هوية بريس – الثلاثاء 15 مارس 2016 ضمن سلسلة: (دفاعا عن السنة النبوية الشريفة: سلسلة الردود العلمية على خريج دار الحديث الحسنية "محمد بن الأزرق الأنجري") الجزء السادس: الحلقة الرابعة تقديم بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين: سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما إلى يوم الدين. وبعد، فهذه هي الحلقة الرابعة من ردنا التفصيلي على مقال: "تصحيح حديث فضائل القرآن" لكاتبه محمد بن الأزرق الأنجري، وقد اطلعنا في الآونة الأخيرة على رده المعنون ب"تيسير الدروس الحديثية لكاتب السلسلة العلمية"، ورددنا عليهما بما يهدم بنيانهما من أساسه، وسميت ردي "التحبير في الرد على صاحب التيسير" وهو أيضا في جزءين، قد نشرت الجزء الأول منهما، وسأنتهي من الثاني قريبا بإذن الله تعالى. وسيندم "ابن الأزرق" على ما دونته يداه في مقالاته تلك بعد الاطلاع عليهما، كما سيتمنى لو أنه استمر في صمته، ولم يكتب "التيسير" الذي لم يزد الطين إلا بلة، والجسد علة. وكي لا يخرج بنا الكلام عن المقصود بهذا المقال، فلنعد إلى الموضوع، ولنتابع زلات محدث العصر في بحثه الموسوم ب " تصحيح حديث فضائل القرآن"، هيَّا لنتابع… كتب الأنجري قائلا: (2 رواية خالد التجيبي قال الإمام الفريابي في فضائل القرآن ص: 185: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الحديث»). السقطة الأولى: قال بعد إيراده للطريق المذكور أعلاه: (قلت: رجال هذا الطريق ثقات ) اه . قال كاتب هذه السطور الراجي رحمة ربه الغفور: بل فيهم ابن لهيعة الذي اختلط في آخر حياته حتى ضعفه النسائي، ولم يرو أحاديثه كما سنرى، وخالد بن أبي عمران التجيبي الصدوق، فكيف يوصف رواته بالثقات وهو لفظ يوحي بتجاوز رجال هذا الطريق القنطرة؟! السقطة الثانية: قال ابن الأزرق: (وابن لهيعة حدث قتيبة قبل الاختلاط): قلت ما أجرأك يا أنجري!، كيف تبتكر مثل هاته الدعاوى العارية عن الدليل، ثم تختلق قواعد من عقلك، وتأتي بأحكام من بنات فكرك، وأنت تعلم أن قراءك ومتابعيك ليست لهم القدرة العلمية، أو الوقت الكافي لمتابعة كل ما تكتبه، والرجوع إلى المصادر لكشف تزويرك. أقول هذا لأن الراجح بعد التتبع والاستقراء، أن قتيبة بن سعيد لم يسمع من ابن لهيعة إلا بعد اختلاطه، لأن قتيبة لم يخرج في أول رحلة له، والتي كانت إلى العراق، إلا سنة 172ه، فقد روى الخطيب البغدادي في تاريخه 12/462: « بسنده إلى محمد بن حميد بن فروة قال: سمعت أبا رجاء قتيبة بن سعيد يقول: انحدرت إلى العراق، أول خروجي سنة اثنتين وسبعين ومائة، وكنت يومئذ ابن ثلاث وعشرين سنة». وفي 12/463: «حدثنا موسى بن هارون قال: ولد قتيبة سنة ثمان وأربعين- سنة مات الأعمش- وتوفي سنة أربعين ومائتين. وسمعت قتيبة يقول: حضرت موت ابن لهيعة، ومات سنة أربع وسبعين قال: وشهدت جنازته. ». فأول رحلة لقتيبة كانت سنة 172ه، وحضر جنازة بن لهيعة سنة 174ه، وابن لهيعة اختلط سنة 169 