مجلس النواب .. جلسة عمومية لمناقشة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    مشاركة مجلس النواب في اجتماع مجموعة العمل البرلمانية رفيعة المستوى للتكنولوجيا والابتكار والتحول الرقمي التابعة للبرلمان العربي    حصيلة نصف الولاية الحكومية: تناقضات وأسئلة عالقة    توقيف الدعم المباشر عن بعض الأسر يستدعي لقجع لاجتماع عاجل بالبرلمان    بركة يغلق باب اللجنة التنفيذية بوجه المتابعين ويعتمد "الكاستينغ" لاختيار البروفيلات    اعتقالات وإصابات في حق طلاب أمريكيين رافضين للعدوان الإسرائيلي بغزة    آبل تعتزم إجراء تكامل بين تطبيقي التقويم و التذكيرات    رغم الهزيمة.. حكيمي ضمن التشكيلة المثالية لنصف نهائي أبطال أوروبا    تسرب الوقود من سفينة بميناء سبتة كاد يتسبب في كارثة بيئية    إطلاق طلب عروض لمشروع جديد للمكتب الوطني للمطارات    إلقاء القبض على إعلامية مشهورة وإيداعها السجن    اللجنة العلمية لكورونا تخرج عن صمتها بشأن أضرار أسترزينيكا وترمي الكرة بملعب الحكومة    ارتفاع أسعار النفط وسط توقعات بإعادة ملء الاحتياطي الأمريكي    جوهرة بناني تحتفظ بلقبها: انتصار ملفت في رالي عائشة للغزالات    بذور مقاومة للجفاف تزرع الأمل في المغرب رغم انتشارها المحدود    الداخلية تكشف موعد إجراء انتخابات جزئية ببنسليمان وسيدي سليمان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة        مسؤولة في يونيسكو تشيد بزليج المغرب    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" يعلن عن أسماء الفائزات والفائزين بجائزة "الشاعر محمد الجيدي" الإقليمية في الشعر    الرئيس الكولومبي يعلن قطع العلاقات مع إسرائيل    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين أكادير والرباط    السجن لبارون مخدرات مغربي مقيم بشكل غير قانوني بإسبانيا    نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش    الاتحاد الفرنسي لكرة القدم يصدر قرارا مثيرا للجدل تجاه اللاعبين المسلمين بمنع ارتداء سراويل داخلية تغطي الركبة    قمة "نارية" بين حامل اللقب نهضة بركان ومتزعم البطولة الجيش الملكي في دور السدس عشر    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    السنغال: تفكيك موقع سري للتنقيب عن الذهب شرق البلاد واعتقال 15 أجنبيا    صندوق النقد الدولي يشيد بقدرة الاقتصاد المغربي في مواجهة مختلف الصدمات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    حادثة سير تسلب حياة سيدة في مراكش    منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ترفع توقعاتها للنمو العالمي لعامي 2024 و2025    رونالدو يقود النصر إلى نهائي كأس السعودية لمواجهة غريمه التقليدي الهلال    دورة مدريد لكرة المضرب: الروسي روبليف ي قصي ألكاراس حامل اللقب    هل ستعود أسعار الخضر للإشتعال؟    غضب رسمي أردني من "اعتداء" إسرائيليين على قافلتي مساعدات إلى غزة    نائب رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية: زعماء دول عربية قالوا لي اهلكو "حماس" دمروهم لأننا سندفع الثمن    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    الصين تعتزم إطلاق المسبار القمري "تشانغ آه-6" في 3 ماي    الصين: مصرع 36 شخصا اثر انهيار طريق سريع جنوب البلد    باحث إسرائيلي في الهولوكوست: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية في غزة.. وهناك أدلة كافية قبل أن صدور إدانة المحكمة الدولية    بالفيديو.. تعطل فرامل جرافة يتسبب في اصطدام مروع بسيارة في إقليم الحسيمة    مليلية تودع "أحوري".. الصوت النضالي لحقوق الريفيين بالمدينة المحتلة    اتحاد جدة صيفطو كريم بنزيما لريال مدريد وها علاش    اختفاء رئيس جماعة ينتمي لحزب "الأحرار" بآسفي بعد وضع مذكرة بحث وطنية ضده بسبب "شيكات بدون رصيد"    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    البيرو..إطلاق منصة لتعلم أي لغة إشارة في العالم باستخدام الذكاء الاصطناعي    مدينة طنجة عاصمة عالمية لموسيقى الجاز    «باب الحكمة» بتطوان تصدر «حكاية مشاء» للكاتب محمد لغويبي    آثار جانبية مميتة للقاح "أسترازينيكا".. فما هي أعراض الإصابة؟    أشهر عازف كمان بالمغرب.. المايسترو أحمد هبيشة يغادر إلى دار البقاء    وفاة بول أوستر مؤلف "ثلاثية نيويورك" عن 77 عاما    الأمثال العامية بتطوان... (586)    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجهة نظر: أصولية الدولة
نشر في لكم يوم 12 - 06 - 2013

الخطاب الرسمي يحاول أن يُظْهِرَ المضمون الأصولي المتشدد لبعض الفتاوى التي تُذاع هنا وهناك، على أنه أمر خارج عن إرادة الدولة، ولا مسؤولية لها في إنتاجه، ولا علاقة لها بظهوره وانتشاره وتكريسه.
