هذه أول مرة في تاريخ الانتخابات التشريعية يحصل حزب على ربع عدد مقاعد مجلس النواب. لقد حصد حزب العدالة والتنمية في انتخابات الجمعة الماضية عدة انتصارات مرة واحدة.. حصل على الرتبة الأولى في الانتخابات، وجاء متقدما على الحزب الكبير، حزب الاستقلال، بحوالي الضعف، وجمع لوحده من المقاعد ما لم تجمعه التكتلات الحزبية (الكتلة والتحالف من أجل الديمقراطية)، كما حصل على عدد كبير من الأصوات تجاوز المليون صوت، ففي المدن كان عنوان انتصاره هو الاكتساح، حيث حصل، مثلا، شاب من مكناس هو عبد الله بوانو على 30 ألف صوت، فيما لم تحصل قائمة وزير المالية، صلاح الدين مزوار، القائمة المنافسة سوى على 15 ألف صوت. هذا الانتصار الكبير للعدالة والتنمية في أول انتخابات في فصل الربيع العربي له معنى واحد.. هذه رسالة صريحة وقوية من المغاربة عن كونهم متعطشين للتغيير ومتعطشين لرؤية بلادهم تتحرك باتجاه الديمقراطية والعدالة والكرامة ومحاربة الفساد، دون المرور من زوابع الثورات وهدير المظاهرات ورحلة البحث عن نظام جديد.. هذه هي الرسالة الأهم في ثورة الصناديق الناعمة التي حملت إخوان بنكيران إلى منصة نصر لم يحلموا به في حياتهم. لقد صوت المغاربة على الأمل في إصلاح حقيقي للأوضاع، ولعقاب الأحزاب التي كانت جزءا من خطة قتل الديمقراطية وإعادة بعث السلطوية الناعمة في أثواب حديثة. ولو ابتعد حزبا الأحرار والحركة الشعبية عن حزب الأصالة والمعاصرة لربما حصلا على نتائج أفضل مما حصلا عليه الآن، لكن حسابات رئيسيهما الخاطئة جرت عليهما هزيمة كبيرة اعترف بها امحند العنصر عندما قال: «إننا أخفقنا، وأنا أتحمل المسؤولية». وأظن أن هذه هي نهاية العنصر السياسية، ونهاية البام كحزب للدولة، ونهاية الأحرار كخادم مناول عند الجرار.. ستستمر هذه الأحزاب كجماعات ضغط وكتعبيرات عن مصالح شخصية وفئوية، لكنها لن تتحول، على الأقل في الأجل القريب، إلى أحزاب ذات مشروعات مجتمعية مستقلة عن السلطة. ثلاثة عوامل كانت وراء صناعة حدث فوز المصباح في الانتخابات الأخيرة. أولا: الربيع العربي وممثله في المغرب، أقصد حركة 20 فبراير التي زرعت حراكا سياسيا في الجسد السياسي المغربي الذي شل منذ عدة سنوات بفعل فشل مشروع الانتقال الديمقراطي الذي قاده عبد الرحمان اليوسفي، فلولا حركة شباب 20 فبراير لكنا الآن إزاء سيناريو آخر مغاير تماماً. ثانيا: شجاعة الملك محمد السادس ورؤيته البعيدة هما اللتان سمحتا لحزب معارض ومكروه من قبل جزء وازن من السلطة بالوصول إلى هذه النتيجة.. إنها طريقة الملك في تدبير موجة الحراك العربي الذي هز ويهز عروشا وملوكا ورؤساء. ثالثا: قوة الآلة التنظيمية لحزب المصباح، وخوض حملة انتخابية قوية ومنظمة استغلت أخطاء G8 جيدا، واستثمرت المعارك التي خاضها البام ضد الإسلاميين بطريقة جعلت منهم ضحايا ومظلومين، والناس عادة يميلون إلى جانب المظلوم بغض النظر عن تفاصيل قضيته وحيثيات ملفاته. على بنكيران أن يشكر فؤاد عالي الهمة الذي قوى الحزب من حيث كان يظن أنه يضعفه ويقص من أجنحته. ما حصل عليه الحزب من أصوات يفوق طاقته السياسية والتنظيمية.. إنه مثل قارب في بحر كانت الرياح تدفعه من فوق إلى الوجهة التي كان يقصدها، وكان المد من تحته يقوده إلى المرفأ الذي ينوي الرسو عنده. هل ينجح الحزب في المهمة التي كلفه بها من وضعوه في المقدمة أم لا؟ هل ينجح المصباح في بعث مشروع انتقال ديمقراطي ثان بعدما فشل الأول؟ هل يحمل كفنه السياسي في يده، ويبقي المصلحة الوطنية فوق إغراء السلطة، ويضع كلمة لا في جيبه كلما صادف مواقف محرجة أمام النزاهة والديمقراطية والحكم الجيد؟ أسئلة ستجيب عنها الأيام القادمة.. الأهم الآن أن المغرب فاز بجولة وأمامه معارك وحروب تنتظر.