بروكسيل.. معرض متنقل يحتفي بمساهمة الجالية المغربية في المجتمع البلجيكي    زيلنسكي يلغي زياراته الخارجية وبوتين يؤكد أن التقدم الروسي يسير كما هو مخطط له    المغربي محمد وسيل ينجح في تسلق أصعب جبل تقنيا في سلوفينيا    طقس الخميس.. حرارة وهبوب رياح بهذه المناطق    فتح بحث قضائي حول تعرض بعض المواطنين المغاربة للاحتجاز من طرف عصابات إجرامية ناشطة بميانمار    زعيم المعارضة في إسرائيل: عودة الرهائن أهم من شن عملية في رفح    "تسريب أسرار".. تفاصيل إقالة وزير الدفاع الروسي    الأمم المتحدة تفتح التحقيق في مقتل أول موظف دولي    الجيش والمولودية يكملان ركب المتأهلين إلى نصف نهائي كأس العرش    أخنوش يلتقي الرئيس العراقي والارتقاء بعلاقات البلدين في صدارة المباحثات    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    تعزيز التعاون القضائي محور مباحثات السيد الداكي مع نائب وزير العدل الصيني    الحسيمة.. درك النكور ينهي نشاط مروج مخدرات مبحوث عنه وطنيا    يعالج حموضة المعدة ويقي من الاصابة بالسرطان.. تعرف على فوائد زيت الزيتون    النيابة العامة تدخل على خط احتجاز مغاربة بميانمار    الجيش يتأهل لنصف نهائي كأس العرش    قمصان جديدة ل"أديداس" بلمسة مغربية    قطر تستضيف النسخ الثلاث من بطولة كأس العرب لسنوات 2025 و2029 و 2033    وزير الفلاحة يفتتح الدورة الثالثة للمنتدى الدولي للصناعة السمكية بالمغرب    خلال أربعة أشهر.. كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي بميناء العرائش يصل ل6177 طنا    "بلومبيرغ": المغرب يُثبت أسعار الفائدة بينما يُواجه الفاتورة الباهضة لإعادة إعمار الزلزال    وزير النقل يعلن عن قرب إطلاق طلبات العروض لتوسيع مطارات طنجة ومراكش وأكادير    شركة تنفي استعمال الغاز والتسبب في اختناق عشرات التلاميذ بالدار البيضاء    جامعة كرة القدم تصدر عقوبات تأديبية    الجيش الملكي يقتنص تأهلا مثيرا لنصف نهائي كأس العرش على حساب أولمبيك الدشيرة    الأمثال العامية بتطوان... (599)    رئيس سلوفاكيا في حالة حرجة بعد تعرضه لمحاولة اغتيال    سفر أخنوش يؤجل اجتماع المجلس الحكومي    انتخاب المحامية كريمة سلامة رئيسة للمرصد المغربي لمكافحة التشهير والابتزاز    "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    النصيري على رادار مدرب إشبيلية السابق    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    بعثة المنتخب الوطني المغربي النسوي لأقل من 17 سنة تتوجه إلى الجزائر    إضراب كتاب الضبط يؤخر محاكمة "مومو" استئنافيا    وسط "تعنت" ميراوي .. شبح "سنة بيضاء" بكليات الطب يستنفر الفرق البرلمانية    تطوان تستضيف الدورة 25 للمهرجان الدولي للعود    مدينة محمد السادس طنجة تيك تستقطب شركتين صينيتين عملاقتين في صناعة مكونات السيارات    إلزامية تحرير الجماعات الترابية من « أشرار السياسة »    النقابة الوطنية للتعليم fdt وضوح وشجاعة لاستشراف المستقبل    التويمي يخلف بودريقة بمرس السلطان    وفاة "سيدة فن الأقصوصة المعاصر" الكندية آليس مونرو    دراسة: صيف 2023 الأكثر سخونة منذ 2000 عام    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على أداء سلبي    الرئيس السابق للغابون يُضرب عن الطعام احتجاجا على "التعذيب"    قصيدة: تكوين الخباثة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    رجوى الساهلي توجه رسالة خاصة للطيفة رأفت    معرض الكتاب يحتفي بالملحون في ليلة شعرية بعنوان "شعر الملحون في المغرب.. ثرات إنساني من إبداع مغربي" (صور)    وفاة عازف الساكسفون الأميركي ديفيد سانبورن عن 78 عاما    رسالتي الأخيرة    لقاء تأبيني بمعرض الكتاب يستحضر أثر "صديق الكل" الراحل بهاء الدين الطود    الأمثال العامية بتطوان... (598)    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    الأمثال العامية بتطوان... (597)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخطابي: تطوير علاقات المغرب وإسبانيا رهين بصد "أحكام نمطية"
نشر في هسبريس يوم 19 - 11 - 2018

زيارة بيدرو سانشيس، رئيس الحكومة الجديد الاشتراكي، للمغرب اليوم الاثنين تشكّل حدثاً بارزاً في العلاقات الثنائية بين البلدين؛ نظراً للتقليد الذي دأبت عليه إسبانيا في أن يقوم أيّ رئيس حكومة تسلّم مقاليد الحكم بأوّل زيارة له للخارج نحو المغرب..