يحاول الخطاب المذكور أن يوحي إلينا بأن الدولة حسمت تبنيها للحداثة، وأنها هيأت ترسانة من الحلول والأدوات لمحاصرة الأصولية التي يشخصها عدد من الفتاوى، بالاستناد إلى منطلقات المشروع "الديمقراطي الحداثي"، وأن الدولة، بلجوئها إلى تأميم ومغربة وتنظيم الإفتاء ووضعه تحت رئاسة أمير المؤمنين، تكون قد قامت بواجبها على الوجه المأمول وأكدت انتماءها إلى صف الحداثة والانفتاح والاعتدال والتقدم، وأنها، هي نفسها، ضحية لمصدري الفتاوى الأصولية. لكن حالة الفتوى، التي تم نشرها مؤخراً، والصادرة عن الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء (التابعة للمجلس العلمي الأعلى)، تضعنا مباشرة أمام انحياز رسمي سافر إلى الفكر الأصولي. هناك مقاربتان معروفتان، منذ زمن بعيد، لاستنباط حكم المرتد، وقد اختارت الهيأة المقاربة الأصولية المتشددة.
وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، صرح بأن فتوى قتل المرتد هي مجرد رأي، وأن أمير المؤمنين هو من يقرر تطبيق الفتوى من عدمه، والعلماء إنما اعتبروا أن مسؤوليتهم تقتضي "الإبقاء على هذا الاحتياط"، ولكنهم يعون أن المحاكم هي التي تصدر العقوبات وفقاً للقانون، وكل مقتضى في القانون لا يمكن تغييره إلا بقانون جديد، ويبقى لولي الأمر تقدير ما إذا كان السياق يجعل من الردة تهديداً جماعياً لكيان الأمة أو لا.
لكن المشكلة التي تطرحها مثل هذه الفتوى لا تتعلق، بالضرورة، بالخوف من تطبيقها رسمياً في البلاد، فالكثير من الفتاوى يعلم أصحابها، قبل غيرهم، بأنها لن تُطَبَّقَ على كل حال، ولم تصدر في الأصل لكي تطبق، بل تتعلق المشكلة بطبيعة العقل الذي أنتج الفتوى وكيف سمح لنفسه هكذا بتبنيها وتجرأ على تقديم دليل ملموس على أن المؤسسة الرسمية، الموكول إليها أمر الدفاع عن نهج الإسلام المعتدل، تناهض علانية هذا النهج. وزير الأوقاف حاول تبرير صدور الفتوى، واعتبرها مجرد "فتوى احتياطية" لا نلجأ إليها، ربما، في الأحوال العادية، فلا بأس من صدورها، ولكن أمير المؤمنين هو من يقدر توفر أو عدم توفر الظروف غير العادية التي تمَّ الاحتياط لها مسبقا. هذا التبرير يرمي إلى إرضاء جميع الأطراف حتى ولو كانت منطلقاتها متعارضة. بعض الأقلام اعتبرت صنيع هيئة الإفتاء مجرد هفوة، ولو كانت الفتوى قد صدرت عن إسلاميين لاعتُبرت، ربما، إرهاباً فكرياً. ولم تثر هذه الأقلام أي تخوف من لجوء أفراد، تحت تأثير الفتوى، إلى الاعتداء على حياة أو سلامة من يعتبرون أنه ارتد، بدعوى تقاعس الدولة عن النهوض بواجبها وإقامة الحد على المرتد. إذا كان نهج الاعتدال يفرض على مؤسسة من مؤسسات الدولة تقرير قتل كل مسلم يختار تغيير ديانته، فكيف سيكون التشدد يا ترى؟ إن المؤلم، حقاً، هو أن يعرف العالم أننا في المغرب نفتي رسمياً بقتل المسلم الذي يغير دينه، ثم نقول للعالم إننا نحارب التطرف وننتصر لقيم التسامح و "الوسطية" وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالمياً !
في الكثير من الحالات، نكون أمام أكثر من اجتهاد وأمام أكثر من تأويل لنفس النص الديني، ولكن العقل الأصولي يختار التأويل الذي يخدم مصلحته ويطابق رغبته وتحجره الفكري وكسله وتخلفه، فالمشكلة فيه وليست في الإسلام. إن الأصوليين يتجاهلون اجتهادات موجودة أو ممكنة، لها سندها المنطقي وليس فيها تَقَوَُلٌ على الشريعة أو تحميل إياها لأكثر مما تحتمل، ويفضلون الارتماء في أحضان التفسيرات التي تتجاوب مع استعداد نفسي مسبق لديهم.
ففي قضية الردة، اعتمد البعض على الحديث الشريف الذي ورد فيه "من بدَّلَ دينه فاقتلوه". لكن، هناك موقف آخر لاحظ أن هناك شكوكاً تحوم حول مصداقية هذا الحديث وأن القرآن الكريم لا يزكيه، ولهذا اعتبر أن القاعدة العامة هي المقررة في سورة البقرة "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي".
وفي قضية ضرب المرأة، هناك موقف استند إلى قوله تعالى في سورة النساء : "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن" وذلك لتقرير جواز ضرب الزوجة ضرباً غير مبرح؛ بينما استند موقف آخر إلى استهجان النبي، صلى الله عليه وسلم، ضرب المرأة وامتناعه، طوال حياته، عن ضرب أي من الناس – خارج مشاركته في المعارك – وإلى تعدد ورود لفظ الضرب في القرآن الكريم بمعنى المفارقة والسفر والترك، ليقرر - أي هذا الموقف - عدم جواز ضرب المرأة، والسماح للزوج، فقط، بمغادرة بيت الزوجية إذا ما ناله منها ضرر أو سوء.
وفي قضية الولي، هناك موقف استند إلى الحديث الشريف الذي ورد فيه "لا نكاح إلا بولي" لتقرير إجبارية الولاية في عقد الزواج، لكن موقفا آخر (الحنفية) لم يقرر هذه الإجبارية، استنادا إلى ما جاء في سورة البقرة "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف"، وقائمة الأمثلة طويلة...
إذا كانت الدولة – عبر إحدى مؤسساتها الحساسة – قد اختارت، هنا في قضية الردة، أن تركب سبيل المنهج الديني الأصولي - الذي يعتمده الإسلاميون المتشددون لتقرير حق الزوج في ضرب زوجته واشتراط الولي في الزواج، مثلاً – فلأنها تقدر الحاجة إلى استخدام هذا المنهج خدمة لمصلحتها في حالتين اثنتين على الأقل : الأولى هي استخدام المنهج في الدفاع عن الماضي والاستمرارية ولتسويغ نمط السلطة القائم والامتيازات التي يحظى بها مركز القرار؛ والثانية هي استخدام ذات المنهج في إطار المزايدة على الحركات الإسلامية.
