ندوة بطنجة تستشرف مستقبل التمريض في ظل اصلاحات النظام الصحي    الطالبي العلمي يقود وفدا نيابيا من الأغلبية والمعارضة إلى الصين    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    ثاني أكسيد الكربون.. إقرار قواعد أوروبية أكثر صرامة بالنسبة للمركبات الثقيلة    تحذيرات من انهيار المنظومة الصحية في غزة خلال ساعات قليلة    رئيس الزمالك يشهر ورقة "المعاملة بالمثل" في وجه بركان    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    من البحر إلى المحيط.. لماذا يتحول مسار الهجرة من المغرب إلى أوروبا؟    سي مهدي يثور في وجه بنسعيد    حماقات النظام العسكري الجزائري تصل للبطولة الوطنية    كيف يستعد المغرب للعرس الكروي الإفريقي 2025 والعالمي 2030… ساري يجيب "رسالة24"    الارتفاع يطبع تداولات بورصة الدار البيضاء    محاكمة زعيم "خلية إرهابية" في مليلية كان يتخذ من بني انصار مقرا له    مستعجلات القصر الكبير تستقبل تلميذات تعاركن بأسلحة حادة    زلزال قوي يضرب دولة جديدة    النفط يواصل تراجعه بسبب ضعف الطلب وارتفاع الدولار    الدار البيضاء تحتفي باليوم الوطني للمسرح    من يجبر بخاطر المتقاعدين المغاربة؟!    بعد الخسارة أمام بركان.. قرار عاجل من مدرب الزمالك المصري    كأس الكونفدرالية الإفريقية: نهضة بركان يفوز على الزمالك المصري في ذهاب النهائي (2-1)    تحليل آليات التأثير الثقافي في عصر الرقمنة    مصر تُهدد بإنهاء "كامب ديفيد" إذا لم تنسحب إسرائيل من رفح    تليسكوب "ليزا"...    شطيرة نقانق عملاقة تزين ساحة "تايمز سكوير" بنيويورك    قنصلية متنقلة لفائدة مغاربة إسبانيا    بنموسى يكشف أسباب تسقيف سن ولوج مباريات التعليم    نظرة فلسفية حول مشكلة الدولة    تحقيق السيادة في مجال الذكاء الاصطناعي    الأساطير التي نحيا بها    الدرس الكبير    السينما في الهوامش والقرى تشغل النقاد والأكاديميين بالمعرض الدولي للكتاب    هل انفصلت فاطمة الزهراء لحرش عن زوجها؟    الاشتراكيون يفوزون في انتخابات إقليم كتالونيا الإسباني    "المراهنة على فوضى المناخ".. تقرير يفضح تورط المصارف العالمية الكبرى في تمويل شركات الوقود الأحفوري    ليلة ثالثة من الأضواء القطبية مع استمرار عاصفة شمسية "تاريخية"    الاعلان عن اختفاء قاصر من بليونش بعد محاولة هجرة إلى سبتة سباحة    تراجع صرف الدولار واليورو بموسكو    فيلم الحساب يتوج بالجائزة الكبرى في برنامج Ciné Café    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    لماذا قرر حزب بهاراتيا جاناتا الهندي الحاكم أن لا يخوض الانتخابات في إقليم كشمير؟    ما الذي قاله مدرب نهضة بركان بعد الانتصار على الزمالك المصري؟    "إغلاق المعبر يعني أن أفقد قدمي الثانية" شهادات لبي بي سي من مرضى ومصابين في رفح    كرة اليد.. اتحاد طنجة يتأهل لربع نهائي كأس العرش    إبراهيم صلاح ينقذ "رين" من خسارة    دفاتر النقيب المحامي محمد الصديقي تكشف خبايا مغربية عقب تحقيق الاستقلال    لقاء لشبيبة حزب التجمع الوطني للأحرار بفاس حول الحصيلة المرحلية للعمل الحكومي    خلاف مروري بساحل أكادير يتحول إلى جريمة دهس مروعة (فيديو)    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    معرض الكتاب.. لقاء يحتفي بمسار الأديب أحمد المديني    الدرهم يرتفع بنسبة 0,44 في المائة مقابل الأورو    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    الأمثال العامية بتطوان... (596)    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استخلاص الديون العمومية بين مقتضيات الفعالية والضمان
