مؤتمر دولي بفاس يوصي بتشجيع الأبحاث المتعلقة بترجمة اللغات المحلية    أخنوش: لا وجود لإلغاء صندوق المقاصة .. والحكومة تنفذ عملية إصلاح تدريجية    أخنوش يربط الزيادة في ثمن "البوطا" ب"نجاح نظام الدعم المباشر"    الخريطة على القميص تثير سعار الجزائر من جديد    بطولة انجلترا لكرة القدم.. مانشستر سيتي يفوز على مضيفه برايتون برباعية    أخنوش: نشتغل على 4 ملفات كبرى ونعمل على تحسين دخل المواطنين بالقطاعين العام والخاص    رئيس الحكومة يجري مباحثات مع وزير الاقتصاد والمالية والسيادة الصناعية والرقمية الفرنسي    الأمير مولاي رشيد يترأس مأدبة ملكية على شرف المشاركين بمعرض الفلاحة    3 سنوات سجنا لشقيق مسؤول بتنغير في قضية استغلال النفوذ للحصول على صفقات    المغرب يستنكر بشدة اقتحام متطرفين المسجد الأقصى    نمو حركة النقل الجوي بمطار طنجة الدولي خلال بداية سنة 2024    ''اتصالات المغرب''.. النتيجة الصافية المعدلة لحصة المجموعة وصلات 1,52 مليار درهم فالفصل اللول من 2024    بطولة مدريد لكرة المضرب.. الاسباني نادال يبلغ الدور الثاني بفوزه على الأمريكي بلانش    الدفاع المدني في غزة يكشف تفاصيل "مرعبة" عن المقابر الجماعية    الاتحاد الجزائري يرفض اللعب في المغرب في حالة ارتداء نهضة بركان لقميصه الأصلي    التحريض على الفسق يجر إعلامية مشهورة للسجن    البطولة الوطنية (الدورة ال27)..الجيش الملكي من أجل توسيع الفارق في الصدارة ونقاط ثمينة في صراع البقاء    مهنيو الإنتاج السمعي البصري يتهيؤون "بالكاد" لاستخدام الذكاء الاصطناعي    السلطات تمنح 2905 ترخيصا لزراعة القنب الهندي منذ مطلع هذا العام    بلاغ القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية    زنا المحارم... "طفلة" حامل بعد اغتصاب من طرف أبيها وخالها ضواحي الفنيدق    بعد فضائح فساد.. الحكومة الإسبانية تضع اتحاد الكرة "تحت الوصاية"    بشكل رسمي.. تشافي يواصل قيادة برشلونة    الأمثال العامية بتطوان... (582)    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الخميس على وقع الأخضر    تشجيعا لجهودهم.. تتويج منتجي أفضل المنتوجات المجالية بمعرض الفلاحة بمكناس    منصة "واتساب" تختبر خاصية لنقل الملفات دون الحاجة إلى اتصال بالإنترنت    نظام الضمان الاجتماعي.. راتب الشيخوخة للمؤمن لهم اللي عندهومًهاد الشروط    مضامين "التربية الجنسية" في تدريب مؤطري المخيمات تثير الجدل بالمغرب    المعارضة: تهديد سانشيز بالاستقالة "مسرحية"    القمة الإسلامية للطفولة بالمغرب: سننقل معاناة أطفال فلسطين إلى العالم    حاول الهجرة إلى إسبانيا.. أمواج البحر تلفظ جثة جديدة    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    ألباريس يبرز تميز علاقات اسبانيا مع المغرب    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    3 مقترحات أمام المغرب بخصوص موعد كأس إفريقيا 2025    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    "فدرالية اليسار" تنتقد "الإرهاب الفكري" المصاحب لنقاش تعديل مدونة الأسرة    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أربعون سنة مرت على ثورة ماي 1968
نشر في هسبريس يوم 17 - 05 - 2008

أربعون سنة مرت على ثورة الشباب في اروبة في ماي 1968 . أربعون سنة مرت على حلم راود شباب ذاك العهد بالانقلاب على التقليد والنصية والفكر الجامد ، بل الثورة حتى على الطبقة العاملة التي وبتعبير احد فلاسفة المرحة " قد فقدت حسها الثوري وأصبحت محافظة باندماجها في المنظومة الرأسمالية بفعل الاستلاب والاندماج الاقتصادي والإيديولوجي .

لقد تزامنت تلك الفترة مع أحداث أثرت في الفكر السياسي لفلاسفة تلك الفترة ، فكانت الثورة حتى على الماركسية النصية وعلى حامليها من أحزاب شيوعية تقليدية . فظهرت موجة جديدة روجت لشعارات مغلفة بإيديولوجيات ثورية ، مثل الماوية ، الكيفارية ، التروتسكية . كان من بين أهم الأحداث التي عاصرها ذلك الجيل . هناك الحرب في الفيتنام والكمبودج ، هناك القضية الفلسطينية التي تطوع العديد من الشباب الاروبي للدفاع عن عدالتها التاريخية والطبيعية . كان هناك كذلك الصراع الصيني – السوفيتي ، حيث لم يسلم هذا الأخير من نعت الإمبريالية الاشتراكية مقابل الإمبريالية الرأسمالية للإدارة الأمريكية .

