سجن الأوداية يعلق على وفاة نزيل    تطوير العلاقات المغربية البرازيلية يحاصر مروجي الأوهام في أمريكا الجنوبية    وفاة الأمين العام ل"مراسلون بلا حدود"    حماس: سقوط 210 قتلى بالنصيرات    "التراشق بالبالونات" يشهد التصعيد على الحدود بين الكوريتين    استطلاع: الرضا عن خدمات الصحة يتضاعف بالمغرب .. والفساد يخلق الاستياء    قيمة "الأسود" تتجاوز 400 مليون يورو    "لبؤات U17" يخسرن أمام منتخب زامبيا    بايرن ميونخ يحسم في مصير مزراوي مع النادي    حزب التقدم والاشتراكية يربط "التعديل الحكومي" بضرورة إصلاح المقاربات    الأمن يفكك عصابة مخدرات بالرشيدية    "موازين" يتيح اللقاء بأم كلثوم مرتين    وزارة الصحة تعلن حالة وفاة ب"كوفيد"    4170 مستفيدا من منحة الحج لمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين    إضراب وطني يهدد بشل مستشفى الناظور لمدة ستة أيام    قمة الدفاع الجديدي والكوكب المراكشي تنتهي سلبا وحسم الصعود يتأجل للجولة الأخيرة    زياش والنصيري يعتذران للركراكي أمام لاعبي المنتخب المغربي    إحباط محاولة تهريب 196 كيلوغراما من مخدر الشيرا بميناء طنجة    "زمن قياسي".. الجزائر تسحب سفيرها في مصر بعد يوم واحد من تسليم أوراق اعتماده    "لبؤات U17" يخسرن أمام زامبيا في تصفيات المونديال    تسجيل حالة وفاة جديدة بكورونا و22 إصابة خلال الأسبوع الأول من يونيو    ظهور جثة لاعب كرة قدم من مرتيل بعد محاولة فاشلة للسباحة إلى سبتة    فرنسا.. مرشحة تبلغ من العمر 9 سنوات تجتاز امتحانات البكالوريا    "فوكس" المتطرف يصر على تصعيد التوترات بين إسبانيا والمغرب بسبب مليلية    الحج 2024: خمسة آلاف طبيب يقدمون الرعاية الصحية للحجاج عبر 183 منشأة        مطالب بصرف الدعم الاجتماعي قبل عيد الأضحى    السعودية تعلن جاهزية منظومتها الصحية لموسم الحج    أربع أندية أوروبية تتنافس على نجم البطولة المغربية    الفنان خالد بدوي يستحضر فلسطين في المهرجان الدولي للعود في تطوان        الأمن يشن الحرب على مروجي "الماحيا"    السلاح المغربي المتطور يغري الرئيس التونسي قيس سعيد    خبراء برنامج "نخرجو ليها ديريكت": المغرب مقبل على أغلى عيد أضحى في تاريخه بسبب ارتفاع الأسعار    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    22 إصابة جديدة ب "كوفيد-19" (النشرة الأسبوعية)    الباحثة أمينة الطنجي تحصل على شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا بتطوان    الأمم المتحدة تقرر إدراج جيش الاحتلال الإسرائيلي على "قائمة العار"    استئناف المساعدات إلى غزة عبر الرصيف الأمريكي سيتم في الأيام المقبلة    بووانو: ما قامت به الحكومة ليس إصلاحا للمقاصة بل زيادة في الأسعار فقط    الإيسيسكو تستضيف أمسية فنية للاحتفاء بمدينة شوشا عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لسنة 2024    بعد منعها من الغناء بتونس.. نادي الفنانين يكرم أسماء لزرق    وزارة الأوقاف: عيد الأضحى يوم الإثنين 17 يونيو 2024    لاغارد: مصاعب ترتبط بكبح التضخم    مشروع مبتكر .. اطلاق أول مشروع مبتكر الالواح الشمسية العائمة بسد طنجة المتوسط    الدورة ال 12 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة: "متى يحل عهد أفريقيا" لدافيد بيير فيلا يتوج بالجائزة الكبرى    السلطات الدنماركية توقف رجلاً اعتدى على رئيسة الوزراء في كوبنهاغن    كيوسك السبت | المغرب سيشرع رسميا في إنتاج الغاز المسال مطلع 2025    ارتفاع مؤشر أسعار الأصول العقارية بنسبة 0,8 في المائة برسم الفصل الأول من 2024    الأشعري في قصص "الخميس".. كاتب حاذق وماهر في صنع الألاعيب السردية    بن كيران يدعو إلى حل حزب الأصالة والمعاصرة    إدارة الرجاء تلعب ورقة المال للفوز بالبطولة        الأمثال العامية بتطوان... (619)    دراسة: السكتة القلبية المفاجئة قد تكون مرتبطة بمشروبات الطاقة    فيتامين لا    الدكتورة العباسي حنان اخصائية المعدة والجهاز الهضمي تفتتح بالجديدة عيادة قرب مدارة طريق مراكش    "غياب الشعور العقدي وآثاره على سلامة الإرادة الإنسانية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد السلام ياسين..الرجل المجدد
نشر في هسبريس يوم 16 - 12 - 2013

لا يكون الرجل مجددا حتى يتوفرله شرطان أساسيان يستدعيهما منطق التغيير وفلسفته:
الأول: استيعابه لتراثه ولزمنه ولمشكلاتهما استيعابا نفسيا ومعرفياضمن إطار مرجعي محدد، ذلكم أن غياب هذا الإطار هو السبب في إرباك العقل المسلم لقرون، إطار مرجعي حتى يمكنه أن يكون في المنزلة التي تؤهله لتقديم فهم مناسب لما هو عليه حال الإنسان بالمفرد والجمع من التشخيص الذي لا يخطئ المرض والتحقق من أصوله وتاريخه وتطوره، لأن استيعاب التراث شرط لاستيعاب العصر، وهما معا شارطان للتجديد.