نشر في لكم يوم 12 - 08 - 2012


- دراسة حالة-
عرفت الساحة الوطنية نقاشا محتدما حول الاستخلاص الجبري للديون العمومية، وتناولت الصحافة الوطنية تداعيات الموضوع على الملزمين بوجه عام والمقاولة على وجه الخصوص، وجاءت المقابلة المتلفزة مع السيد رئيس الحكومة بتاريخ 7 يونيو 2012 لتأتي على أهمية استيفاء الديون معربا عن رغبة الحكومة في وقف العمل بمسطرة التنفيذ على الأموال النقدية، وعاد السيد وزير الاقتصاد والمالية إلى مناقشة الموضوع، على نحو دقيق، في إطار الجواب على تساؤلات أعضاء مجلس المستشارين بتاريخ 19 يونيو 2012 حيث أكد على ضرورة إحاطة الإجراء بشروط وضوابط تراعي مراكز الجهات المتدخلة.
وانتقد البعض تصريح السيد رئيس الحكومة المتعلق بوقف اجراء الاستخلاص على الأموال النقدية واصفا إياه بغير القانوني، وذلك بالاحتجاج بالمادة 124 من مدونة تحصيل الديون العمومية، التي تمنع على كل سلطة إدارية أو عمومية وقف أو تأجيل أو عرقلة إجراءات استخلاص الديون العمومية( ).
ويأتي هذا التناول في سياق مطبوع برغبة الدولة في الاهتمام أكثر بالتحصيل الجبري بعدما نال توسيع الوعاء الضريبي قدرا أكبر من الاهتمام في سنوات خلت بالإضافة إلى التفعيل غير المسبوق لمساطر التنفيذ الجبري على الأموال النقدية عن طريق ما يعرف بمسطرة "الإشعار للغير الحائز" سيما بعد الشروع في تجريد هذه المسطرة من طابعها الماديla dématérialisation .
وبغاية المساهمة في النقاش الدائر حول الموضوع، ارتأت هذه المقالة معالجة الموضوع بمقترب قانوني يستحضر عنصر الموازنة بين المصلحة العامة( فعالية الاستخلاص) والمصلحة الخاصة (الضمان القانوني للملزم بالضريبة ومعه الغير الحائز في حالات معينة) في معالجة مسطرة التنفيذ على ألأموال النقدية، وذلك بغاية الإسهام في إضاءة بعض من جوانبها وتحصيل ما يلزم من نتائج على المراكز القانونية للأطراف المتدخلة.
وتأسيسا عليه، فإن هذه الدراسة ترى فائدة تناول مفهوم الإجراء وطبيعته القانونية(الفقرة الأولى) والاشتراطات الضابطة لسلوك المسطرة (الفقرة الثانية) وكذا الآثار والمسؤوليات الناجمة عنه(الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: ماهية الإشعار للغير الحائز
إذا كان القانون الإداري مطبوعا بسمة القانون غير المتكافئ، فإن هذه الميزة تبرز بوضوح في مادة الديون العمومية حيث الإدارات الجبائية تتمتع بحق التنفيذ المباشر الذي يكفل لها حق اقتضاء حقوقها بنفسها في مواجهة الملزمين بالضرائب دون مراجعة القضاء حيادا على المبدأ المألوف في قواعد القانون الخاص.
وبمقتضى حق التنفيذ المباشر يحق للآمر بالصرف، بارادته المنفردة والملزمة وبما له من سلطة عامة مقررة بأحكام القانون، أن يصدر سند المدخول كقرار إداري منشيء لالتزام قانوني كامن في اقتطاع مالي من ذمة الملزم لفائدة الخزينة العامة.
