انطلاق "الأبواب المفتوحة" للأمن بأكادير .. و"الإنتربول" يشيد بالريادة المغربية    دراسة: مقاولات جهة طنجة وفرت أكثر من 450 ألف منصب شغل سنة 2022    الفيفا تقر تعديلا يمنع انتقال أي لاعب من أي بلد ليس عضوا في الأمم المتحدة    تضم نحو 30 مغربيا.. شبكة "رجل المنتصف" تسقط في قبضة السلطات الإسبانية    أكادير تستضيف الملتقى الأفريقي المغربي الأول للطب الرياضي    المعهد المغربي للتقييس يستضيف دورة تدريبية حول المواصفات الموحدة لمنتجات "الحلال"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    بدء محاكمة الناصري وبعيوي على خلفية ملف "إسكوبار الصحراء" الخميس المقبل    شراكة تثمّن الإمكانات الغنية للسياحة القروية    ألمانيا تطلق هذه المبادرة لدعم خلق فرص شغل في المغرب    إسرائيل تقول أمام محكمة العدل الدولية إن الحرب ضد حماس في قطاع غزة "مأساوية" لكن لا تصنّف "إبادة جماعية"    رئيس وزراء السنغال ينتقد وجود قوات فرنسية في بلاده    محمد الحيحي/ ذاكرة حياة .. الأثر الطيب والتأثير المستدام    "منتدى الزهراء" يدعو إلى اعتماد تشريع يحقق العدل داخل الأسرة    البرازيل تستضيف كأس العالم للسيدات 2027    الرجاء يكشف عن موعد الجمع العام العادي التكميلي للموسم الرياضي 2022-2023    المحكمة الدستورية تقبل استقالة مبديع وتدعو وصيفه لشغل مقعده بمجلس النواب    المغرب، من أين؟ وإلى أين؟ وماذا بعد؟    تراجع جديد يخفض أسعار بيع "الغازوال" والبنزين بمحطات الوقود بالمغرب    الصيف في طنجة موسم لحرائق الغابات.. ينبغي على الجميع التعبئة للتصدي لها    وَصَايَا المَلائِكةِ لبَقَايَا البَشَرْ    وجهة خطر.. بين مسلم ورمضان لم تثْبت رؤية هلال الكِتاب!    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً في إطار تحدٍّ مثير للجدل    الشرطة الفرنسية تقتل مسلحا حاول إضرام النار في كنيس يهودي    بعد وصوله إلى الجزائر.. مدرب المنتخب المغربي النسوي يحذر "اللبؤات"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    الميناء العائم في غزة يستقبل أول حمولة من المساعدات    هل يقبل المغرب دعوة أمريكا للمشاركة في قوات حفظ سلام بغزة؟    اللقاء التواصلي المنعقد لفائدة المؤسسات التعليمية الحرة في موضوع تنزيل مقتضيات عقد تأطير العلاقة بين الأسرة و المؤسسات    وسط اهتمام آرسنال.. ريال بيتيس يتشبث بشادي رياض    ملاعب المغرب تستقبل 9 مباريات ضمن تصفيات المونديال    بسبب محمد رمضان وسعد لمجرد.. بطمة تعرب عن غضبها    إسبانيا تعلن منع رسو السفن التي تحمل أسلحة إلى إسرائيل في موانئها    مباحثات مغربية صينية من أجل تعزيز التعاون في مجال إدارة السجون    رد قوية وساحق لعمر هلال على ممثل الجزائر في الأمم المتحدة    مشورة قانونية لفيفا بشأن طلب فلسطين تجميد عضوية اسرائيل    المغاربة أكثر العمال الأجانب مساهمة في نظام الضمان الاجتماعي بإسبانيا    عصيد: الإعلام الأمازيغي يصطدم بتحديات كبرى .. وتفعيل الدستور "معلق"    "ولد الشينوية" أمام القضاء من جديد    رسالة من عمرو موسى إلى القادة في القمة العربية: "أن نكون أو لا نكون" – صحيفة الشرق الأوسط    اختفاء غامض لشاب من تمسمان على متن باخرة متجهة إلى إسبانيا من الناظور    احتفاء