كذلك صاحبت تلك الفترة ، ظهور منظمات ثورية آمنت بالعنف المسلح كخيار لتطبيق دكتاتورية العمال والمثقفين الثوريين ، فظهرت في ايطاليا ( الألوية الحمراء ) ، في فرنسا ( العمل المباشر ) ، في بلجيكا ( الخلايا الثورية ) ، في ألمانيا ( الجيش الأحمر الألماني بادر ماينهوف )، في اليونان ( منظمة 17 ماي )، في اليابان ( الجيش الأحمر الياباني )، ثم كان هناك الثوري كارلوس الذي التصق بالقضية الفلسطينية وبالقضايا العربية ، وسلمه نظام البشير في السودان إلى الفرنسيين في صفقة يندى لها الجبين . كانت أحداث ماي 1968 ثورة بكل ما في الكلمة من معنى . رغم تعرضها للفشل بسبب الاندفاع الشبابي ، وبسبب غياب الطليعة الثورية التي اختزلوها في حركة الشباب .
""
إن أحداث ماي 1968 تذكرنا كذلك بانعكاساتها على دول المحيط ، حيث اندفع شباب هذا المحيط في موجة رفض لكل ما هو مؤسساتي معتبرين أن كل ما هو عنيف يعتبر ثوريا ، وكل ما هو مؤسساتي يعتبر رجعيا ، فرفض شباب تلك الفترة خاصة في المغرب الأحزاب والحزبية خاصة الشيوعية منها معتبرينها نسخة طبقا الأصل للنماذج التي أفلست سواء في اروبة ، أو في العالم العربي ،حيث حملوها مسؤولية الانتكاسة والهزائم المتوالية التي حلت بالأمة وبالوطن . هنا لا بد من التذكير بشباب منظمة 23 مارس ، منظمة إلى الأمام ، حركة لنخدم الشعب ، الذين ثاروا على التقليد والجمود ، وقطعوا أواصر الصلة مع الأحزاب المغربية وعلى رأسها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب التحرر والاشتراكية . لقد رفض شباب تلك الفترة البرلمان والبرلمانية ، وطرحوا السلطة بشكلها الثوري لبناء دولة العمال والفلاحين ، كما ناصروا القضايا القومية ( القضية الفلسطينية ) ، ( الصراع العربي الإسرائيلي ) ، والدولية ( حرب الفيتنامي ) ،و الصراع ( الصيني – السوفيتي ) وأثره على حركات الرفض في تلك الفترة .

الآن مرت أربعون سنة عن تلك الأحداث ، ولم يبق منها غير الذكريات. لكن ألا يجدر بنا أن نطرح سؤالا عن سبب الفشل في الوصول إلى الهدف الاستراتيجي الذي خطط له شباب تلك المرحلة ؟. لقد ثار شباب اروبة على النصية الجامدة للماركسية ، فروجوا بديلها إيديولوجيات وصفت بالمتطرفة ، كما ثار شباب المغرب على ماركسية حزب التحرر والاشتراكية ، وماركسانية الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، ليعتنقوا الماركسية في نصها الثوري النقي الذي يسموا بصاحبه إلى مصاف المراتب العليا في النضال . فهل فشل نصية الماركسية الاروبية وماركسية المحيطات ، يعتبر السبب في فشل المشروع ألتجديدي في الماركسية ، رغم كثرة التنظيرات والإصدارات في النظرية الماركسية . بمعنى آخر هل كان التعامل مع الماركسية سياسيا أم ثقافيا ، حيث غلب التنظير على الواقع . وهو ما يطرح بإلحاح أزمة النظرية الماركسية سواء في نصها التقليدي الجامد ، أم في نصها ألتجديدي المنقح ؟

إن فشل مشروع الشباب الثوري في ماي 1968 ، هو فشل للنظرية التي وظفها ذاك الشباب لتركيز التناقض الأساسي مع كل ما هو مؤسساتي . فشلت الماركسية الاروبية التقليدية ( ماركسية الأحزاب الشيوعية الستالينية ، الحزب الشيوعي الفرنسي الذي لم يخفي زعيمه الراحل جورج مارشي افتتانه بالنموذج السوفيتي الذي وصل به الأمر إلى تأييد التدخل السوفيتي في براغ ، وهو ما كان له الاثر السلبي على الوضع التنظيمي للحزب داخل المجتمع الفرنسي ) ، كما فشلت الإصلاحية الماركسية في نصها التجديد ( الاروشيوعية ) ممثلة في الحزب الشيوعي الإيطالي والحزب الشيوع الأسباني . وفشلت الماركسية الثورية التي اعتنقها شباب تلك الفترة كموضة تمردية على كل ما هو أصيل وتقليدي في الماركسية والمجتمع الذي تواجدت فيه تلك الحركات ( المجتمع الرأسمالي ).وبعبارة أخرى هل كانت الماركسية في أزمة بنيوية وعقائدية ( إيديولوجية ) ساهمت في فشل المشروع ليس فقط في دول المركز بل في دول المحيط التي كانت تساير وتقلد المركز في شؤونه العامة ؟ .