الثاني: قدرته على تقديم الأجوبة المناسبة لمساقها الزمني وتدعيمها بالنموذج العملي على الحياة المثالية بمفهومها القرآني في وقت خلد فيه الناس إلى الأرض...،نموذج مفارق يرسخ لحياة العزة في زمن يقدم فيه الناس الدنية من أنفسهم طائعين غير مكرهين، وحياة الاجتهاد والجهاد في زمن بات فيه التقليد والإلتواءوالإمعيةلغة العصر وروحه.
والأستاذ ياسين رحمه الله جمع الله له هذين المزيتين، فكان حقا مجدد هذا القرن ورافع لواء نهضته من مغرب الأرض، فكان أن جدد في المقاصد اجتهادا لا ينفصل عن الوسائل بما أوتيه من روح الجمع وقوة التأليف، فأحيا قيم الدعوة الحقة التي لا ينفصل فيها الهم السلوكي الفردي عن هم الأمة، وأعاد لرسالية الدين وهجها بعد أن خفتت بأيدي المتاجرين التاريخيين بالدين كما يسميهم أبو يعرب المرزوقي ممن ورثوا العلم ثم أضاعوه.
جاء _رحمه الله_ ليجد الأمة وقد غرقت سفينتها في مياه راكدة آسنة، غرقت في التخلف والتجهيل والتضليل والفهم السقيم للدين، وتحكم فيها الصغار من كل لون، ففهم أن معاناتها ليست على صعيد واحد، وإنما على كافة الأصعدة، روحيا وعقليا وسلوكيا، فالأمة لم تعد تنتج غير الآفات والأعطاب، غير أن مصابها الأعظم هو مصابها في صلتها بخالقها، هذه الصلة التي ضعفت حتى استحكم الخوف في النفوس من ضياع المصالح العاجلة، فقدمت السلامة الموهومة على التحرر، فعاشت فيما يمكن أن نسميه بالرق الشعوري والفكري الذي يحبس كل تدفق وكل انطلاق.
فهم رحمه الله أنه ينبغي أن ترفع الأمة والأفراد التحدي حتى يستطيع الإنسان والجماعة أن تنهض من جديد، ذلك أنه من غير تحد ومن غير إحياء لروح الاجتهاد والجهاد في الأنفس والآفاق لا يمكن أن يكون إلا المزيد من التحلل والانهيار، وهذا مصير ضروري حين يفتقد الناس التحديات كما يؤكد فيلسوف التاريخ توينبي، فبَشَّر الإمام رحمه الله منذ زمن بعيد بحديث الخلافة على منهاج النبوة(التحدي الأعظم)، حديث من ورائه، بل وفي جوهر فلسفته دعوة للتخلق الفطري وللتحرر من قيود النفس والظلم والحكم الفردي، فأنكره من أنكره وضعفه من ضعفه، واستخف به محسوبون على العلم بله الجهال زمنا طويلا.
يقول رحمهالله: "التحدي المستقبلي الثقيل في حق الدعوة هو حمل الرسالة لعالم متعطش. وزنُنا السياسي، ولو ثقُلَ بعد زوال وصمة الغثائية، لا يوازي وزننا الأخلاقي الروحي بوصفنا حملة الرسالة الخالدة. بوصفنا مبلغين عن رب العالمين وعن رسوله الأمين. وهو تحدّ لا تقوم له الأمة إن لم يكن التحدي الفردي الذي يُهيب بالمومن والمومنة أن يتجردا من عبودية النفس والشيطان، وأن يتحررا من سلطان الهوى فيبرَآ من مرض الغثائية وداء الأمم وما ينجر إليهما من آفات".