و يتمتع المحاسب العمومي المكلف بالتحصيل بحق التنفيذ المباشر في الشقين الموضوعي والإجرائي، إذ علاوة على مكنة إنشاء الالتزام المالي على عاتق الملزمين في صورة ديون فرعية تلحق بالدين الأصلي(فوائد التأخير وصوائر التحصيل الجبري)، فإن المحاسب العمومي يجد نفسه أمام ديون مؤسسة على سندات تنفيذية، ويلزمه السعي إلى تنفيذ هذه الديون ابتداء في إطار المسطرة الحبية.
وإذا بقيت المطالبة الرضائية دون فائدة التحصيل، يحق له في الشق الإجرائي فرض الامتثال للسندات التنفيذية المؤسسة للديون العمومية، وفي هذا المضمار خوله المشرع امتياز حق التنفيذ المباشر لاقتضاء حق الخزينة العامة دون مراجعة القضاء عبر مساطر متعددة، أهمها على الإطلاق التنفيذ على أموال الملزم بالضريبة الموجودة بحوزة الغير عن طريق مسطرة الإشعار للغير الحائز.
قنن المشرع مسطرة الإشعار للغير الحائز بموجب أحكام المواد من 101 إلى 104 من مدونة تحصيل الديون العمومية، وعرفتها تعليمية الخزينة العامة للمملكة بأنها" مسطرة تتيح التعرض بين يدي الغير الحائز على مبالغ تحظى بامتياز الخزينة العامة وتعود ملكيتها للملزم بالدين العمومي( ) وعرفها بعض الفقهاء بأنها تصرف قانوني ذو صبغة مسطرية تمكن المحاسب العمومي، استنادا إلى طلب عادي من إجبار الغير الحائز على تسليم المبالغ المودعة لديه أو المدين بها إزاء الملزم، وذلك ابتغاء استخلاص الديون العمومية العالقة بذمة هذا الأخير( ). ويستفاد من ذلك أن الاجراء يتسم بالخصائص التالية:
- البساطة، المرونة والسرعة.
- الطبيعة الإدارية بمعنى أن التنفيذ لايقتضي رقابة قبلية للقضاء الإداري خلافا للاعتقاد السائد لدى بعض الأوساط التي تتمسك بضرورة حصول المحاسب على إذن قضائي بحجز المبالغ المالية وتسلمها.
- قيام علاقة ثلاثية في المسطرة التنفيذية، أطرافها الدائن العمومي، المدين والغير الحائز الذي يتم اقحامه في المسطرة نظرا لحيازته لأموال الملزم، و ذلك خلافا لمساطر الاستخلاص الأخرى ذات العلاقة القانونية الثنائية.
- إن إعمال المسطرة رهين بتمتع الدين العمومي المراد تنفيذه بامتياز الخزينة كما هو صريح المقطع الأول من المادة 101 من مدونة التحصيل، وهو ما يجعل القائمة الحصرية للديون العمومية الواردة في المادة 2 من نفس المدونة مشمولة بالإجراء خاصة باستحضار مقتضيات المواد 108، 109 و137 من ذات القانون مع استثناء الديون ذات الطبيعة التجارية من دائرته.
وبخصوص الطبيعة القانونية لمسطرة الإشعار للغير الحائز، فكثيرا ما يعتقد بعض الأغيار الحائزون أن الإجراء يبدأ تحفظيا بتجميد المبالغ المحجوزة مع إرجاء عملية التسليم إلى وقت لاحق ليتأتى للجهة الحائزة إشعار المدين بالإجراء المتخذ ضده، وبالتالي يثار التساؤل حول ما إذا كانت طبيعة الإجراء مركبة: تحفظية وتنفيذية أم أنه يكتسي طابعا تنفيذيا منذ الوهلة الأولى.