هذه الزيارة المهمّة في حدّ ذاتها، فضلاً عن المستجدّات التي تعرفها إسبانيا تدفعنا إلى إلقاء إطلالة على بعض المشاكل، والقضايا التي لمّا تزلْ عالقة بين البلدين الجارين، فضلاً عن سبر الماضي المشترك بينهما بما فيه موروثاتهما الثقافية والحضارية والتاريخية المتنوّعة التي تقاسمها الشعبان المغربي والإسباني على جانبي الضفّتين الأوروبية الجنوبية، والإفريقية الشمالية، كنموذج متميّز للتعاون والتفاهم، والتقارب في المنطقة للتعايش، واحترام الجوار، والاندماج، واستئثار الحوار، بدل التناوش والتشاكس، وامتطاء صهوة التفاهم والتصافي، بدل ركوب حدبة التعنّت والتجافي!.
ينبغي التذكير في هذا القبيل بأنه في الفاتح من يونيو الفارط سحبَ البرلمان الإسباني الثقة عن ماريانو راخوي، رئيس الحكومة الإسبانية السابق، بعد إدانة حزبه بسلسلة من فضائح الفساد الإدارية المتوالية، وعمليات تبييض الأموال، واختلاسها، وتهريبها خارج إسبانيا، والحصول عليها بطرقٍ غير مشروعة، فضلاً عن التلاعب بصفقات مالية سرية كبرى غير واضحة المصدر داخل الحزب.
وقد طفح الكيل بفضيحة الفساد الشّهيرة التي أطلق عليها “غورتل” التي كانت القشّة التي قصمت ظهر البعير حيث واجه حزب راخوي فضائح فساد لا حصر لها، أدين فيها على نطاق واسع العديد من الوزراء، وكبار المسؤولين الإسبان السابقين المنتمين إلى الحزب الشعبي الحاكم حتى 31 مايو 2018.
كانت آخرهم وزيرة الدفاع السابقة، والسكرتيرة العامة للحزب الشعبي الإسباني والمرأة القوية في هذا الحزب Dolores de Cospedal Maria التي أُرْغِمت على الاستقالة من منصبها الرّفيع في الحزب وكنائبة في البرلمان الإسباني الذي كان قد تبنّى ملتمس سحب الثقة عن ماريانو راخوي بأغلبية 180 صوتاً من أصل 350 بعد أن أقنع الحزب الاشتراكي مجموعة من الأحزاب اليسارية الراديكالية في طليعتها حزب "بوديموس" (نستطيع)، وأحزاب الانفصاليين الجهويين في كاتالونيا، والباسكيين القومييّن، واليسار الموحّد، وآخرين. وقد أصبح راخوي أوّل رئيس حكومة يتمّ إسقاطه بملتمس حجب الثقة منذ عودة الديمقراطية إلى إسبانيا 1977.
