حقوقيون يستنكرون مواصلة الدولة خيارها القمعي لحرية التعبير ويطالبون بوقف التضييق والإفراج عن المعتقلين السياسيين    صحيفة "ماركا" الإسبانية: إبراهيم دياز مرشح بقوة للفوز بالكرة الذهبية الإفريقية    8 وفيات.. تسجيل حالات الإصابة بتسمم بمادة "الميثانول" في صفوف 114 شخصا    توقعات أحوال الطقس غدا الخميس    مبادرة بوزان تحتفي بزي "الحايك" الأصيل    الإعلان عن لجان تحكيم الدورة الخامسة من مهرجان عمان السينمائي الدولي    الأكاديمية فاتحة الطايب تُشرّح واقع الأدب المقارن بجامعة محمد الخامس    انطلاق امتحانات السنة الأولى بكالوريا بمختلف المدن المغربية    توقيف شخص بالبيضاء يشتبه تورطه في إلحاق خسائر مادية بممتلكات خاصة    صدور أحكام في حق 5 أفراد من "المخازنية" مكلفين بحراسة سواحل الناظور    ما الجدوى الاقتصادية للجوء الحكومة لفتح اعتمادات إضافية ب 14 مليار درهم؟    إحداث هيئات صحية جديدة.. تصحيح لخارطة "الحكامة" وتحقيق للعدالة الصحية    صديقي: 12% "ما عيداتش" السنة الماضية والأسواق الأسبوعية تتصدر وجهات المغاربة    النفط يتراجع لسادس يوم على التوالي وسط زيادة كبيرة في المخزونات الأمريكية    الحركة الشعبية بتطوان تعقد مؤتمرها الإقليمي    إضراب بالمكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي احتجاجا على تأخر إخراج القانون الأساسي    الإسباني فرناندو هييرو مديرا رياضيا للنصر السعودي    رونالدو ورحيمي ينافسان على جائزة خاصة في دوري أبطال آسيا    "المدونة" تؤجل حسم مواد بقانون المسطرة المدنية ووهبي يتمسك بواجب التحفظ    مجلس المستشارين يصادق على مشروع القانون المتعلق بالعقوبات البديلة    بنعبد الله: هوة كبيرة بين البرلمان والمجتمع    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الدرهم ليوم الأربعاء    مراكش.. شاب يقتل والده بطريقة بشعة ويلوذ بالفرار    الرباط تستعد لاحتضان معرض العقار "سكن إكسبو"    ارتفاع أسعار الذهب بدعم من ضعف الدولار    بورصة الدار البيضاء تفتتح التداولات على وقع الانخفاض    علماء أمريكيون يقتربون من تطوير لقاح مركب ضد جميع فيروسات الإنفلونزا    الخبرة المغربية تتألق في صناعة حراس عالميين بهولندا    العصبة الاحترافية تحدد موعد إجراء نصف نهائي كأس العرش..    23 قتيلا و2726 جريحا حصيلة حوادث السير بالمدن خلال أسبوع    تفاصيل فضيحة بنك بتطوان    المنتخب الأولمبي المغربي لكرة القدم يتعادل وديا مع نظيره البلجيكي    قصف مستمر على غزة والجيش الإسرائيلي مستعد "لتحرك قوي" على حدود لبنان    الإمارات: احتجاز ضابط بريطاني سابق منذ سبعة أشهر في دبي بتهمة التجسس    إطلاق نار على السفارة الأمريكية في بيروت    سلوفينيا تعترف بدولة فلسطين    بطولة رولان غاروس: الايطالي سينر يبلغ نصف النهائي ويضمن صدارة التصنيف العالمي بانسحاب ديوكوفيتش    مجلس النواب الأميركي يصوّت على معاقبة مسؤولي "المحكمة الجنائية الدولية"    مهرجان سيدي قاسم للفيلم المغربي القصير يفتح باب المشاركة في دورته الجديدة    لطيفة رأفت: القفطان المغربي رحلة طويلة عبر الزمن    ليدك .. إنشاء خزانات للماء و محطات الضخ لتقوية منظومتي التخزين و التوزيع    خبراء: حساسية الطعام من أكثر الحالات الصحية شيوعا وخطورة في زمن تنوع الاطعمة    فرق محترفة تقدم توصيات مسرحية    لماذا يعتبر الشراء بالجُملة "أوفر" مادياً و"أفضل" بيئياً؟    الرجاء يتلقى ضربة موجعة قبل موقعة مولودية وجدة    افتتاح فعاليات الدورة ال12 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    كيف ذاب جليد التطبيع بين إسرائيل والمغرب؟    حكم يدين إدريس لشكر بسب صحافيين    السر وراء رسو ناقلات النفط الروسي قبالة سواحل المغرب    يستكشف تأثير "الإهمال والصراع" على العلاقة الزوجية.. "واحة المياه المتجمدة" في القاعات السينمائية    "أونسا" يكشف نتائج التحقيق في أسباب نفوق أغنام ببرشيد    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (15)    السعودية تحذر من درجات حرارة "أعلى من المعدل الطبيعي" خلال موسم الحج    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    دراسة: القطط بوابة خلفية لانتقال أنفلونزا الطيور إلى البشر    تصريحات صادمة لفاوتشي بشأن إجراءات التباعد وقت كورونا تثير جدلا    الأمثال العامية بتطوان... (615)    وصول أولى طلائع الحجاج المغاربة إلى المدينة المنورة يتقدمهم حجاج الأقاليم الجنوبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إزهاق النفس كوسيلة احتجاج في المغرب
نشر في هسبريس يوم 08 - 10 - 2011

أفرزت الثورات التي تشهدها بعض بلدان العالم العربي أشكالا غير مألوفة في هذه المجتمعات للتعبير عن مطالب سياسية واجتماعية. وفي المغرب باتت وسيلة الاحتجاج الجديدة هي إحراق النفس.
