قراءة تحليلية نقدية واقعية لقانون 13/103 كنا ننتظر من الهيئات والجمعيات المدافعة عن النساء إحداث انتفاضة واحتجاج على المسمى "قانون" والمعنون ب''محاربة العنف ضد النساء" والذي جاء ضد مطالب الحركة النسائية واستصغارا لمطالبها واستهتارا بنضالها، إن علمنا أن الحركة النسائية منذ التسعينيات وهي تطالب بأن يكون لها قانون صريح مختص بمحاربة العنف ضد النساء... فكان رد القلة القليلة من هاته الحركات النسائية على هذا القانون الاكتفاء بإصدار بيانات منددة فقط. إن هذا القانون جاء ليس تكريما للمرأة وحمايتها بقدر ما جاء لدر الرماد في العيون ووسيلة تبجح في الصالونات المكيفة الداخلية والخارجية بأننا نتوفر على قانون خاص بالعنف ضد النساء المغربيات. وقد تفاجأنا كثيرا حينما رأينا كيف تناول الإعلام البليد للدعاية لدخول هذا القانون حيز التطبيق، كأنه قانون "سوبرمان" وإعطائه اسما مختلفا عن اسمه الحقيقي ونعته ب''قانون التحرش الجنسي"، باختزال 18 مادة مشكلة لهذا القانون في مادتين متعلقتين بالتحرش الجنسي وتسقط على الجنسين سواء كان ذكرا أو أنثى.. وكانت حسرتنا شديدة عندما تحوّل هذا القانون إلى محطة سخرية عارمة في مواقع التواصل الاجتماعي لمنهجية الدعاية المحبوكة سلفا لوسائل الإعلام وكذا لجمعية عبر توزيع الصافرات على النساء.. فهل، فعلا، ما تناولناه في هذا التقديم بخصوص هذا القانون ونقدنا له صحيحا؟ أم أننا نبالغ في النقد ولا نرى الأشياء بشموليتنا؟ أولا: في نقد التسمية والعنوان والبناء: من جهة أولى، إن هذا القانون، على الرغم من تسميته بقانون (خاص)، يتضح من خلال تصفحه أنه مجرد تتميم وتغيير لمجموعة القانون الجنائي، إن حذفنا الباب الرابع المؤلف من 8 مواد المتعلق بآليات التكفل بالنساء ضحايا العنف والذي يتحدث عن إحداث لجنة وطنية ولجان جهوية ولجان محلية، وكذا الباب الخامس بمادة فريدة حول التدابير والمبادرات للوقاية من العنف... لقد انصب التغيير والتتميم على 26 فصلا من القانون الجنائي و3 مواد من قانون المسطرة الجنائية، وهذا ما يؤكد جليا نقد اعتبار هذا القانون ك"قانون خاص" لكونه لا يتعدى أن يكون قانونا في مجمله متمما للقانون الجنائي والمسطرة الجنائية فقط. من جهة ثانية، فقد أطلق على هذا القانون اسم القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء. وبالرجوع إلى القانون المؤلف من 18 مادة، لا نكاد نجد إلا بعض المواد المعدودة والتي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، مواد تنفرد وخاصة بإفراد تدابير أو تحديد عقوبات ضد المرأة، من غير المادة الأولى التي حددت تعريف العنف ضد المرأة بأنواعه، والمادة 5 التي تممت الفصل 88-1 من القانون الجنائي والفصلين 444-1 و444-2 اللذين يعاقبان على التوالي مرتكب السب والقذف ضد المرأة بسبب جنسها بغرامة مالية. وفي المواد الأخرى والبقية التي ذكرت المرأة في هذا القانون نجدها جاءت بمعية "المرأة والقاصرين" أو جاءت مقرونة بأحد الأزواج.. وبلغة الأرقام، فالمواد التي تنصب على المرأة لا تتجاوز خمس مواد من هذا القانون كاملا، إن استثنينا بعض المواد التي تم ذكرها، مما تكون تسمية هذا القانون لا تعبر عن مضمونه، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن الجدوى من وضع عنوان لقانون لا يعكس ما جاء في مواده ومضمونه؟ ومن جهة ثالثة، البناء الهيكلي لهذا القانون جاء مخالفا لكل القوانين الجنائية المتممة لمجموعة القانون الجنائي بصفة خاصة ومخالفا للبناء التصميمي لكل القوانين التي تحتوي على مواد زجرية بصفة عامة. فلأول مرة، يفتتح قانون بالأحكام الزجرية مباشرة بعد التعريف، وكأنه قانون للزجر أكثر منه قانون يضع الحلول البديلة، خاصة أنه تكاد تغيب في هذا القانون الحلول البديلة والتدابير الوقائية التي أفرد لها المشرع مادة وحيدة وفريدة وضعت في ذيل هذا القانون. وحيث تبقى السياسة الزجرية التي انبنى عليها هذا القانون مخالفة للفلسفة والسياسة الجنائية الحديثة. فهل الحل في مقاربة العنف ضد النساء بتشديد العقاب وباعتماد الهاجس الزجري وبتضخيم السياسة العقابية؟ ثانيا: في نقد التبجح بالمرجعية الدستورية والدولية والانتصارية: خصصت لهذا القانون، وقبل دخوله حيز التنفيذ، سياسة دعائية كانت أقرب في محتواها إلى الغوغائية. وقد تمثل ذلك في: أولا: التبجح بالمرجعية الدستورية: اعتبرت الجهة المؤيدة والفارحة لهذا القانون كونه أتى انسجاما مع مقتضيات دستور المملكة لسنة 2011. وبالرجوع إلى الدستور الجديد لسنة 2011، نجد أنه، وبالفقرتين ما قبل الأخيرة من ديباجته، ينص على: حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان؛ جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة. يُشكل هذا التصدير جزءا لا يتجزأ من هذا الدستور. وفي الفصل ال6، خاصة في فقرته الثانية، ينص على: تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وفي الفصل ال19 الذي سال عليه لعاب الكثير من دعاة المساواة العوجاء والصماء، فالنص يقول: يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء. وتُحدث لهذه الغاية هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز. فمن خلال ديباجة الدستور وفصوله الداعمة للمساواة ومكافحة أشكال التمييز، يتضح أن ما جاء في الدستور كان أرقى وأقدر في التعامل مع قضية المرأة في جانبها الشمولي والكوني وفق الهوية الوطنية للمملكة. إن معالجة مسألة المرأة ليست منحصرة ومقتصرة على جانب التحرش والتحرر فقط، بل معالجتها تقتضي إنصاف المرأة في جميع الجوانب المؤثرة في تنشئتها وحمايتها وصون كرامتها، أي الانكباب على القضايا المهمة من عيش كريم وصحة وتعليم وتكوين وتشغيل. وهذا ما ركز عليه دستور المملكة لسنة 2011 في توسيع إقراره بالمساواة إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية عكس الدساتير السابقة التي كانت تقتصر على المساواة في الحقوق المدنية والسياسية فقط. وهذا يجعلنا نوضح مسألة إقرار هاته الحقوق التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتجاوز السقف المحدد لها في هذا الدستور نفسه، وهي "المساواة في الحقوق" وفق أحكام الدستور وثوابت المملكة وهويتها. وبدون أن نخوض في قانون 14/79 المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز الذي تقرر لتحقيق مبدأ المناصفة، والذي جاء كهيئة استشارية لا تغني ولا تسمن من جوع، وإلى حد الآن معلق دخوله حيز التنفيذ على تعيين رئيس(ة) له. ثانيا: التبجح بالمرجعية الدولية، خاصة اتفاقية "سيداو" المتعلقة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة: هناك من اعتبر أن هذا القانون هو ثمرة رفع المغرب لتحفظاته السابقة في اتفاقية سيداو، خاصة المواد 2 و9 و16 و29 من هذه الاتفاقية. إن رفع المغرب لهذه التحفظات كان قبل إقرار الدستور لسنة 2011. ومن ثم، فإن الدستور، الذي جاء بعد رفع المغرب لهذه التحفظات والذي أكد بإسلامية الدولة وبسمو المواثيق الدولية عن التشريعات الوطنية شريطة عدم معارضة بنود هذه الاتفاقية لأحكام الدستور وثوابت المملكة وهويتها، يجعل قرار رفع التحفظات قرارا سياسيا بامتياز، حكم فيه استمرار المغرب في اكتسابه لوضع أكثر تقدما في المنتظم الدولي، وارتباط ذلك بملفات حساسة منها الصحراء المغربية والمساعدات المالية والاقتصادية. وفي جانب آخر، خاصة المتعلق بهذه الاتفاقية، والتي تحسب للمنتظم الدولي في إطار الأممالمتحدة إقرارها بفتح باب التوقيع عليها سنة 1980؛ فكان من باب أولى أن يتم النضال بالحقوق التي أقرتها هذه الاتفاقية الدولية للمرأة من الجوانب المختلفة، وباعتبار دور المرأة يسمو في رفاه الأسرة وفي تنمية المجتمع. وما يميز هذه الاتفاقية، بالرغم من فقرة واحدة من المادة 16 التي تجعل المساواة في تأسيس عقد الزواج وكذا المساواة عند فسخه، هي المخالفة في صياغتها لأحكام شريعتنا، والقابلة للتعديل وفق نص الاتفاقية نفسه، تبقى هذه الاتفاقية المشكلة من 30 