تغير مفاجئ.. هكذا نشرت قناة "فرنسا 3" خريطة المغرب    فلقاء الخطاط مع وزير الدفاع البريطاني السابق.. قدم ليه شروحات على التنمية وفرص الاستثمار بالأقاليم الجنوبية والحكم الذاتي    مجلس المنافسة كيحقق فوجود اتفاق حول تحديد الأسعار بين عدد من الفاعلين الاقتصاديين فسوق توريد السردين    برنامج "فرصة".. عمور: 50 ألف حامل مشروع استفادوا من التكوينات وهاد البرنامج مكن بزاف ديال الشباب من تحويل الفكرة لمشروع    الغالبية الساحقة من المقاولات راضية عن استقرارها بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    أول تعليق من الاتحاد الجزائري على رفض "الطاس" طعن اتحاد العاصمة    جنايات الحسيمة تدين "مشرمل" قاصر بخمس سنوات سجنا نافذا    خلال أسبوع.. 17 قتيلا و2894 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية    نشرة إنذارية.. أمطار قوية أحيانا رعدية مرتقبة بتطوان    طابع تذكاري يحتفي بستينية السكك الحديدية    مقتل فتى يبلغ 14 عاماً في هجوم بسيف في لندن    الأمثال العامية بتطوان... (586)    المهمة الجديدة للمدرب رمزي مع هولندا تحبس أنفاس لقجع والركراكي!    نقابي: الزيادة في الأجور لن تحسن القدرة الشرائية للطبقة العاملة والمستضعفة في ظل ارتفاع الأسعار بشكل مخيف    الدوحة.. المنتدى العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان يؤكد على ضرورة الالتزام باحترام سيادة الدول واستقلالها وضمان وحدتها    محطات الوقود تخفض سعر الكازوال ب40 سنتيما وتبقي على ثمن البنزين مستقرا    لأول مرة.. "أسترازينيكا" تعترف بآثار جانبية مميتة للقاح كورونا    هجرة/تغير مناخي.. رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا يشيد بمستوى التعاون مع البرلمان المغربي    من يراقب محلات بيع المأكولات بالجديدة حتى لا تتكرر فاجعة مراكش    في عز التوتر.. المنتخب المغربي والجزائري وجها لوجه في تصفيات المونديال    ليفاندوفسكي: "مسألة الرحيل عن برشلونة غير واردة"    بلينكن يؤكد أن الاتفاقات الأمنية مع السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل شبه مكتملة    مساء اليوم في البرنامج الأدبي "مدارات" : المفكر المغربي طه عبد الرحمان.. بين روح الدين وفلسفة الاخلاق    ستة قتلى في هجوم على مسجد في هرات بأفغانستان    وزارة الاقتصاد: عدد المشتركين في الهاتف يناهز 56 مليون سنة 2023    توقيف نائب رئيس جماعة تطوان بمطار الرباط في ملف "المال مقابل التوظيف"    دل بوسكي يشرف على الاتحاد الإسباني    مساعد الذكاء الاصطناعي (كوبيلوت) يدعم 16 لغة جديدة منها العربية    تعبئة متواصلة وشراكة فاعلة لتعزيز تلقيح الأطفال بعمالة طنجة أصيلة    الدورة ال17 من المهرجان الدولي مسرح وثقافات تحتفي بالكوميديا الموسيقية من 15 إلى 25 ماي بالدار البيضاء    مقاييس الأمطار بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    استهداف المنتوج المغربي يدفع مصدرين إلى التهديد بمقاطعة الاتحاد الأوروبي    توقيت واحد فماتشات البطولة هو لحل ديال العصبة لضمان تكافؤ الفرص فالدورات الأخيرة من البطولة    تم إنقاذهم فظروف مناخية خايبة بزاف.. البحرية الملكية قدمات المساعدة لأزيد من 80 حراك كانوا باغيين يمشيو لجزر الكناري    "الظاهرة" رونالدو باع الفريق ديالو الأم كروزيرو    الريال يخشى "الوحش الأسود" بايرن في ال"كلاسيكو الأوروبي"    "أفاذار".. قراءة في مسلسل أمازيغي    أفلام بنسعيدي تتلقى الإشادة في تطوان    الملك محمد السادس يهنئ عاهل السويد    ثمن الإنتاج يزيد في الصناعة التحويلية    صور تلسكوب "جيمس ويب" تقدم تفاصيل سديم رأس الحصان    دراسة علمية: الوجبات المتوازنة تحافظ على الأدمغة البشرية    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و535 شهيدا منذ بدء الحرب    التنسيق الوطني بقطاع الصحة يشل حركة المستشفيات ويتوعد الحكومة بانزال قوي بالرباط    فرنسا تعزز أمن مباني العبادة المسيحية    العثور على رفاة شخص بين أنقاض سوق المتلاشيات المحترق بإنزكان    عرض فيلم "الصيف الجميل" للمخرجة الإيطالية لورا لوتشيتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    فيلم من "عبدول إلى ليلى" للمخرجة ليلى البياتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    "النهج" ينتقد نتائج الحوار الاجتماعي ويعتبر أن الزيادات الهزيلة في الأجور ستتبخر مع ارتفاع الأسعار    مدينة طنجة توقد شعلة الاحتفال باليوم العالمي لموسيقى "الجاز"    تكريم الممثل التركي "ميرت أرتميسك" الشهير بكمال بمهرجان سينما المتوسط بتطوان    توقعات طقس اليوم الثلاثاء في المغرب    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الله الحلوي..جامعي ينظّف بنفسه مرافق كلية الآداب بمراكش
نشر في هسبريس يوم 04 - 05 - 2012

كنت أحرص أن أتسقّط أخباره، حتى عندما كنت في قارة أخرى، ولم أتمكّن من رؤيته ولقائه، منذ سنوات التسعينيات. كان طالبا بشعبة الأدب الإنجليزي. قارئ فوق العادة، عندما يتكلّم تتساقط الكتب من فمه، كان سابقا لعصره بسنوات ضوئية، باعتراف أصدقائه، وكان أساتذته الذين درّسوه بجامعة القاضي عيّاض، يقفون احتراما لذكائه وعمق اطلاعه على العلوم الإنسانية، وهو الآن حاصل على دكتوراه في اللسانيات بشعبة الإنجليزية، وأستاذ في نفس الجامعة، جنبا إلى جنب مع أساتذته القدامى، ويشغل منصب محافظ لمكتبة الجامعة.