وطويت بذلك صفحة من تاريخ اسبانيا بعد أن صمد راخوي أمام أزماتٍ حادّة ممّا اضطرّه إلى فرض إجراءات تقشفية، فضلاً عن الشّلل السياسي الذي شهدته البلاد خلال عام 2016، وتصدّيه لمحاولات انفصال إقليم كاطالونيا، كلّ ذلك أفضى إلى إسقاط الحكومة التي كان يرأسها، وتسلّم رئيس حكومة جديد لسدّة الحُكم مُمثلّا في الكاتب العام "للحزب الاشتراكي العمّالي الإسباني" بيدرو سانشيس .
إنّ إسبانيا والمغرب بحكم موقعهما المتميّز، كبلدين جاريْن، يجمعهما "ماضٍ" حضاريّ تقاسماه، و"ثقافةٍ" رفيعةٍ نَسَجَا خيوطها سويّاً، و"إشعاعٍ" متألق انصهرا في بوتقته، وبحكم "الحاضر" الواعد الذي يعيشانه، و"المستقبل" الذي يتطلّعان إليه، كلّ ذلك يجعل منهما طرفيْن واعييْن كلّ الوعي بالدّور الحيوي المنوط بهما لتحقيق المزيد من التقارب، والتعاون، والتفاهم، والتداني، ونَسْج عُرَى صداقة أوثق، وترسيخ أواصر مودّة أعمق بينهما.
العناصر الصالحة المشتركة لمورثاتهما الحضارية، والتاريخية، والثقافية، تحفزهما لوضع قاطرة التعاون الثنائي بينهما على السكّة الصّحيحة، لتقريب المسافات، واستغلال كلّ العناصر الإيجابية بينهما، في عصرٍ أصبحت فيه التكتّلات الاقتصاديّة والسياسيّة والبشريّة والاجتماعية والإنسانيّة بين الدّول والشعوب تتبلور بشكل لم يسبق له مثيل، لزيادة تقوية الأرضية الصّلبة لعلاقاتهما المتينة، وتعزيز أوجه التعاون بينهما في مختلف المجالات. كلّ ذلك ينبغي أن يواكبه تبادلٌ ثقافيٌّ متنوّع، وتعاون علمي مكثّف يزيدهما تعارفاً، وتقارباً.
ويشكّلّ هذا الجانب المشترك الزّاخر بينهما أرضية صلبة، وحقلًا خصباً ممّا جعلهما ينفردان بخصوصّيات قلّما نجدها لدى سواهما من البلدان الأخرى، وهو ما أفضى إلى خلق نوع من الاستمرارية والتواصل الدائمين في علاقات البلدين منذ عدّة قرون، إذ يرجع التبادل الدبلوماسي بينهما منذ القرن السّابع عشر حيث بدأ بشكلٍ انفرد به المغرب، وكان له قصب السّبق في هذا المضمار.
أحكام نمطيّة خاطئة
ما فتئ المثقفون الإسبان والمغاربة يؤكّدون على الدّور المحوري الذي تلعبه الثقافة على وجه الخصوص في توثيق العلاقات بين البلدين، حيث اضطلعوا في العقود الأخيرة بدور طلائعي في تطوير، وتفعيل وتقوية العلاقات الثنائية بينهما منذ تأسيس "مجموعة المثقفين الإسبان والمغاربة" التي ضمّت صفوةً من الكتّاب والأدباء، المغاربة والإسبان، (40 مثقفاً من المغرب (منهم صاحب هذا المقال و46 مثقفاً من إسبانيا) الذين طالبوا بضرورة تحريك العلاقات الإسبانية المغربية، وإعطائها نفساً جديداً، وإذكاء روح التفاهم والحوار بينهما، وتصحيح الصّور النمطية الخاطئة لدى السّواد الأعظم من الإسبان حول المغرب والعالم العربي بشكل عام.
لقد أصبح الاهتمام في الضفتين بثقافة البلدين يتنامى اليوم بشكلٍ مُرضٍ بينهما، خصوصاً في أوساط النّخب الثقافية، وكذا عند فئات واسعة من الجمهور.