لقد تسائل العديد من المهتمين بتلك الأحداث من خلال الريبورتاجات التي قدمتها مختلف القنوات الفرنسية والألمانية عن أحداث ماي 1968 مؤخرا بمناسبة مرور أربعين سنة عن تلك ( الثورة الثقافية الطلابية ) ،عن أزمة النظرية الماركسية التي عرفت ظهور خطوط كثيرة في النظرية الماركسية ،معتبرين أن التحريفية والإصلاحية والستالينية كانت من اكبر الزلات التي عرفتها الماركسية وساهمت في انتصار المنظومة الرأسمالية على المنظومة (الاشتراكية ) التي لم تتخلص أحزابها من توظيف الماركسية بما كان يناسب جماعة المكتب السياسي التي أبعدت البلاشفة عن الحكم ، ولتسقط من حيث لا تشعر في تطبيق مفهوم الاستبدالية ( استبدالية الحزب عن البلاشفة ) و( استبدالية المكتب السياسي عن الحزب ). وبدورنا نطرح السؤال التالي :هل عجز حركة شباب ماي 1968 ناتج عن عجز النظرية الماركسية نفسها لأنها لم تعد صالحة وتتلاءم مع أوضاع القرن العشرين الذي يختلف عن القرن التاسع عشر الذي ظهرت فيه الماركسية من خلال منظريها وفلاسفتها البرجوازيين ( ماركس – انجلز ) ، أم إن سبب الفشل يتعدى صلب النظرية الماركسية كفلسفة متناقضة وتتعلق بالجانب البنيوي في الماركسية ، أم إن مصدر الخلل ، وهنا اخص بالذكر المغرب، يكمن في قصور الوعي والفكر الماركسي المغربي عن استيعاب الماركسية بطريقة علمية ، ثم أقلمتها وتطويعها لتستجيب للخصوصية المغربية ؟. وبمعنى آخر إن الأطر الماركسية المغربية التي تحملت مسؤولية التنظير للمشروع العام ،تعاملت مع الماركسية كنص جامد مقدس ، لكنها حينما أرادت نقل النص بأرتودكسيته إلى الواقع اصطدمت بمجموعة من الثوابت الكامنة في البنية الاجتماعية والتاريخية والمؤسساتية ( الاسلام ) و ( الملكية )التي اعتبرت بمثابة الصخرة الصلبة التي تحطم عليها المشروع الماركسي برمته ، أي ليس فقط الماركسي اللينيني ( ماركسية اليسار الجديد ) منذ ماي 1968 ، بل ماركسية الأربعينات من القرن الماضي لما عجز ( الحزب الشيوعي المغربي )رغم استبدال حلله من ( الشيوعي ) إلى ( التحرر ) والى ( التقدم والاشتراكية ) أخيرا ، من تطويع الماركسية بما يناسب الخصوصية المغربية ، حيث لم يستطع الحزب أن يتخلص من نزعته البرجوازية ، لكي يصبح ممثلا حقيقيا للطبقة العاملة التي لم يضنيه تلويك شعار الدفاع عن مصالحها . لقد وصف احد الماركسيين الثوريين ( ح ط) من ( منظمة 23 مارس ) الماركسية اللينينية ( الحزب الشيوعي المغربي ) الذي أصبح ( حزب التحرر ) تم لاحقا ( حزب التقدم والاشتراكية ):" إن الحزب الشيوعي المغربي رغم ادعاءه تشبته بالنظرية الماركسية اللينينية ، إيديولوجية الطبقة العاملة ،فهو في الحقيقة لا يفعل أكثر من تمثيله مصالح البرجوازية البيروقراطية وطموحها إلى السيادة في المجتمع ، انه بالإضافة إلى قاعدته الاجتماعية الضيقة يستقطب فئة محدودة من البرجوازية الصغيرة التكنوقراطية ومن المثقفين البرجوازيين الصغار . أما ادعاءه تمثيل مصالح البروليتاريا فهو ليس إلا من باب الدعاية والتضليل التي أثبتت عنها التجربة التاريخية لهذا الحزب ."

إن الإجابة عن جميع الفرضيات التي طرحناها كأسئلة أو استفسارات عن عدم تمكن المشروع الماركسي اللينيني من إنجاز ما تضمنه محتواه ، ترجع بالأساس إلى أزمة النظرية الماركسية كفلسفة ونظرية تدعي العلمية ، وهي أزمة لم تبدأ منذ ظهور المشروع الماركسي اللينيني ، لكنها أزمة ترجع بالأساس إلى تاريخ ميلاد الماركسية على يد أباطرتها الأولين ( كارل ماركس) و( فريديريك انجلز ).