بسعيد يقطين .. "عراب البنيوية" ينال العناية في المعرض للدولي للكتاب    "ألوان القدس" تشع في معرض الكتاب    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (12)    احذر وضعيات النوم الأكثر ضررا على صحة الجسم    إحداث أزيد من 42 ألف مقاولة ذات شخصية معنوية بجهة طنجة    الأمثال العامية بتطوان... (600)    ميناء طنجة : تراجع كمية مفرغات الصيد البحري بنسبة 30% حتى متم أبريل    حرب تبحث عن مشروع سياسي    ما دخل الأزهر في نقاشات المثقفين؟    وفاة الفنان أحمد بيرو أحد رواد الطرب الغرناطي    الجزائر.. داؤها في قيادتها    هذه العوامل ترفع خطر الإصابة بهشاشة العظام    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    كلاب ضالة تفترس حيوانات وتهدد سلامة السكان بتطوان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عقليات منغلقة
نشر في هسبريس يوم 12 - 08 - 2017

كل إنسان يرى ويشاهد ويعلق على ما يقع من أحداث في الريف والحسيمة من زاوية نظره هو، ونحن في حقيقة الأمر لا نراها كما تقع، بل كل منا يراها حسب ذهنية الصورة لديه ومنطلقات الخلفيات والأفكار والتصورات المحشوة في عقله، ليس عدم المعرفة بحقيقة الأمور وحقائق الأشياء سببا في اختلاف الأفراد في حكمهم بل لتباين رؤيتهم لها. وهذا ببساطة ما ذهب إليه هايدغر بأن كل معرفة جديدة مشروطة بالمعرفة السابقة عليها. ولا معرفة من دون معرفة مسبقة.
شبه أفلاطون التمترس داخل صدفة العقلية وقوقعة القطيع بأسطورته عن الكهف، فعندما كان في معرض تفسير رؤيته في عالم المثل والفرق بينها وبين عالم المحسوسات ضرب مثلا فقال: إن الذين يعيشون في العالم المحسوس يشبهون أناسا يعيشون في كهف ولدوا وتربوا فيه ولم يخرجوا منه أبدا وهم مقيدون بسلاسل وأغلال تقيدهم داخل الكهف، بحيث أن أنظارهم لا ترى إلا الحائط الداخلي لهذا الكهف ولا تستطيع رؤية بابه وخارج هذا الكهف توجد أشياء كثيرة كالأشجار والحجر والحيوان أيضا إِنْسًا يروحون ويجيئون أمام مدخل الكهف وتعكس الشمس الظلال هذه الأشياء على جدران الكهف لكن سكان وساكنة الكهف لا يعرفون أن ما يرونه مجرد ظلال وأخيلة بل ينظرون إليها على أنها الحقيقة، لأنهم لم يخرجوا من كهفهم ولم يعرفوا حقيقة الظلال ولا تمكنهم أغلالهم من التقدم والنظر إلى الأمام ومعرفة الأشياء الحقيقية التي تنعكس ظلالها على جدران الكهف ولا معرفة الشمس التي هي مصدر النور الذي يحدث الأخيلة.
وعَبَّرَ فرانسيس بيكون بأن العقليات هي واحدة من معوِّقَات الرقي والتحضر وشبهها بأصنام أربعة يجب تهشيمها لتهميشها، أولها صنم الجماعة والعرق والقبيلة والعشيرة الذي يدعي امتلاك الحقيقة العامة لوحده وهي قطعا غير صائبة عدا الإنسان الذي تربى عليها دون تفكير أو تمحيص أو نقد أو تحليل، ثانيها صنم كهف الأحزاب وأفكار قوادها الفردية وقيادتها الشخصية والنقص الناتج عن طبيعتها البشرية، وثالثها صنم سوق تعارف وتبادل الأفكار عن طريق التواصل عبر خطاب كلمات عامة متداولة ومُتَبَناة بالرغم من قصور مدلولاتها ودلالاتها، وصنم الفن أخيرا متجسدا في المسرح كوسيلة تنهجها الدولة أو الحكومة لتعليم ولتلقين وترسيخ منظومة فكرية وأحكام مسبقة تخدم الحفاظ على مصالحها لكنها تقف حجرة عثرة أمام إظهار وظهور الحقيقة.
