2447 شكاية توصلت بها المفتشية العامة للأمن الوطني سنة 2023 مقابل 1329 سنة 2022    المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، في مرحلتها الثالثة، أصبحت شريكا أساسيا في تنزيل السياسات الاجتماعية    هكذا يهدد المغرب هيمنة إسبانيا في هذا المجال    مدرب "نهضة بركان": جاهزون للقاء "الزمالك المصري" غدا وحضرنا اللاعبين لكل السيناريوهات    إحباط تهريب وترويج 62,550 قرص مخدر وضبط ثلاثة مشتبه بهم    خطاب جلالة الملك محمد السادس في القمة العربية : تصور إستراتيجي جديد للعمل العربي المشترك    الشعباني يرد على مدرب الزمالك: مندهش من تصريحاته وحضرنا اللاعبين لجميع السيناريوهات    زهير الركاني: آليات الوساطة والتحكيم ركائز أساسية في عملية التطوير والتنمية التجارية لتنمية جهتنا و مدينتا    الداخلية تمنع عقد مؤتمر ب "آسا" لقبائل "آيتوسى" كان سيٌعلن رفضها تفويت أراضيها الجماعية    أخنوش يترأس الوفد المغربي المشارك في المنتدى العالمي العاشر للماء بإندونيسيا    بدء وصول المساعدات إلى غزة عبر الرصيف الأمريكي المؤقت    أخنوش يترأس الوفد المغربي المشارك في المنتدى العالمي العاشر للماء بإندونيسيا    فلاحون فرنسيون يهاجمون شاحنات طماطم قادمة من المغرب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    مداهمة مستودع بداخله قنينات خمر ولفافات كوكايين بطنجة    وفاة دركي خلال حادثة سير بطنجة    الاختلاف قيمة تكامل لا قيمة تنابذ    غامبيا تجدد تأكيد "دعمها الثابت" للوحدة الترابية للمملكة    غزة.. مقتل 35386 فلسطينيا جراء الغزو الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر    اتحاد جزر القمر يجدد تأكيد دعمه لمخطط الحكم الذاتي    وهبي مُتحسسا رأسه..يقرأ فنجان التعديل الحكومي    التصدير يرفع أسعار الخضر بالمغرب ومهني يوضح    "حفيدة آلان ديلون" تراهن على نتائج فحوصات إثبات النسب    المعرض الدولي للكتاب يحتفي برائد السرديات العربية "العصامي" سعيد يقطين    تصفيات كأس العالم.. المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 عاما يفوز برباعية نظيفة على الجزائر ويتأهل للدور الرابع    لاعب مغربي "يتوسط" في ملف الشيبي والشحات الذي يصل فصله الأخير    بونعمان :الثانوية التأهيلية ابن خلدون تحتضن ورشات الاستعداد النفسي والمنهجي للإمتحانات الإشهادية ( صور )    أوكرانيا تنفذ عملية إجلاء من خاركيف    "القسام" تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا.. وتدمير 100 آلية عسكرية إسرائيلية خلال عشرة أيام واستعدادها لمعركة استنزاف طويلة    المغربي مهندس مطار غزة يبرز "لقاءات مع التاريخ" في دعم القضية الفلسطينية    البحث عن الهوية في رواية "قناع بلون السماء"    بيان صحفي: ندوة لتسليط الضوء على مختارات من الإنجازات البحثية ضمن برنامج الماجستير في إدارة حفظ التراث الثقافي    مشروع بأزيد من 24 مليون درهم .. هذه تفاصيل الربط السككي بين طنجة وتطوان    بسبب سلوكه.. يوفنتوس يقيل مدربه أليغري بعد يومين من تتويجه بكأس إيطاليا    بعد تعليق دعم تدريس الأطفال المعاقين..أباكريم تجرُّ الوزيرة " عواطف" إلى المساءلة    مدرب مانشستر يونايتد: "سعيد بتألق سفيان أمرابط قبل نهاية الموسم"    الدورة الأكاديمية "الشعري والسردي" فاس، 23-24 ماي 2024    كيف تهدد الجزائر و"البوليساريو" أمن الساحل والصحراء؟    البحث العلمي وبعض الشروط الأساسية من أجل الإقلاع!    وزير الخارجية الإسباني: رفضنا السماح لسفينة أسلحة متجهة لإسرائيل بالرسو بموانئنا    قرار جديد من الفيفا يهم كأس العالم 2030 بالمغرب    الصين: مصرع 3 أشخاص اثر انهيار مصنع للشاي جنوب غرب البلد    شفشاون.. الطبخ المغربي فسيفساء أطباق تعكس ثقافة غنية وهوية متعددة    الساكنة تستنكر لامبالاة المسؤولين تجاه حادث انفجار أنبوب للماء الصالح للشرب وسط الناظور    فرق كبيرة تطارد نجم المنتخب المغربي    ملتقى الأعمال للهيئة المغربية للمقاولات يبرز فرص التنمية التي يتيحها تنظيم كأس العالم 2030    افتتاح الدورة الثانية عشرة لمهرجان ماطا الذي يحتفي بالفروسية الشعبية بإقليم العرائش    مقاولات جهة طنجة-تطوان-الحسيمة توفر أكثر من 450 ألف منصب شغل سنة 2022    هدى صدقي تكشف عن جديد حالتها الصحية    المغرب يسجل 35 إصابة جديدة ب"كوفيد"    كيف يتم تحميص القهوة؟    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً في إطار تحدٍّ مثير للجدل    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (12)    الأمثال العامية بتطوان... (600)    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مثقفون تحت أشعة الشمس الحارقة!