لعل أهم ما يتشبث به الإنسان ويثابر من أجل الحفاظ عليه هو حقه في الحياة، لكن هذا الحق قد يتنازل عنه أحيانا من أجل التعبير عن غضبه واحتجاجه أمام ما يعيشه من يأس وإحباط وقصر ذات اليد. وهذا الأمر وقع مرات متعددة في الدول العربية مثل المغرب الذي شهد بدوره ثلاث حالات وفاة وعشر حالات انتحار، أبرزها فاجعة حميد الكنوني الذي أقدم على حرق نفسه بمدينة بركان شمال شرق المغرب، بعد أن تعرض للإساءة من طرف قوات الأمن، حسب ما تناقلته الصحف المغربية.
وقد أحدث الكنوني المسمى بشهيد الخبز ضجة إعلامية بسبب مصير الموت الذي آل إليه، مما جعل أيضا حركة 20 فبراير تتبنى قضيته مطلقة العديد من الشعارات المساندة له.
الحرق هو الوسيلة المفضلة للمنتحرين
تؤكد خلود السباعي، أخصائية في علم النفس الاجتماعي أن "الكيفية التي يتم بها الانتحار تمثل شكلا من أشكال الرسالة العاطفية الأخيرة للمحيط أو وسط الانتماء، لأن الشخص المنتحر ما إن تستبد به الرغبة في الانتحار يبدأ بالتفكير في الطريقة أو الكيفية التي يمكن أن يؤثر بها عاطفيا على محيطه". وتلاحظ الأخصائية أن هناك أشكالا متعددة من الانتحار، منها ما يتم في هدوء وسرية، ومنها ما يتم علنا وبكيفية درامية مثل ما هو الأمر في حالة إضرام النار في الجسد. وتصف السباعي هذا النوع بأبرز أنواع العنف الموجه نحو الذات، وبالتالي أكثر الأساليب المثيرة للانتباه والمثيرة للتعاطف أيضا، وتتابع قائلة " إنه موت "بطولي" يعكس أقصى أنواع التحدي لسياسات حكومية جائرة من أبرز مسؤولياتها التكفل برعاية مواطنيها ومنحهم الحياة الكريمة". وتوضح السباعي أنه في مثل هذه الحالات يتحول "الجسد" إلى مجال للتحدي والمواجهة، وكأنه ينسلخ عن صاحبه لكي يتحول إلى مقياس حراري ندرك من خلاله أقصى درجات الاستعداد للتضحية بالذات من أجل فضح الأوضاع، وكأنه بذلك يفضح كل من منعوه من الحياة، سواء تعلق الأمر بأشخاص أو أنظمة أو مؤسسات.
وتعتبر السباعي أنه بعملية "الإحراق" وما يترتب عنها من آلام جسيمة وموت بطيء، ينتقل الجسد من بعده الفردي، لكي يتحول على المستوى الرمزي ويترسخ بالتالي في الذاكرة الجماعية على اعتبار أن إضرام النار في الجسد هو تعبير عن أقصى درجات اليأس التي لم يعد يملك الشخص معها أي شيء آخر للمواجهة. وهذا ما تعتبره السباعي إحساسا عميقا عن الشعور بالوحدة داخل محيط أو عالم أفقده كل بوادر الأمل في الحصول على حلول من شأنها أن تغير الأوضاع أو تمنح أبسط الحقوق المؤمنة للعيش الكريم .