إن ظهور خطوط واجتهادات باسم التجديد في الماركسية ، هو دليل على النقص النظري والتا طيري الذي عانت منه الماركسية ، ومن ثم أدى هذا الاختلاف في الفهم والاستيعاب للنظرية الماركسية ، إلى ظهور ليس فقط ما يحاول به الماركسيون اللينينيون تبرير موقفهم للتغطية على أزمتهم التي سببتها أزمة النظرية الماركسية ذاتها ، أي وجود طرق مختلفة نحو الاشتراكية ( لينين )، لكنه أدى إلى صياغة اجتهادات وتفسيرات مخالفة كانت تنتهي في الغالب بإلصاق أقبح النعوت ( بالرفيق ) المخالف ، وفي أحيان كثيرة كانت تؤدي إلى الاصطدامات التي وصلت حد الدموية لحسم الصراع بين رفاق الخط الواحد والدرب الواحد . وكمثال الصراع بين حزب خلق وحزب بارشام أي الراية والشعب في أفغانستان ، والصراع بين أجنحة الحزب الاشتراكي اليمني، ثم الصراع الذي عرفه الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي خاصة خلال الحقبة الستالينية . وهو نفس الصراع عرفته منظمات الحركة الماركسية اللينينية المغربية خارج السجن وفي داخله والذي وصل بأحدهم ألا يتردد في القول ومن داخل السجن ، انه لو كانت الظروف مؤاتية لما ترددنا في تصفيتهم ، أي تصفية منافسيهم الموجودين معهم في السجن .

ظهرت منذ الثلاثينات من القرن الماضي عدة آراء وتاويلات وخطابات متناقضة في التعاطي مع الماركسية . وإذا كان ( كارل ماركس ) و ( فريديريك انجلز ) يؤكدان في النظرية الماركسية على إجبارية حزب الطبقة العاملة ، الحزب الماركسي اللينيني كطليعة ثورية موكول لها تغيير الشأن العام ،فان اروبة عرفت خلال نفس الفترة عديدا من السجالات بخصوص الماركسية ، فكانت تحاول تفسير الماركسية ، ليس كما صاغها أباطرتها في القرن التاسع عشر ، ولكن كما فهمها الدارسون لها . إن ( غرامشي ) و ( لوكاتش )وغيرهم من الماركسيين الذين عرفتهم اروبة ، محوروا الماركسية باتجاه نزعة إنسانية وتاريخية ، لاعتبارهم إن ، الماركسية ، تتميم للتراث الإنساني وللقيم الإنسانية الكونية لعصر الأنوار والفلسفة ، ومن ثم سنجد انه من الطبيعي أن يختلفوا مع ( ماركس ) في مفهوم حزب الطبقة العاملة الذي سيعمل على تطبيق دكتاتورية الطبقة العاملة . لذا سنجد أن اجتهادهم في الماركسية سيؤدي بهم إلى خوصصة الماركسية بما يناسب ظروف المجتمعات ذات الخصوصيات المختلفة . لقد طرحوا مفهوم ( الكتلة الاجتماعية التاريخية ) الذي يلغي الدور الأساسي للطبقة العاملة وحدها في تغيير الشأن العام ، ومن ثم فان دور الطبقة العاملة سيتحدد من خلال الدور الذي تمليه فقط شروط التحولات الاجتماعية ، أي دون أن تكون الطبقة العاملة هي المحرك الأساسي لوجه التاريخ .

الملاحظ أن نفس الاتجاه نلاحظه في التجربة الرومانية ( نيكولاي تشاوسيسكو ) ، في التجربة اليوغسلافية ( رابطة الشيوعيين اليغسلاف لجوزيف بروز تيتو ) ، في تجربة الحزب الشيوعي الألباني ( محمد أنوار خوجة ) وستجده كذلك في التجربة الصينية ( ماو ) ، التجربة الكمبودجية ( بول بوت ) والتجربة الفيتنامية ( هو شيمينغ )..الخ.

إذا كانت الأحزاب الستالينية قد أفاضت في اطلاق نعوت التحريفية والبرجوازية على التجارب الرومانية واليغسلافية وتجربة الآروشيوعية ، فان الماوية التي تبنت الماركسية ، وبخلاف التجارب السابقة في الماركسية ، عرفت كاتجاه من بين الاتجاهات المطورة للماركسية بما كان يناسب خصوصية الصين التي انغمست في وطنيتها الشوفينية على حساب الاختيارات الأممية . واعتمدت في ثورتها لأول مرة على العمال الفلاحين ، وليس على عمال المصانع ( البروليتارية ) الذين وعدهم ماركس بمستقبل ( زاهر أو مزدهر ). فهل ظهور خطوط في الماركسية دليل على فشل تنبؤات ( ماركس ) ،حيث أن الثورة العمالية لم تحصل في الغرب الرأسمالي ، لكنها حصلت في روسيا القيصرية الفلاحية والمتخلفة . لقد وصف ( كارل ماركس ) الطبقة العاملة الإنجليزية منذ منتصف القرن التاسع عشر بنها فقدت حسها الثوري ، أي أنها لم تعد ثورية بمفهوم ( ماركس ) للثورة .