نشر في هسبريس يوم 10 - 05 - 2017


Intellectuals under the burning sun!
أوقف صديقي إبراهيم سيارته البالية وأدار مفتاحها ليقطع أنفاس المحرك الذي بقي يتزعزع رغم انقطاع البنزين والكهرباء عنه نظرا لشدة قِدمه. أحسسنا برجة قوية ورجفة مباغتة ونحن ندفع بالباب إلى الخارج معاً في نفس اللحظة وخرجنا لنلامس أكواماً من الغبار التي غطت الشارع بأكمله. يجد إبراهيم دائماً صعوبة في غلق الباب الذي يليه ومن عادته أن يمشي خلف السيارة ليتأكد من أنه واقف في المكان الصحيح وبالطريقة السليمة عكس ما يفعله الكثيرون الذين تتهاطل عليهم مخالفات شرطة المرور كالمطر. وضع إبراهيم كمامته الطبية وضرب بيده على كتفي كي نتوجه صوب مقهانا العتيق المعروف. كان الجو يغشاه الغبار الكثيف لدرجة أنه حجب الشمس الحارقة ليوم بأكمله وبشكل لافت للنظر جعل الكثير من الكبار والصغار يضع كمامة طبية اتقاء الحساسية وضيق التنفس المفرط. لم يكن بوسعنا أن نستمتع بمنظر الشارع المزيَّن بالنخيل ولا بمنظر الدكاكين الصغيرة العتيقة المصطفة طول الشارع والتي تعرض البضاعة المحلية من كل الأنواع ومن كل بقاع الأرض.
دخلنا المقهى الذي يبدو اليوم شبه مظلم وخالي من رواده فبادرنا الهندي الذي يعمل هناك بالتحية وبابتسامته العريضة المعهودة وسبقنا إلى طاولتنا التي هي في صدر المقهى بجانب النافدة التي تشبه كوة كبيرة مطلة على الشارع. لم يتوانى شاكير عن مسح الطاولة مرة أخرى رغم أنها تبدو نظيفة وتلمع من شدة وفرط مسحه لها بين الفينة والأخرى. وكعادته لم يسأل ما نريد بل توارى إلى الخلف ليشرع في تحضير الشاي المغربي بطريقته المهجنة التي لا تروق إبراهيم نظراً لتباعد الثقافتين ونظراً لأن إبراهيم يُعتبر خبيراً في إعداد الشاي بشهادة كل من تعرّف علية وجمعته به الأقدار.
وضع إبراهيم نظارته الشمسية وكمامته الطبية على الطاولة ليبدأ الحديث مجدداً عن معاناة المفكرين والمثقفين وكل المهاجرين إلى هذه البلدة وفي هذه البقعة القاحلة والقاسية من هذا الكوكب والتي أرهقت أقواماً وقبائل قبلنا كنا نسمع عن قصصهم العجيبة مثل أهل قريش وشعراء الجاهلية مثل النابغة الذبياني وعنترة بن شداد وامرأ القيس وكُثَيّر عزَّة وغيرهم. عرفت أن إبراهيم يحب الفضفضة ويحب أن يشاركني ما يجول بخاطره وذلك من خلال ملامحه التي تعكس عدم رضاه عن هذه الوضعية، فسألته قائلاً:
هل تحس بأن الأوضاع بدأت تتغير شيء ما؟
أحسست بأن سؤالي كان شيء ما مبهماً وذلك من خلال نظرات إبراهيم الذي ظل يحملق هنيهَة في سقف المقهى الخشبي الباهت اللون، وأردف يقول:
تعني وضعنا كلنا ها هنا؟
قلت: نعم، وأنت تعلم ما أقصد. أقصد تلك الفئة من المثقفين الذين لا زالوا منسيين بعد أن بحّ صوتهم وأضناهم البحث عن آذان صاغية تسمع كلامهم وتشاطرهم همومهم وتفتح لهم أبواب الأمل المُصفدة منذ عقود خلت!!!
