلك. و أما إذا خرق المعارضون القانون وخرجوا للتظاهر دون ترخيص أو دعوا إلى مقاطعة الدستور رغم أن القانون صريح في هذا الباب، فلا حرج عليهم لأنهم يعبرون عن الرفض و المعارضة.
في إطار الحراك السياسي الحالي صار للرفض و المعارضة على مواقع بعض المنابر الإلكترونية وعلى الفايسبوك والتويتر قيمة إيجابية بينما صارت المساندة أو التموقع بين المنزلتين "لا قيم" يتم إدراجها في سلة نعوت المخزنية والبلطجية والفساد وغيرها. أن تعارض النظام فأنت تحمل حقيقة مطلقة، غير قابلة للنقاش و أن تسانده أو تنقده في إطار المشروعية فأنت تحمل نجسا فكريا و إيديولوجيا يجب عليك أن تكفر عليه إما بالسكوت أو بدخول معترك المعارضين، إن رضي عنك هؤلاء و برؤوك من من ماضيك الساقط أخلاقيا و إيديولوجيا. هذه ثنائية غريبة تنم عن مانوية جديدة ( neo-manicheism ) ترى الواقع السياسي في إطار نظرة تبسيطية تتجاذبه قوى الخير وقوى الشر، وتتداخل في ثناياه موجات ما هو أبيض ضد ماهو أسود. المانوية تقسم العالم إلى عالمين واضحين ، فإما أن تكون هنا و هناك ولا يمكن لك أن تكون لا هنا ولا هناك أو في أي طيف من أطياف اللامتناهي المتواجد بين الهنا و الهناك. كنا نظن أنه بعدما عرفه العالم من فلسفات ما بعد بنيوية وتفكيكية وما بعد حداثية قد تجاوزنا ثنائيات المانوية وفكرها التبسيطي و أخلاقياتها السادجة، ولكن هيهات فمعارضوا الوضع الحالي في الساحة السياسية المغربية أعادوا إدخالنا إلى مانوية جديدة على الطريقة المغربية مبنية على أن من عارض فهو امتلك حقيقة مطلقة لا نزاع فيها ومن ساند فقد دخل غياهب التدني الأخلاقي. أما من اختاروا لأنفسهم منازل بين المنزلتين فهم لا يعدون كونهم بلطجية متسترة تمارس التقية إلى حين استعمالهم من طرف الأخ الأكبر الذي يراقب الجميع عن بعد على الطريقة الأوروبية .
المانويون الجدد المغاربة – عفوا المعارضون المغاربة – ذكروني بمقولة الرئيس الأمركي السابق جورج واركر بوش في عز الحرب على الإرهاب حين كان يهدف إلى جر دول العالم إلى مساندة أمريكا :" إما أنكم معنا أو ضدنا". جورج بوش ينطلق من ترسانة المنظومة الأخلاقية الإنجيلية التي صنعتها وفبركتها جمعيات اليمين المتطرف في أمريكا من أمثال التحالف المسيحي وغيرها والتي لا ترى في العالم إلا صراعا أبديا بين الخير والشر، بين المسيح و اللامسيح ( anti -chrsit )، بين المسيحي الطاهر أخلاقيا و الآخر ( المسلم، العربي ، الإفريقي) المتدني أخلاقيا و فكريا وجنسيا. فهي تساند إسرائيل مثلا ليس لسواد عيون اليهود ولكن لكي تبقى قائمة كموطن يخرج منهم المسيح مرة ثانية (Second Coming) كما خرج منها قبل 20 قرنا. مافعله بوش هو نقل هذه المانوية الأخلاقية التي نسجت في كنائس اليمين المسيحي المتطرف إلى البيت الأبيض والسياسة الخارجية الأمريكية. لذا صار العالم حسب جورج بوش إعادة شبه حرفية لنظرة ريغان لإمبراطوريات الشر ( الإتحاد السوفياتي – إيران) وامبراطوريات الخير ( الولايات المتحدة والغرب).
