مبادرة لانقاذ السنة الجامعية الطبية.. مناظرة وطنية وأجندة للحوار واستئناف فوري للدراسة    مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    "كلما طال أمد الحرب، كلما زادت عزلة إسرائيل عن أصدقائها الإقليميين وحلفائها الدوليين"- الإندبندنت    حكومة إيران تنعي رئيس البلاد ووزير الخارجية بعد العثور على حطام الطائرة    تصنيف المغرب فيما يسمى مؤشر التعليم العالمي.. حتى لا ننساق وراء القردة    إيران تعلن وفاة الرئيس الإيراني ووزير الخارجية في حادث سقوط طائرة الهليكوبتر    إيران تعلن رسميا وفاة رئيسها ووزير خارجيتها وهذه أول صورة لحطام الطائرة    المنقذون يجدون مروحية رئيس إيران    مؤلف "البصمة الموريسكية" يدعو إلى استثمار الأندلس في رؤية مستقبلية    حضور مميز واختتام ناجح لمهرجان 'ماطا' للفروسية في إقليم العرائش    الغموض يلف مصير الرئيس في إيران    رغم خسارة اللقب.. منحة دسمة من "الكاف" لنهضة بركان    زياش وأمرابط قد يجتمعان في غلطة سراي الموسم المقبل    بسبب العلم.. إيطاليا تحجز سيارات فيات مستوردة من المغرب    بغلاف مالي يقدر ب4 مليون درهم.. عامل إقليم الدريوش يتفقد مشروع مركز ذوي الاحتياجات الخاصة ببودينار    ماكرون يرمم شعبيته في فرنسا    ردود أفعال متباينة حول اتفاق حمدوك مع فصيلين مسلحين على تقرير المصير وعلمانية الدولة    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تستعد للاستحواذ الكامل على قناة "ميدي1"    أزيد من 310 ألف شخص زاروا المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط    الملتقى الدولي محمد السادس لألعاب القوى (العصبة الماسية): العداء المغربي سفيان البقالي يفوز بسباق 3000 م موانع    فرنسيون يهاجمون الطماطم المغربية.. و"كومادير" تستنكر تساهل السلطات    لم تخلف ضحايا .. ميليشيا "البوليساريو" تتبنى استهدف مدينة السمارة    طقس الإثنين.. أمطار متفرقة ورياح قوية بهذه المناطق    الشروع في التقليص الجزئي من دعم "البوطا" غداً الإثنين    نهضة بركان يفشل في التتويج بكأس ال "كاف"    بالفيديو.. أمواج بشرية تتوافد على الأبواب المفتوحة للأمن بأكادير    تلاميذ ضحايا حادث يغادرون المستشفى    مانشستر سيتي يحرز لقب الدوري الإنجليزي للعام الرابع على التوالي في إنجاز غير مسبوق    منافسة كبيرة للفوز بخدمات الحارس منير المحمدي    التهرب الضريبي يورط منعشين عقاريين ورجال أعمال وتجار في الناظور    برشلونة يستضيف فاليكانو لحسم وصافة الدوري    معرفة النفس الإنسانية بين الاستبطان ووسوسة الشيطان    منصة "طفلي مختفي" تمكن من استرجاع 124 طفلا لذويهم خلال سنة واحدة    سلطات طنجة المدينة تشن حملات لتحرير الملك العمومي والبحري (صور)    المعرض الدولي للنشر والكتاب.. إبراز تجليات مساهمة رئاسة النيابة العامة في تعزيز جودة العدالة    المحصول الضعيف للحبوب يسائل الحكومة عن التدابير البديلة للنهوض بالقطاع    مهنيو قطاع النقل الطرقي للبضائع يرفضون مضامين مشروع مرسوم ولوج مهن النقل ومزاولتها    شركة تسحب رقائق البطاطس الحارة بعد فاة مراهق تناوله هذا المنتج    البطاقة البيضاء تحتفي بالإبداع السينمائي الشبابي خلال مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة    شبيبة الأحرار تستنكر "التشويش" على الحكومة    أخبار الساحة    الإطار المرجعي للامتحانات يخلق الجدل