التفت إبراهيم يُمنة ويُسرة وكأنه يريد أن يتأكد من أن لا أحد يسمع حديثنا رغم أن هذا المقهى المهجور لا يضم تحت سقفه الخشبي العتيق إلا نحن وهذا الهندي المسكين البعيد عن أهله وأحبابه هو أيضاً، وربات الجن التي تظل تقهقه في زواياه المظلمة طوال الليل والنهار لتخدش جراحه وتذكره بمعاناته دون كلل ولا ملل. قاطعَنا شاكير ليُبشر إبراهيم بأن لديه اليوم نوعية السكر الصلبة التي يفضلها لأنها شيء ما تشبه نوعية السكر المتعارف عليها في قرية إبراهيم في المغرب. ابتسم إبراهيم مُبدياً رضاه وضرب على صدر شاكير مُبدياً هو أيضاً ارتياحه وشاكراً إياه على اهتمامه. تلملم إبراهيم مرة أخرى وأغمض عينيه وكأنه يجتر مع ريقه الحسرة المرة بصعوبة وفتحهما ثانية ليبدأ حديثه قائلاً:
"نعم نحن ها هنا كما ترى تحت أشعة الشمس الحارقة!!! نحن هنا ولا أحد غير الله يعلم كم عانينا كي نصل إلى ما وصلنا إليه! كم هي وعرة وشائكة وملتوية وطويلة تلك الطريق...، طريق طلب العلم والمعرفة! نعم، نحن هاهنا ولازلنا صامدون حاملين تحت أجنحتنا ذكريات طفولتنا التي لا تُنسى. نحن الذين لم يكن لدينا سائق كي يوصلنا حتى باب المدرسة، ولا حملت حقيبتنا المدرسية خادمة أو مساعدة، بل قطعنا الفيافي بين الحقول لنصل إلى المدرسة وفي الوقت المحدد ولم نتأخر عن الدرس رغم أحوال الطقس المتقلبة وزمهرير الرياح العاتية أو لأي سبب أو ظرف آخر وبدون بكاء أو افتعال للأعذار أو بحث عن حجج لإقناع المعلم. لم تكن لدينا سيارة نقل مدرسية، بل لم نراها من قبل ولم نكن ندري ما هو شكلها! لم تكن لدى بعضنا حقيبة مدرسية أحياناً مثل الناس، بل اضطروا أحياناً لحمل كتبهم ودفاترهم وأقلامهم ولوحتهم القصديرية الصغيرة في كيس بلاستيكي حتى لا ينقطعوا عن الدرس نظراً لحرصهم على التعلم والمعرفة. نحن الذين لم نحمل على ظهرنا سوى كتاب للغة العربية من فكر العبقري المغربي الأستاذ الراحل "أحمد بوكماخ"، وكتاب اللغة الفرنسية "بيان لير إي كومبروندر" (Bien Lire et Comprendre)، ولم نكن نحمل سوى حفنة من الدفاتر لكل منها غلاف ولون معروف يدلك على عنوان المادة. كانت الكتب والدفاتر نظيفة لدرجة أنها تكاد تكون مقدسة لا يشوبها تلف ولا أي شيء. ورغم رداءة أحوال الطقس أحياناً وشدة الأمطار أحياناً أخرى كان حرصنا أن لا تُبلل كتبنا طوال الطريق الملتوية عبر البراري حتى لو تبللت أجسامنا نحن الصغيرة بالكامل من الرأس حتى أخمص القدمين، بل كنا نتأبط الحقيبة أو الكيس ونركض هرباً لنجاة كتبنا قبل أرواحنا.
