"عجمان" الإماراتي يستعين بالحسوني    أجوبة الباك تقصد 7 مراكز بجهة كلميم    فرق من طنجة تتصدر نتائج البطولة الوطنية لأولمبياد الروبوت العالمي    الرئيس الفرنسي يحل الجمعية الوطنية ويدعو إلى انتخابات تشريعية مبكرة    طقس الاثنين.. أمطار متفرقة بهذه المناطق من المملكة    سيارة لنقل العمال تقتل عامل صباغة الطريق بطنجة (صور)    أزيد من 300 حاج مغربي استفادوا من مبادرة "طريق مكة" إلى غاية 9 يونيو الجاري (مسؤول أمني سعودي)    غانتس يستقيل من حكومة الحرب الإسرائيلية    لبنان تجدد دعمها لسيادة المملكة ووحدة ترابها    منتخب المواي طاي يتألق في اليونان    اليمين الإسباني يتقدم بفارق طفيف على اليسار في الانتخابات الأوروبية    نحو 82 ألف مترشحا ومترشحة لاجتياز البكالوريا بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة    نقطة حوار – حرب غزة: هل تؤثر استقالة غانتس وآيزنكوت في مسار الحرب؟    أزيد من 300 حاج مغربي استفادوا من مبادرة طريق مكة إلى غاية 9 يونيو الجاري    الفنيدق: إحباط محاولة إدخال نصف طن من "المْعسّل" المهرب إلى المغرب        القوميون الفلامانيون يتصدرون الانتخابات التشريعية البلجيكية بنسبة 18%    شعبية أخنوش وحكومته لدى المغاربة في انخفاض مستمر.. ورضا المواطنين عن الأمن يتزايد (استطلاع رأي)    بقبلة على الرأس.. النصيري يعتذر عن رمي قنينة الماء    الصحافة البيروفية تشيد بموقف البرازيل من الصحراء المغربية            المنتخب المغربي يبدأ الإعداد للكونغو    طواف المغرب للدراجات 2024.. الفرنسي ناربوني زوكاريلي يحرز لقب الدورة ال 33    الاقتراع الأوروبي يخدم "فون دير لاين"    ألكاراس يكتب التاريخ ويصبح أصغر لاعب يفوز ببطولات كبرى على ثلاث أرضيات مختلفة    موريتانيا تنهزم أمام السنغال في تصفيات كأس العالم    العلامة بنحمزة.. الشرع لا يكلف الفقير ويمكن لسبعة أشخاص الاشتراك في أضحية    استقالة عضوي مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس وغادي آيزنكوت من الحكومة    وزارة الحج والعمرة السعودية: إلغاء تصاريح بعض حجاج الداخل لعدم تلقي اللقاحات    بنحمزة يوضح موقف الشرع من الاشتراك في أضحية واحدة    الحسيمة.. وزير الفلاحة يطلق مشروع لغرس 630 هكتار من الصبار المقاوم للقرمزية (فيديو)    الملك يبارك تنصيب الوزير الأول للهند    استطلاع: ثلثا المغاربة لا يثقون في أخنوش وحكومته    شغيلة الصحة تواصل التصعيد أمام "صمت الحكومة" على الاتفاق الموقع    مطار الحسيمة يستقبل رحلات جوية سياحية من لشبونة البرتغالية    منظمة الصحة العالمية تحذر من احتمال تفشي وباء جديد    سوق الصرف: الدرهم شبه مستقر مقابل الأورو (بنك المغرب)        فيدرالية اليسار تقود ائتلافا لدعم "حراك فكيك"    أعمال كبار الفنانين المغاربة تزين أروقة متحف الفن الحديث المرموق في باريس    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    جازابلانكا.. حفل اختتام رائع للدورة 17 يمزج بين إيقاعات الكناوي وموسيقى الفوزين    تطوير مدرسة Suptech Santé.. مؤسسة البحث والتطوير والابتكار في العلوم والهندسة تتجاوز عتبة مهمة بين سنتي 2023 و2024 ( أزولاي)    تواصل ارتفاع أسعارها يصعب على المغاربة اقتناء أضاحي العيد..    