بالنسبة إلى الحالة الأولى، يمكن الإشارة هنا إلى "فتوى" وزير الأوقاف، القاضية بأن عقد البيعة عقد روحي وسياسي، بين الشعب والملك، بينما المعروف أن العقد السياسي الوحيد الذي يربط الحاكم بالمحكومين في دولة حديثة هو الدستور، والمفروض أنه أصبح يقوم مقام البيعة، وأن السلطة التأسيسية هي أصل السلطات الأخرى ويعبر عنها بواسطة الاستفتاء؛ و"الفتوى" القاضية بأن المظلة التي تُوضع فوق رأس الملك، خلال حفل الولاء، تشبه الشجرة التي وقعت تحتها المبايعة للرسول الكريم؛ و"الفتوى" التي بمقتضاها قررت خطبة الجمعة الشهيرة، خلال مرحلة الحملة الاستفتائية، أن واجب طاعة ولي الأمر، المُلقى على عاتق كل مسلم، يقتضي التصويت بنعم، بينما الاستفتاء والطاعة لا ينسجمان عقلاً، والتصويت يُبنى، نظرياً، على تأمل محتوى الدستور والحكم عليه بميزان العقل، وأي التزام مسبق بالمباركة يُفْقِدُ الاستفتاء كل معنى؛ و"الفتوى" التي بمقتضاها تَمَّ حذف حرية المعتقد من نص الدستور، بعد إيرادها في المسودة التي تقدمت بها اللجنة المعينة بكاملها من طرف الملك؛ و"الفتوى" التي بمقتضاها يقع اضطهاد المواطنين المغاربة المسلمين الذين يُعْتَقَدُ أنهم ارتضوا تبني المذهب الشيعي بدون أي ذنب ارتكبوه؛ و"الفتوى" التي بمقتضاها جرى منع تدريس الفارسية في إطار محاربة التشيع؛ و"الفتوى" التي بمقتضاها ساق رجال الدرك مدرساً إلى المخفر بناء على شكاية تتهمه بالإلحاد...الخ.
أما المقصود بحالة المزايدة على الحركات الإسلامية فهو الفرضية التي تندفع فيها الدولة، كلما لاحظت أن تلك الحركات تحقق تقدما باسم الدفاع عن الإسلام و"ترفع السقف"، إلى محاربة خصومها بالسلاح ذاته وتعمد، هي الأخرى أيضاً، إلى "رفع السقف". هناك سباق محموم تخوضه الدولة مع الحركات الإسلامية لكي يثبت كل منهما أنه أشد إسلاماً من الآخر. إن الدولة تشعر بأنها مطالبة يومياً بتقديم الدليل على إسلاميتها من خلال شن الكثير من المعارك باسم حماية الأمن الروحي للمغاربة (تصعيد اللهجة ضد جزء كبير من دعاة الحريات الفردية – إنشاء المزيد من المؤسسات والآليات والمناشط الدينية – طرد أجانب بدعوى التبشير – تعميق التوجه الديني التقليدي في التعليم والإعلام..)، ولكن دون التفريط في الأنشطة والفعاليات التي تعتبر أنها تخدم الانفتاح (دعم بعض أنواع السينما والمهرجانات والسياحة والمبادلات والمؤتمرات الدولية..).
إن للدولة المغربية وجهان : أحدهما "أصولي" والآخر "حداثي". يبدو الأمر، من خلال المنطق المجرد، متناقضا، ولكن الدولة تعتبره متكاملاً.
ولهذا، فهي تنطلق من رهان استراتيجي يملي عليها السعي من أجل تحقيق تحالف مع الحداثيين – أو الجزء الأكبر منهم – ضد الإسلاميين وضد نوع خاص من التطرف ودفاعاً عن بعض أوجه الحداثة الاقتصادية والاجتماعية؛ والسعي، في ذات الوقت، إلى تحقيق تحالف مع الإسلاميين – أو جزء منهم – لدعم بنائها الأصولي الداخلي ولاستخلاص نفع سياسي من الأصولية وصد أفكار التقدم والطابع المدني للدولة.
تقترح الدولة، إذن، تحالفاً مع طرف، دفاعاً عن جزء من الحداثة، وتحالفاً مع طرف ثان، ضد الجزء الآخر من الحداثة. ولقد عكس دستور 2011 بعضاً من مشروع هذا التحالف المزدوج الذي تخرج منه الدولة، دائماً، رابحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.