ومطالب بحذف بعض الدروس    المغرب وفرنسا يعززان التعاون السينمائي باتفاق جديد    مهرجان "فيستي باز" ينتقد وسائل الإعلام الوطنية والقنوات الرسمية    أيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني: تسليط الضوء على تحديات وفرص استعمالات الذكاء الاصطناعي في المرافق الأمنية    موقع أمريكي يصنف طنجة وشفشاون ضمن أرخص الوجهات السياحية في إفريقيا    مهرجان كناوة بالصويرة من المواعيد الموسيقية الأكثر ترقبا خلال 2024 (موقع أمريكي)    لماذا النسيان مفيد؟    كمال عبد اللطيف: التحديث والحداثة ضرورة.. و"جميع الأمور نسبية"    ندوة علمية بمعرض الكتاب تناقش إكراهات وآفاق الشراكة بين الدولة والجمعيات    الزليج ليس مجرد صور.. ثقافة وصناعة وتنظيم "حنطة" وصُناع مَهَرة    أطعمة غنية بالحديد تناسب الصيف    الأمثال العامية بتطوان... (602)    المغرب يسجل 35 إصابة جديدة ب"كوفيد"    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موازين بين الميزان و المصباح
نشر في لكم يوم 03 - 06 - 2012

المغاربة شعبٌ يحب الاحتفال و يعشق اللهو و المرح. مزج هذا الشعب ثقافته بثقافات و فنون الشرق و الشام و افريقيا و حتى الأندلس، فانفتح بذلك على عالم النغمة و الرقصة؛ يهيم مع أوتار العيدان و يهيج لقرع الطبول و "الدربوكات"؛ هوَ شعب ذو أذن موسيقية و روح مرحة تحب الاحتفال؛ فرغم بعض التحفظات و المواقف المبنية على إديولوجيات دينية أو ثقافية، لا يمكننا الإنكار بأن أغلب المغاربة تأثروا عميقا بالموسيقى و الطرب؛ أطلقوا مسامعهم و ارتعشوا مع مطربي الشرق و بقوا أوفياء لِما جَادَت به الأندلس و قبائل المغرب من موسيقى و فولكلور، فالإنسان المغربي جدّ مرتبطٍ بهذا الرصيد الثقافي الغني بالتنوع و الاختلاط و الذي يندرج في تاريخه و حضارته، يُحَسّه بالانتماء و يغَذِّي روحه و يبهجه.
بقي شعب المغرب وفيا لجذوره و أعرافه، فغنّى الرجل المغربي بجلبابه و سلهامه، و رقص ببندقيته و على فرسه، و غنّت النساء و رقصن بأجمل الفساتين و أحلى الحلل؛ تباهت عندنا القبائل بفنونها، و مُزِجت الموسيقى بطلقات البارود، و مُزِج صياح الرجال بزغاريد النساء، و ضَبْحُ حوافر الخيول بصوت خلخال الأقدام؛ فامتزجت عندنا الرجولة بالأنوثة، و الفحولة بالرقة: فما أجملك يا شعب المغرب!!
تطورت الأمور بعد كل هذا و أخذت سياقا آخر، استدعى تنظيما أكثر تعقداً و أقل تلقائيةً؛ تغير الجمهور و تَدخّلت العصرنة في الأصالة فحَجَبت كواليسها أشياء، و ألقت مصابيحها التي تكاد تعمي الناس، الضّوء على أشياء أخرى.
ربما كان هذا ما دفع بأحد المواطنين المغاربة اسمه "منير الماجدي" الى انشاء جمعية "مغرب الثقافات "تتكلف بتنظيم مهرجانات ثقافية تفتح أبوابها الفخمة لأَشهَر و أبرز الفنانين على المستوى العالمي و تستضيفهم في بلدنا الحبيب الذي تعتبره هذه الجمعية برئيسها بلدا ينفتح على كل الثقافات و يرتعش و يرقص مع كل الرنات و الغنات؛ لكن، فوجئ "الماجدي" برفض من طرف ناشطين حقوقيين و قياديين سياسيين و جملة مناضلي حركة 20 فبراير، تُرجِم بمظاهرات حاشدة و شعارات تطالب بإلغاء أحد أهم و أضخم مهرجاناته، ألا و هو مهرجان "موازين" ، و تُطالِب أيضا برحيله عن الساحة السياسية و الإعلامية، فهذي الجموع على علم بأن "منير" العاشق للاحتفالات هو أيضا الكاتب الخاص للملك و شخص ذو نفوذ كبير، صديق و مقرب من حاكم البلاد.