هكذا عرفت الصين.. محمد خليل يروي قصة الفرق بين الصين في الثمانينيات واليوم    انطلاق بيع تذاكر مباراة المغرب والكونغو    المغرب يسجل حالة وفاة جديدة بفيروس كورونا    مهرجان صفرو يستعرض موكب ملكة حب الملوك    استطلاع رأي.. أزمة تدبير الغذاء تعصف بثلثي المغاربة    هذه تفاصيل أطروحة جامعية لفقيد فلسطيني خطفه الموت قبل مناقشة بحثه    عبد السلام بوطيب يكتب : في رثاء نفسي .. وداعا "ليلاه"    تشوهات الأسنان لدى الأطفال .. أكثر من مجرد مشكلة جمالية    نقابة تدخل على خط منع مرور الشاحنات المغربية المحملة بالخضر إلى أوروبا    العلامة التجارية الرائعة في تسويق السيارات المستعملة Auto 24 تفتتح فرعا لها بمدينة الجديدة    ماذا يحدث لجسم الإنسان حال الإفراط في تناول الكافيين؟    وزارة الصحة تعلن حالة وفاة ب"كوفيد"    الحج 2024: خمسة آلاف طبيب يقدمون الرعاية الصحية للحجاج عبر 183 منشأة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما يجمع المغرب وإسبانيا كبير وما يفرقهما عميق
نشر في لكم يوم 29 - 05 - 2021

قراءة في تقارير المعهد الملكي الإسباني ألكانو َAlcano[i]
ذات يوم من سنة 2004 تحدث الراحل العربي المساري في محاضرة بإحدى مراكز جامعة غرناطة أمام جمهور في معظمه إسباني، اعتقد بمركز دراسات السلم والصراعات ( Instituto de la Paz y los Conflitos ) عن العلاقات المغربية الإسبانية. وبعدما عدد الأخطاء الكثيرة التي تقترفها إسبانيا في حق المغرب والتي غالبا ما تفتقر للبيداغوجيا، قال ما معناه " أن تتخلل علاقة الجوار مشاكسات وتوترات من الفينة والأخرى، فذاك أمر طبيعي بين الجيران، مضيفا أن المغرب لا مشكل له مع الصين البعيدة جدا، ولكن من الطبيعي ان تكون له مشاكل مع إسبانيا". ومن الأخطاء ذات الطابع البيداغوجي ذكر الراحل بحادثة مثيرة ومضحكة في نفس الان. " ذات مرة ترأس الوفد الإسباني المكلف بالمفاوضات مع المغرب في ملف الصيد البحري، شخص كان يدعى Matamoros ويعنى هذا الاسم "اقتل المسلمين"، فاهتزت القاعة ضحكا من العبث الديبلوماسي الفاقد للبيداغوجيا.
لكن هذا الجوار الحميمي أحيانا الممزوج بعبق المصاهرة والصداقة والأصول العائلية المشتركة بين ضفتي المتوسط، بالخصوص بين شمال المغرب وجنوب إسبانيا لا نجد له تأثيرا في نخب البلدين الحاكمة مما يحرم البلدين من الاستفادة من هذا الإمكان التاريخي المركب والذي يمكن اعتباره طاقة كامنة لاتزال غير مستثمرة لتعزيز التعاون بين البلدين.