في القانون الجزائري، على سبيل المقارنة، لاينتج عن الإجراء نقل ملكية المبالغ إلى الدائن العمومي بمجرد تبليغه إلى الغير الحائز، بل يتعين انتظار صيرورة الإجراء نهائيا؛ أي أنه يبدأ، بمجرد إيقاعه، تحفظيا بتجميد المبلغ المحجوز وتعليق عملية التسليم إلى غاية اكتسائه الصبغة النهائية، ويخول القانون للمدين مهلة 30 يوما اعتبارا من تاريخ تبليغه للتعرض على المسطرة، وبعد رفض التعرض من طرف الإدارة أو القضاء، كما في حالة انقضاء هذا الأمد دون التعرض، يصبح الاجراء نهائيا ومرتبا لقاعدة تسليم المبالغ للدائن العمومي( ).
وفي القانون الفرنسي كان الإشعار يفضي إلى تجميد المبالغ المالية المتعرض عليها بين يدي الغير الحائز فحسب، ولاتنتقل ملكيتها إلا بعد انصرام أجل التظلم من الإجراء ( ) قبل أن يسن المشرع الفرنسي قاعدة التسليم الفوري في المسطرة بمقتضى المادة 86 من القانون 650-91 بتاريخ 9 يوليوز 1991، وبالنظر إلى عدم تناغم هذه المادة مع الفصل 277 من كتاب المساطر الجبائية في حينه، استمر التضارب في العمل القضائي الفرنسي حول الطبيعة القانونية للتدبير إلى أن حسم المشرع الفرنسي الأمر بموجب قانون المالية لسنة 2002 ( ).
وبالرجوع إلى القانون المغربي، فإن المادة 102 من مدونة التحصيل أكدت على الطابع التنفيذي للإشعار للغير الحائز حيث نصت بوضوح على أنه يرتب التسليم الفوري للمبالغ المحازة من الغير في حدود الدين العمومي، وأضافت هذه المادة أن التسليم الفوري يمتد مفعوله إلى الديون المؤجلة والديون المشروطة التي تعود للملزم على الغير الحائز.
الفقرة الثالثة: الشروط الضابطة للإجراء
تروم هذه الشروط توفير ضمانات قانونية تجد تعبيرها في ضرورة أن يكون الدين العمومي محققا مبنيا على سند تنفيذي، وأن تراعى قاعدة التدرج في إجراءات الاستخلاص مع الموازنة بين المنافع والأضرار في تحديد محل الحجز.
1- قيام دين مؤسس على سنذ تنفيذي
بحكم اكتسائه للطبيعة التنفيذية وعدم جواز إعماله على سبيل تدبير الضمان، فإنه من البديهي أن يهدف الإشعار للغير الحائز إلى استخلاص دين حال الأداء ومؤسس على سند تنفيذي.
ومؤدى ذلك أن الدين العمومي المراد اقتضائه ينبغي ألا يكون مشروطا أو احتماليا، بل مؤكدا وذا قوة تنفيذية مستمدة من السنذ التنفيذي، ويستفاد من مقتضى المادة 1 من مدونة التحصيل الديون العمومية أن هذا السند يأتي في ثلاثة صور: سندات المداخيل بناء أسباب تقررها أحكام القانون، وسندات المداخيل مبنية على عقود أو اتفاقات والحكم القابل للتنفيذ بالنسبة للغرامات.
وتصدر سندات المداخيل في نطاق امتياز التنفيذ المباشر وفق السابق شرحه، وتنص المادة 10 من مدونة التحصيل على أن أوامر أو سندات المداخيل تذيل بالصيغة التنفيذية لتكتسي الطابعين الآمر والتنفيذي المسوغ لحق المطالبة بالوفاء وفق ما تقرره المادة 133 من ذات القانون.
وبخصوص الغرامات، فهي تقع خارج دائرة امتياز التنفيذ المباشر حيث يشترط لتكون الغرامات مستحقة وحالة الأداء أن تصدر بحكم نهائي عن القضاء الزجري وفق ما سنته الفقرة الثانية من المادة 132 من مدونة التحصيل( )، وتباشر تدابير استخلاصها بناء على مستخرجات الأحكام النهائية عملا بمقتضيات المادتين 10 و133 من مدونة التحصيل وكذا الفصل 633 من قانون المسطرة الجنائية.