فلماذا يرفض هذا الشعب "ذي الأذن الموسيقية" هذا المهرجان؟ لماذا يرفض بنات و بنو بلد "ناس الغيوان" و "الحياني" و "عبد الوهاب الدكالي" و "رويشة" أن يقام في بلدهم حفل يجمع مشاهير مغنيي العالم؟ أهو كئيب شعب المغرب الى درجة رفضه رؤية غريب يغني فوق أرضه؟ أم له حسابات شخصية مع "شاكيرا" و "عمرو دياب" و "ماريا كاريه"؟ أو ربما، هما الجوع و المرض، قد نهشا أجساد المغاربة حتى لم يعودوا يقوون على السهر و المرح؟ ما موقف بنكيران و من معه؟ من أرادوا و عزموا على ترميم ميزان السلطة كي يصبح عادلا؟ هل الماجدي فوق أو تحت الميزان؟ أو ربما هو الميزان نفسه؟ ولماذا "موازين" إذن، في بلد موازينه في تقلّب دائم و مستمر؟
هل سنُخسِر "موازين"، أم سنُخسِر الميزان؟
موازين فوق الميزان!!
أبدع "البجيديون" أيام المعارضة في تهجماتهم على مهرجان موازين و من ينظمه، حتى اعتاد المغاربة على تتبع مهرجان التهجمات و الانتقادات الذي يسبق ببضع أسابيع مهرجان الغناء و الرقص؛ لكن الأول ظل عاجزا أمام الاشعاع الإعلامي و الإشهاري الذي عرفه الثاني الممول بالملايير، فكان ردُّ منظِّميه "الأقوياء" على معارضيه، هو أن موازين: "إما سيقام أو سيقام"، فلا داعي لأي معارضة أو معاكسة أو مشاكسة، غير أن ظاهرة الربيع العربي و "جيل البوعزيزي" غيرا مجرى الأمور و حيثياتها، و تخوف العديد من رموز السلطة و أصحاب الكراسي من الحراك الشعبي الذي تُوِج بانطلاق مسيرات و احتجاجات حركة 20 فبراير و التي صوبت أول و أعنف سخطها على شخصيات مقربة من حاكم البلاد و المتهمة باستعمال نفوذها و استغلال تقربها و تواجدها في القصر، للتمادي في تعسفها على حقوق المواطنين و السطو على أموال و خيرات العباد؛ و لعل هذا ما دفع بمنير الماجدي (مول موازين) الى التفكير في قضاء عطلة طويلة بولاية فلوريدا الأمريكية بعيدا عن أصداء الشوارع و الحناجر التي هتفت: "الهمة يطلع برا...و الماجدي يطلع برا...و المغرب أرضي حرة"
أقيم "مهرجان موازين 2011" رغم أنف الجميع، جمعَت خشباتهُ الوجوه المصبوغة و الأجساد العارية و "المعْوّْجَة" و التي تجولت بعضها في مدن المغرب محروسة بفرق أمن خاصة ، كلفت ميزانية دولة "القصور و الكاريانات" الملايين من الدراهم و المآت من الساعات الضائعة.
"ضيافة النبي 3 أيام و ضيافة "شاكيرا" 600 ديال المليون"
يعود الماجدي مرة أخرى بموازينه و يُلقيه على طاولة "القرارات" عوض طاولة النقاشات و التدبير، و يلقي معه ملايين الدولارات و الدراهم التي ستُنفق على "فريق موازين 2012" بقيادة الأمريكية "ماريا كاريه"، فيدخل بعض المسؤولين و الوزراء في لعبة "شد الحبل" بين مساند و معارض، بدأت بالتصريح الذي قام به الحبيب الشوباني الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان و المجتمع المدني و الذي يسعى الى إخضاع هذا المهرجان "للمحاسبة و الحكامة" و إعادة النظر بشكل مسؤول في مصاريفه المادية و هيمنته على وسائل الإعلام، و كأننا نرجو من حكومة بنكيران الدخول في المساومة و "التشْطار" مع جمعية "مغرب الثقافات" كي تخفض من تكلفة و سعر مهرجانها.