أو 170ه على القول المشهور باختلاطه، فكيف يعقل بعد ذلك أن يكون قد سمع منه قبل اختلاطه، اللهم إن هذا بهتان عظيم، وإفك افتراه الأنجري، وأعانه عليه شيطانه. ويتأكد هذا الذي قلت بما نقل عن أئمة هذا الشأن من التنصيص على أن روايته عنه كانت متأخرة، أي بعد الاختلاط، فقد روى أبو حاتم في الجرح والتعديل 7/140 بسنده إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل وذكر قتيبة بن سعيد فأثنى عليه وقال هو من آخر من سمع من ابن لهيعة ». وقال ابن عدي في الكامل في الضعفاء 5/241 بعد أن أورد بضعة أحاديث من رواية ابن لهيعة: «وهذان الحديثان، عن ابن لهيعة غير محفوظين ولابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر نسخة يحدث بذلك بن بكير وقتيبة وغيرهما من المتأخرين»، لذلك امتنع النسائي رحمه الله من رواية أحاديث ابن لهيعة حينما رحل إلى قتيبة، قال الذهبي في السير 9/89: «وكانت رحلة النسائي إلى قتيبة في سنة ثلاثين ومائتين، فأقام عنده سنة كاملة، وكتب عنه شيئا كثيرا، لكنه امتنع وتحرج من رواية "كتاب ابن لهيعة"؛ لضعفه عنده ». بل نجد أن قتيبة نفسه يصرح بأنه لم يكن يعتمد على رواية ابن لهيعة مباشرة، بل كان يأخذها عن ابن أخيه أو ابن وهب، ثم يعرضها على ابن لهيعة طلبا لعلو السند، وما ذلك إلا لكونه لم يدركه قبل الاختلاط، قال الذهبي في السير 8/1617: «عن قتيبة قال: كنا لا نكتب حديث ابن لهيعة إلا من كتب ابن أخيه، أو كتب ابن وهب، إلا ما كان من حديث الأعرج»، وفي 8/17 عن «جعفر الفريابي: سمعت بعض أصحابنا يذكر: أنه سمع قتيبة يقول: قال لي أحمد بن حنبل: أحاديثك عن ابن لهيعة صحاح، فقلت: لأنا كنا نكتب من كتاب ابن وهب، ثم نسمعه من ابن لهيعة ». ونحن هنا لا نناقش مدى صحة رواية قتيبة عن ابن لهيعة، وإنما نناقش الدعوى العريضة التي قذف بها الأنجري دونما بينة، والتي ظهر من خلال البحث والتقصي أنها دعوى عارية عن الدليل. وقبل أن ننتقل إلى السقطة التالية أريد التنبيه إلى تحفظنا عن رواية جعفر الفريابي عن قتيبة لأن بينهما راو مبهم، وإنما أوردتها هنا للاستئناس فقط، ولأنها تتفق مع ما قبلها في أن قتيبة لم يكن يركن إلى رواية ابن لهيعة دون التأكد والتثبت، لذلك لا يمكن أن يعتمد عليها وحدها في الحكم على صحة رواية قتيبة عنه، والله أعلم . السقطة الثالثة: (عدم بيانه لحال عبد الله ابن لهيعة). سكت ابن الأزرق عن بيان حال ابن لهيعة مما يوهم القارئ الغير مطلع بأن الرجل ممن تجاوز القنطرة، بينما الحال على خلاف ذلك، فما هو حاله؟ قال فيه ابن حجر: «اختلط في آخر عمره وكثر عنه المناكير في روايته وقال بن حبان كان صالح ولكنه كان يدلس عن الضعفاء»[1]، وقال الذهبي: «وكان من بحور العلم على لين في حديثه»[2]، وقال أيضا: «ولكن ابن لهيعة تهاون بالإتقان، وروى مناكير، فانحط عن رتبة الاحتجاج به عندهم. وبعض الحفاظ يروي حديثه، ويذكره في الشواهد والاعتبارات، والزهد، والملاحم، لا في الأصول»[3]، وقال كذلك: «قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتبه أعتبر به، وهو يقوى بعضه ببعض»[4]، ونقل أيضا عن ابن حبان قوله: «قد سبرت أخباره في رواية المتقدمين والمتأخرين عنه فرأيت التخليط في رواية المتأخر عنه موجودا وما لا أصل له في رواية المتقدمين كثيرا، فرجعت إلى الاعتبار فرأيته كان يدلس عن أقوام ضعفى على أقوام رآهم ابن لهيعة ثقات، فألزق تلك الموضوعات بهم»[5]. ثم لخص حكمه عليه بقوله: «العمل على تضعيف حديثه»[6]، وقد حكم على حديث له في كتاب العرش بالوسط بين الضعف والحسن، فقال: «وحديثه فوق الضعيف ودون الحسن»[7]. وكل ما دون الحسن لا يمكن أن يكون إلا ضعيفا. وقال ابن خزيمة في صحيحه: «ابن لهيعة ليس ممن أخرج حديثه في هذا الكتاب إذا تفرد برواية، وإنما أخرجت هذا الخبر؛ لأن جابر بن إسماعيل معه في الإسناد»[8]. والكلام عن عبد الله بن لهيعة يطول، فمن الحفاظ من ضعفه إطلاقا، ومنهم من صحح أو حسن رواية العبادلة عنه، وفي جميع الأحوال فالرجل مختلف فيه، بين معدل ومجرح، ومن جرحه بين العلة في ضعفه، فنخلص إلى أنه يصلح في الشواهد والاعتبارات، ولا يستشهد بحديثه إذا انفرد إلا بشروط. والله أعلم. وكتب "ابن الأزرق" عافاه الله: (3- رواية الحسن البصري: روى ابن عساكر في تاريخ دمشق (16/317) من طريق خالد بن أبي خالد السلمي قال: أخبرنا محمد بن راشد عن عمرو بن عبيد عن الحسن أن عليا كان يخطب بالكوفة، فقام إليه ابن الكوا فقال: يا أمير المؤمنين، إنها قد فشت أحاديث. قال علي: وقد فعلوها؟…) الحديث. ثم قال: (وهذا طريق ضعيف بسبب عمرو بن عبيد المتكلم فيه بسبب مذهبه في الاعتزال، لكنه يصلح لتقوية الطرق الأخرى عن مولانا علي). قلت: هذا الكلام لا يسلم من سقطات، تدل على بعد طريقة "ابن الأزرق" عن منهج المحدثين، وتؤكد أن صنيعه هذا لا يخلوا من جهل أو تدليس أو تكاسل أو غفلة، وسأبين فيما يلي صدق ما رميته به: السقطة الأولى: لم يذكر "الأنجري" بقية السند، والأمانة العلمية تقتضي دراسة السند بأكمله من ابن عساكر المتوفى سنة 571ه إلى خالد بن أبي خالد السلمي المتوفى سنة 201 أو 210ه قبل الحكم عليه بصلاحيته لتقوية طرق أخرى. وأنا متأكد من أن "ابن الأزرق" لم يكلف نفسه عناء البحث عن رجال هذه الطريق، وأظن أنه أخذ هذا الحكم عن غيره دون أن يتبين، لأنه حصر ضعف هذه الطريق في عمرو بن عبيد المعتزلي، والحال أن لهذه الطريق أكثر من علة تسقط الاستئناس به حتى في المتابعات، بل وتزيد رواية علي رضي الله عنه ضعفا على ضعفه. وقبل الحديث عن علل هذا الحديث، أبشر "ابن الأزرق" قبل أن يسيطر عليه الرعب، ويملأ قلبه الخوف مما ينتظره، أن طريق ابن عساكر إلى خالد بن أبي خالد السلمي مسلسلة بالحفاظ والثقات غير محمد بن محمد الباغندي فإنه مدلس لكنه صرح بالتحديث، وأما الحسن بن علي فلم أعرفه، والوقت لا يسعفني لمزيد من البحث عليه. لكن علة هذا الطريق جاءت بعد خالد بن أبي خالد السلمي، وأريد