مادة نبوغا فكريا وسموا إنسانيا بمكانة دور المرأة الأم. ثم إن ما يميز الحمولة الاجتماعية التي تزخر بها هذه الاتفاقية وتسلسلها المنطقي في الحقوق من الأهم إلى المهم هو إقرارها من طرف خبراء؛ فالمادة 17 منها تنص على أنه: لتنفيذ هذه الاتفاقية، تنشأ لجنة تبدأ ب18 خبيرا ذوي المكانة الخلقية الرفيعة والكفاءة العالية في الميدان الذي تشمله هذه الاتفاقية. إن التبجح باتفاقية دولية يعني تبني أسس تلك الاتفاقية ومنطلقاتها وأهدافها وما اهتمت به وجعلته أكثر أهمية. فهل عند تنفيذ هذا القانون المسمى بقانون محاربة العنف ضد النساء اعتمدنا على خبراء وذوي كفاءة؟ سواء في الإعداد أو في التنفيذ، أم اعتمدنا عند دخوله حيز التنفيذ على سيناريو وتمثيلية بلهاء بوضع ثلاث شكايات بالتحرش الجنسي وافتخار إعلامنا به.. وتقزيم قانون بمادتين ..!! ثالثا: التبجح بالانتصارية والثورية هناك من اعتبر أن هذا القانون يشكل انتصارا للحركة النسائية واستجابة لمطالبها منذ أكثر من 15 سنة. وانطلاقا مما جرى بسطه أعلاه من خلال التسمية والعنوان والبناء، ومن خلال الباب الرابع من القانون المتعلق بإحداث لجنة وطنية ولجان جهوية ولجان محلية، فلا نجد مطلقا ونهائيا أي دور للمجتمع المدني في تأليف هذه اللجان وتم إقصاء الجمعيات منها؛ غير أنه تمت إضافة فقرة إلى المادة 7 في القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية، منحت انتصاب الجمعيات التي تعنى بقضايا العنف ضد النساء بشرطين: أن يكون قانونها الأساسي يهدف إلى الاهتمام بقضايا المرأة المعنفة؛ أن تحصل على إذن كتابي من الضحية . فأين هو دور الجمعيات والحركات النسائية التي ترجع ولادة هذا القانون إلى نضالها داخل مواد هذا القانون؟ أليس تغييب وتهميش دور المجتمع المدني، وخاصة الجمعيات النسائية في اللجان الوطنية والجهوية والمحلية، له تبريراته لدى المشرع، خاصة لفقدان الثقة في الممارسة الجمعوية النسائية وطغيان الأهداف السياسوية الضيقة على الفعل الجمعوي النبيل وطغيان النخبوية والفوقية والحزبية على أغلب هذه الحركات النسائية؟ أليس تغييب وتهميش دور الجمعيات النسائية التي تعتبر أقرب إلى مشاكل هذه الشريحة الاجتماعية الضعيفة يتناقض مع مبادئ الدستور في الحث على إشراك المجتمع المدني في جميع القضايا ودوره الريادي في التنمية؟ ولكن الواقع وهذا القانون، وانطلاقا من استقرائنا له، فإنه أقل ما يكون قانون متمم ومعدل للقانون الجنائي، ونتساءل عن الجانب المميز في هذا القانون الذي جعله ثوريا في نظر البعض؟ خاصة أن القانون رقم 03/24 -لسنة 2003 - الذي أطلق عليه بالقانون المتعلق بتعزيز الحماية الجنائية للطفل والمرأة كان أكثر انسجاما وتسلسلا وأكثر قوة سواء في جانب التدابير أو في جانب العقوبات والذي عدل وتمم أكثر من 30 فصلا في القانون الجنائي وأقر لأول مرة في مجموعة القانون الجنائي فرعا خاص سمي – التمييز- في الفرع 2 مكرر الذي أضيف إلى الباب السابع من الجزء الأول من الكتاب الثالث. ومما سبق، يتبين أننا لم ننتقد من أجل النقد فقط، بل من أجل أن نقول: كفى من استغبائنا واستغباء المرأة بقانون لا يرقى إلى أن يكون قانونا خاصا بها كامرأة.. وكفى من تمويه الحقيقة والقفز على الواقع المغربي، والمرأة المغربية المتشبعة بهويتها الوطنية والمنصهرة في موروثها الثقافي.. المرأة المغربية تريد تحصين كرامتها من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، قبل أن يتم اختزال مشاكلها وحقوقها في الجانب التحرشي الذي لا يتعدى فئة عمرية واجتماعية جد خاصة من هذه المرأة التي تمثل البنت والزوجة والأم والتي تمثل العاملة وربة بيت، والمتعلمة وغير المتعلمة والفقيرة والغنية.. فأين نحن من التحرش الاقتصادي والتحرش الاجتماعي والتحرش الثقافي؟ وما موقع حماية المرأة داخل الترسانة القانونية المغربية، خاصة المقتضيات الزجرية في قانون 13/103؟ يتبع - الجزء 2- *محام بهيئة وجدة وفاعل حقوقي وجمعوي [email protected]