كان الحسين الوردي، وزير الصحة، مزهوا وهو يدشن مستشفى للقرب بحي سيدي مومن في الدارالبيضاء شهر غشت الماضي. بدا منتشيا وهو يقص الشريط، ويخال نفسه قدم خدمة كبيرة لساكنة أفقر مقاطعات مدينة "القطب المالي"، لكن بمجرد ما امتطى سيارته حتى أضحى المركز شبه فارغ، والانتقادات تتعالى من هذا الجانب وذاك. بناية بدون أطر! ينطبق على هذه المؤسسة الصحية المثل الشعبي القائل: "المزوق من برا آش خبارك من الداخل". بناية في حلة جديدة، مجهزة بأحدث التجهيزات، لكن جولة بداخلها وبجنباتها تكشف المستور وتفضح قلة الأطر إن لم نقل غيابها. طوال سنوات، ظلت ساكنة مقاطعة سيدي مومن، أكبر التجمعات التي تفوق ساكنتها 450 ألف نسمة، تنتظر ولادة مستشفى يعفيها من التنقل بين المستشفيات؛ لكنها أصيبت بخيبة أمل كبيرة، وهي ترى بناية مجهزة غير قادرة على علاجهم. الناشط الجمعوي التهامي الغباري تساءل، في حديثه لجريدة هسبريس الإلكترونية، عن دواعي وأسباب تدشين هذا المستشفى بالرغم من عدم جاهزيته، طالما أنه لا يزال يعيش ركودا شبه عام على جميع المستويات. ساكنة المقاطعة تعاني الأمرّين، ففي الوقت الذي استبشرت فيه بعد سنوات عجاف بهذا المستشفى، إلا أنه "لم تُستأنف الأشغال به إلى حدود اليوم، باستثناء المستعجلات والتي تستغل بشكل محتشم وغير جاهزة أصلا لاستقبال الحالات الخطيرة والمستعصية، بالنظر إلى الخصاص الكبير الحاصل على مستوى الأطر الإدارية والتقنية والصحية"، حسب ما أكده الناشط التهامي ومن تحدثت إليهم الجريدة. كما تساءل متحدثنا عن "مدى إلمام الوزير بهذه الحقيقة، أثناء وبعد التدشين؟ في وقت يمكن اعتبار فتح مستشفى القرب، بالرغم من عدم جاهزيته، احتقارا الساكنة وضحكا على الذقون..!!"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن هذا الأمر يظهر على أن "ساكنة مقاطعة سيدي مومن مكتوب عليها أن تبقى عالة على المقاطعات الأخرى، كمقاطعتي سيدي البرنوصي والحي المحمدي". فالكو إبراهيم، عضو اللجنة المركزية للمبادرة المدنية لفعاليات سيدي مومن، لم يخالف الناشط الأول الرأي، إذ أكد أن هذه البناية تعرف خصاصا كبيرا ومهولا في الأطر الطبية منذ نشأتها؛ ذلك أنه، يضيف فالكو، "كان من الأجدر عدم افتتاح هذا المستشفى لأنه غير مكتمل أصلا، فالأطر الطبية التي حضرت إبان تدشينه من لدن الوزير، غادرته على الفور بمجرد ركوب الوردي سيارته". حسرة الساكنة على هذا المستشفى، الذي ظل لسنوات قيد التشييد، عكسها الشاب فالكو الذي أوضح للجريدة أن "المستشفى فارغ في أي وقت، لا وجود لسائقين لسيارات الإسعاف، ولا وجود لأطر طبية؛ ذلك أن طفلا غرق مؤخرا في مسبح بلدي وبعد نقله إلى هذا المستشفى ظل به إلى أن وافته المنية، مع العلم أنه كان بالإمكان إنقاذه لو توفرت فيه الأطر". وأضاف الناشط الجمعوي أن "التجهيزات الطبية موجودة وحديثة؛ لكن الأطر غير موجودة، وهو ما يدفع السكان إلى اللجوء إلى مستشفيات أخرى قريبة، على غرار مستشفى المنصور بسيدي البرنوصي ومستشفى محمد الخامس بالحي المحمدي، وبالتالي فإن التدشين من أجل التدشين أمر غير مستساغ للساكنة". تجهيزات طبية حديثة خلال عملية تدشين مستشفى القرب بسيدي مومن يوم الجمعة 11 غشت الماضي، من لدن الوزير الحسين الوردي، جرى التأكيد على أن هذه المؤسسة الصحية تصل طاقتها الاستيعابية إلى 45 سريرا، من شأنها تخفيف العبء على المراكز الاستشفائية الأخرى