دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى وضع حد نهائي لتزويج الطفلات في المغرب، معتبرا أن هذه الظاهرة "بمثابة تمييز ضد الفتيات وانتهاك لحقوق الطفل". وفي الوقت الذي تشير فيه أرقام وزارة العدل إلى تسجيل 32.104 طلبات تزويج طفلات سنة 2018، وحصول 80 في المائة من طلبات الزواج على الترخيص من طرف القضاة خلال الفترة ما بين 2011 و2018، قال المجلس سالف الذكر إنّ الحجم الحقيقي لتزويج الطفلات في المغرب غير معروف. وعزا المجلس، في رأي قدمه صباح اليوم الأربعاء أجاب فيه عن سؤال "ما العمل أمام استمرار تزويج القاصرات بالمغرب؟"، سبب عدم معرفة الرقم الحقيقي لعدد زيجات القاصرات في المغرب إلى كون نسبة كبيرة من هذه الزيجات تتم بدون إبرام عقد الزواج أو ما يعرف ب"زواج الفاتحة"، ليخلُص إلى أن عدد حالات تزويج الأطفال في المملكة "يظل مرتفعا للغاية ويدعو إلى القلق". تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي كشف عن مُعطى صادم، يتعلق بانتشار زواج الأطفال ضحايا الاتجار بالبشر، أو ما يعرف ب"زواج الكونطرا"؛ وهو "زواج" بواسطة "عقود" مبرمة بين رجال يعيشون في الغالب خارج المغرب وبين أولياء الفتيات القاصرات، مقابل الحصول على مبالغ مالية. وأورد المجلس أن جلسات الإنصات التي عقدها مع وزارة العدل كشفت عن وجود شبكات لوسطاء يملكون لوائح حقيقية لفتيات جاهزات "للعرض في السوق"، مشيرا إلى أنّ هذا النوع من الزواج "يعرّض الفتيات للاستغلال الجنسي في إطار شبكات للدعارة والعمل القسري". المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بنى توصيته بوضع حد نهائي لتزويج الطفلات انطلاقا من أن هذا "الزواج" يلحق الضرر بالفتاة وبالمجتمع، مشيرا إلى أنه لا توجد أي دراسة تخلُص إلى وجود فائدة ما وراء تزويج الفتيات، سواء ذات طبيعة اجتماعية أو اقتصادية أو فردية. وفي الوقت الذي يُعزى جانب من الأسباب الدافعة إلى تزويج الطفلات في المغرب إلى الظروف الاجتماعية الصعبة للأسر، المنتمية أغلبها إلى الطبقة الفقيرة، اعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أنّ "زواج الأطفال ليس حلا للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية؛ بل إنه، بالعكس، مصدر من مصادر الهشاشة واستمرار مختلَف أشكال التمييز ضد الأطفال والنساء". وبالرغم من أن مدونة الأسرة حددت سن الزواج القانون في 18 سنة، فإنّ فسحها المجال أمام القاضي لتزويج مَن هم أقل من هذه السن، بناء على سلطتهم التقديرية التي تتشكّل بناء على مجموعة من الشروط، فإنّ المدونة لم تتمكن من التقليص من عدد طلبات الزواج التي تشمل القاصرات. ولتجاوُز هذه الثغرة، دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى مراجعة مدونة الأسرة لسدّ الباب أمام أيّ إمكانية لتزويج الأطفال، معتبرا أنّ الترسانة القانونية لا تتسم بالتجانس ولا تنسجم مع أحكام الدستور. كما أكد المجلس ذاته أن المغرب ملزَم، في إطار تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، بالقضاء على جميع الممارسات الضارة، بما في ذلك تزويج القاصرات. وحسب الأرقام الرسمية، فإنّ ظاهرة تزويج الأطفال تعم سائر جهات المغرب، وإنْ بنسبة متفاوتة، حيث تنتشر هذه الظاهرة بشكل أكبر في جهة مراكشآسفي بنسبة 19.5 في المائة، تليها في المرتبة الثانية جهة الدارالبيضاءسطات، بنسبة 17.2 في المئة، بينما تسجّل أدنى النسب في المناطق الجنوبية، حيث لا تتعدى 0.4 في المائة بجهة لداخلة وادي الذهب، و0.5 في المائة بجهة كلميم واد نون، و0.7 في المائة بجهة العيون الساقية الحمراء. وخلُص المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى أنّ القانون يُعد شرطا لازما للقضاء على تزويج الطفلات؛ ولكنه غير كاف لوضع حد نهائي لهذه الظاهرة، كما أشار إلى أنّ مدونة الأسرة لا تنسجم انسجاما كليا مع الاتفاقيات الدولية والدستور، مشددا على ضرورة مراجعتها.