وبالرغم من كل التعثرات التي تعرفها العلاقات المغربية الإسبانية، فإن المبادلات التجارية بين البلدين قد عرفت تقدما فاق تلك التي تربطنا بفرنسا، إذ أصبحت إسبانيا تحتل المرتبة الأولى كزبون وكمورد منذ 2012 بالنسبة لمجمل المبادلات التي تربط المغرب بباقي بلدان العالم. وبذلك يتعزز التجاور والتاريخ بالاقتصاد. لكن لهذا التاريخ إرث ثقيل من حيث الفهم الخاطئ لكلينا ومن حيث استمرار احتلال أجزاء استراتيجية من التراب المغربي. هذا الميراث أصاب العقل العميق الإسباني الحاكم بل وحتى المخيال الجمعي بقصر النظر وضبابيته في علاقته بالمغرب والمغاربة. هذه الضبابية نجدها أيضا في المتخيل المغربي تجاه الإسبان. لقد كان المؤرخ محمد حكيم بنعزوز يردد كثيرا مقارنا المغاربة والإسبان، قائلا "إن المغاربة عبارة عن إسبان مسلمين، والإسبان عبارة عن مغاربة مسيحيين". أي إننا نشترك في أشياء كثيرة على المستوى الإنساني في كل تجلياته السلوكية والنفسية والاجتماعية…وقد يفسر هذا التقارب في التفكير هذه السريالية الديبلوماسية الأخيرة للبلدين. بل والأدهى من كل هذا أن النخب لكلا البلدين تجهل تماما المجتمعين الاسباني والمغربي. فكيف لجارين لا تفصلهما إلى بضع كيلومترات أن يكونا على هذا الوضع؟
المغرب وإسبانيا شريكان أساسيان وضروريان لبعضهما البعض كما تؤكد على ذلك تقارير المعهد الملكي الكانو Real Instituto Elcano. لكن هذه الشراكة حتى تضمن لها شروط الاستدامة حسب نفس المعهد، لابد وأن يفتح باب الحوار في القضايا الشائكة التي تنغص التعاون بين البلدين. وتتمثل هذه الملفات الخلافية أساسا في وضعية المدينتين المحتلتين وموقف الجار من الوحدة الترابية للمغرب بالنسبة لأقاليمه الجنوبية. ومن ضمن ما يوصي به معهد الكانو في هاذين التقريرين ان تجدد اسبانيا سياستها الخارجية مع المغرب بشكل استراتيجي، لأن هذا المغرب بطريقة او بأخرى له علاقة بالأهداف الستة للدولة الإسبانية المتمثلة في اندماجها الأوربي، والديمقراطية المتقدمة، والأمن، و تنافسية اقتصادها وتأثيرها في محيطها… وان من مصلحة المجتمع الإسباني أن يصبح المغرب فضاء مستجلبا للاستثمار وحاضنا للتنمية المشتركة. ولهذا من الضروري استثمار هذا الرصيد المشترك بين البلدين وتعزيز الروابط بين المجتمعين بتقوية الاتصال بين المؤسسات وفتح الحوار المرن والنقدي حول القضايا العالقة.
إن التعاون بين إسبانيا والمغرب وبالرغم مما عرفه من تقدم يبقى دون مستوى ما يتيحه الإمكان المشترك بين البلدين الجارين وما يتمتعان به من فرص التكامل. المغرب بوابة أفريقيا وإسبانيا بوابة أوربا. إنها قوة اجيوستراتيجية هائلة لو استثمرت بشكل محكم لجعلت منهما معا قوة اقتصادية وسياسية في خدمة المواطن بالقارتين، وفتحت آفاقا اوسع لمشكل المدينتين اللتين تشكلان عبء مركبا للجارة حسب ما يستشف من التقريرين الذين أنجزهما معهد الكانو والذي ستفصل أشكاله في هذه الورقة.
سبتة ومليلية: تحديات مدينتين محتلتين
إذا كان موقف المغرب والمغاربة ثابتا من حيث مغربية المدينتين فإن المطالبة بعودتها لحوزة الوطن لا تشكل أولوية وإن كانت دائمة الحضور ومصدرا من مصادر التوتر المتكرر في العلاقة بين الجارين. هذه الحالة تعود لأسباب سياسية وتنموية تضعف الموقف المغربي في المطالبة باسترجاعهما. ولنكن صرحاء، فحل وضعية هاذين الثغرين لن يمر عن طريق التفاوض السلمي بين البلدين وانخراط السكان بشكل مباشر في ذلك. ما عدا ذلك، فإن أمر استرجاعهما يصبح في عداد المستحيل. ماذا يمكن أن يقدم المغرب لمغاربة سبتة ومليلية الذين معظمهم أصبح يعتبر نفسه إسبانيا مسلما مع التفاوت التنموي الكبير بين البلدين من حيث الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والحريات الفردية. فأرضية أية مفاوضة بشأن مستقبل المدينتين هي في ملعب المغرب. عندما يصبح الفارق التنموي بين "لاكوستا ديل الصول" و"تمودا باي" منعدما بل ومتفاوتا لصالح المغرب، أنداك ستصبح مسألة استرجاعهما تحصيل حاصل وفتح الحوار حولهما معقولا وواقعيا.
