ناريندرا مودي: عقد من الشعبية والاستقطاب السياسي في الهند    كمال عبد اللطيف: التحديث والحداثة ضرورة.. و"جميع الأمور نسبية"    أم كينية تسابق الزمن لإنقاذ ابنها من الإعدام في السعودية    ندوة علمية بمعرض الكتاب تناقش إكراهات وآفاق الشراكة بين الدولة والجمعيات    الزليج ليس مجرد صور.. ثقافة وصناعة وتنظيم "حنطة" وصُناع مَهَرة    احتفال بمناسبة الذكرى 19 للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية بعمالة المضيق الفنيدق    رئاسة النيابة العامة تستعرض جهود تعزيز الثقة والجودة في منظومة العدالة    الحسيمة تحتفل بالذكرى التاسعة عشرة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية    نهضة بركان يختتم تحضيراته لمواجهة الزمالك في غياب هؤلاء    حافظات القرآن من تارودانت يُضفن رونقًا خاصًا على الأبواب المفتوحة للأمن    أطعمة غنية بالحديد تناسب الصيف    الطوزي: النموذج التنموي الجديد طوي والمغرب غير بعيد عن الأزمة العالمية للتمثيلية السياسية    الحسيمة.. تخليد الذكرى 19 لإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية    التعادل السلبي يحسم ذهاب نهائي دوري أبطال إفريقيا بين الترجي والأهلي    وزيرة الثقافة الفرنسية تزور الجناح المغربي بمهرجان كان السينمائي    الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بأكادير تستقبل أطفالا من ضحايا زلزال الحوز    مفتشية الأمن الوطني تتسلم 2447 شكاية    الأمثال العامية بتطوان... (602)    كأس الكونفدرالية الإفريقية (إياب النهائي).. نهضة بركان على بعد خطوة واحدة من تتويج قاري جديد    هلال يدين ضغوط السفير الجزائري على الوفود الداعمة لمغربية الصحراء بكاراكاس    أخنوش يقود الوفد المغربي بمنتدى الماء العالمي بإندونيسيا.. وجائزة الحسن الثاني تخطف الأنظار    حنون تدخل على خط الرئاسيات الجزائرية    فيستي باز والمفارقة الإعلامية    السعودية تطلق حملة دولية لتوعية الحجاج أسابيع قبل انطلاق موسم الحج    مطالب للحكومة بضمان تمدرس الأطفال المتشردين    إحباط تهريب وترويج 62,550 قرص مخدر وضبط ثلاثة مشتبه بهم    هكذا يهدد المغرب هيمنة إسبانيا في هذا المجال    نهائي الكاف.. الموعد والقنوات الناقلة لمباراة إياب نهضة بركان والزمالك    خطاب جلالة الملك محمد السادس في القمة العربية : تصور إستراتيجي جديد للعمل العربي المشترك    زهير الركاني: آليات الوساطة والتحكيم ركائز أساسية في عملية التطوير والتنمية التجارية لتنمية جهتنا و مدينتا    بدء وصول المساعدات إلى غزة عبر الرصيف الأمريكي المؤقت    نائب رئيس الموساد سابقا: حرب غزة بلا هدف ونحن نخسرها بشكل لا لبس فيه واقتصادنا ينهار    فلاحون فرنسيون يهاجمون شاحنات طماطم قادمة من المغرب    مداهمة مستودع بداخله قنينات خمر ولفافات كوكايين بطنجة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    وفاة دركي خلال حادثة سير بطنجة    التصدير يرفع أسعار الخضر بالمغرب ومهني يوضح    البحث عن الهوية في رواية "قناع بلون السماء"    تصفيات كأس العالم.. المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 عاما يفوز برباعية نظيفة على الجزائر ويتأهل للدور الرابع    المغربي مهندس مطار غزة يبرز "لقاءات مع التاريخ" في دعم القضية الفلسطينية    الدورة الأكاديمية "الشعري والسردي" فاس، 23-24 ماي 2024    بسبب سلوكه.. يوفنتوس يقيل مدربه أليغري بعد يومين من تتويجه بكأس إيطاليا    مشروع بأزيد من 24 مليون درهم .. هذه تفاصيل الربط السككي بين طنجة وتطوان    وزير الخارجية الإسباني: رفضنا السماح لسفينة أسلحة متجهة لإسرائيل بالرسو بموانئنا    شفشاون.. الطبخ المغربي فسيفساء أطباق تعكس ثقافة غنية وهوية متعددة    قرار جديد من الفيفا يهم كأس العالم 2030 بالمغرب    الصين: مصرع 3 أشخاص اثر انهيار مصنع للشاي جنوب غرب البلد    فرق كبيرة تطارد نجم المنتخب المغربي    ملتقى الأعمال للهيئة المغربية للمقاولات يبرز فرص التنمية التي يتيحها تنظيم كأس العالم 2030    افتتاح الدورة الثانية عشرة لمهرجان ماطا الذي يحتفي بالفروسية الشعبية بإقليم العرائش    المغرب يسجل 35 إصابة جديدة ب"كوفيد"    كيف يتم تحميص القهوة؟    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً في إطار تحدٍّ مثير للجدل    الأمثال العامية بتطوان... (600)    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سقطة الرئيس قيس سعيد في فخ النظام الجزائري
نشر في لكم يوم 01 - 09 - 2022

لم يكن الاستقبال الرسمي الذي خص به الرئيس التونسي قيس سعيد، ضيفه المفروض رئيس الجمهورية الجزائرية الثانية وزعيم الحركة الانفصالية، المدعو إبراهيم غالي، بمطار قرطاج الدولي، على السجاد الأحمر وهو ينزل من سلم الطائرة التابعة للخطوط الجوية الجزائرية، للمشاركة المفاجئة والمثيرة للجدل وضدا على إرادة اليابان، في القمة الثامنة لمنتدى التعاون الياباني الإفريقي بتونس/ 27 28 غشت الجاري، سوى النقطة التي أفاضت كأس قيس سعيد.
فأخطاء سعيد تراكمت داخليا وخارجيا، آخرها إقدامه على إلحاق بالغ الضرر بعلاقات بلاده مع المغرب، كشف من خلالها للرأي العام التونسي والعربي والإفريقي الدولي إلى أي حد بلغ تغلغل النفوذ الجزائري داخل قصر قرطاج، وإلى أي مدى بات التحكم في الرئيس التونسي وتوجيهه لخدمة الأجنة الجزائرية على حساب المصالح العليا لتونس.
جاءت الأزمة التونسية المغربية أيضا لتزيد من تعميق المشاكل التي يتخبط فيها الرئيس قيس سعيد وصراعه مع شعبه ونخبه السياسية للسيطرة الكاملة على مقاليد الحكم بالبلاد، حين ارتفعت أصوات تونسية تندد وتشجب قرار رئيسهم. من ناحية أخرى فقد أفسدت خطوة الرئيس قيس سعيد أيضا وهو ينفذ المؤامرة الجزائرية أجواء القمة الإفريقية اليابانية، التي كشفت، بالملموس، الدور الجزائري الذي دأبت ممارسته في المنطقة المغاربية والساحة الإفريقية لتحقيق أهدافها الضيقة على حساب مشاريع التنمية والتعاون الإفريقية، وهو ما سينقلب لا محالة على حكام الجزائر، كما حصل مع الدرس الإسباني الذي لم يتعلموا منه.
