الغمزة في القرى وبيس بيس في المدن لم يكن جيل الستينيات وحتى مطلع السبعينيات، وهو يسعى إلى ربط علاقة مع الجنس اللطيف، يتجاوز حدود اللياقة والاحترام، أو يستعمل بشكل مكشوف ألفاظا ساقطة ونابية مثل ما هو مشاع في عالم اليوم. "" كان جيلا مجبولا على الحياء والحشمة خصوصا في العالم القروي، الذي تكن تلوثه بعد عوامل الماديات والاستهلاك أو التعدي بالخصوص على المرأة، بكل ما يحمله هذا السلوك من معاني الرجولة والمروئة، وبالتالي كانت مفرداته وكلماته في مخاطبة الجنس الآخر محتشمة إلى حد ما. إنه جيل كان يترك مكانه للمرأة في الحافلة للجلوس، كما كانت المرأة تخاطب الزائر الغريب من وراء الباب . ربما كان أقصى ما يتلفظ به الأطفال والشباب في سنوات الطيش، حين يرون شخصا برفقة فتاة ،غالبا ما تكون خليلته أو عشيقته أو زميلة في العمل، أن يصيحوا من بعيد، وهم يطلقون سيقانهم للريح :"أطلق الدجاجة لمواليها تبيض وتوحل فيك وفيها "أو إذا تجرأ أحدا وكان بالفعل "صالقوطا "من الطراز الأول يقول لها " أفين أزين مانشفوكش" لترد عليه هي الأخرى حسب الطقس "تشوف عينك عود "أو"عنداك خويا جاي " وهي كلمة في كل الأحوال مشجعة على تكرار"العودة" كما يقال في المحاكم، وعلى استمرار المحاولات حتى "تطيح" الضحية وتصبح طيعة في اليد ، كالخاتم كما يحلو للنساء قوله في رجل يهاب زوجته. "التصياد " أو التحرش بالجنس الآخر، لم يعد ظاهرة تثير الاستنكار، وتلفت الآذان والأبصار كما كانت بالفعل في السابق، لم يكن داخلا في ثقافتنا وتقاليدنا وأعرافنا ، في المدن والحواضر كمدينة الدارالبيضاء، ربما تعلم الشباب والمراهقون عملية التغزل بالفتيات من خلال الاحتكاك ومخالطة الجاليات الأجنبية التي كانت ما تزال تقيم في المغرب: الطليان والفرنسيون والإسبان، الذين كانوا غالبا ما يعبرون عن إعجابهم بفتاة عبر إطلاق الصفير مصحوبا ببعض كلمات الإعجاب . كما أن أدوات "التصياد " أو"المراودة بلا قد الأقمصة ( قصة سيدنا يوسف ) " لم تكن متاحة للجميع منها "التوفر مثلا على دراجة "فيسبا "أو "سوليكس " إلى أن تحل السيارة التي ستقلب الموازين وتتحول إلى خمارة وفندق متنقل، ومن عدة "الصيد " أيضا التوفر على بذلة لائقة "حتى من عريوة دار كسيوة " ومظهر جذاب "فريزي " و"سروال طاي باص" و "بات إيليفان " أي أن تكون "زاز" بلغة تلك الأيام، و"عيشك أزا زو بشويا يمشي ويجيء بشوية ". وبالتالي لم يكن لمعدم أو فقير حظ في الوصول إلى الجنس اللطيف " أفين الغزال، أولا جيبنا مثقوب أو برادنا مشروب". في ما بعد سيأتي دور "الموبيليت " وفي ذلك شاعت لازمة كانت على لسان الشباب والمراهقين تقول : "بيس.. بيس.. حرف صيد وتلويط مبني على الموبيليط المانع من ظهوره الليصانص ولاسورانس ". للأمازيغ أيضا تحرشاتهم، كأحدهم كان معروفا في ذلك العهد، وتحديدا في قرية أبي الأنوار التابعة لنفوذ مدينة خريبكة، كان مستخدما في المكتب الشريف للفوسفاط ، اقتنى سيارة "أوبيل " (أوبيل اسنت لمليح ) وكان يتغزل فيها وبها وعليها، وحينما يقترب من شابة أو امرأة يقول "ألمعندو لوبيل ماعندو الحياة ". في عالم القرى والبوادي المغلق كان من الصعب أن "تنك" على امرأة كيفما كان وضعها فالمجال لم يكن مفتوحا ولا ملائما ، وحدها الأسواق الأسبوعية والمواسم السنوية، وزيارة الأضرحة، كانت تتيح بعض اللحظات المسروقة والخاطفة من الزمن لمعاكسة الجنس اللطيف عن طريق "الغمزة " "ساعة ساعة كيهزني بالغمزة اصحابني نسيتو " أو عن طريق ذهن اللحية مما تبقى عالقا على أصابع اليد من زيوت "السفنج " فتظهر شعراتها ناصعة تخطف البصر بفعل أشعة الشمس، ربما كان هذا يعوض عن "البريانتي "الذي كان مشاعا في تلك الأزمنة وغير متوفر إلا في المدينة. كما هناك معاكسة من الطرف الآخر من الجنس اللطيف نساء يمارسن الغواية، كان البعض من بينهن يضعن عطورا فواحة ومثيرة وبكميات مبالغ فيها على الخصوص، عطر "الريف دور" الشائع آنذاك أو تضع المرأة على شفتيها وخديها "عكر فاسي " وعلى لثة فمها "حرقوسا " يمنحه لونا جذابا ومغريا. أو تطلق سالفا من شعرها "والسالف سالف يا قلبي فوضوي خطير "، أو تغير في مشيتها " بالسململ كيتململ "، أو تضع كحل مرود على عينيها "سر فرعين تجبد خرجت تصيد ساعة تصيدات ". بين التغزل والتحرش خطوط تماس متداخلة، مساحات تستعمل فيها أسلحة إغراء تتراوح بين الكلمات والإيماءات والإيحاءات، إنها مثل الخروج إلى عملية "الصيد" وهي كذلك. إنها حدود متداخلة في عملية "التصياد" هذه قد تفسر على أنها تحمل معنى وإعجابا وتقديرا للآخر أو تفسر أنها تحرش مزعج مستفز. وهي في كل الأحوال عملية "تواصل" تجعل من طرف يدخل في علاقة مع طرف آخر لتتيح له فرصة يستمتع بها للحظات أو تستمر العلاقة وتدوم العشرة، وربما تمخض عنها بنات وبنين, وإذا حادت عملية "الصيد" عن الطريق قد تجلب إليك المشاكل وتدخلك في أقبية الكوميساريات و ردهات المحاكم، مثل ما يحدث في البلدان التي تجرم التحرش الجنسي.