أمس، انتشر فيديو على موقعي يوتيوب وفايسبوك،كان وقعه مفاجئا بالنسبة للكثيرين. أستاذ جامعي ينظّف بنفسه مرافق كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، بل إنه يقرفص على ركبتيه لتنظيف حذاء أحد الطلبة. شخصيا، لم يفاجئني سلوك عبد الله الحلوي، فهو على المستوى الانساني كائن مختلف، يشبه نفسه تماما، حتى عندما صار أستاذا جامعيا محترما، وقد نعتقد أن المؤسسة الأكاديمية ستروّضه، لكن ثقافته الواسعة المؤسَّسة على الفكر العلمي والنقدي، وانفتاحه على لغات العالم، جعلا منه شخصا طموحا وديناميا إلى أبعد الحدود، لديه أفكار جديدة ومختلفة، تجعل الكثيرين يتلقّونها منه، كأنها قادمة من المستقبل. مع ذلك، فهو يطرح أفكاره العميقة، ببساطة للمحيطين به، يجعلهم يقتنعون بها، دون أن يحسّوا بأنها أفكار متعالمة تصلح فقط لترقد بين صفحات الكتب. عبد الله الحلوي أكاديمي من الجيل الجديد، متخفّف كلّيا من أوهام النخبة الجامعية المغربية وهمومها بصعود السلّم الإداري على حساب المعرفة والتواصل مع المجتمع.
عبد الله الحلوي يعبّر على صفحته بالفايسبوك عن اعتراضه على شركة الصيانة والنظافة بكلية الآداب بمراكش، لم يتحمّل أن يرى مكتبة الجامعة مهملة، فاختار طريقته الخاصة في الاحتجاج الحضاري، على تماطل شركة التنظيف، وعدم احترامها لدفتر التحمّلات الموقّع مع إدارة الجامعة. قرّر عبد الله ارتداء وزرة زرقاء مثل عامل نظافة، وبدأ يكنس جناح المكتبة أمام دهشة طلبته.
أستاذ جامعي يجمع الأزبال ويفرغ سطول القمامة، ربما كان هذا، هو دوره أيضا بقاعات التّدريس ببلد من بلدان الجنوب، حيث تحتاج الأدمغة والعقول إلى تنظيف، وقيام الجامعة كمؤسسة، بدور نقدي وتوجيهي للمجتمع، وضخّه بقيم حضارية وحداثية من شأنها أن تنتج أجيالا تتعلّم أن المعرفة سلوك أيضا. بعد ذلك يكتب الحلوي على صفحته: "هذا ما وعدت به... أعبّر عن اعتراضي على تماطل مسؤول مصلحة الصيانة وذلك بارتداء وِزرة رجال النظافة وتنظيف جزء من الخزانة بنفسي...بل وبمسح حذاء طالب... أرجو أن تكون الرسالة قد وصلت إلى من يعنيه الأمر: المؤسسة خادمة للطالب وليست أداة لقهره. عهد الهروب من أداء الواجب قد وَلَّى إلى غير رجعة ... إما أن نُنكِر المنكر ولو بالقلب ... وإما أن وجودنا نفسه منكر يجب تغييره."
درس جامعي خارج قاعات التلقين، إنها بيداغوجيا تهبط إلى الواقع والفعل، ولا تكتفي بحشو رؤوس الطلبة بمعرفة يجهلون تماما ماذا يفعلون بها. "المؤسسة خادمة للطالب وليست أداة لقهره"، هكذا يعبّر الحلوي بصراحته المعهودة، فالجامعة هي أداة تنويرية وكاشفة لعيوب الذات، تصنع إنسانا جديدا، يحسّ بحجم مسؤوليته تجاه نفسه والآخرين، لا تعلّمه الاستسلام إلى ثقافة سائدة ألحقته بالقطيع المجتمعي، بل تزرع في روحه فكرا نقديا يجعله يصنع مصيره ويغيّره بنفسه.
عبد الله الحلوي يستحقّ أن نفتخر به كأستاذ جامعي وإنسان متميّز في الجامعة، نحتاج للكثيرين من أمثاله، والذين بمقدورهم الخروج عن نمط التعليم الأكاديمي التقليدي، وخلق جامعة حرّة وجريئة يصبح فيها الأستاذ والطالب مسؤولين كبيرين عن صنع المستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.