المتابع للأوضاع بتونس في ظل حكم الرئيس قيس سعيد، والأسلوب الذي اعتمده في تدبير شؤون حكم بلاده، سيدرك لا محالة أن مخرجات حكمه وقراراته السيادية مليئة بالمفاجآت الصادمة غير المتزنة، بالنسبة للشعب التونسي أولا، تجلت في القرارات المتتالية للسيطرة على السلطة وإعادة الحكم الديكتاتوري إلى البلاد، بعد أن حل البرلمان والحكومة معا وأقصى القضاء وألغى الدستور، وأجهز على كل مصوغات الحكم الديمقراطي ثمرة ثورة الياسمين 2011، وعزز خطواته هاته بفرض دستور جديد للبلاد يتمتع فيه بصلاحيات رئاسية واسعة، مما أثار احتجاجات في الشارع التونسي ونخبه السياسية، وأدخل البلاد في معركة مفتوحة تهدد أمنها واستقرارها.
استغل حكام الجزائر الأوضاع السياسية والاقتصادية المتأزمة في تونس، وسعي الرئيس قيس سعيد للانفراد بالحكم، وهو ما ينسجم مع نظام حكمهم، فاشتغلوا بكثافة لتوطيد علاقاتهم به من خلال توالي الزيارات إلى تونس، بغرض احتوائه، وتقديم وعود بالدعم المالي والطاقي والأمني والاستخباراتي واللوجستي لمواجهة خصومه السياسيين وحماية أركان حكمه، ومن تم ممارسة سياسة الإملاءات والتوجيه السياسي. كان المغرب وقتها يراقب عن كتب التحركات الجزائرية بتونس ويعي جيدا هشاشة موقف الرئيس قيس فيما يتعلق بعلاقاته بحكام الجزائر، الذين وظفوا ورقة الحدود بشكل مثير، وتحركات أمنية تحت غطاء سياحي.
المخطط الجزائري ذهب إلى أبعد من ذلك عندما عمل عن سبق إصرار وترصد وتنفيذ، على تسميم العلاقات المغربية التونسية، لاحت أولى بوادرها لما امتنعت تونس عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بشأن تمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة " المينورسو" بالصحراء المغربية، والذي كان بمثابة انحياز سافر للأطروحة الجزائرية، في سابقة بتاريخ الدبلوماسية التونسية، وخروجا عن نهج الحياد الايجابي في تعاطي تونس مع ملف القضية الوطنية. وقد غلب المغرب وقتها منطق ضبط النفس وقطع الطريق أمام أي تصعيد لن يخدم في النهاية سوى من يقف وراء القرار التونسي.
كان منتظرا أيضا، في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة التي تمر بها تونس، أن تزيد الجزائر من ضغطها على الرئيس قيس سعيد، للتنكر لعلاقات الأخوة والتضامن التاريخية مع المغرب، فاستغلت مناسبة انعقاد القمة الثامنة لمنتدى التعاون الياباني الإفريقي، بتونس لتملي على الرئيس قيس سعيد، قرارها بدعوة واستقبال المدعو إبراهيم غالي زعيم حركة انفصالية كرئيس دولة، بالشكل الفلكلوري الغريب التي تابعه العالم، والمخالف للأعراف الدبلوماسية، الأمر الذي دفع المغرب إلى الانتفاض على تصرف الرئيس التونسي وتحميله المسؤولية في الإضرار بالعلاقات بين البلدين، ترتب عنه أيضا اتخاذ قرار عدم المشاركة في القمة الثامنة للتعاون الياباني الإفريقي، والاستدعاء الفوري لسفير المغرب بتونس للتشاور. قرارات حاسمة تعبر عن الغضب الشديد ضد السياسة العدائية الممنهجة لقيس سعيد.
وجب التذكير بالمناسبة أن المغرب ومنذ انزلاق تونس في أزمتها السياسية حرص على عدم التدخل في شؤونها الداخلية، مكتفيا بتقديم ما يلزم من الدعم في إطار روابط الأخوة والتضامن الفعال القائمة بين البلدين الشقيقين، وهو ما تجسد في المبادرتين المغربيتين الطيبتين، حين أوفد جلالة الملك محمد السادس وزيره في الشؤون الخارجية والتعاون إلى تونس حاملا رسالة مودة وتعاون وإخاء إلى الرئيس قيس سعيد شهر يوليوز 2021، وفي نفس الشهر قدم المغرب مساعدات طبية عاجلة إلى تونس على إثر تدهور الوضع الوبائي بهذا البلد المغاربي الشقيق. التذكير بهاتين المبادرتين ليسن من باب المنة على تونس بل فقط استحضارا لسمو التعامل المغربي مع الإخوة التونسيين في السراء والضراء.