حالة البوعزيزي
لايستبعد البعض بأن للمواطن التونسي البوعزيزي تأثير على الحالات التي أعقبته في تبني نفس السلوك، إلا أن ذلك لا ينفي وجود حالات سابقة قامت بنفس الفعل أمام البرلمان المغربي احتجاجا على أوضاع الفساد وسوء التدبير في البلاد، مطالبة بحقها الأساسي في الشغل. وهذا ما يراه كذلك سعيد أزولاغ، نائب المنسق العام لمجموعة الأطر العليا المعطلة، الذي عايش العديد من محاولات الانتحار التي كانت في البداية مجرد تهديد من أجل بعث رسالة للسلطات لينقل المقدمون عليها لاحقا إلى المستشفى في حالة خطيرة. ويضيف أزولاغ أن هذه الوسيلة للاحتجاج بالمغرب تعود لسنوات، اذ قام بعض العاطلين عن العمل من الأطر العليا بإشعال النار في جسدهم، فيما قام أفراد آخرون بتناول سم الفئران. ويفسر أزولاغ أن رد فعل الدولة والمجتمع المدني يكون مختلفا تجاه هذا النوع من الاحتجاج لأنها تتعامل معه بحذر وإيجابية وتحاول تهدئة الوضع بعد ذلك.
بينما ترى خلود السباعي أن تأثير البوعزيزي يتمثل في جعله للانتحار وسيلة من أجل الحفاظ على "كرامة" الذات واعتزازها أمام الإحساس بالعجز وانسداد الأفق . لكنها توضح بأنه بالرغم مما يمكن أن يحيل عليه سلوك البوعزيزي من تعاطف، فإن الانتحار لم يشكل أبدا ولا يحق أن يشكل "ظاهرة بطولية"، لأنه يبقى بشكل من الأشكال تعبيرا عن "هشاشة" الشخص وعدم قدرته على المواجهة والتحدي من أجل إصلاح وضعه. وهذا يجعلنا، حسب وجهة نظر السباعي أمام شخصية في حاجة ماسة إلى المساعدة على المستوى السيكولوجي وإلى إغناء قدرتها على التواصل والحوار وتطويرها من أجل تمكينها من التعبير عن حاجياتها بكيفية فاعلة وإيجابية.
غياب التأطير الديني يؤزم الوضع
يؤكد مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي لمدينة وجدة في شرق المغرب أن الإسلام يحترم الحياة ويحث على المحافظة عليها، سواء تعلق الأمر بحياة الإنسان أو بحياة الكائنات الأخرى، ويضيف أن قتل النفس هو أكبر الكبائر في الإسلام بعد الشرك بالله، لأن الإنسان بذلك يعتدي على حق الله بحكم أن الحياة ليست حق الفرد، بل هي أمانة الله لدى الإنسان، ويتابع موضحا أن الأمة الإسلامية قد سبق لها أن مرت بصعوبات ومشاكل كثيرة وقامت بمواجهتها حتى مجيء الفرج. ويرى بنحمزة أن ما يحدث الآن هو أن شبابا لم يأخذوا حقهم من التعليم الشرعي، وقاموا بذلك بسبب التقليد وعدم التفكير. ويسترسل قائلا "لولا وجود التأطير الديني لكانت حالات الانتحار أكبر لأننا عندنا مشاكل كبيرة، وهذا الأمر بداية انفلات وقع لا يمكن اعتباره كظاهرة" . وهنا يبرز دور الواعظ الذي يجب أن يركز حسب بنحمزة على أن الإسلام يحترم الحياة ويدعو إلى التمسك بها ناشرا بذلك التوعية الإسلامية الصحيحة.
وعلى هذا الأساس ترى السباعي أن الحديث عن الحلول أصبح بديهيا، فالكل يعرف مطالب الشباب خاصة بعد حركة 20 فبراير، التي تتلخص عموما في تحقيق العدالة الاجتماعية وترجمتها على أرض الواقع. وبناءا على ذلك تظن السباعي بأن الحل هو العناية بالشباب والإنصات إلى مطالبهم انطلاقا من المؤسسات المعنية بالتربية والتعليم. وفي هذا السياق توصي الأخصائية في علم النفس الاجتماعي بضرورة تربية الناشئة وتعليمها على كيفية المطالبة بالحقوق ضمن قنوات مهيكلة تعمل على بنائها بنفسها وفقا لمقتضيات العصر، وذلك بدلا من التذمر من عدم وجود قنوات صالحة للتعبير. وعلى هذا النحو، كما تقول السباعي " يتعلم الشاب ضمن هذه المؤسسات كيف يؤدي واجباته كفرد ضمن جماعة، ويتعلم كيفية تدبير انفعالاته وتوجيهها لمواجهة الصعوبات وتحمل المسؤولية" .
عن دويتشه فيله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.