ومع ذلك والحالة هذه، فإن سبتة ومليلية تعيشان تدهورا اقتصاديا واجتماعيا كبيرا وتشكلان عبء ثقيلا على الدولة الاسبانية مما يخلق تحديات حالية ومخاطر مستقبلية قد تهدد استقرار أوربا وليس إسبانيا فحسب. إذ تعتمد المدينتين اقتصاديا على الدعم المالي الهائل للدولة، وعلى نظام ضريبي خاص يعتمد على الإعفاء. كما أن تجارة التهريب بجميع أنواعه والتي كانت تعرف "ازدهارا" قبل ان يقرر المغرب إغلاق المعبرين لبابي سبتة ومليلية، قد خلقت بيئة حاضنة لكل انواع الجرائم ذات الطبيعة الحكامتية والمالية والاقتصادية والسوسيوبيئية…ألخ. وقد ازدادت هذه الحالة الشاذة تعقيدا مع الوضع الخاص بالمدينتين اللتين لا تنتميان للاتحاد الجمركي الأوربي. علاوة على مشاكل ذات الصلة بموضوعي البنية الديمغرافية وما يترتب عنها من تمييز سافر على أساس الدين الإسلامي والإثنية العربية، والهجرة. وهو ما يؤدي إلى إضعاف الرابط الاجتماعي بالمدينتين والذي يتجلى بين الفينة والأخرى بنشوب أحداث بين المواطنين في بعض الأحياء الهامشية وإن كانت بوتيرة بطيئة ولكنها تنذر بمستقبل مظلم للرابط الاجتماعي هناك.
يمكن إجمال هذه التحديات كما صنفها معهد الكانو في أربعة أصناف: تحديات اقتصادية بالاعتماد على التهريب والامتيازات الضريبية ومساعدة الدولة؛ تحديات ديمغرافية بالتنوع الديني والإثني مع حضور كبير للمواطنين ذوي الأصول المغربية المسلمة؛ تحديات أمنية مع تغلغل التطرف الإسلامي لدى السبتيين والمليليين؛ وتحديات اجتماعية تتجلى في عدم "الانسجام" الديمغرافي والهشاشة والإقصاء للمواطنين ذوي الأصول المغربية مقارنة بذوي الأصول الإيبيرية.
التحدي الاقتصادي
تطلبت الاستدامة الاقتصادية لسبتة ومليلية حتى الآن نظامًا ضريبيًا خاصًا مع تخفيضات ضريبية كبيرة، وعبئًا ثقيلًا على الإنفاق العام، وبالخصوص مع عدم عضويتهما في الاتحاد الجمركي الأوربي. هذا العنصر الأخير هو الذي له تأثير أكبر من زاوية العلاقات الثنائية بين البلدين، لأنه يسمح للمدينتين بالاستيراد بتعريفات أقل من تلك الخاصة بالمجموعة الأوروبية وبيع هذه المنتجات للمواطنين المغاربة للإتجار فيها بشكل غير قانوني في المغرب، حيث يتم إعادة بيعها بمكاسب هامشية. وله أيضا تأثير اقتصادي على الناتج المحلي الإجمالي، وعلى تحصيل الضرائب، وعلى الشغل بالمدينتين.
وعلى الرغم من عدم وجود بيانات موثوقة حول "التجارة غير النمطية"، فقد ثبت أنها تمثل جزءًا مهمًا من النشاط الاقتصادي لسبتة ومليلية، والتي أصبحت تشكل أسلوب حياة بالنسبة لفئات واسعة من السكان المغاربة المحيطين بالثغرين. وهو ما شكل بالنسبة للمغرب منذ الثمانينات كلفة عالية مؤكدة من حيث خسارة الإيرادات الجمركية والضرائب غير المباشرة. وتبقى هذه الوضعية غير معروفة بدقة في غياب أي تقييم للأوضاع هناك مما يجعل من المستحيل التخطيط لبدائل أخرى عما هو ممارس حاليا.