إلى جانب الماركسية التقليدية النصية ، ظهرت اتجاهات جديدة في الماركسية ،اعتبرت من طرف النصيين بالمتطرفة ،دعت إلى ضرورة تجاوز أطروحات ماركس ، خاصة في ما يتعلق بمسالة حزب الطبقة العاملة . إن من بين متزعمي هذا التجديد في الماركسية يمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر ( هربيرت ماركوس ) ، ( لوسيان غولدمن ) ، ( مارشال شاتز ) و كتابات ( بنديت كوهين) في جريدة ( النضال العمالي ).. الخ. لقد اجمع هؤلاء على انتقاد ما أسموه الخطوط التحريفية في الماركسية ، التي تحاول دمج الإنسان في مجتمع يسيطر عليه الكبت والقمع السياسي والجنسي ، فرفعوا شعارات من قبيل تحرير الأفراد من الاستلاب والقمع الجنسي والسياسي والاجتماعي في نمطيه الشرقي والغربي .

كما انتقدوا الأحزاب الشيوعية التقليدية الاروبية التي لا تزال تعتقد في الطاقة و الامكانات الثورية للطبقة العاملة ، بسبب اندماج هذه الأخيرة الطوعي في مجتمع الوفرة والاستهلاك . أي أن وضعها الطبقي داخل النظام الرأسمالي تحسن بما مكنها من الاندماج في النظام الرأسمالي ومسايرة نمط الإنتاج الغربي ومن تجاوز ماركسية القرن التاسع عشر التي كانت تستجيب لأوضاع الطبقة العاملة خلال تلك المرحلة – يا عمال العالم اتحدوا -- .لهذا يمكن أن نفهم لماذا ظلت الطبقة العاملة الاروبية خلال أحداث ماي 1968 متخلفة وغير مبالية بما كان يجري أمام أعينها ، تلك الأحداث التي تزعمتها بالدرجة الأولى الانتلجانسيا الثورية التي تمردت على كل ما هو مؤسساتي . إن الوضع الاجتماعي للطبقة العمالية الاروبية جعلها غير قادرة على القيام بالمهام الثورية ، وعوض أن تؤثر في الأحداث طبقا لتنظير ( ماركس ) الشاب ،فإنها كانت تلهث وراءها . إن موقف اليسار الجديد في الغرب من البروليتاريا ، كان موقفا رافضا لها كطبقة محافظة ، لا مبالية ، ومندمجة بالكامل في النظام الرأسمالي . إن جدلية ماركس لم تكن أبدا قادرة أن تتصور أن أمريكا التكنوقراطية ستنتج عنصرا ثوريا في شبابها ، كما أن البرجوازية وجدت عدوها الطبقي في الجانب الآخر من مائدة الإفطار في صورة أبنائها المدللين وليس في المصانع.

إن الاعتماد على نضال المثقفين الثوريين وعلى الطلبة والتلاميذ والمهمشين بدل الاعتماد على الطبقة العاملة ، كان من وحي الفكر الفوضوي المغامر . إن ذيوع أسماء ( هربيرت ماركوز ) ، ( لوسيان غولدمان ) و ( مارشال شاتز )الخ خلال أحداث ماي 1968 ،كان نفسه الترديد الذي ردده شباب المحيطات الذي نهل من أفكار تلك الفترة ، فركز بدوره على الطلاب والتلاميذ والمثقفين الثوريين ، حيث كان الصراع ثقافيا سياسيا أكثر منه تنظيميا . لقد كان الفهم الخاطئ لماركسيي المحيطات يرتكز على النقد بين البعد الاجتماعي للتحليل النفسي ،وبين البعد النفساني والفرداني للماركسية من اجل صياغة نظرية جديدة للتحرر . ومن خلال هذا الفهم المقلوب للنظرية الماركسية ، يلتقي مع حلم التمرد والرفض الشامل مع تشاؤم عميق في إمكان قيام ثورة عمالية ، ثار شباب المرحلة معتبرين أن الطبقة العاملة التي فقدت حسها الثوري ، أضحت عاجزة عن القيام بالثورة بفعل اندماجها الكلي في نمط الإنتاج الرأسمالي . إن إقرار المفكرين المتطرفين والفوضويين ، باستحالة قيام الطبقة العاملة بإنجاز الثورة ، وتركيزهم على الدور الجديد للمثقفين الثوريين في تحقيق ما عجزت عن تحقيقه الطبقة العاملة ، يعتبر في حد ذاته أهم اتجاه تازيمي عرفته النظرية الماركسية ، ومعها باقي فعالياتها التنظيمية التي فشلت في الاستيلاء على السلطة ، وتغيير تكتيكها بالتحول عن الإضراب السياسي الطبقي إلى الإضراب الاقتصادي . إن ثورة الطلاب في الولايات المتحدة الأمريكية وفي اروبة الغربية في ماي 1968 هزمت لا سباب عديدة ،من أهمها جمود طبقة العمال التي دلت بوضوح ليس فقط أنها طبقة غير ثورية ومتخلفة عن الطلاب والمثقفين الثوريين ، بل لأنها أصبحت طبقة محافظة . لقد وصف احد المفكرين الفرنسيين اليساريين الوضع في ذلك الوقت بقوله " يجب أن يقال بهدوء وصلابة أن البروليتارية الصناعية كانت في مايو 1968 تشكل المؤخرة وليس الطليعة الثورية ".

