يعيش القطاع السياحي في جزر الكناري كابوسا حقيقيا؛ إذ بعدما بالكاد خرج من وضعية جد معقدة جراء حالة الطوارئ الصحية التي شلت مختلف الأنشطة الاقتصادية والإنتاجية في إسبانيا كلها لمدة ثلاثة أشهر بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، أصبح الأرخبيل يعيش وضعا متأزما بسبب الأزمة السياحية التي عصفت بكل الآمال التي عقدها المسؤولون على هذا القطاع لإنقاذ ما تبقى من الموسم الحالي. لقد فقدت جزر الكناري منذ بداية العام الحالي ثلاثة ملايين سائح بعد تعليق الرحلات الجوية وشل النشاط الاقتصادي بين شهري مارس ويونيو. وراهن المهنيون والفاعلون في القطاع على استعادة بعض ما ضاع بعد إعادة فتح الأجواء الأوروبية منتصف شهر يوليوز الماضي، خاصة مع تحسن الوضع الوبائي وانحسار انتشار العدوى، ما فتح بارقة أمل في معاودة الانتعاش إلى الأرخبيل المعروف باستقطابه لملايين السياح الأجانب الذين يفدون على مدار العام نحو الوجهات السياحية المشهورة التي يزخر بها. لكن مع ظهور بؤر نشطة ل"كوفيد-19" ومعاودة الارتفاع الكبير المسجل على مستوى عدد حالات الإصابة المؤكدة بالوباء مع بداية شهر غشت، خاصة بالعاصمة لاس بالماس، انقلبت كل المعطيات وأقبرت التطلعات التي كانت تمني النفس بعودة النشاط إلى القطاع السياحي الذي يشكل رافعة أساسية ومحورية في اقتصاد الجزر. وسجل الأرخبيل خلال هذه الفترة 6809 حالات إصابة مؤكدة جديدة بفيروس كورونا المستجد في 4021 بؤرة نشطة، بمعدل 300 حالة إصابة جديدة يوميا، وهو ما يمثل الضعف تقريبا مقارنة بعدد حالات الإصابة التي تم الإعلان عنها ما بين شهري مارس وأبريل الماضيين. ودفع تدهور الوضع الوبائي بالأرخبيل المهنيين والفاعلين في القطاع السياحي إلى التعبير عن تشاؤمهم، خاصة مع خشيتهم من احتمال إلغاء الرحلات الجوية القادمة من ألمانيا، وهو الإجراء الذي أقدمت عليه بالفعل بريطانيا التي تعد السوق الرئيسية الموجهة للسياح نحو جزر الكناري بما مجموعه 5 ملايين سائح من أصل 13 مليون سائح أجنبي زاروا الأرخبيل في عام 2019. وعلى الرغم من الرسائل المطمئنة التي ما فتئت تصدر عن الجهات المختصة إلا أن قطاع السياحة الذي يمثل نسبة 35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بجزر الكناري يعاني من وطأة تداعيات وضع غير مسبوق؛ إذ تسببت الأزمة الصحية التي نتجت عن تفشي الوباء في فقدان أزيد من 3,87 مليون سائح أجنبي، وبالتالي ضياع 4 مليارات و794 مليون يورو كعائدات مالية يوفرها القطاع خلال النصف الأول من السنة الجارية. وتشير بيانات المعهد الوطني للإحصاء وكذا المعطيات الخاصة بالحركة السياحية والرحلات الجوية إلى أن جزر الكناري تبقى من بين أكثر الجهات في إسبانيا تضررا من تراجع القطاع السياحي بعد رفع حالة الطوارئ الصحية؛ إذ لم يتجاوز عدد السياح الأجانب الذين وفدوا إلى الأرخبيل خلال شهر يونيو الماضي 2201، وهو ما يمثل انخفاضا كبيرا قدرت نسبته ب 99,8 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من عام 2019 الذي سجل زيارة 931 ألفا 782 سائحا. كما أنهت جزر الكناري النصف الأول من العام الجاري بوصول 2,73 مليون سائح أجنبي إلى مختلف الوجهات السياحية المشهورة بالأرخبيل، وهو رقم يظل بعيدا عن 6.60 مليون سائح الذين استقبلهم ما بين شهري يناير ويونيو من عام 2019، ما يمثل تراجعا بلغت نسبته 3.87 مليون سائح على مدى ستة أشهر (ناقص 58,6 في المائة). وبالنسبة لعائدات القطاع السياحي، فقد ترك 2201 سائحا أجنبيا زاروا جزر الكناري في شهر يونيو ما قيمته 2,7 مليون يورو، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة 99,76 في المائة مقارنة ب 1137 مليون يورو من العائدات التي سجلها القطاع خلال الشهر نفسه من عام 2019. وعلى الرغم من هذه الانتكاسة الكبيرة التي يعيشها القطاع السياحي بجزر الكناري، فإن الحكومة المحلية بهذه الجهة لم تفقد الأمل بعد، وهي تمني النفس بمعاودة الانتعاش وتصحيح الوضع، وترى أن الخطوة الأولى لتحقيق هذا الهدف تتمثل في محاصرة عدوى "كوفيد-19" والسيطرة على انتشاره. فحسب ييزا كاستييا، المستشارة الوزيرة في الحكومة المحلية لجهة جزر الكناري المكلفة بالقطاع السياحي، فإن "الفترة ما بين شهري شتنبر وأكتوبر ستكون جد حرجة بالنسبة للقطاع السياحي، لكن كل شيء يمكن أن يتغير إذا تمكنا من احتواء انتشار العدوى ومحاصرة تمدد تفشي الوباء، وبالتالي السيطرة على الوضع الوبائي في الأرخبيل". وفي تحليلها للوضع الوبائي بعد معاودة الارتفاع في عدد حالات الإصابة المؤكدة بالفيروس على مستوى جزر الكناري، قالت ييزا كاستييا إن "الشركات الجوية تتكيف بسرعة مع مثل هذه الحالات والأوضاع، لكنها لا تبرمج مواعيد لرحلاتها التي تشتغل في ظل الوضع الحالي بنصف طاقتها الاستيعابية"، مشيرة إلى أنه "في حالة تقلص حالات الإصابة بالوباء وانخفاض معدل انتشار العدوى، سيرغب السياح في القدوم إلى الأرخبيل، وبالتالي ستقوم شركات الطيران ببرمجة المزيد من الرحلات الجوية". وأضافت: "من خلال دعم وتعزيز الاستراتيجيات واحترام التدابير والإجراءات الاحترازية والوقائية مع فرض إجراء الاختبارات (بي سي إر)، يمكن أن تأتي البيانات ابتداء من شهر نونبر المقبل إيجابية ومفعمة بالأمل". وتسعى الحكومة المحلية لجزر الكناري التي تدرك أن تحقيق انتعاش القطاع السياحي لن يحدث بين عشية وضحاها إلى إنقاذ السياحة التي تعد ركيزة أساسية في النسيج الاقتصادي للأرخبيل، عبر مقاربات متعددة تتضمن تدابير وإجراءات تصب جميعها في دعم القطاع ومساعدته على تجاوز هذه الكبوة التي تسببت فيها جائحة فيروس كورونا المستجد.