2- قيام واقعة التماطل أو الامتناع عن الوفاء
يقتضي عنصر الضمان القانوني أنه "لا تكليف إلا بمعلوم" كقاعدة تبنتها الشريعة الإسلامية (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا( )) قبل التشريعات الوضعية، أي أنه يتم إشعار المدين بالدين العمومي المراد تنفيذه قبل الشروع في الاستخلاص بالإضافة على احترام تراتبية المطالبات في الشق المسطري من العملية.
** التبليغ بقرار الوعاء الضريبي
تفترض الضمانات القانونية أن يبادر الآمر بالصرف بإشعار الملزم بالالتزام القانوني الناشئ على عاتقه بموجب سند المدخول وفق ما يقرره الفصل 72 من المرسوم الملكي رقم 330-66 بتاريخ 21 أبريل 1967 بسن نظام للمحاسبة العمومية.
ويترتب عن تبليغ القرار صيرورة هذا الأخير منتجا لآثاره القانونية وجواز المرور إلى التدابير التنفيذية كما انتهى إليه قضاء محكمة النقض الفرنسية ( ) بالإضافة سريان أجل الطعن في الفرض الضريبي.
وتكمن أهمية التبليغ على هذا المستوى في قطع تقادم الوعاء الضريبي وتعزيز شفافية الضريبة وتمكين الملزم من إقامة التمييز بين قرارات الوعاء وإجراءات الاستخلاص وتجنيب مصلحتي الوعاء والتحصيل عناء الخلط بين الأمرين في مساطر التقاضي.
** قاعدة التدرج في الاستخلاص
وقوام قاعدة التدرج ضرورة استنفاذ المسطرة الرضائية قبل المرور إلى المرحلة الجبرية التي تبقى محكومة بدورها بقاعدة التسلسل المنصوص عليها في المادة 39 من مدونة التحصيل التي تنص على أن الإجراءات تباشر وفق الترتيب التالي: الإنذار القانوني، الحجز والبيع.
وإذا كان ذلك لايطرح أي أشكال بالنسبة للحجوزات والبيوعات المنصوص عليها في الباب الرابع من هذه المدونة تحت عنوان درجات التحصيل الجبري، فإن ورود مسطرة الإشعار للغير الحائز في الباب الخامس كباب منفصل عن ذاك المتعلق بدرجات التحصيل الجبري، يثير إشكال ما إذا كانت هذه المسطرة تندرج في خانة التحصيل الجبري وخضوعها لتدرج اجراءته.
يميل معظم المحاسبون العموميون، بهاجس الفعالية، إلى عدم قبول فكرة تبليغ الإنذار القانوني قبل مباشرة الأشعار للغير الحائز استنادا على ما يعتبرونه عدم وجود نص قانوني يفرض ذلك فضلا عما تمليه اعتبارات مباغثة الملزم لتفادي أي مناورة من جانبه تهدف إلى المساس بالضمان العام لتلافي إجراءات التنفيذ.
وفي هذا المضمار، نصت تعليمية الخزينة العامة على أن توجيه الإشعار للغير الحائز يأتي عشرة أيام على ألأقل بعد بعث آخر إشعار بدون صائر( )، ومفاد ذلك أن المحاسب العمومي غير ملزم بتبليغ الإنذار القانوني قبل مباشرة مسطرة الإشعار للغير الحائز كما ورد صراحة في التعليمية.
وخلافا لبعض الحالات النادرة، فإن القضاء الإداري المغربي انتهى إلى القول بتوقف سلامة الإشعار للغير الحائز على ضرورة احترام تسلسل الإجراءات، وبالتالي القضاء بإلزامية تبليغ الإنذار القانوني مادام أن هذه المسطرة تدخل في نطاق تدابير الاستخلاص الجبري ( ).