أجل، نحن الذين علمتنا مدرستنا البسيطة المتواضعة الأخلاق النبيلة وحب الناس واحترام من هم أكبر منا سناًّ. علمتنا أيضاً خصلة التواضع ومعنى التضامن والتكافل، إذ نحن من كنا نقوم بتنظيف الساحة المدرسية بأيادينا الصغيرة ونحن سعداء بالتقاط الحصى وأي شيء آخر وجمعه كي يُرمى بعيداً وكي لا يؤذي أجسامنا الصغيرة ونحن نركض ونلعب ونمرح في أوقات الاستراحة أو في حصص الرياضة البدنية. علمتنا مدرستنا المتواضعة تلك والشامخة بين التلال أيضاً بأن لا أحد يغرس نباتها وورودها وشجيراتها التي تزين جنباتها سوى نحن، فتعلمنا بذلك معنى الاعتماد على النفس ومفهوم العمل المشترك وروح المسؤولية والحفاظ على الملك العام. نحن الذين كانت تغمرنا فرحة النجاح المستحق نهاية السنة وبعرق الجبين. كما كانت تغمرنا فرحة كبرى لأن الصيف قد حل، ولأننا مقبلين على موسم الحصاد الذي يبشر بقرب "الموسم الفولكلوري" وركوب الخيل والألعاب البهلوانية التي كان يسيل لمشاهدتها لعابنا ولم نكن نقدر على حل ألغازها. نحن الذين كنا نعيش نشوة انتهاء موسم الحصاد لترتفع معه زغاريد نساء القرية عند كل فرح فتشق سكون الليل الذي يُزَينه نور القمر والنجوم الكثيفة. نحن الذين كنا نشهد أبسط حفل ممتع عند نهاية كل سنة دراسية لم يشهد التاريخ المدرسي مثله إذ لم تكن تتعدى وجبته بضع علب من البيسكوت (هانريس) وقنينات مشروب "فانتا" (Fanta Moyenne ) لا زالت صورتها راسخة في أذهاننا.
تدرجنا في طلب العلم وفي كفاح مرير قادنا إلى منصة التتويج والتخرج في بلدان أخرى، رفرف معه عَلم بلدنا واسمه عالياً ففرح بذلك أهلنا وذوينا وعشيرتنا وبني عمومتنا، بل وكل من حولنا أو له صلة بنا في أرض الوطن وخارجه. قررنا بمحض إرادتنا العمل في المهجر فزاد ذلك من شدة حبنا لوطننا وتشبثنا بهويتنا في عالم تتلاطم فيه الإغراءات والتيارات والأفكار المتداخلة وتتزاحم فيه الإيديولوجيات والمصالح. لم يزدنا بُعدنا عن وطننا الأم سوى تشبتاً بقيمنا يُعززها ويُترجمها حرصنا على فسيفساء عاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا وتراثنا الذي يفوح منه عبق الماضي ورائحة رغيفه (الملوي) وشايه المغربي المنعنع في الصباح لتصل إلى أنوف المحبين والغرباء وحتى الفضوليين الذين لا يتوانون عن مدح عاداتنا، ورائحة الحريرة والطاجين والشباكية والكسكس (يوم الجمعة) وغير ذلك من مأكل وملبس في الأيام العادية والأعياد والمناسبات الوطنية والاجتماعية كالأفراح والأعراس، عادات وتقاليد ضاربة في عمق التاريخ ولا يمكن إنكار تميزها من بين هذا المزيج والخليط المتلاطم من الثقافات".
وكما يقال " الشيء بالشيء يُذكر"، قاطع شاكير حديث إبراهيم ليدفع له بالصينية الصغيرة التي يتوسطها براد الشاي المغربي المنتشي بكل عزة وشموخ. ورغم حرص شاكير على استخدام السكر الصلب الشبيه ب"القالب" المغربي، يظل لإبراهيم تحفظا على طريقة العامل هذا في تحضير الشاي تلك المهجنة. ناولني إبراهيم كأساً تبعاً للطقوس المغربية (حيث لا يبدأ الساقي بنفسه)، وتابعني بنظراته كي يتأكد من أن الشاي لا بأس به، ليتابع حديثه عن تلك الفئة من الغرباء على ضفاف الربع الخالي رفقة رمال الصحراء والقمر قائلاً:
"يمكن القول أن فئة المثقفين المغاربة بدول الخليج هي فئة غير محظوظة وذلك نظراً لعدة معطيات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
لا يكاد يُذكر أو يُسمع لتلك الفئة حس رغم ثقل حمولتها الفكرية واسهاماتها العالمية.
