اليمين المتطرف الأوروبي والتقارب المتزايد مع إسرائيل    رحلة العائلة المقدسة: المسيح في مصر بين المصادر الدينية القبطية وخيال الرسامين الأجانب    طقس الأحد.. أمطار ورعد مع رياح قوية بهذه المناطق    المجلس الوزاري يحذف "معهد القضاء" من لائحة المؤسسات العمومية الاستراتيجية    الطالبي العلمي يمثل الملك في حفل تنصيب رئيس جمهورية السلفادور    ريال مدريد بطلا لدوري أبطال أوروبا للمرة الخامسة عشر في تاريخه    الكعبي يتوج كأفضل لاعب في دوري المؤتمر الأوروبي    مفضل يخلف الباكوري بوكالة الطاقة.. والحافيظي وبنعزوز يغادران مكتبي "الكهرماء" و"الطرق السيارة"    الأمن يفتح تحقيقا في وفاة شخص عثر على جثته مدفونة بجدار منزله بطنجة    اللقب رقم 15 في تاريخه.. ريال مدريد يفوز على بوروسيا دورتموند بنهائي دوري أبطال أوروبا    فريق يوسفية برشيد يودع القسم الأول    منظمتان تهتمان بتعزيز الحكامة الرقمية    دول تدعو إسرائيل و"حماس" إلى هدنة    تشيلي تنضم إلى جنوب إفريقيا في دعواها ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية    طنجة.. سيارة تدهس شخصا وسط البولفار وترديه قتيلا    لأول مرة منذ 30 عاما.. الحزب الحاكم بجنوب إفريقيا يفقد أغلبيته المطلقة بالبرلمان    أداء أسبوعي سلبي في بورصة البيضاء    عملية احتيال غير مسبوقة قُبيل نهائي دوري أبطال أوروبا!!    رصيف الصحافة: "الموت المفاجئ" في الملاعب يسائل العناية بصحة الرياضيين    الفلامينغو يمتع جمهور "باب الماكينة"    بلقيس تصور كليب لخامس أغنية لها باللهجة المغربية بتطوان    مستشارون برلمانيون يدعون رئيس الحكومة للتدخل من أجل حل ملف طلبة الطب    الصحراء المغربية.. السفير هلال يندد باستغلال الجزائر لفترة ولايتها في مجلس الأمن    رقم معاملات مكتب السكك الحديدية يتجاوز 1,02 مليار درهم في متم مارس 2024    فاطمة الزهراء قنبوع تكشف رغبتها بتعلم الريفية: "كنحماق على الريافة، وكنموت على الريف"    الإعلان عن هزة أرضية بإقليم تطوان    توقعات لهبات رياح قوية نوعا ما بمنطقة طنجة    "السجلات الإلكترونية" تتوج مديرية الأمن بجائزة التميز الرقمي    جدل عيد الأضحى.. ما الحكم الشرعي لشراء أضحية العيد بالوزن أو الكيل؟    صورة نتنياهو: ما وراء الأكمة    المغرب واليابان عازمان على تعزيز علاقاتهما "الودية تاريخيا والقائمة على روابط الصداقة بين الأسرتين الإمبراطورية والملكية"    الحكومة تعقد مجلسا السبت استعدادا لمجلس وزاري مرتقب في نفس اليوم    المديرية العامة للأمن الوطني تحوز على جائزة "ريادة" للحكومة الإلكترونية    جمعية أنصار الجيش الملكي تدعوا السلطات التطوانية للسماح بتنقل الجماهير العسكرية    محامي الشيبي بعد قرار التوقيف: "اللاعب كرامته غالية.. وسنصعد الأمر في كل الجهات"    تحالف "أوبك+" يعقد اجتماع يونيو حضوريا في الرياض    تحكي جزءا من قصتها.. دنيا بطمة تصدر أغنية "مطلقة"    المغرب يستعد لإعلان صفقة بناء محطة عائمة للغاز الطبيعي المسال في الناظور    كاب درعة بطانطان: اختتام تمرين "الأسد الافريقي 2024"    سوء