النيوبوشيةneobushism) ) المغربية لا تعلن صراحة عن الأساس الأخلاقي لمانويتها ولكن "أخلاقنوية" (moralisante) حتى النخاع . أي أنها ترى في المعارضة نوعا من الخير، أي نوعا من الطهرانية الفكرية و الإيديولوجية، بينما ترى في المساندة شرا يتمظهر بمظاهر المخزن، والتبلطج، والإنبطاح الأخلاقي، ومعارضة المعارضين، والدفاع عن حق المغاربة في الذهاب إلى " موازين "... إلخ. فهي تقول للمغاربة، على الطريقة البوشية، "إما أنكم معنا أو ضدنا و إن كنتم ضدنا فأنتم ساقطين أخلاقيا و سياسيا ".
المشكل هو أن المعارضين ينبئون أنهم بمعارضتهم سيبنون مغرب ديمقراطيا عادلا. غير أن أبجديات الديمقراطية تقتضي احترام الرأي الآخر والإقرار بالأختلاف، والتعالي عن الشتيمة والقذف في الأشخاص، والإقرار بنسبية ما نقوله وما نفعله. عن أي ديمقراطية يتحدث هؤلاء؟ كثير من الأحزاب الشيوعية والثورية سمت نفسها بالديمقراطية وحين وصلت إلى الحكم قمعت معارضيها باسم الثورات الثقافية ( ماو) والتطهير الإديولوجي ( ستالين ) واجتثات الثقافة التقليدية ( بول بوت) والقيم البرجوازية (شوان لاي) لأنها كانت ترى هؤلاء شرا تاريخيا عالقا في جسم الثورة الطاهر. بعد الثورة في إيران والتي شارك فيها جميع معارضي النظام السابق، استولى الملالي على الحكم فقمعوا مجاهدي خلق والليبراليين وحزب تودة الشيوعي، لأنه لا ديمقراطية قبل تنقية الجسم السياسي إيديولوجيا. إذا الديمقراطية التي يقول بها النيوبوشيون المغاربة هي ديمقراطية في إطار سقف المعارضة، أي الاختلاف داخل الثورة وليس خارجها. إنها ديمقراطية المعارضين فيما بينهم، لأنه لا ديمقراطية مع قوى الشر والقوى الخارجة عن الإجماع الثوري. المشكل هو أن التاريخ علمنا أنه لا نهاية للتطهير الذي تباشره الثورة، فبول بوت قتل مليونين من الكامبوديين وكان مقبلا على مجازر أكبر لولا تدخل القوات الفيتنامية لطرد الخمير الحمر من الحكم، و لولا الحرب العالمية الثانية والتي خلقت متنفسا ثوريا أعطى الفرصة للزج بالملايين ليموتوا في جبهة القتال مع ألمانيا النازية، لكان ستالين قد خلق غولاغات على جميع التراب الروسي لتنقية الجسم السياسي فكريا و إديولوجيا. الثورة دائما تنتهي بأكل أولادها حين تدخل متاهات التطهير الإيديولوجي.
لذا أقول، أنه من أبجديات المغرب الديمقراطي الذي يتحدث عنه الجميع ولكن لا يطبقه على الأرض الواقع، هو الإقرار بأن للمغاربة الحق في تبني مواقف مساندة أو معارضة أو محايدة وأي خليط من هذه المواقف في حرية تامة. علينا كذلك أن نقول بأن الصراع يجب أن يكون فكريا وأيديولوجيا وسياسيا لا نقاشا ضد الأشخاص كأشخاص.
حين ترى شبابا على الفايسبوك وعلى مواقع النقاش الإلكتروني يسبون ويشتمون ويقذفون ويكفرون ومع ذلك يقولون بأنهم ديمقراطيين ينتمون الى حركة 20 فبراير، تصاب بالخيبة والأسى وتفكر مرتين قبل الانخراط في النقاش معهم. المغرب الديمقراطي لا يجب أن يكون أساسه هو الحقائق المطلقة و القيم الجاهزة و الأحكام المسبقة. المغرب الديمقراطي هو مغرب الاختلاف، وحرية الرأي، و تعدد الآراء. إنه مغرب الأمل، الأمل في المستقبل، مستقبلنا ومستقبل أبنائنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.