الأزمة المغربية التونسية التي تسببت فيها الجزائر، وصل صداها إلى اتحاد المغرب العربي، هذا الصرح العليل منذ سنوات الذي بات مغلوبا على أمره، بعد أن أنهكته المؤامرات المتكررة لأحد أعضائه، فضاع رهان مؤسسيه (مراكش / فبراير 1989) وطموحاتهم، وظل نهج التفرقة وتوالي الخلافات سائدا بين أعضائه. وتحول هذا التكتل المغاربي الاستراتيجي إلى كيان صوري، يترنح بين ماض مأسوف ومستقبل مجهول.
قد تكون الجزائر منتشية بنصرها الظرفي بعدما تمكنت من تحقيق غايتها، حين عملت على التفريق بين المغرب وتونس، لكن هذا الفرح لن يدوم طويلا، فقد تأكد للشعبين المغربي والتونسي بالملموس المؤامرة التي دبرها حكام الجزائر للإيقاع بين البلدين، وحضر كشاهد على الحادث المؤسف العديد من الدول الإفريقية التي عبر زعماؤها في جلسات هذه القمة وأمام الرئيس قيس سعيد وعلى مسامعه دون مراعاة أصول اللباقة واللياقة المعهودة في مثل هذه المناسبات لبلد ورئيس يحتضن مؤتمرا عن استنكارهم لغياب المغرب والظروف المؤسفة التي تم فيها التشويش على قمة إفريقية يابانية كان ينتظر منها الانكباب على قضايا التنمية والتعاون، فإذا بها تقع في شراك خلاف مغربي جزائري تونسي، اضطر معه رئيس وزراء اليابان إلى الغياب بعد تقديم اعتذار دبلوماسي خفيف.
فماذا كسبت تونس من وراء المؤامرة الجزائرية؟ على قيس سعيد أن يعيد قراءة هذا المشهد الدرامي وتقييم نتائج مغامرته. أما شعب تونس فيظل عزيزا شامخا في نظر أشقائه المغاربة.
ما تغافل عنه حكام الجزائر باختلاقهم للأزمة المغربية التونسية، أنهم بصدد التحضير لاحتضان القمة العربية بعاصمتهم شهر نوفمبر القادم. ويبرز هنا سؤال عريض وجب استحضاره: ماذا يحضر حكام الجزائر للقادة العرب من مؤامرات ودسائس لتمرير مخططاتهم التي تثير الفتن والتفرقة؟. لا شك أن رسالة/ مؤامرة القمة الإفريقية اليابانية قد دوت بالعواصم العربية وبالأمانة العامة للجامعة العربية، مفادها أنها قمة على مزاج جزائري وليس قمة مشروع عربي، قمة قائمة على مزيد من التشرذم والتصادم وليست قمة الوحدة والتضامن.
فعلى العرب الالتفات بعد مسؤولية الجزائر في تخريب العلاقات المغربية التونسية، إلى مساعيها لخلق أجواء التوتر بين المغرب وموريتانيا عبر الترويج للعديد من الأخبار الزائفة وافتعال أزمات وهمية بين الرباط ونواكشوط. لا شك في أن قيادتي البلدين، بالرباط ونواكشوط، لهما من الحكمة والتبصر ما يقيهما شر مخططات حكام الجزائر لإشعال نار الفتنة بالمنطقة وإضفاء أجواء الصراع والتطاحن.
‬بعد ‬إفريقيا، ‬ماذا ‬ينتظر ‬القادة ‬العرب ‬في ‬قمتهم ‬بالجزائر؟؟؟
دبلوماسي سابق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.