القريبة من المنطقة والتي كانت الساكنة تقصدها بشكل يومي. وحسب المعطيات التي تم تقديمها، فإن المستشفى الممول من لدن الوزارة بما يناهز 67.634.452 درهما، سيتوفر على ثلاثة أطباء اختصاصيين، ومثلهم في الطب العام، وبخصوص الأطر شبه الطبية والتقنية، فإن عددها يصل إلى 28 فردا. كما يضم المستشفى، الذي تراهن عليه المنطقة المعروفة بعددها السكاني، أجهزة طبية وبيوطبية متطورة؛ ذلك أنه يضم فضاء للاستقبال، ووحدة للطب العام والنساء والتوليد والأطفال، ووحدة للجراحة العامة، وقسم المستعجلات، ووحدة الفحص بالأشعة "السكانير"، ووحدة التعقيم ومختبرا للتحاليل مزودا بأحدث الأجهزة، وقاعات خاصة بالاستشارات الخارجية، ومستودعا للأموات مع غرفة للتشريح، وصيدلية ومرافق أخرى. فهل يتم تحرك المسؤولين على مستوى وزارة الصحة بالدارالبيضاء، لجعل هذه المؤسسة الصحية قادرة على استقبال الساكنة، وتخفيف الضغط الذي تعرفه مستشفيات قريبة من سيدي مومن، خاصة أن هذا المستشفى لا تلزمه سوى الأطر الطبية بحسب شهادات الساكنة؟ أطر "مستوردة" مصادر طبية من داخل المستشفى الإقليمي المنصور بسيدي البرنوصي، تحدثت إلى جريدة هسبريس، اعتبرت أن تدشين مستشفى القرب بسيدي مومن "كان خطأ كبيرا، على اعتبار أنه لم يتم توفير الأطر الطبية اللازمة له". وأوردت مصادر الجريدة أن هذا الأمر أثر كثيرا على مستشفى المنصور بسيدي البرنوصي؛ ذلك أن أطره القليلة كانت بدورها تنتظر من المستشفى الجديد أن يخفف العبء عنها، غير أنها باتت تضطر إلى بذل مجهود أكبر لاستقبال مرضى سيدي مومن. وكشفت مصادر الجريدة أن عددا من الأطر الطبية، التي كانت حاضرة خلال عملية تدشين المركز الجديد، غالبيتها تنتمي إلى مستشفى المنصور وكذا مستشفى محمد الخامس بالحي المحمدي، والتي غادرت المكان فور مغادرة الوزير؛ وهو الأمر الذي أكده فالكو إبراهيم، عضو اللجنة المركزية للمبادرة المدنية لفعاليات سيدي مومن، في تصريح للجريدة. مجرد شائعات ! وزارة الصحة، ممثلة في مندوبها الإقليمي على مستوى عمالة سيدي البرنوصي سيدي مومن، أكدت أن المستشفى المذكور تم افتتاحه بعد سنوات طويلة من الانتظار، وبعد طلبات الساكنة المتكررة. الدكتور عبد الواحد زمزمي، مندوب وزارة الصحة، أكد، في اتصال هاتفي بجريدة هسبريس، أن المستشفى وعلى خلاف ما تدعيه الساكنة يتوفر على أطر طبية في مختلف التخصصات، مشيرا إلى أنه بمجرد افتتاحه من لدن وزير الصحة شهر غشت الماضي تم الشروع في العمل به على مستوى قسم الإسعافات. وأورد المتحدث نفسه أنه "خلال تقديم المشروع، شرحت للحاضرين بأنه سيتم تشغيله بطريقة تدريجية ملائمة مع الأطر المتوفرة، وفعلا في اليوم الذي دشن شرع الاشتغال في المستعجلات"، مضيفا "تم تشغيل مختبر التحليلات الطبية، وهناك تجهيزات حديثة رقمية بالإضافة إلى جهاز سكانير، الذي شرعنا بالاشتغال به بعدما تمت زيارتنا من طرف المركز الوطني للوقاية من الإشعاع لمرتين، وقدموا ملاحظات لكنها لا تمنع من اشتغال القسم، إلى جانب التحاق ممرضتين بقسم الولادة". ممثل وزارة الصحة اعتبر، في حديث مع هسبريس، أن ما صدر عن الساكنة "ليس سوى شائعات"، بالرغم من تأكيده على أن المستشفى "تلزمه أطر أخرى؛ لكنه يشتغل حاليا بالأطر المتوفرة التي تضمن التطبيب للناس فيه"، مشيرا إلى أن "الناس لا يلجون له بحكم هذه الشائعات، وكذا لكون غالبيتهم يعتقدون أن البناية ما زالت مغلقة".