وقد استشعر معهد الكانو منذ 2015 التحولات التنموية التي يعرفها المغرب بمنطقته الشمالية قد تشكل ارتجاجا في التوازن الهش للثغرين. وتحسب بما قد يكون لتقدم التكامل التجاري الأوروبي المغربي من آثار سلبية كبيرة عليهما، وأيضا ما قد يشكله أي ضغط متزايد من طرف المغرب. وهو ما تعيشه المدينتين منذ أكتوبر 2019 بعد قرار إغلاق المعبرين من لدن السلطات المغربية.
وتجدر الإشارة إلى أن كلفة توفير الغذاء والماء للمدينتين يشكل مشكلة أكبر من تلك المتعلقة بإيقاف تجارة التهريب، نظرا لبعدهما عن شبه الجزيرة الإيبيرية. إذ أن مصدر جزء غير يسير من الماء يأتي من المناطق المجاورة، بليونش بالنسبة لسبتة وبني نصر وفرخانة وبني شيكر بالنسبة لمليلية. رغم ما بذل من المجهودات في تنويع مصادره من تحلية ماء البحر وإرساء بنية تحتية لتجميع الماء حتى يضمن سد حاجيات المدينتين المتزايدة.
إن حكومتي المدينتين المحتلتين تعتبر عدم اندماجها الاقتصادي في الاتحاد الأوربي يشكل عائقا كبيرا أمام نموها ولذلك فإنها لا تترك فرصة دون أن تضغط فيها على الحكومة المركزية للمطالبة بذلك لدى الاتحاد الأوربي، كما أن المغرب أيضا يعارض ذلك ويمارس كل ضغطه لعدم تحقق هذا المبتغى اعتبارا منه للوضع الاستعماري الذي ترزح تحته المدينتين.
المغرب مطالب بالبقاء حريصا على الا يتم اندماج سبتة ومليلية في الاتحاد الجمركي الأوربي، وألا يشملا بمقتضيات اتفاق الأوطان OTAN كما هو الحال حاليا والذي بموجبه تحمى المدينتين عسكريا في حالة حدوث هجوم ما عليهما. إن هاذان الوضعان يعنيان أن امر المدينتين لايزال غير محسوم أوربيا ولادوليا وعلى المغرب أن يتهيأ عن طريق تعزيز الديمقراطية والتنمية تؤهله لذلك. إن الاستمرار في عدم الاندماج الاقتصادي لسبتة ومليلية في الاتحاد الأوروبي له آثار جيواقتصادية وجيوسياسية بالنسبة للمغرب وجب العمل على استغلالها جيدا.
التحدي الاجتماعي الديموغرافي: قلق حقيقي للإسبان
يشكل التحول الديموغرافي للثغرين مصدر قلق حقيقي للإسبان ويعتبر ذي أولوية مقارنة بتحدي الهجرة. لأنه يغير التوازن السياسي والاجتماعي للسكان. إذ تخضع الساكنة لتغيرات ديموغرافية بسبب الزيادة في نسبة السكان من أصل مغربي. وذلك نظرا لنمو معدلات الزواج والولادات وسط هؤلاء، والتي تعتبر الأعلى في إسبانيا. مع تسجيل أن معدلات منخفضة بالنسبة للزواج المختلط. إذ تفوق نسبة الزواج بالمدينتين (5،6 بسبتة و 4،3 بمليلية) المعدل الوطني الذي لا يتعدى 3،5 زواج لكل 1000 مواطن (2011). تحمل 75 بالمائة من الولادات بمليلية من والدين لهما الجنسية الإسبانية أسماء مغربية مقابل 70 بالمائة سنة 2007. ويقول تقريرا الكانو إن حجم الساكنة ذات الأصل المغربي غير معروف لأنه لم يسبق أن تم نشر تقارير بصدده، معتبرة أن هذه النسبة تقدر بناء على الأسماء المسجلة للولادات.