إذا كان الماركسيون لم يتفقوا على صيغة واحدة في فهم الماركسية ، فطرحوا أشكالا مختلفة كتصورات منطقية لفهم الماركسية ..إذا كان هذا الاختلاف يفسر العجز الذي سجل في النظرية الماركسية ، فان التحولات التي عرفتها المجتمعات التي كان ( ماركس )ينظر بانتشار الثورة العمالية فيها ، كذبت تنبؤات ( ماركس ) بخصوص مواطن الثورة ، ومكن الإيديولوجية البرجوازية من تحقيق نصر تاريخي على الإيديولوجية الماركسية . إن الصراع التاريخي بين الايديولجيتين التي ساهمت فيه التركيات الاجتماعية المختلفة خاصة طبقة العمال التي راهن عليها ( ماركس ) في قيادة الثورة ، جعل النظرية والإيديولوجية الماركسية تعيش في حلقة مفرغة ، ولا تتعدى إثارة الأسئلة المحرجة حول العجز البنيوي والنظري في الماركسية وداخل الطبقات والمجتمعات المختلفة . ومن وجهة نظرنا ، فإننا نرى أن التقدم التكنولوجي الهائل الذي حققه المجتمع الغربي ، كان السبب الرئيسي في هزم الإيديولوجية والنظرية الماركسية في عقر دارها ( المصنع الغربي الرأسمالي ) . ويمكن تفسير هذا التحول من خلال التحولات التي عرفها العالم منذ القرن التاسع عشر مرورا بالقرن العشرين ووصولا إلى القرن الواحد والعشرين ، حيث السيادة في المجتمع الغربي للأحزاب المحافظة والأحزاب اليمينية المتطرفة ، وحيث السيادة في العالم العربي والإسلامي للحركات الإسلامية بمختلف أطيافها ومشاربها التنظيمية .

إن المعمل الرأسمالي في العقود الأخيرة من القرن العشرين يتناقض جوهريا وأساسيا مع أقوال وت نظيرات ( ماركس ). فإذا كان هذا الأخير يرى أن مصدر ربح الرأسمالي هو استغلاله لقوة عمل العامل ، لان تلك القوة تكون هي الأساس لكل قيمة إضافية ، فان الواقع الحالي للغرب الرأسمالي أضحى مناقضا لمثل هذا التنظير . إن وقائع المعمل الرأسمالي الجديدة نظرا لاعتماده على التكنولوجية المتطورة ، وباستخدامه للإنسان الآلي ، فان الإنتاج أصبح بالتالي إنتاجا اتوماتيكيا تماما . أي أن المعمل الجديد أصبح مستغنيا كليا عن العمال . إن أرباح الرأسماليين لا يتم استخراجها من استغلال قوة العمال التي لا وجود لها في هذه المعامل ، بل يتم استخراجها من التكنولوجية المتطورة ومن الإنسان الآلي الذي لن يستجيب أبدا لدعوة ( ماركس) " يا عمال العالم ( الآلي ) اتحدوا"..

إذن من خلال فشل تنبؤات ( ماركس ) وظهور تيارات وتاويلات في النظرية الماركسية ، يمكن القول أن الماركسية كفكر وإيديولوجية عاشت منذ النصف الثاني من القرن الماضي بالتحديد أزمة خانقة ، وأصبحت معزولة عن مختلف الإيديولوجيات التي عبرت وتعبر عن تطلعات فئات جديدة وأساسية داخل المجتمع . و" المفكر الماركسي المعاصر أصبح يرفض عادة طبقة العمال كطبقة ثورية ، أو حتى كقوة تقدمية ..." . إن العجز النظري والتنظيمي الذي عانت منه الماركسية سبب في ظهور تيارات وحصول انشقاقات داخل التنظيمات الماركسية و الأحزاب الشيوعية بدعوى إيجاد وضع جديد يحافظ على نقاوة النظرية وصفائها ، وهي المحاولات التي باءت كلها بالفشل بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق وتحطيم جدار برلين الذي كان يفصل بين المعسكرين المتقابلين (الاشتراكي المنحل ) و ( الرأسمالي الجشع ).