إنّ الإقبال المتزايد للإسبان على زيارة المغرب للسياحة أو العمل أو الاستثمار، وزيارة المغاربة لإسبانيا للسياحة أو للدراسة أو العمل من شأنه أن ينسج جسورَ الاهتمام لمعرفة واقع وثقافة وتاريخ البلد الآخر.
وينبغي على الطرفيْن التصدّي للأحكام المسبّقة المغلوطة التي لا تقدّم صّورتهما الحقيقية، والتي تنتشر أساساً لدى الشرائح ذات الثقافة المحدودة.. وبالتالي، فالوسيلة الوحيدة لمحو هذه التصوّرات هي العمل سوياً على واجهات التربية، والثقافة، والفنون وتعبئة مختلف وسائل الإعلام قصد نشر الصّورة الحقيقية عن البلدين وتصقيلها، وتقديمها بالشكل الصّحيح.
العلاقات الثنائية
مع عودة الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني إلى الحكم في إسبانيا الذي تربط المغرب علاقات وطيدة مع العديد من زعمائه السّابقين الذين تعاقبوا على رئاسة حكومات اشتركية أمثال غونساليس وثاباتيرو وروبالكابا (الذي تولّى منصب نائب رئيس حكومة ثاباتيرو)، وحالياً بيدرو سانشيس ممّا يستدعي ضرورة تحسين، وتقوية العلاقات الثنائية بين الطرفين، نظراً للظرفية الحالية التي يجتازها البلدان في مختلف المجالات السياسية، والأمنية، والاقتصادية، ومحاربة الإرهاب، ومكافحة الجريمة المنظَّمة، والاتّجار في المخدرات، ومُعضلة الضغط المتزايد للهجرة غير الشرعية التي تفاقمت في المدّة الأخيرة من إفريقيا جنوب الصّحراء ومكافحتها، والقضاء على آفة البطالة، والتقريب بين الفوارق الاجتماعية، وضمان الحريّات العامّة، والضرورة المُلحّة لصَوْن حقوق الإنسان بشكلٍ جدّي وشفّاف، والدفاع عن المصالح العليا المشتركة بينهما.
وبغضّ النظر عن اللون السياسي السّائد في إسبانيا، فإنّ البلدين مطالبان للعمل سويّاً من أجل استشراف آفاق المستقبل، أخذاً بعين الاعتبار الموقع الجيو- إستراتيجي الممتاز للمغرب كبوّابة لإفريقيا والعالم العربي، وكذلك الموقع المتميّز لإسبانيا كبوّابة لأوربا، وإعطاء دفعة قوية للعلاقات الثنائية بينهما في شتىّ المجالات؛ فالمكانة التي تحتلها إسبانيا لدى المغاربة كبلد تربطها بهم العديد من الأواصر التاريخية الوثقى والثقافية والإنسانية والاقتصادية، والخصائص المشتركة بينهما تقدّم الدليل على أنّ عوائق المدّ والجزر، والأخذ والردّ، والفتق والرّتق التي قد تعرفهما العلاقات الثنائية في بعض الأحيان لا يمكن أن تؤثّر على الثوابت التي تقوم عليها روابط البلدين. ولا شكّ في أنّ الرّغبة لديهما ملحّة لإضفاء دينامية جديدة على هذه العلاقات، وسبر آفاق التعاون، وتوطيد دعائم شراكة إستراتيجية للمستقبل في مختلف المجالات.
وليس من باب الصّدفة أن يصبح المغرب شريكاً اقتصادياً إستراتيجياً مرموقاً لإسبانيا على المستوى الإفريقي، كما أنه ليس اعتباطاً من جهةٍ أخرى أن تصبح إسبانيا الشريك الأوّل للمغرب على المستوى الخارجي وواحدة من المستثمرين الرئيسييّن فيه، إلى جانب فرنسا. ولقد حققت إسبانيا هذه الغاية بفضل الفرص الهائلة التي يوفّرها المغرب، البلد المنفتح على العالم لفائدة المقاولين، والصنّاع، والمُستثمرين الإسبان وغير الإسبان.