رغم تأكيد صاحب الجلالة الملك محمد السادس (نصره الله) في العديد من المناسبات على أن مغاربة العالم هم سواسية ولهم دور في التنمية الاقتصادية، نجد بأن مغاربة دول الخليج مغيبون في العديد من المناسبات.
لا يُذكر مغاربة دول الخليج إلا إذا ذكرت أرقام التحويلات المالية أو إذا زارهم معالي وزير شؤون الجالية المغربية (ليحمل معه قائمة طويلة من هموم هذه الفئة، قائمة قد توارثها الوزراء السابقون قبله ومن خَلفهم دون تحقيق أي من تلك الوعود).
لم يتم استثمار الرأس المال البشري المتمثل في الأدمغة المهاجرة في هذه البقاع للنهوض بقطاعات شتى وعلى رأسها قطاع التربية والتعليم.
لا يتم استدعاء المفكرين والأدباء والمثقفين والخبراء والفنانين ورجال الأعمال والسيدات الشريفات المثقفات من بنات الوطن اللواتي أصبحن رائدات في مجالات عدة لكي يساهمن في بعض البرامج التلفزيونية والإذاعية، ويساهمن في تغيير بعض الصور النمطية التي تحط من قيمة المرأة المغربية.
لا نرى للأفلام الوثائقية واللقاءات والحوارات مع الأبطال والمبدعين والمفكرين ورجال الأعمال المغاربة بدول الخليج مثلما هو الشأن في أوروبا وأمريكا على سبيل المثال.
هنالك تحيز صارخ من طرف الصحف والجرائد المغربية بما في ذلك الصحف الإلكترونية للجالية المغربية بدول أوروبا وكندا وأمريكا دون الالتفات إلى إخوانهم المغاربة بدول الخليج، حيث لا تتسابق تلك الصحف والجرائد في سرد الخبر إلا عند ذكر الأحداث أو القصص المروعة للخادمات المغربيات بتلك البلدان!!!
لم يُكتب للجالية المغربية بالسعودية مثلا أن تكون ممثلة بمجلس الجالية المغربية حتى يومنا هذا!!!."
أحسست وكأن إبراهيم سوف لن يتوقف عن الكلام وسرد كل تلك المعطيات والمتطلبات والتطلعات فبادرت إلى مقاطعته كي آخذ عنه الكلمة وأشاطره وجهة نظري وأعطيه فرصة ليتمتع بكأس الشاي المهجّن وقلت له:
كأحد افراض الجالية المغربية بهذا البلد وكما رأيت بأم عيني، فإنني أرى أنك محق في معظم ما قلت، وبالفعل فتلك فئة شبه منسية لا يتذكرها البعض إلا في موسم الحج والعمرة لينتبه البعض بأن هنالك بشر من بني جلدتهم يعيشون تحت أشعة الشمس الحارقة، بل البعض منهم يعانون نوائب الدهر وقساوة الجو، ويعانون من تعقيد وبيروقراطية القوانين التي تعصف أحياناً بحقوقهم، وهم يكابدون عناء العمل وقساوة البيئة وبني البشر بكل ما تعرفه الكلمة من معنى. نعم لقد أزالت قصص وأحداث بعض الخادمات من بلدنا، أزالت اللثام عن معاناة بعض مغاربة المهجر في دول الخليج وعن المآسي والجور والقوانين التي تكبل حرية بعضهم (وليس كلهم) وتهضم حقوقهم، وتزيد معاناتهم النفسية عندما يرون أن المعاملة تختلف حسب كل بلد فيغبطون من هم في أوروبا مثلاً إذ لديهم نظام تقاعد يضمن لهم حقهم إذا ما غادروا تلك البلدان، بينما العامل في دول الخليج لا ينطبق عليه نظام التقاعد حتى لو مكت في البلد لفترة طويلة أو أعواماً مديدة!!!