إذا كانت نسبة الأجانب بالثغرين شبيهة بالمعدل الوطني، 15 بالمائة بمليلية و10% بسبتة، فإن نصفهم ولد بالمغرب، مع تسجيل وثيرة أكبر بمليلية مقارنة بسبتة. وقد سجلت سنة 2013 الساكنة المزدادة بالمغرب 22% مقابل 16% سنة 2006، و10% بسبتة مقابل 7% سنة 2006. وهو ما أصبح يشكل قلقا حقيقيا لإسبانيا خوفا من هذا التحول الديمغرافي بالمدينتين ولذلك وضعت شروط شبه مستحيلة التوفر في سياسة التجمع العائلي.
إن التحول الديمغرافي للمدينتين يطرح تحديات كبرى من قبيل تحدي السلم الاجتماعي لأن البنية الاقتصادية للمدينتين لا تمكن من الاستجابة بما يليق والتزايد السكاني. إذ تعتبر نسبة البطالة (30% بسبتة و32% بمليلية) مرتفعة جدا. وهذا الوضع يمس بشكل مفارق ذوي الأصل المغربي مقارنة بذوي الأصل الإيبيري، لا من حيث الشغل أو السكن إذ يقطنون المنازل والاحياء الأكثر سوءا، ويسجل وسط أطفالهم أكبر نسب الفشل الدراسي حسب معهد الكانو ويعاز هذا الفشل الدراسي وسط الأطفال المغاربة إلى كل الشروط الآنفة مضاف إليها ضعف اللغة الإسبانية لديهم وأمية الآباء.
بدأت تستشعر بعض الآثار لهذا التحول الديمغرافي من قبيل توجس السكان ذوي الأصول الإيبيرية بل وعودة البعض منهم إلى إسبانيا. وقد تتعدد الأسباب منها ندرة المدارس ذات الجودة العالية التي تعرف اكتظاظا كبيرا وندرة فرص الشغل، دون الحديث عن إطار العيش بشكل عام والذي أصبح صعبا. وقد لوحظ ارتفاع عدد شراء المنازل بجنوب إسبانيا من طرف الإيبريين الذين يعملون خلال الأسبوع بالثغرين ليغادروهما في نهاية الأسبوع.
وإذا ما قورن عدد سكان الثغرين بين ما كانت عليه سنة 1986، ازدادت ساكنة سبتة ب 29%، ومليلية ب 60%، مقابل معدل وطني 22%. في الوقت الذي عرفت فيه كل مناطق الحكم الذاتي بشبه الجزيرة الإيبيرية تراجعا من حيث عدد الساكنة سنة 2012، سجلت مليلية ارتفاعا، وسجلت سبتة أقل انخفاض. إن الثغرين يسجلان أعلى كثافة سكانية مع أكبر وأخطر نقص من حيث الموارد.
كيف يتصور معهد الكانو حل معضلة الثغرين؟ على إسبانيا ان تغير سياستها المستريحة تجاه المغرب: وقد شهد شاهد من أهلها :
إن غياب فضاءات للحوار حول المدينتين بين المغرب وإسبانيا لا يخدم توازن المدينتين واستدامتهما، ولا يمكن البلدين من رؤية استشرافية لمستقبل العلاقات. إن السياسة البراغماتية المنتهجة من لدن الجارين وإن ضمنت نوعا من الاستقرار والهدوء في العلاقات ومكنت المدينتين من البقاء على قيد الحياة مقابل شغل في مجمله غير إنساني وخسارة اقتصادية كبيرة للمغرب، لا تعدو أنها سياسة مسكنة لألم جراء مرض عضال ناتج عن وضع المدينتين غير الطبيعي. الإسبان واعون بأن المغرب ماش في اتجاه القطع مع علاقة بالمدينتين شاذة وغير مستدامة. ولذلك هناك التفكير في أقطاب تنموية بالثغرين على أساس التكامل والترابط بين البلدين وليس التعويض والإقصاء كما تؤكد على ذلك الكانو. ويعتبر ذات المعهد أن السياسة الاقتصادية الإسبانية في المدينتين متجاوزة وأنها آيلة للاستنزاف وأنها في حاجة للتجديد وذلك باعتماد مقاربة مبتكرة وأكثر مرونة مدعومة بفهم جيد للوضعية.