وأما الرائع كافكا فقد وصَفَ عدم القدرة على تحرر العقل من عقلية التبعية للقطيع وصفا مجازيا بليغا في روايته {{المسخ}} على لسان غريغور: كل شيء محضُ خيال؛ العائلة، المكتب، الأصدقاء، الشارع، كل شيء محضُ خيال، بعيدا كان أم في متناول اليد؛ المرأة خيال، والحقيقةُ الأقرب منك على كل حال هي هذه الحقيقة فقط: إنك تضرب رأسك بحائط سجن لا نافذة له ولا باب، لأن أقسى سجن في الحياة هو فكرة بائسة يتقوقع ويتموقع أي إنسان بداخلها.
كل إنسان هاجم الاحتجاجات يعتقد في قرارة نفسه أنه على صواب وغيره على خطأ. بينما يرى كل من خرج للاحتجاج للدفاع عن مشروعية المطالب هو على حق قانونيا ودستوريا، وهذا يؤيد مقولة الرائع علي الوردي التي تقول بأن العقل البشري مغلق بقوقعة صلبة صعبة الاختراق اسمها ثقافة المجتمع. فيأتي أولئك ببرهان ويأتي هؤلاء بالحجة والدليل المقابل. ليزداد كل طرف تخندقا واقتناعا لما هم فيهم أصلا وكأنه حوار بين بُكْم، ليس جاهلا كل إنسان هاجم الاحتجاجات وليس عالما كل إنسان خرج أو ساند الاحتجاجات. القضية وما فيها أنهم فكروا في الشعارات والمطالب المتحدة والمتوحدة في مظهر الكلام والكلمات المكتوبة، وقد تكون متحدة ومتوحدة في الجوهر، لكن أغلبهم لا يهتم بجوهر الشعارات والمطالب المكتوبة ولا بمظهر الكلام والكلمات المكتوبة، بل يهتم يقينا بالمعنى المتولد عنها ومنها.
يرى البعض بأن عنصر النقد والسؤال والتساؤل لم يعد متاحا في الفضاء بسبب التحام وتناغم أجزاء مسيطرة وجزيئات مهيمنة راسخة في الذهن وهي عبارة عن أفكار يعتقد حاملها والمحمولة له وإليه بأنها عالم حقيقي متماثل للواقع المعاش أو مختلف عنه ويقدمون أنفسهم للإنسانية على هذا المنوال.
أخيرا، يمكن تطبيق أسطورة أفلاطون حول الكهف على السياسة وساستها وهي مثال دال على عالم السياسة الذي تخلقه الأحزاب بحيث تخلق الأحزاب، لاسيما تلك المصنوعة إداريا من رأس المال المخزن، عالما وهميا من الأخيلة المزيفة والظلال المزورة يعتقد كل مواطن مغربي في حقيقتها ويلتف حولها، حول قياداتها ومؤسساتها تلك ويظل مقيدا أمامها تماما مثلما كان أهل الكهف مقيدين داخلها، ولا تنقل مؤسسات الأحزاب لهم سوى الصور كما تراها هي تماما مثلما كان ينظر أهل الكهف إلى الأخيلة، وأصبحت الحقيقة حصرا ما تقوله مؤسسات تلكم الأحزاب حتى وإن كان ما يجري في الحسيمة يجري أمام أعيننا وإذا خرجنا من الكهف رأيناه.
الإنسانية هي الحل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.