ويبدو أن هذا التوجه الاجتهادي اعتمد تقنية تقريب النصوص القانونية من حيث وضع المواد 101، 102 و103 من مدونة تحصيل الديون العمومية في سياق المواد من 36 إلى 39 من ذات القانون مع استحضار معادلة الفعالية/ الضمان المؤطرة لمادة استخلاص الديون العمومية. وفي نفس الإطار قضت الغرفة التجارية لدى محكمة النقض الفرنسية بما يلي: " إن الإشعار للغير الحائز لايحتج به إزاء الملزم بالضريبة إلا عندما يكون مسبوقا بتبليغ إنذار لهذا الملزم" ( )، وسار مجلس الدولة الفرنسي في ذات المنحى مؤكدا افتقار الإشعار للغير الحائز للأساس القانوني إن لم يكن مسبوقا بالإنذار القانوني ( ).
3- ضبط نطاق التطبيق
ينصب الإجراء على المبالغ النقدية والقيم المنقولة، ولا يتعدها إلى طائفة الأموال الأخرى، ويقتضي الضمان القانوني للملزم عدم شمول الإجراء لكافة هذه الأموال والقيم، إذ أنه بالرغم مع عدم تقنين مدونة التحصيل لما لايقبل الحجز منها، فإن الفصل 488 من قانون المسطرة المدنية أخرج بعض الأموال النقدية من دائرة الحجز لدى الغير لدواعي اجتماعية وإنسانية، و قد حدد هذا المقتضى 10 أصناف للأموال التي لاتقبل الحجز. ويضاف إلى ذلك أن الفصل 387 من مدونة الشغل حددت نسب المبالغ التي لاينبغي تجاوزها في الحجوزات على أجور الأجراء، ويفترض منطق القانون احترام ذات النسب في الحجز على أجراء القطاع العام في غياب نص قانوني خاص لفائدة تنفيذ الديون الخصوصية والعمومية على حد سواء.
ولما كان الأمر كذلك من عدم قابلية بعض الأموال النقدية للحجز في باب تنفيذ الديون الخصوصية، فإن اعتماد قاعدة القياس من باب أولى تملي إعمال نفس المبدأ في مادة الديون العمومية لأن الدائن العمومي أولى به أن يراعي الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية في الاستيفاء قياسا بالدائن الخصوصي.
وجدير بالإشارة إلى أن مسطرة الإشعار للغير الحائز تخضع لشروط إضافية منها بالأساس حصول المحاسب العمومي على ترخيص من رئيس الإدارة أو الشخص المنتدب لهذه الغاية وفق ما تقرره المادة 37 من مدونة التحصيل إلى جانب عدم جواز سلوك الإجراء متى أمكن للدائن العمومي استيفاء دينه بوسيلة تغني عن هذا الإجراء كما ذهبت إليه محكمة النقض المغربية في قرار لها مؤرخ في 09/04/2006 ( ).
الفقرة الثالثة : الآثار القانونية للإجراء
ينتج عن الإشعار للغير الحائز نشوء التزام قانوني على عاتق الغير الحائز، قوامه ضرورة الوفاء، بصفة فورية، للدائن العمومي من المبالغ المحازة وفي حدود تغطية الدين العمومي، وتبرأ ذمة الغير الحائز إزاء المحجوز عليه والمحاسب العمومي عند الوفاء لهذه الأخير وفق ما تقرره المادة 103 من مدونة التحصيل.
ويتحدد مدلول التسليم الفوري أو تنفيذ مسطرة الإشعار للغير الحائز من زواية الرابطة القانونية القائمة بين الملزم بالضريبة والغير الحائز كما يلي:
- قاعدة التسليم الفوري في الدين الحال والمستحق لفائدة الملزم، قد تصادف مسطرة الإشعار عند تقديمها للغير الحائز أن هذا الأخير يحوز أموالا للملزم بصفة مودع لديه أو مدين بدين حال الأداء، وبالتالي يتحدد التسليم الفوري قياسا بتاريخ تقديم الإشعار، وينتج أثره في نقل ملكية المبلغ إلى المحاسب العمومي المكلف بالاستخلاص عند لحظة التقديم.