إذا كانت النظرية الماركسية عانت في المجتمعات المتقدمة ،أزمة التأثير الفكري البنيوي والتنظيمي ، وفشلت في تحقيق تنبؤات ( ماركس )الثورية أمام صعود الإيديولوجية البرجوازية وإيديولوجية اليمين المحافظ واليمين المتطرف ... فما هي الأسباب الرئيسية التي كانت الحجرة الصلب التي تحطم فوقها المشروع الماركسي اللينيني والنظرية الماركسية اللينينية ؟ . هل نفس الأسباب التي أدت إلى إفلاس المشروع في الغرب الرأسمالي هي نفسها أدت إلى إفلاسه في المغرب بصفة خاصة وفي الوطن العربي بصفة عامة ؟. أم أن هناك عوامل وأسباب أساسية ترتبط بالخصوصية المحلية والمحيطية هي التي ساهمت في إفشال الماركسية والمشروع الماركسي برمته في دول المحيط ؟. وهل يمكن اعتبار المراجعات التي قامت بها العديد من الفعاليات التي اعتنقت الماركسية ونظرت للمشروع الماركسي للنظرية الماركسية كانت محاولة بائسة لانقاد المشروع وتطعيم النظرية الماركسية باجتهادات يضفي عليها ديناميكية وطاقة جديدتين لتساير التطورات المتعاقبة والسريعة التي فرضت نفسها على الواقع الاجتماعي العربي بصفة عامة والواقع السوسيو اجتماعي المغربي بصفة خاصة ؟.

إذا كان لينين قد قال " بأنه لا يمكن فصل المسائل السياسية ميكانيكيا عن مسالة التنظيم " . وإذا كان ستالين قد قال " إن التنظيم هو شكل التوسط بين النظرية والممارسة "، فانه من الصعب أن نفصل المشروع الماركسي في الغرب الرأسمالي أو في المغرب عن النظرية الماركسية . إن فشل المشروع الماركسي اللينيني في المغرب ، وان فشل الماركسية النظرية العلمية التي اعتنقها اليسار الماركسي اللينيني السبعيني ، أو تلك التي روج لها الحزب الشيوعي المغربي ، لا ترجع بالأساس إلى تفوق الإيديولوجية البرجوازية في صراعها على الإيديولوجية الماركسية ، ولا ترجع إلى سبب أن المغرب يتوفر على بنية تكنولوجية صلبة ومتطورة . لكنها ترجع في الأصل إلى اعتبارات وعوامل تعتبر ثوابت راسخة غير متحركة في ثقافة الموروث الأيدلوجي المغربي عبر قرون وأساسها الدين الإسلامي والنظام الملكي و اعتبار الملك أميرا للمؤمنين ، وهو ما يجعل المجتمع المغربي المسلم والدولة التي تنص جميع الدساتير على اسلاميتها ، يرفضان جميع الإيديولوجيات الملحدة .

إن المغرب وبخلاف الأنظمة السياسية العربية لا يميز بين الدين وبين الدولة . وجلالة الملك بوصفه أميرا للمؤمنين كما يجسد ذلك الفصل 19 من الدستور ، إضافة إلى عقد البيعة الذي يجمع السلطان بالرعية طبقا لما تمليه هذه العلاقة من هيبة ومسؤولية وسلطات تجعل الملك يرتبط مباشرة بالشعب وليس بالأحزاب .. كان خصوصية فريدة في النظام السياسي المغربي وشكل الدولة في المغرب التي تصبغ بالطابع الديني كمرجعية يرجع لها الملك لفرض الخصوصية المغربية بشكل ديني صرف حتى ولو اقتضى الأمر تجاوز الدستور الذي يخضع لرغبات المشرعين .وكمثال عن هذه الخصوصية ، نذكر بمعاهدة الاتحاد بين ليبيا والمغرب التي أبطلها الحسن الثاني رحمه الله من جانب واحد . ولما طالبت ليبيا بضرورة اعتماد المنهجية الديمقراطية في ذاك الحل ، أي أن يتم حل الاتحاد بالاحتكام إلى الاستفتاء الذي اقر المعاهدة ، أي الشعب ، فان ليبيا نسيت أو أنها كانت تجهل أن النظام في المغرب ولمسايرة التطورات السريعة التي تفرض نفسها بسرعة ولم تكن منتظرة ، يمكن أن يتصرف خارج الدستور المكتوب ،لان شكل الدولة في المغرب يأخذ بنظام البيعة التي التجأ إليها الحسن الثاني عند إلغائه المعاهدة من جانب واحد ، ودون المرور بالاستفتاء الشعبي ، لأنه بمقتضى عقد البيعة يكون الشعب قد فوض للملك مباشرة حق التصرف بالنيابة عنه في الأمور الاستراتيجية التي تهم الدولة ،وهذا ما كانت ليبيا تجهله ،كما كان يجهله أساتذة إدريس البصري في القانون الدولي عندما استقدموهم إلى التلفزة لشرح أبعاد الحل ( حسبي ، السرغيني ).