التغذية يواصل الفتك بأطفال غزة    تعاون مغربي موريتاني لتبادل المعلومات في مجال التحول الرقمي    افتتاح المعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني بتطوان    مراكش.. الأمن يتفاعل مع شريط فيديو لسيدة تتهم طليقها الأجنبي بالجاسوسية    إحياء لأعمال محمد عبد الوهاب ووردة بدار الأوبرا المصرية    افتتاح معرض ضخم للرسم على الجدران وسط موسكو    ياسين بونو يفوز بجائزة أفضل لاعب في نهائي كأس الملك    تمديد آجال الترشح لجائزة الصحافة البرلمانية برسم سنة 2024    "المهرجان الدولي لفن السيرك وفنون الشارع" بتونس    الأمثال العامية بتطوان... (613)    المغرب يسجل 47 إصابة جديدة ب"كوفيد"    جهة الرباط تتصدر إصابات "كورونا" الجديدة    توديع فوج حجاج إقليم تاوريرت المتوجهين إلى بيت الله الحرام    وصول أولى طلائع الحجاج المغاربة إلى المدينة المنورة يتقدمهم حجاج الأقاليم الجنوبية    4 فوائد صحية محتملة للقهوة "رغم أضرارها"    "العلم" تواكب عمل البعثة الطبية المغربية لتقريب خدماتها من الحجاج في مكة والمدينة    عامل المضيق الفنيدق يستقبل الحجاج المتوجهين للديار المقدسة    «الموسوم الوجيه بأعلام آل الشبيه» : كتاب يتتبع مسار العائلة والزاوية الإدريسية لثلاثة قرون    أول مغربية تقاضي أسترازينيكا تصف الحكم القضائي بالتعويض المالي بالمنصف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استدراك على الأستاذ العروي
نشر في هسبريس يوم 28 - 11 - 2013

أمتعنا المفكر الكبير الدكتور عبد الله العروي طوال قرابة الأسبوع في حواره الشيق الذي صنع الحدث الثقافي بالفعل في المغرب، وحرك الركوض الذي ران على الساحة الفكرية لسنوات عدة حتى بتنا نعتقد أن الفكر المغربي أصبح يتيما متقاذفا بين مسترخصين ومستهترين. وذلك يطرح قضية على مستوى من الأهمية، وهي أن مفكر الستينات والسبعينات ما يزال قادرا حتى اليوم على أن يخاطب الأجيال الجديدة، وأن هناك تعطشا إلى الفكر الجاد الذي قد يعرفه الناس حتى من بين أكوام من الزبد تتلاطم كالظلمات.
إلا أن هناك استدراكا لا بد من استدراكه على أستاذنا، لأن "لكل قول ردا" كما قال السابقون. فقد نفى الأستاذ العروي الفصاحة عن القرآن الكريم، وذهب إلى أن لغته ليست لغة فصحى، وأن لغة القرآن "تتضمن كلمات كثيرة ليست فصيحة، كلمات خاصة به"، وإلى أن الكتاب الوحيد الذي "جمعت" فيه الفصحى هو مقامات الحريري، وأن مقامات الحريري كانت لأغراض تعليمية.
والواقع أن الأستاذ العروي قلب كل العلوم اللغوية التي تدافَع العرب إلى دراستها عبر القرون الفائتة. وهو في هذه الفكرة "طعن" من حيث لا يحتسب في أصالة اللغة العربية وأصالة انبثاق القرآن منها. المتفق عليه بين جميع الباحثين اللغويين العرب أن القرآن"معجزة لغوية"، و"أعلى مراتب الفصاحة" كما جاء عند الجرجاني في"دلائل الإعجاز"، وأنه كان الأصل الذي بنيت عليه الدراسات اللغوية والعلمية والأدبية في الحضارة العربية الإسلامية، ما يعني أنه أصبح المرجعية سواء في اللغة أو في غير اللغة، وشكل المحضن الطبيعي الذي استنبطت منه علوم العربية وملحقاتها.