- قاعدة التسليم الفوري في الدين مؤجل التسديدcréance à terme الذي هو دين مؤكد لفائدة الملزم في ذمة الغير الحائز، الذي يصنفه بعض الفقهاء بأنه غير حائز في المستقبل ( )، وتعد المبالغ المستحقة في ذمته محجوزة في حدود تغطية الدين العمومي مع إرجاء التسليم إلى حين حلول أجل استحقاق الدين، وإذا كان الأداء مقررا لفائدة الملزم على أقساط، وقع التسليم على اشطر متطابقة مع مواعيد استحقاق الأداء من مدين الملزم.
ولكي يرتب الإشعار أثره القانوني في حجز المبالغ وتسليمها لمن يجب، اهتدى فقهاء القانون إلى معيار تاريخ نشوء الدين ( ) الذي يجب أن يكون سابقا على تاريخ الإشعار أو متزامنا معه وإلا كان فاقدا لكل أثر قانوني.
- قاعدة التسليم الفوري في دين الملزم، الواقف على شرط، تجعل الغير الحائز حائزا محتملا، ويبقى تحقق الصفة لديه رهينا باستيفاء الشرط الواقف وقيام مديونيته تجاه الملزم، ولاينفي ذلك إمكانية مباشرة المسطرة بين يديه على أن التسليم الفوري للمبالغ يحصل يوم تحقق الشرط الواقف الذي يفترض حصوله في تاريخ لاحق لانجاز الإجراء، وبالتالي تنتقل ملكية المبالغ المحجوزة إلى المحاسب العمومي عند استيفاء الشرط الواقف خلافا لما هو عليه الأمر في الدينين الحال والمؤجل.
- قاعدة التسليم الفوري في الديون ذات التنفيذ المتتابعcréances à exécution successive، لم تنص مدونة التحصيل على شمول الإشعار للغير الحائز لهذه الطائفة من هذه الديون، ولم تأت على ذكرها تعليمية الخزينة العامة المتعلقة بالتحصيل التي ميزت بين صنف الديون الحالة وصنف الديون المشروطة، وأدرجت ضمن الديون المؤجلة رغم ما هو قائم بينهما من تمايز.
وفي معرض بسط أمثلة الديون المشروطة، أشارت هذه التعليمية إلى الديون المتأتية من كراء المحلات وأجور الأجراء، وكلاهما مثالين للديون ذات التنفيذ المتتابع التي يندرج ضمنها الدين المتأتي من عقد التسيير location-gérance بمفهوم الفصل 76 من مدونة التجارة.
وبحكم أن الدين متتابع التنفيذ غير مؤكد ويحتمل الاستحقاق من عدمه، فإن انتقال ملكية المبالغ، محل الحجز إلى الدائن، تتطابق مع تاريخ صيرورة دين الملزم في ذمة الغير الحائز مستحقا وحال الأداء.
ولمجابهة أي تحيز للغير الحائز لفائدة الملزم، تقع على عاتق الأغيار الحائزين الواجبات التالية:
- الامتناع عن تسليم المبالغ المحجوزة للملزم.
- توخي الدقة والأمانة في المبلغ المحاز، فإذا أخفى جزء منها أو اقر بأقل منه اعتبر ذلك تدليسا يرتب قيام مسؤولية الغير الحائز.
- لزوم تقديم الحجج الدالة على صحة إقراره بناء على طلب يقدمه المحاسب العمومي علما بأن المادة 130 من مدونة التحصيل تجعل الإدلاء بالبيانات الخاطئة في حكم عرقلة للتحصيل بمفهوم المادة 84 من نفس القانون، وتعرض للعقوبات الجنحية الواردة في المادتين 85 و86 من هذه المدونة.