أهذا ما ينتظره الشعب المغربي من الحكومة؟! حكومة مساومة؟ تقول للماجدي و مساعده عزيز الداكي: "صاوب معانا أشريف... عطينا آخر ثمن و ماتغليش"؟ هل مشكل "موازين" هو فقط قضية تبدير و سوء تدبير؟ أم هو مشكل مع منظميه الذين يحسبون أنفسهم "فعالون لما يريدون" و العياذ بالله؟
نعم، كما قيل في أول المقال: المغاربة شعب يحب الاحتفال، و يفعل ذلك بكرامة و احترام، يحب استقبال الضيف و يتفنن في إكرامه، يفترش معه نفس "الحصير" و يشاطره خبزَه و ماءه، لقد أسّس هذا الشعب جمعية "مغرب الثقافات" منذ آلاف السنين، و أنشأ معها أيضا جيوش المقاومة، فكان و لازال شعبا، يستقبل الضيف بالتمر و الحليب و مغتصب الأرض و المستعمر بفوهات البنادق و الخناجر.
يقولون: "موازين" مهرجان يُشهِر بالمغرب و يساعد على تنمية قطاع السياحة، فأي سيّاح و أي ضيوف نود أن نستقبل؟ فلم يكتفي أصحاب "مغرب الثقافات" باستقبال العراة و المخنثين، بل أَشهروا بقدومهم، و أحاطوهم بعناصر الشرطة و الأمن الخاص و أسكنوهم في أفخر القصور و قدّموا لهم "الشيكات المليونية" و أخلوا المسارح كي يطلقوا العنان لأجسادهم النصف العارية في بلد عار تماما من كل الضمانات و الخدمات الاجتماعية.
للمغرب أبناء يحلمون بنهضة ثقافية تسمو بتاريخه و حضارته و إمكانيات بنيه و بناته، تجعل منه محطّ اهتمام الضيوف العاشقين لاكتشاف بلدٍ، حضن فاطمة الفهرية و يوسف بن تاشفين و ابن رشد و ابن خلدون و طارق بن زياد و ابن بطوطة، عوض ضيوف يهتكون أعراض الأطفال ويجعلون من عاصمة بن تاشفين عاصمة الفساد و هتك الأعراض، ليس في منطق الماجدي و الدّاكي أي بعد ثقافي، و لو كان الأمر كذلك، لكان الماجدي قد ساند مشروع "الاحتفال بمرور 1200 سنة على تأسيس فاس" عوض استعمال نفوذه للإطاحة بالمشروع و سلب أمواله.
أي مغرب سنبني مع هؤلاء؟ وأي تغيير سنقوم به مع حكومة تَخضَع لسلطة اللوبيات القوية قبل أن تُخضِع الكلّ لما تسميه "المحاسبة و الحكامة"؟ ببنكيرانٍ يقول: "الهمة رجل خطير" عندما كان على كرسي المعارضة، و "الهمة رجل طيب" عندما أصبح على كرسي الحكومة؟ بالداودي الذي عارض بكل قواه ما سماه الشوباني "مهرجان الدولة" أيام البرلمان، و الذي يوافق هذه السنة على تأسيسه و هو على رأس وزارة التعليم العالي؟ المصيبة ليست في "موازين"، بل في الميزان المغشوش، الميزان الذي يتخطاه أصحاب النفوذ و "صحاب الملك" كما يشاؤون و يقيمون أوزانهم و موازينهم كما يناسبهم، فليبعثروا أموال الشعب، و ليخُسِروا الميزان، و ليرقصوا مع موازين، فلهذا الوطن تاريخ لا ينسى، و أبناء "ماكيتفاكوش"، و ستظل حناجر الثائرين و المحتجين تُرعبهم في فيلاتهم و قصورهم، و سيشهد التاريخ على كل كاذب و منافق، و كل ظالم و ناهب، سيقام الميزان و سيُقسِط في الأوزان، رغم أنف الطغاة و رغم ذل المنافقين.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ : "وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ "
صَدَقَ الله العَظِيمْ.
اعدلوا في الميزان، و لا تطغوا في "موازين"...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.