هذا الزّخم في العلاقات القائمة في الوقت الراهن بين البلدين يعكسه كذلك تطوّر ملموس، وهائل في تعاونهما الثنائي في مختلف المجالات، وهما يستشرفان آفاقاً جديدة للتعاون لرفع التحدّيات العديدة للقرن الذي يعيشان في كنفه. وذلك نظراً لتقاسم البلدين لرؤىً سياسية متناغمة بشأن مختلف القضايا الإقليمية، والدولية، ومراعاة منهما لمصالحهما المشتركة، ولا شك في أنّ زيارة رئيس الحكومة الإسباني الجديد للمغرب من شأنها أن تعزّز أواصر هذا التعاون، وروابط الصداقة القائمة بين البلدين الجاريْن.
على الرّغم من هذا الزّخم الهائل الذي يطبع العلاقات الثنائية بين البلدين، والبريق اللمّاع الذي يضيئها في مختلف المرافق، والقطاعات، وحتى لا ننأى عن الواقع في هذا الطّرح فإنه ينبغي لنا ألاّ ندير ظهورَنا لقضايا أخرى ثنائية هامّة عالقة، وإكراهات مُؤرقة ما زالت تثقل كاهلنا، وتواجهنا بإلحاح، ولا ينبغي لنا نسيانها أو أن نتّبع حيالها سياسةَ النّعامة في إخفاء رؤوسنا تحت الرّمال، وعدم رؤية الواقع الحقيقي الذي نعيشه، من هذه القضايا:
الصّحراء المغربية
تحتلّ قضيّة الصّحراء المغربية - كما هو معروف- مكان الصّدارة في السياسة المغربية على الصعيديْن الداخلي والخارجي، ومع وصول الحزب الاشتراكي العمّالي الإسباني إلى الحكم لا بدّ أن يأخذ المغرب زمام المبادرة في البحث عن الوسائل الناجعة، والآليات الكفيلة للحفاظ على المكتسبات المهمة التي حققها على الصّعيد الدولي، وعلى مستوى العلاقات الثنائية التي تربطه مع جارته الشمالية إسبانيا حول مختلف القضايا الحيويّة ذات الاهتمام المشترك، وبشكل خاص حول موضوع قضيّة مطالب المغرب العادلة والمشروعة في استكمال وحدته الترابية في صحرائه، خاصّة أنّ الحزب الاشتراكي الحاكم حالياً الذي اتخذ زمام المبادة للإطاحة بحكومة الحزب الشعبي لا يتوفر سوى على 84 مقعداً في البرلمان الإسباني في الوقت الراهن.
والحالة هذه قد يجد رئيس الحكومة الجديد (بيدرو سانشيس) نفسه مضطرّاً لمحاباة الأحزاب اليسارية والقومية والانفصالية التي ساعدته، وساندته في الوصول إلى الحكم من أجل تنفيذ برنامجه الحكومي، وتمرير ميزانية الدولة، وفي طليعة هذه التجمّعات الحزبية الإسبانية حزب "بوديموس" (نستطيع) ذي الميول اليسارية الذي يرأسه الراديكالي بابلو إغليسياس، وسواه من الأحزاب اليسارية الأخرى المعروفة بعدم تفهّمها لمطالب المغرب العادلة.
سبتة ومليلية
المدينتان المغربيتان السّليبتان سبتة ومليلية، والجزر الجعفرية، وصخرة النكور، والجزر الصغيرة المحاذية لشاطئ "الصّفيحة" بأجدير (قرب الحسيمة) وجزيرتا بادس وليلى تورة كلها ما زالت تذكّرنا عند انبلاج كل صباح بأنّه ما زالت هناك قضايا تاريخية جادّة عالقة، ومواضيع ثنائية مهمّة شائكة بين البلدين تمسّ السّيادة الوطنية في الًّصّميم.