لا يمكن مقاومة تلك التصرفات ولا تلك النظرة إلا بعرض كفاءات المغاربة والمغربيات بدول المهجر دون استثناء وتعريف باقي المغاربة أيضاً بها وتمكينهم من المساهمة في جميع مرافق الشأن المغربي بشكل مباشر أو غير مباشر. لابد إذاً من اعطاء الصورة الحقيقية التي تُظهر للرأي العام أن هنالك رأي آخر (وليس السلبيات فقط التي تتداولها الصحف أحياناً)، وكما قيل فإن الوطن كالجسد: فيه قلب نابض ورئتين واحدة تمثل المغاربة داخل الوطن والأخرى تمثل المغاربة خارج الوطن، وكلاهما يمد القلب بالأوكسجين كي يضخ الدم في عروق الجسد بأكمله. ودعني أسألك: "كم من مرة قامت الصحافة في بلادنا بعقد لقاءات مع أبناء الجالية المغربية بدول الخليج؟ كم من مرة عقدت لقاءات مع التلاميذ والطلاب والطالبات وأولياء أمورهم للوقوف على متطلباتهم وطموحاتهم وكذلك نوعية المشاكل التي يعانون منها من ناحية الحق في التمدرس والحصول على مقعد في المدرسة أو الجامعة وغلاء التكلفة وخاصة على من لهم أسرة كبيرة؟. متى ستفطن شركة الخطوط الجوية الملكية كي تمنح الأسر أسعاراً مخفضة للتذاكر وتمنحهم بذلك فرصة قضاء عطلتهم ببلدهم الأم؟ أليس من حقهم هذا؟
لا أحد يُنكر مدى فعالية المهرجانات الثقافية والفنية والفلكلورية للجالية المغربية في دول المهجر، فلماذا لا نكاد نجد لمغاربة دول الخليج حساًّ ولا مشاركة؟ فأين هي وزارة الثقافة ودورها في دعم وتفعيل تلك الأنشطة؟ وحتى لا نذهب بعيداً فالغريب في الأمر أن في كل سنة يقام في بلدنا معرض للكتاب ويخصص فيه ركن للجالية المغربية بالخارج، كما تقام على هامشه ندوات فكرية وثقافية واجتماعية، فلماذا لا يقوم معالي وزير الثقافة المحترم بإدماج مغاربة دول الخليج في تلك التظاهرة وغيرها؟ أليس من حق هؤلاء المساهمة -بما يتسنى لهم- في تنمية الوطن؟
تلكم أسئلة كثيرة أثقلت بها مسامع صديقي إبراهيم الذي أرى الحصرة في عينيه المحمرّتين والذي ظل ماسكاً رأسه بين يديه وأنا أتكلم ، وهو يجتر آخر نقطة شاي من كأسه ويحملق في فضاء هذا المقهى المهجور وكأنه الآن يريد أن يصرخ بأعلى صوته، بل أصبح يريد أن يُسمع كل زواياه لعلها تشاطره همومه وأردف يقول:
"كان أملنا دائماً أن نساهم في تطوير بلدنا، ولا شك أن ما يقوم به المغاربة القاطنين بدول الخليج من تحويلات مالية مهمة تسهم وبدون شك في تنمية بلدنا له أثر إيجابي على اقتصاد البلد، ولذلك لابد من إعادة النظر في وضعية هذه الفئة من أبناء وطننا والالتفات إلى مطالبهم المشروعة، ومساعدة الطبقة العاملة الفقيرة كي تمكن أبنائها من الدراسة وبالشكل السليم الذي يضمن لهم تعلم اللغة العربية والفرنسية والانجليزية لأن من درس باللغة العربية في المدارس العمومية في هذا البلد (هذا إن وجد قبول لابنه أو بنته) سيعاني نفسيا لمّا يجد الناس في بلده يتكلمون الفرنسية بينما يجلس هو "كالأطرش في الزفة" (على حد قول إخواننا المصريين). وللإشارة فإن من بين أطفال هذه الفئة من هم نابغة ومتفوقين بشكل لافت، فنتمنى أن تبحث عنهم وتحتضنهم جامعاتنا ومدارسنا العليا ومعاهدنا في المغرب قبل أن تستحوذ عليهم جامعات أخرى غربية".
تلملم إبراهيم واخذ نظارته ومفاتيحه وهو يوحي إلي بأن الوقت قد حان كي نعود إل بيوتنا التي أخفى ملامحها الغبار الكثيف وحجبها عن الأنظار مثلما حجبنا نحن حظنا عن أعين المسئولين في المغرب، وتواعدنا على أن نلتقي في ركن هذا المقهى ثانية لعلنا نجد فرصة أخرى كي نُسمع جدرانه وزواياه هروباً من أشعة الشمس الحارقة !!!
شد إبراهيم على يدي بحرارة وقال وقد اغرورقت عيناه الصغيرتان بالدموع: "أكعاون ربي"
والله ولي التوفيق،،،
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.