دوما وعبر التاريخ كان المغرب هو الحاضنة الحقيقية للثغرين على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وليست إسبانيا لأسباب عديدة أقواها امتدادها الجغرافي للمغرب وبعدها الجغرافي أيضا عن إسبانيا. فمليلية لا مستقبل لها ولا استقلال لها ماديا إلا مع التنمية القوية لمحيطها المغربي ونفس الأمر بالنسبة لسبتة. لذلك يرى المعهد الملكي الكانو أن من مصلحة البلدين بناء نماذج تنموية في المنطقة تعتمد على أقطاب اقتصادية تكاملية وليست تنافسية إقصائية. وأن في مصلحة المجتمعين المغربي والإسباني أن يكون المغرب وإسبانيا بلدين متقدمين وديمقراطيين. بمعنى آخر فمسألة استرجاع المدينتين لا تمر في البدء عبر المفاوضات او استفتاء رأي ساكنتيهما، بل عبر قلب المعادلة التنموية بين البلدين في هذه المناطق بردم الهوة التنموية لفائدة المناطق الشمالية وتعزيز منظومة الحقوق والحريات ولا يتأتى ذلك إلا عبر إقلاع حقيقي للمغرب اقتصاديا واجتماعيا والذي يجعل من الإصلاح السياسي مدخله الرئيسي. مع التذكير أن المغرب منذ احتلال سبتة من لدن البرتغاليين ومليلية من طرف المملكة الإسبانية، لم يتوقف عن المطالبة باسترجاعهما وأن الغارات لاسترجاعهما كانت دائمة بين 1497 و1860 سنة نهاية حرب تطوان. وقد تواترت غارات القبائل المجاورة لاسترجاعهما بالخصوص خلال القرن التاسع عشر عندما استشعر المغاربة الحضور الإسباني الذي بدأ يتقوى بعدما لم تكن تعرهما أي اهتمام من قبل. ولم يصبح لهما دورا بالنسبة لإسبانيا إلا مع الاستعمار الإسباني للمغرب. إذ لعبت سبتة دور الخلفية العسكرية والميناء الرئيسي للمستعمر، ومليلية القاعدة الاقتصادية التي تمر عبرها الموارد الطبيعية المغربية بالخصوص الموارد المعدنية لمنطقة الريف وغيرها من الموارد.
إن على اسبانيا أن تغير صيغة " وسادة المصالح" («colchón de intereses» ) على حد تعبير الكانو التي لا تزال تهيمن على جزء كبير من التفكير الاستراتيجي الإسباني تجاه جاره المغرب والذي أصبح ضيقا عاجزا عن التكيف مع الواقع المركب. فالمغرب وإسبانيا شهدا تحولات كبيرة كما هو الشأن بالنسبة لسياقهما الجهوي والدولي. ان صيغة " وسادة المصالح" كمفهوم أصبحت متجاوزة نظرا لأنها لم تعد قادرة على تدبير تنوع أشكال الترابطات والاعتماد البيني في العلاقات الثنائية. فالواقع الجديد يحتاج لأدبيات جديدة يؤكد معهد الكانو عماده التكامل وليس التسابق، والتلاقي عوض الصراع… إن التنمية الاقتصادية للمغرب وتحديثه سوف تكون لها انعكاسات إيجابية على اسبانيا والعلاقات الثنائية بين البلدين.
28 ماي 2021
[i] Ce papier est le fruit de lecture de deux rapports du Real Instituto Elcano, le premier sur les relations Espagne-Maroc publié en 2015 sur le lien : http://www.realinstitutoelcano.org/wps/wcm/connect/88904c804aafc38788f08e207baccc4c/Informe-Elcano-19-Relaciones-Espana-Marruecos.pdf?MOD=AJPERES&CACHEID=88904c804aafc38788f08e207baccc4c Relaciones España – Marruecos/2015/rap 19, et le second sur l'Espagne en relation avec le sud de la méditerranée et le Sahel, sur le lien : http://www.realinstitutoelcano.org/wps/wcm/connect/349a5b80467ff303b17db7bdae0ed545/InformeElcano18_Espana_mirando_al_sur_mediterraneo_sahel.pdf?MOD=AJPERES&CACHEID=349a5b80467ff303b17db7bdae0ed545


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.