إن هذه الخاصية المغربية الفريدة التي تجعل المغرب يختلف عن غيره من الأنظمة السياسية ، والتي وحدها تضفي على المغرب مغربيته ،أي لو لاها لما كان شيء يطلق عليه الدولة العلوية ،هي التي لعبت الدور الرئيسي في جعل النظرية الماركسية والمشروع الماركسي لا يتعدى مناقشة سقف النظرية الماركسية في شكل ثقافي و سجالي . لذا وأمام المأزق الذي دخلت فيه الماركسية ، سواء التقليدية التي تبنتها الأحزاب الشيوعية التقليدية ،أو التجديدية التي تبناها شباب 1968 ، وأمام أفول المشروع الماركسي ألدولتي وتحول اليسار إلى بقايا وأشلاء متناثرة هنا وهناك ، وأمام أفول ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي السابق ومعه المنظومة( الاشتراكية ) طرحت عدة أفكار لمراجعة الماركسية سواء في دول المركز أو في دول المحيط . وإذا كان التطور التكنولوجي الهائل في الغرب وراء انحسار المد الماركسي ،فان محاولات المحيط ومن ضمنه المغرب الرامية إلى اسلمة الماركسية وتعريبها ثم مغريتها كان مصيرها الفشل كذلك " .. ننتهي بهذه الفكرة ليس إلى قدح الصراع بين المذاهب الفلسفية ، ولكن إلى نقد فكرة الانتصار الساحق الكلي لفلسفة معينة على الفلسفات الأخرى ( قومية أو إسلامية ) وبمحوها على صعيد المجتمع بأسره... إن إتباع هذا السبيل لا جدوى منه وينتهي بأصحابه إلى الباب المسدود ...ولا نعتقد الآن من يثق بادعاءات قادة حزب العمل الألباني حول القضاء النهائي على الأديان .. الخ " .

لقد اعتبر احد قادة شباب ماي 1968 المغربي أن الموقف الدغماتيكي من الدين الذي يشكل ثوابت راسخة في الفكر الشعبي المغربي ، كان من احد الأسباب الهامة التي ساهمت في فشل انتشار الفلسفة الماركسية وتجسيد المشروع الماركسي في المغرب "..في أواخر السبعينات ( من القرن الماضي) قامت منظمة العمل الديمقراطي الشعبي بمراجعة نقدية لخطها السياسي . ولقد نشأت عن هذه المراجعة النقدية أن تغيرت خطتنا تغييرا جذريا .. إن القطيعة الإيديولوجية التي أفضى إليها الخلاف داخل ما كان يسمى بالحركة الماركسية اللينينية المغربية في ما مضى لم تكن بسبب الاختلاف حول أجوبتنا السياسية المباشرة على الظرف الراهن ، بل كانت بالأساس بسبب التناقض الذي حصل واتسع بين منظومتين فكريتين لم يعد يجمعهما قاسم مشترك كما كان عليه الحال في السابق ... من خلال تلك المراجعة النقدية بالقدر الذي أصبحنا فيه على طلاق مع رؤية نعتناها وحكمنا عليها بالطبقوية ... وهذه الأسئلة لم يكن همها إلا الإشارة الى الإشكالات التي مازالت تواجهها الماركسية اللينينية في النظر والعمل متوخيا القول بان هناك قضايا جديدة لم يكن يعرفها لا ماركس ولا لينين ولا النظرية الماركسية اللينينية ... إن الماركسية اللينينية كنصوص ومادة خام لا تقدم لنا نفسها مباشرة ككتابات في الطريقة والمنهاج إلا نادرا ...الخ " .

لقد اعتبر الأستاذ ( ماكسيم رودنسون ) من خلال بحثه في محاولة فهم أسباب عجز الماركسية في البلاد العربية والإسلامية ، فارجع ذلك إلى سبب شمولية عقيدة الإسلام وتجدرها في مختلف الأوساط وقدرتها على توجيه المسلم حتى في ابسط سلوكياته اليومية .، وهي الرسالة التي تلقفتها مختلف التيارات الماركسية حيث أصبحت تدعو إلى ضرورة " إعادة النظر باطروحات الحركة الدينية " ،( المقصود بالحركة هنا الحركة الماركسية) .

نستخلص من هذا التحليل أن أزمة النظرية الماركسية سواء في شكلها ألتقلدي النصي كما تعاملت معها الأحزاب الشيوعية التقليدية ،أو الماركسية في نصها التجديدي التطويري كما أراد لها شباب ماي 1968 لم ولن تعرف طريقها إلى اختراق الشارع المغربي ووجدان المواطن المغربي . وهذا راجع في نظرنا إلى سببين أساسيين : السبب الأول هو تشبت المواطن المغربي بالدين الإسلامي وبالنظام الملكي الذي تجسده إمارة أمير المؤمنين واعتبار الملك أميرا للمؤمنين ( الدولة الدينية ) (الدستور ينص على إسلامية الدولة) ( عقد البيعة الذي يجمع الملك كأمير للمؤمنين وليس كملك عصري بالشعب ).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.