وكلّما أُثِيرَ الحديث عن هذه القضية يقفز إلى أذهاننا على الفور البيت الشعري المبثوث في كتاب "أزهار الريّاض في أخبار القاضي عياض" والذي يقول الشاعر فيه عند تحيته لمدينته سبتة: (سلامٌ على سبتة المَغربِ / أُخَيَّةَ مَكّةَ ويثربِ). مداخل ومخارج العبور من وإلى هاتين المدينتين خيرُ مثال على الوجه الآخر للشّعور بالحَسْرة الذي يتغلغل في نفس كلِّ مواطنٍ عندما يَعْبُرُهما ذهاباً أو إيّاباً.
هذان المعبران يفصلان بقعةً جغرافيةً واحدةً متماسكة، ويشطرانها شطرين تنشطر معهما أهواءُ السكّان الآمنين، وتتضاعف معاناتُهم، وتطلعاتُهم لعناق إخوانهم في الجانب الآخر من الأسلاك الشائكة، أو الأسوار العالية التي تفصل بينهما في زمنٍ تهاوت وتداعت فيه كلّ الجُدران مهما كان عُلوُّها وارتفاعُها.
الغازات السامّة في الرّيف
أصبح موضوع استعمال إسبانيا للغازات السامّة، والأسلحة الكيمياوية المحظورة في حرب الرّيف يُثار بإلحاح في المدّة الأخيرة داخل المغرب وخارجه، بل إنّه أمسىَ يُثار حتى في إسبانيا نفسها. وكان قد تعرّض له وزير الخارجية الإسباني السّابق (في حكومة راخوي)، فهل في مقدور الجارة الأوروبيّة اليوم - على عهد الحزب الاشتراكي المُستلم لدفّة الحكم الذي طالما أدان زعماؤه التاريخيّون هذا الاعتداء الغاشم- الإقدام على اتّخاذ خطوة تاريخية جريئة للمصالحة النهائيّة مع ماضي إسبانيا المُعتم بتقديمها اعتذارٍ شجاع للشّعب المغربي بشكلٍ عام، ولأهل الرّيف على وجه الخصوص، أيّ للمتضرّرين الفعلييّن، من السكّان الآمنين، وتعويضهم إنسانيًّا، وحضاريّاً - حسب ما تمليه القوانين الدّولية في هذا القبيل- عن هذه الجريمة النكراء.
وقد أصبح هذا الموضوع الحيوي يستأثر بحدّة باهتمام المثقفين والرّأي العام المغربي والمتعلق بالتظّلم المُجحف، والأضرار الجسيمة التي حاقت بالعديد من الأسر التي ما زالت تُعاني في مختلف مناطق الرّيف من الآثار الوخيمة ل(أوبئة السرطان اللعين) التي خلفتها جريمة استعمال هذه الأسلحة الكيمياوية الفتّاكة من طرف إسبانيا بعد الهزائم المنكرة التي تكبّدتها في حرب الرّيف التحرّرية الماجدة؟.
الجالية المغربية
يقارب عدد الجالية المغربية المقيمة في إسبانيا في الوقت الراهن المليون نسمة، وهي ما فتئت تعاني من ضائقة خانقة في خضمّ الأزمة الاقتصادية التي تعيشها إسبانيا اليوم، والتي تنعكس سلباً علليها وعلى الجالية العربية المقيمة في هذه الديار والتي أصبحت عرضة للتسريح المجحف.
وحسب الخبراء، فإنّ الحلول لا تبدو في الأفق القريب، نظراً لانعدام تواصل هذه الجالية مع النّخب السياسية الإسبانية، وعدم توفّر وسائل الدفاع عنها وعن حقوقها، وقد دفعت هذه الأزمة الحكومة الإسبانية السابقة إلى المصادقة على قانون جديد للهجرة غيرِ مُنصفٍ بالنسبة إلى المغاربة، مقابل السياسة التفضيلية التي يحظى بها مواطنو بلدان أمريكا اللاتينية في هذا القبيل. والحالة هذه ينبغي للمغرب أن ينظر مع المسؤولين الإسبان الجدد بعين الاعتبار إلى هذه الوضعية الصّعبة التي أصبحت تعاني منها هذه الجالية لمعالجة مثل هذه القضايا، وتحسين ظروفها.