أن أشير هنا أن أي طالب علم مشتغل بالحديث وعلله، سيحكم عليها بالضعف قبل أن يبدأ في البحث والتقصي، لكن من لا علم له بأسرار صناعة الحديث إذا قرأ في هذه الطريق: "عن الحسن البصري أن عليا …"، اعتقد المسكين أنه سالم من أي علة نظرا لشهرة الحسن البصري بالعلم والفضل، لكن من كانت له بصيرة بالرجال، علم من النظرة الأولى أن هذه الطريق معلة بالانقطاع بين الحسن البصري رحمه الله، وعلي رضي الله عنه ، وإليكم بيان حال رجال السند الذي أورده "ابن الأزرق": خالد بن أبي خالد السلمي (مقبول، وثق). محمد بن راشد: رتبته عند ابن حجر: صدوق يهم، ورمي بالقدر. عمرو بن عبيد البصري: اشتهر بين المشتغلين بهذا العلم الشريف بأنه كان يكذب على الحسن البصري، وينسب إليه ما لم يقله، وهذا بيان حاله: قال الذهبي: « قال ابن معين: لا يكتب حديثه، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال أيوب ويونس: يكذب، وقال حميد: كان يكذب على الحسن، وقال ابن حبان: كان من أهل الورع والعبادة إلى أن أحدث ما أحدث، واعتزل مجلس الحسن هو وجماعة معه فسموا المعتزلة، قال: وكان يشتم الصحابة، ويكذب في الحديث وهما لا تعمدا، وقال الدارقطني وغيره: ضعيف »[9]. وقال ابن حجر: «وقال أبو داود الطيالسي عن شعبة عن يونس بن عبيد كان عمرو بن عبيد يكذب في الحديث، وقال عفان عن حماد بن سلمة كان حميد من أكفهم عنه قال لي يعني مع ذلك لا تأخذ عن هذا شيئا فإنه يكذب على الحسن، وقال بن عون عمرو بن عبيد يكذب على الحسن، وقال معاذ قلت لعوف إن عمرو بن عبيد حدثنا عن الحسن بكذا قال كذب والله عمرو…»[10]. وقال الإمام أحمد فيما يرويه عنه ابنه: «حدثني أبي قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد قال: قال رجل لأيوب إن عمرو بن عبيد روى عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا رأيتم معاوية على المنبر فاقتلوه فقال كذب عمرو بن عبيد»[11]. فكذبه على الحسن مشهور بين أئمة هذا الشأن، ولمن أراد التأكد أكثر فليطالع كتب كل من ترجم له، سيجد مزيدا من أقوال أهل العلم في اتهامه بالكذب في الحديث بشكل عام، وفي روايته عن الحسن البصري بشكل خاص، فكيف يجرؤ ابن الأزرق على القول عن هذا الطريق: (لكنه يصلح لتقوية الطرق الأخرى عن مولانا علي)، اللهم هذا بهتان عظيم. والمفروض أن ابن الأزرق قد اطلع على ترجمة عمرو بن عبيد لأنه أعل الطريق به، فلماذا لم يذكر باقي أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه؟ وكيف يدلس على القراء، حيث اعتبر أنه متكلم فيه بسبب مذهبه فقط، والواقع خلاف ذلك كما رأينا؟ الحسن البصري: ثقة فقيه فاضل، أحد أوعية العلم والعمل، مشهور بين العلماء والدعاة وكثير من العوام، لذلك لم يكلف "ابن الأزرق نفسه عناء البحث عن سيرته من الناحية الحديثية، وهذه نبذة عن حياته وما قيل فيه رحمه الله بشكل مختصر: قال ابن حجر في "تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس" ص:29: «ورأى عليا ولم يثبت سماعه منه، كان مكثرا من الحديث ويرسل كثيرا عن كل أحد. وصفه بتدليس الإسناد النسائي وغيره». وقال الذهبي في السير 4/566: «وقد روى بالإرسال عن طائفة: كعلي، وأم سلمة، ولم يسمع منهما»، وقال في 4/588: «قال قائل: إنما أعرض أهل الصحيح عن كثير مما يقول فيه الحسن عن فلان، وإن كان مما قد ثبت لقيه فيه لفلان المعين، لأن الحسن معروف بالتدليس، ويدلس عن الضعفاء، فيبقى في النفس من ذلك»، وقال العلائي في "جامع التحصيل" ص: 162: «وحضر يوم الدار وهو بن أربع عشرة سنة فروايته عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم مرسلة بلا شك، وكذلك عن علي رضي الله عنه أيضا لأن عليا خرج إلى العراق عقب بيعته وأقام الحسن بالمدينة فلم يلقه بعد ذلك». فقد تبين لك يا طالب الحق، وباغي الصدق، أن الحسن البصري لم يسمع عليا رضي الله عنه، فيكون هذا الطريق منقطعا حيث أسقط الحسن رحمه الله الواسطة بينه وبين علي رضي الله عنه، وقد علمت مما سبق أنه كان يدلس عن الضعفاء. قلت: فبعد هذا كله لا ألفينك يا "ابن الأزرق" بعد مقالي هذا تتحدث عن الأحاديث تصحيحا وتضعيفا، فقد ظهرت حقيقتك، وصدق فيك قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت»[12]. ثم في نهاية هذه الرحلة المليئة بالغرائب خلص ابن الأزرق إلى النتيجة التالية: (حديث مولانا علي صحيح بطريق الحارث الأعور لأنه ثقة على الأرجح، وإن شئت تضعيفه، فهو حسن بمجموع طرقه لخلوها من الوضاعين والمتهمين، ثم يزداد قوة بطريقي الحسن البصري والقاضي التجيبي …). قلت: قواعد المحدثين تقتضي ضعف هذه الرواية بكثرة طرقها لا صحتها، لأنها شديدة الضعف لا تنهض لتقوية بعضها البعض، وفيما يلي عرض لهذه الطرق مختصرة مع التنبيه على أنني سأكتفي بذكر "العنعنة" وإن كان هناك تصريح بالسماع، والتقدير هو: " رواه عن أو روى عن": 1- ابن إسحاق (إمام اشتهر بالتدليس)، عن القرظي (ثقة حجة وهو يرسل كثيرا، ولم يسمع من الحارث)، عن الحارث الأعور (في حديثه لين ورمي بالرفض مع فقهه) عن علي رضي الله عنه. وصف هذه الطريق: مدلس عنعن -هنا يوجد انقطاع-، رواه عن من يرسل، -وهنا أيضا يوجد انقطاع-، عن فقيه في حديثه لين رمي بالرفض. 2- عمرو بن مرة (ثقة ثبت)، عن أبي البختري (ثقة ثبت، فيه تشيع، كثير الإرسال وقد عنعن)، عن ابن أخ الحارث الأعور (مجهول)، عن الحارث (في حديثه لين ورمي بالرفض مع فقهه). وصف هذه الطريق: ثقة عن من يرسل وقد عنعن، عن مجهول، عن فقيه في حديثه لين رمي بالرفض. 3- حمزة الزيات (صدوق سيء الحفظ، حديثه حسن)، عن أبي المختار الطائي (مجهول)، عن ابن أخ الحارث (مجهول)، عن الحارث (في حديثه لين ورمي بالرفض مع فقهه). وصف هذه الطريق: صدوق سيء الحفظ، عن مجهول، عن مجهول، عن فقيه في حديثه لين رمي بالرفض. 4- بكير الطائي (رافضي، مقبول، ليس بالقوي)، عن ابن أخ الحارث الأعور (مجهول)، عن الحارث (في حديثه لين ورمي بالرفض مع فقهه). وصف هذه الطريق: رافضي مقبول، عن مجهول، عن فقيه في حديثه لين رمي بالرفض. 