هذا التحرر هو أساس التمدد الحضاري الذي ينتظر الأمة في عالميتها الخاتمة بعد تقزمها وتفتتها وانقسامها إلى ذرات،... تحتاج الأمة لتتحرر أخلاقيا من ثلاث آفات مستحكمة: من الذهنية الرعوية التي تمنع الاستقلال، ومن الأنانية المستعلية التي تمنع الاندماج ومن العادات الجارفة التي تمنع التقدم.
يخبرنا الأستاذ ياسين رحمه الله أنه "لا يكفي أن نعرف ما ينخر في ذاتنا وقوانا الداخلية وإن كانت المعرفة بالمرض مقدمة ضرورية للعلاج. ولا يكفي أن نعرف الحمولة التاريخية ومراحل تطارحها علينا وإن كانت هذه المعرفة شرطا أساسيا. إنما نبرأ من المرض المتوغل ونتحرر من الحمل القاصم للظهور باليقظة الإيمانية والهبة الإحسانية والتعبئة الجهادية. ومع يقظتنا وهبتنا إلى الجهاد نحتاج إلى الاستفادة من تجارب تاريخنا وإلى عرض ما نتج عن أوزار الماضي وسلبياته نستخرج منه دروسا إيجابية لتاريخ مستأنف.
وعندئذ نختار عن وعي كامل، وعن استعداد لما تتطلبه منا المهام العالية. هل نختار الدخول بفرقتنا وتجزئة فكرنا وموروث خلافاتنا في ميزان القوى العالمي تطحننا رحاهم، أو نختار التقارب، فالتفاهم، فالتعاون، فتوحيد النية وتجريد العزم على توحيد الأمة واستعادة ما ضاع من متانة تركيبها الأول".
لم يكن التجديد يوما عند الأستاذ ياسين مجرد تنظيرات محلقة في سماء الفكر، وإنما تتميز طريقته بربطه بين النظر والعمل، فقد جدد الأستاذ ياسين مفاهيم كثيرة في مشروعه المنهاجي، وجعل أساس تجديده الاعتماد على القيم، ذلك أن القيم المسيطرة على أي مجتمع هي مقياس تقدمه أو تأخره، وهي مسألة تحتاج لمدارسات ومباحثات مطولة لبسطها واكتشافها، ومن تلك المفاهيم نجد مفهوم التوبة الذي أصبح مفهوما تجديديا موسعا يتناول حركة الأمة الجماعية في سعيها للنهوض ويتجاوز السلوك الفردي في سعيه للتصحيح ،يقول:"التوبة العامة تعني أن طاقات الأمة المبعثرة الضائعة لا يجمعها ويستصلحها إلا الرفق الإسلامي ، وهو البديل الوحيد للعنف الطبقي والحرب الأهلية التي تهددنا. طاقات العمل عند الشباب وقدرتهم على التجديد والحماس الدائم، وطاقات رجال الفكر، وطاقات رجال الحكمة والتجربة، كل ذلك يضيع اليوم في منافسات مذهبية سياسية أو قَبَلية. وعلى الإسلام فقط يمكن أن تجمع الجهود، ويمكن أن يبدأ جهاد. فالبعث الإسلامي المرتقب لن يسفك دماً ولن يضطهد أحداً بل يدعو كل ذي ساعد وكل ذي قلب وكل ذي عقل وتجربة ومهارة للمساهمة في مشروع عظيم"، إنه مشروع الشهود الحضاري الذي يبدأ من الداخل، من إحداث انتفاضة نفسية.
لم يقف تجديد الأستاذ ياسين عند مستوى من المستويات المعزولة ولا اقتصر على جانب من الجوانب المتخصصة دون غيره، بل جاءت كتابته التجديدية كلها تصميما على التركيب في النظر الذي يعكس تركيبا موضوعيا في الواقع المتشابك، وفهما دقيقا للترابطات، بين السياسة والاقتصاد والاجتماع والمعرفة والجغرافيا والتاريخ وغيرها على المساحة الواسعة للقيم التي يرسو عليها كل بناء.
إن النظرة التجزيئية قد تكون سببا في حصول حالة من العشى المعرفي في إدراك الحقائق المركبة في الحياة، والتي لا تتفتت إلا في العقول البسيطة المسطحة كما يقرر إدغار موران، وهي في واقع الحال متصل بعضها ببعض على نحو متين، استحكام التجزيئية في عالم المسلمين اليوم سببه استحكامها في العقول والنفوس أولا.
فلا خلاص من هذه الروح التجزيئية إلا بالاجتهاد المنهاجي الجامع، او ما يسميه بالفقه الجامع ، لأن من يقرأ عن الاجتهاد عند الأستاذ ياسين رحمه الله يفهم أنه مرادف للحياة، في الوقت الذي يرادف فيه التقليد الموت والعجز والانحباس، والمسلمون يحتفظون بمكانتهم في العالم وبين أمم الدنيا ما احتفظوا بفريضة الاجتهاد والتفكير.
*أكاديمي مغربِي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.