الهجرة غير الشرعيّة
لا شكّ في أنّ موضوع تدفّق الهجرة غير الشرعية نحو إسبانيا كان من أول الاهتمامات في محادثات الرئيس الإسباني بيدرو سانشيس مع المسؤولين المغاربة خلال زيارته للمغرب، حيث بلغ عدد المهاجرين خلال شهر نوفمبر الجاري نحو إسبانيا 55 ألفا و949 مهاجرا..
وعلى الرّغم من الجهود التي بذلت في هذا المجال لجعل حدٍّ لهذه المعضلة التي تفاقمت بشكل مهول في المدّة الأخيرة، فإن التساؤلات ما فتئت تطرح عن الإجراءات التي اتّخذها أو ينوي اتخاذها المغرب لإيجاد الحلول العاجلة لمواجهتها، حيث اتّخذت من المغرب ممرّاً ومقرّاً ومستقرّاً لها من مختلف الجهات، ماذا تمّ حتى الآن في هذا القبيل لمواجهة هذا الزّحف الذي أمسىَ ينذر بعواقب قد لا تُحمد عقباها على المدى القريب في مختلف الواجهات الأمنية والإرهابية والاجتماعية والإنسانية والصحّية وسواها؟ خاصّة بعد أن اتّضح "أنّ المغرب يتجه إلى تغيير راديكالي في سياسة الهجرة واللجوء بعد المبادرة التاريخية التي أطلقها الملك محمد السادس لملاءمة القوانين والتشريعات الوطنية حتى يتسنّى للمهاجرين الذين استقرّوا في المغرب الاستفادة من جميع الخدمات مثلهم مثل أيّ مواطن مغربي".
محنة الموريسكييّن
إشكالية طرد "الموريسكيّين" الأندلسيّين المسلمين "المُهَجَّرين" قهراً وقسراً من مواطنهم بإسبانيا، والذين استقرّ معظمُهم في المغرب وفي الجزائر وتونس، ما فتئت تثير غير قليل من التساؤلات، (معروف أنّ العاهل الإسباني السّابق خوان كارلوس الأوّل سبق له أن قدّم اعتذاراً لليهود (السيفارديم) الذين أُبْعِدُوا من إسبانيا، ولم يقم لا هو، ولا خلفُه العاهل الإسباني الحالي فليبي السادس بنفس البادرة التاريخية حتى الآن مع المسلمين).
ينبغي لإسبانيا أن تتحمّل مسؤوليتها التاريخية حيال هذا الحيف الذي لحق بهذا الموضوع الشائك. وتبذل "مؤسّسة ذاكرة الأندلسييّن"، التي يوجد مقرّها في الرباط، المساعي الحميدة لتسليط الأضواء على هذا الموضوع.
ولقد نظمت مؤخراً مؤتمراً دولياً (عقب الموريسكيّين والسيفاراديم بين التشريع الإسباني والقانون الدّولي) الذي اعتبر خطوة رائدة في هذا القبيل، (كان لي شرف المشاركة فيه)، حيث أزاح النقاب عن غير قليل من مظاهر التظلم الذي طال أجدادَنا في الأندلس الذين تعرّضوا لعمليات طرد جماعي منها، وما انفكّ المثقفون الإسبان والمغاربة يثيرون هذا الموضوع بلا هوادة لعلّ إسبانيا تخطو هذه الخُطوة الشجاعة حياله مثلما فعلت مع اليهود السيفارديم !.
الطريق إذن على ما يبدو بين البلدين، ليس طريقاً مفروشاً بالزرابي المبثوثة بل تعلوه كذلك مطبّات، وفجوات ينبغي تذليلها، وتجاوزها، والتغلّب عليها بإرادة سياسية قويّة، وحكمةٍ، ورزانةٍ، ش وتبصّر بين البلدين.
*كاتب وباحث من المغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.