كما تلزم المادة 102 من مدونة التحصيل الغير الحائز بتمكين المحاسب العمومي من المبالغ المنفذ عليها، ورتبت المادة 104 عن الامتناع أو التماطل في التنفيذ جواز مباشرة الاستخلاص الجبري في مواجهة الغير بنفس الطرق المستعملة ضد الملزمين أنفسهم باستثناء مسطرة الإكراه البدني.
ومؤدى ذلك أن الدين العمومي ينفذ من الذمة المالية للغير الحائز، الشيء الذي يجعل التساؤل مطروحا حول:
- مسوغ هذا التنفيذ أخدا بعين الاعتبار أن السند التنفيذي صدر في مواجهة شخص آخر غير الغير الحائز.
- مدى لزوم مراعاة قاعدة التدرج في اجراءات الاستخلاص في مواجهة الغير الحائز في نطاق المادة 104 السابق ذكرها.
فيما يتعلق بالتساؤل الأول، يشار إلى أن مدونة التحصيل لاتقدم أية عناصر الإجابة، وبمراجعة القضاء المقارن، نجد أن محكمة النقض الفرنسية قضت أنه على المحاسب العمومي، في حالة تسجيل امتناع الغير الحائز عن الوفاء من أموال الملزم المحازة، أن يلجأ إلى قاضي التنفيذ لغاية استصدار سند تنفيذي ضد المحجوز لديه ( ).
غير أن هذا التوجه القضائي لايمكن الانتصار له لعدم مراعاته عنصر الفعالية في الانجاز وكذا امتياز التنفيذ المباشر المكفول للمحاسب العمومي في الشقين الإجرائي والموضوعي وفق سلف بيانه، وبالتالي يمكن له تقرير مديونية الغير الحائز دون مراجعة القضاء والسعي إلى الاستخلاص بالوسائل المتاحة بناء على نص المادة 104 المذكورة التي تؤسس لقاعدة التضامن في الأداء بين المدين والغير الحائز الذي يعتبر في الحالة الموجبة مدينا نتيجة مخالفته للقانون débiteur contraventionnel.
وبخصوص تدرج الإجراءات، فإن التوقف عند لفظة " يمكن إلزام" المستعملة في نص المادة 104 تفيد جواز إلزام الغير الحائز؛ أي الشروع في التحصيل الجبري من الإنذار القانوني مع توخي التدرج ( ) واحترام الآجال المقررة في باقي التدابير الموالية، ولاينفي ذلك المبادرة بالمطالبة الرضائية في بداية سعي المحاسب العمومي إلى التحصيل خاصة إذا كان الغير الحائز مليء الذمة المالية ولا يخشى إعساره.
كما يمكن إثارة المسؤولية التقصيرية للغير الحائز عن التماطل أو الامتناع عن تنفيذ الإشعار، وفي ذلك قضت إحدى المحاكم الابتدائية بمسؤولية البنك في جبر الضرر الحاصل للمحاسب العمومي جراء التأخير في تسليم المبالغ المنفذ عليها بالاستناد إلى حرمان الخزينة العامة من توظيف مبالغ مستحقة مقابل إثراء البنك على حسابها بالإضافة إلى الضرر الأدبي اللاحق بالإدارة الدائنة من خلال الاستخفاف بقراراتها النافذة وذات الحجية القانونية ( ).
حاصل ما تقدم يفيد أن النقاش السليم ينبغي أن ينصب حول الشروط السابقة، المعاصرة واللاحقة لمباشرة الإشعار للغير الحائز ابتغاء الموازنة بين مختلف الأوضاع القانونية الراجعة للدائنين العموميين، الأغيار الحائزين والملزمين، وذلك بما يكفل توفير مزيد من شروط فعالية ونجاعة هذه المسطرة التي لاغنى عنها في مساطر الاستيفاء، وليس من قبيل المبالغة القول أنها تعتمد بنسبة تتجاوز 70 في المائة ( )، على أقل تقدير، ضمن مساطر التنفيذ على أموال الملزمين.
باحث في القانون الدستوري وعلم السياسة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.