ومن خلال الاستدلال بمقامات الحريري يبدو أن الأستاذ العروي جمع حتى لا أقول خلط بين الفصاحة والاعتياص، مع أن هذه مسألة وهذه مسألة. فالفصاحة ليست ركوب الصعب في التعبير والحوشي من اللفظ، كما هو حال المقامات المشار إليها، بل حسن البيان وجودة السبك ووضوح العبارة، وهذا هو التعريف الوحيد الموجود للفصاحة في كل المؤلفات التي تعرضت لها قديما وحديثا، ما عدا تعريف الأستاذ العروي المتفرد. وإذا كانت مقامات الحريري عربية فصحى دون القرآن فهناك كتب أخرى لا تقل اعتياصا وتمحلا لغويا عنها، وليست"نهج البلاغة"للإمام علي بأدنى صعوبة، وخير شاهد على ذلك هو الشعر الجاهلي وخاصة منه المعلقات وعلى الأخص المفضليات التي جمعها المفضل الضبي. ولو صح أن المقامات كانت تؤلف لأغراض تعليمية لا تعالمية لكثرت المقامات في الأدب العربي كثرة الشعر، ولكننا لا نجد سوى عدد محدود جدا منها.
وركوب الصعب في التعبير لم يقتصر على زمن الحريري، لأنها تعكس رغبة صاحبها في إبراز البراعة اللغوية أو ثراء العربية، كما فعل اللبناني ناصيف اليازجي في"مجمع البحرين" الذي حاول فيه أن يحيي فن المقامة في العصر الحديث، فجاءت مقاماته لا أقل من التمحل اللغوي الذي صنعه الحريري.
وكلمة"فصحى" التي أضيفت إلى اللغة العربية لا تعني سوى أنها أكثر بيانا وفصاحة، والعربية هي الوحيدة التي أضيف إليها هذا النعت بعد أن رأى العرب أنها شرفت بالقرآن الذي جاء فيه أنه نزل"بلسان عربي مبين" أي فصيح. لقد حصل للعربية عكس ما حصل للغات اللاتينية، فهذه كانت كتلة واحدة فتفرقت، بينما كانت اللغة العربية لغات متفرقة في القبائل فجمعت في كتلة واحدة هي التي نزل بها القرآن، رغم أن الجزء الأكبر من لغته قادم من معجم قريش. وكون العرب أطلقوا"الفصحى"على العربية يقتضي أنهم كانوا يعتبرون القرآن رأس الفصاحة، علما بأن الفصاحة ليست الكلمات، بل التراكيب، وقد أسهب الجرجاني في توضيح هذا الأمر حين وضع نظريته في النظم.
أما عن كون القرآن يتضمن كلمات"ليست فصيحة وخاصة به" فالجزء الأول فيه نظر، لأن التأكد من فصاحة الكلمات الدخيلة على القرآن يتطلب أولا معرفة ما إن كانت اللغة التي جاءت منها الكلمات لغة فصيحة عند أهلها أم لا. أما الجزء الثاني من الكلام فغير صحيح، ذلك أن الكلمات التي وردت في القرآن من خارج العربية لم تكن"خاصة"بالقرآن، بل كانت كلمات شاعت لدى العرب، أي دخلت العربية فسكنتها وصارت جزء منها. وقد عقد السيوطي في"الإتقان في علوم القرآن" فصلا سماه"فيما وقع فيه بغير لغة العرب"، ساق فيه أدلة الفريق القائل بأن في القرآن كلمات غير عربية وأدلة الفريق المقابل، لكنه مال إلى الفريق الأول لأنه استدل بآيات من القرآن منها الآية"ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آيته، أأعجمي وعربي؟"، أي مزيج من الإثنين، مما يستدعي أن ليس فيه ألفاظ أعجمية، ومدلول هذا الكلام الذكي يجمع الفريقين معا: نعم، في القرآن كلمات غير عربية، لكنها دخلت العربية فتعربت، وجاء القرآن فوجدها شائعة. فهي إذن لم تكن خاصة به.
هذا استدراكنا على أستاذنا الكبير، وإنا إن شاء الله لمن المخطئين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.