5- قتيبة بن سعيد (ثقة ثبت)، عن عبد الله بن لهيعة (مختلف فيه، اختلط ورمي بالتدليس وقد عنعن)، عن خالد بن أبي عمران (فقيه صدوق لم يسمع من علي رضي الله عنه)، عن علي رضي الله عنه. وهي الطريق التي سنتحدث عنها بتفصيل في الحلقة القادمة إن شاء الله. وصف هذه الطريق: ثقة عن مختلط بعد الاختلاط، عن فقيه صدوق لم يسمع من علي. 6- ابن عساكر بسنده الممتد حوالي 300 سنة إلى خالد بن أبي خالد السلمي (مقبول)، عن محمد بن راشد (صدوق يهم رمي بالقدر)، عن عمرو بن عبيد (معتزلي داعية إلى بدعته، يكذب على الحسن البصري)، عن الحسن البصري (مدلس، رأى عليا رضي الله عنه ولم يثبت سماعه منه)، عن علي رضي الله عنه. وصف هذه الطريق: مقبول، عن صدوق، عن معتزلي يكذب على من روى عنه، عن مدلس يروي عمن لم يثبت سماعه منه. الخلاصة: يستشف مما سبق عرضه من طرق لحديث علي رضي الله عنه أنه شديد الضعف، لا يقوي بعضه بعضا، بل كل طريق لا تزيد الأخرى إلا وهنا، وهذا نموذج عملي للحديث الذي يضعف بكثرة طرقه، لأن قاعدة تقوية الحديث بتعدد الطرق ليس على إطلاقها، وبيان ذلك في كتب المصطلح، فليراجعه من شاء أن يستنير قلبه بنور هذا العلم الشريف. هذا بالإضافة إلى أن مداره على الحارث الأعور، وهو ضعيف لا يقوى على تحمله وحده، وبه يعلم سبب إعراض المحدثين عن تقوية حديث ابن مسعود رضي الله عنه برواية علي رضي الله عنه. لذلك قال الشيخ الحويني في تحقيقه لفضائل القرآن لابن كثير: «ولا يصح الحديث موقوفا أيضا؛ لعدم صحة الأسانيد بذلك»[13]. خلاصة أخطاء "ابن الأزرق" في هذه الحلقة: 1 تقوية طريق فيها ابن لهيعة دون أن يبين حاله. 2 ادعاؤه أن قتيبة حدث بن لهيعة قبل الاختلاط دون أن يأتي ببينة، والواقع خلاف ذلك. 3 أورد طريق ابن عساكر رحمه الله وأسقط أوله. 4 حصر ضعف طريق ابن عساكر بعمرو بن عبيد فقط . 5 تحسينه لحديث علي رضي الله بكثرة طرقه. هذا، ولنجعل مسك الختام، الصلاة والسلام على خير الأنام، وسيد الخلق، المبعوث رحمة للعالمين، بدين سمح، يوافق صحيح منقوله العقول الصحيحة التي لم تخالطها ظلمة الجهل. اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. * خريج دار الحديث الحسنية [email protected] [1] تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس ص:54. [2] سير أعلام النبلاء 8/13. [3] المصدر نفسه 8/14. [4] المصدر نفسه 8/16. [5] ميزان الاعتدال 2/482. [6] الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة 1/590. [7] كتاب العرش 2 / 169. [8] صحيح ابن خزيمة 1/75، رقم الحديث:146. [9] ميزان الاعتدال 3/274. [10] تهذيب التهذيب 8/70. [11] العلل ومعرفة الرجال لأحمد بن حنبل، رواية ابنه عبد الله 1/406. [12] رواه الإمام أحمد رقم: 17090، و17098، وغيرهما، والبخاري في صحيحه برقم: 3483 وغيره. [13] تحقيق فضائل القرآن لابن كثير ض: 44.